يتم التحميل...

موعظة بلسان السيد القائد (دام ظلّه الوارف)

ربيع الثاني

إنّ أولى القضايا التي تستحق أن يقف عندها المرء ويتأمل فيها، علاقته بالله سبحانه. فلا بُدّ أنْ يدرك الإنسان أنّ العام الماضي والذي سبقه من الأعوام قد انقضت بأي نحو من الأنحاء، والآن لدينا مرحلة زمنية جديدة، علينا أن نعيد التفكير في علاقتنا بالله سبحانه وتعالى...

عدد الزوار: 43

نور الأسبوع: موعظة بلسان السيد القائد (دام ظلّه الوارف)


إنّ أولى القضايا التي تستحق أن يقف عندها المرء ويتأمل فيها، علاقته بالله سبحانه. فلا بُدّ أنْ يدرك الإنسان أنّ العام الماضي والذي سبقه من الأعوام قد انقضت بأي نحو من الأنحاء، والآن لدينا مرحلة زمنية جديدة، علينا أن نعيد التفكير في علاقتنا بالله سبحانه وتعالى، سواء بالجانب السلبي منها أم الإيجابي، والمراد بالجانب السلبي: الإثم، فالإنسان قد اعتاد ارتكاب بعض الذنوب، لدرجة أنّه أصبح لا يعي خطورتها أو غافلاً عنها، لكنّه ما إن يقف ويتأمّل قليلاً حتى يدرك انعكاساتها على سلوكه، طبعاً لا يخفى أنّ الإنسان في الغالب يحسن الظن بنفسه، ونادراً ما يسيء الظن بها. وهذه هي مشكلة الإنسان، إنّه قد اعتاد أن يبرّر كل سلوك أو كل فعل من أفعاله، لكن مع ذلك ليس الأمر مستعصياً أو مستحيلاً، فالله سبحانه وتعالى سيحتج علينا، كما أنّه سبق وأن أتمّ حجته. لذلك علينا التأمّل بدقة وبإمعان، وسنكتشف ذلك.

إنّ لقلب الإنسان ولروحه ووجدانه باطناً صادقاً معه، فإذا كان ظاهر القلب مخادعاً فباطنه دون شك صادق معه. ففي أحد المواقف كان إمامنا الخميني (قده) يقول: "إنّ باطن قلبي أيضاً لا يحزن من هذا الموضوع" والواقع كذلك، فللقب باطن نادراً ما نلتفت إليه، ولو التفت الإنسان إليه لوجد نفسه مكشوفاً ومفضوحاً أمام نفسه.

فالإنسان قد يعتاد على ارتكاب بعض الآثام مستصغراً ومحتقراً لها. والمطلوب اليوم أن يتأمّل الإنسان في كيفية وضع حد لفعل الموبقات، أي يبدأ بإحصائها وكتابتها.

في العام الماضي أو العام الذي سبقه، وبينما كنت أطالع سيرة أحد الشهداء لفت انتباهي أنّ ذلك الشهيد كان يدوّن ذنوبه التي صدرت منه مساء كل يوم، وقد ورد هذا أيضاً في وصايا علماء الأخلاق وفي بعض الأخبار أيضاً، أي محاولة الإنسان تدوين ذنوبه التي ارتكبها ومحاسبة نفسه كل ليلة. فقد كان الشهيد يقوم بذلك. ألا نستطيع نحن أن نكتب رواية عن أنفسنا ومن ثمّ نعلن عنها، على الأقل بيننا وبين أنفسنا. لقد كتب الشهيد في مذكراته على سبيل المثال: لقد وجدت نفسي هذه الليلة أنّني ارتكبت ذنوباً عديدة في ذلك النهار.

إنّ محاسبة النفس أمر مفيد جداً. على الإنسان أن يحاسب نفسه، ويبدأ بالحد من ذنوبه واحداً تلو الآخر.

والأمر كذلك بالنسبة للجانب الإيجابي من الموضوع، وبرأيي فلتكن البداية من الصلاة وذلك لخطورتها وأهميتها فالاهتمام بها يساهم في تذليل الكثير من العقبات وحلحلة المشاكل والأزمات. ولا بُدّ للإنسان أن يأتي بالصلاة تامّة على أحسن وجه ويكون ملتفتاً خاشعاً فيها، فلا يغفل عمّا يقول وعمّا يدور في خاطره بل لا بُدّ أن ندرك بأنّ هناك من نتحدّث إليه ويستمع إلينا. وقد يسعني القول: إنّ من لم يدرك مفهوم الصلاة أو لم يعِ المراد من هذه الكلمة، لكنّه يدرك أنّه واقف أمام الله سبحانه ويتحدّث إليه، فهو حسبه في القربة إلى الله "الصلاة قربان كلّ تقيّ".

نحن الذين ندرك معنى الصلاة، وندرك تفسيرها، وطالعنا حولها كتباً عديدة، لكن عندما نقف إلى الصلاة نغفل بالمرّة عمّا نقوم به، كما يقول الشاعر (صائب) ولا أتذكر نصّ البيت الشعري الآن لكني أتذكر معناه "أنت تتذكر في الصلاة كل شيء إلّا الله سبحانه، بل لو أضعت شيئاً لعثرت عليه في الصلاة".

فالصلاة أمر حسن، والخشوع أي الالتفات إلى أنّنا نتحدّث إلى مخاطب بداية حسنة، والصلاة في وقتها كذلك، وصلاة الجماعة كذلك، والنوافل كذلك، وهكذا يمكن للمرء أن يوسع قائمة برنامجه اليومية شيئاً فشيئاً. والأمر يتطلّب قليلاً من الهمّة والعزم وسيكون عمر الإنسان حافلاً بهذه الخيرات والبركات إن شاء الله.

فعن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ): "الصلاة من شرائع الدين، وفيها مرضاة الرب عز ّو جل، وهي منهاج الأنبياء، وللمصلي حب الملائكة، وهدى وإيمان، ونور المعرفة، وبركة في الرزق، وراحة للبدن، وكراهة للشيطان، وسلاح على الكافر، وإجابة للدعاء، وقبول للأعمال، وزاد للمؤمن من الدنيا إلى الآخرة، وشفيع بينه وبين ملك الموت، وأنس في قبره، وفراش تحت جنبه، وجواب لمنكر ونكير، وتكون صلاة العبد عند المحشر تاجا على رأسه، ونورا على وجهه، ولباسا على بدنه، وسترا بينه وبين النار، وحجة بينه وبين الرب جل جلاله، ونجاة لبدنه من النار، وجوازا على الصراط، ومفتاحا للجنة، ومهورا لحور العين، وثمنا للجنة. بالصلاة يبلغ العبد إلى الدرجة العليا، لان الصلاة تسبيح وتهليل وتحميد وتكبير وتمجيد وتقديس وقول ودعوة".

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

2012-03-13