يتم التحميل...

إجلاء يهود بني النضير عن المدينة

غزوة بني النضير

أصاب يهود المدينة، الخوف والرعب، طيلة الفترة التي تفصل بين مقتل كعب بن الأشرف، وبين معركة أحد التي جرت في شوال عام 3هـ، ولكن الهزيمة التي حلت بالمسلمين في تلك المعركة، أحيت في نفوس المشركين والمنافقين الأمل من جديد، بتحقيق مطامعهم وأغراضهم، وأزالت من قلوب اليهود الهلع على المصير...

عدد الزوار: 269

أصاب يهود المدينة، الخوف والرعب، طيلة الفترة التي تفصل بين مقتل كعب بن الأشرف، وبين معركة أحد التي جرت في شوال عام 3هـ، ولكن الهزيمة التي حلت بالمسلمين في تلك المعركة، أحيت في نفوس المشركين والمنافقين الأمل من جديد، بتحقيق مطامعهم وأغراضهم، وأزالت من قلوب اليهود الهلع على المصير، ومما ساهم في تبديد هذا الهلع عندهم مقتل أصحاب الرجيع، وبئر معونة، وبذلك لم يدم خوف اليهود طويلا وعادوا إلى أساليب الدس والمكر والخداع، وشرعوا في حشد حصونهم بالسلاح والعتاد للانقضاض على المسلمين ودولتهم، ثم صمموا على قتل النبي صلى الله عليه واله وسلم والغدر به.

تاريخ الغزوة وأسبابها:

أ- تاريخ الغزوة:
يرى المحققون من المؤرخين أن غزوة بني النضير كانت بعد أحد في ربيع الأول من السنة الرابعة من الهجرة، وقد رد ابن القيم على من زعم أن غزوة بني النضير بعد بدر بستة أشهر بقوله: وزعم محمد بن شهاب الزهري أن غزوة بني النضير كانت بعد بدر بستة أشهر، وهذا وَهْم منه، أو غلط عليه، بل الذي لا شك فيه: أنها بعد أُحُدٍ والذي كانت بعد بدر بستة أشهر، هي غزوة بني قينقاع، وقريظة بعد الخندق، وخيبر بعد الحديبية.

وقال ابن العربي: والصحيح أنها بعد أُحُد. وإلى هذا الرأي ذهب ابن كثير.

ب- أسباب الغزوة:
هناك مجموعة من الأسباب حملت النبي صلى الله عليه واله وسلم على غزوة بني النضير وإجلائهم من أهمها:

1- نَقْض بني النضير عهودهم
التي تحتم عليهم ألا يؤووا عدوًا للمسلمين، ولم يكتفوا بهذا النقض، بل أرشدوا الأعداء إلى مواطن الضعف في المدينة.

وقد حصل ذلك في غزوة السويق حيث نذر أبو سفيان بن حرب حين رجع إلى مكة بعد غزوة بدر، نذر ألا يمس رأسه ماء من جنابة حتى يغزو المدينة، فلما خرج في مائتي راكب قاصدًا المدينة قام سيد بني النضير سلام بن مشكم بالوقوف معه وضيافته وأبطن له خبر الناس، ولم تكن مخابرات المدينة غافلة عن ذلك.

2- محاولة اغتيال النبي صلى الله عليه واله وسلم: خرج النبي صلى الله عليه واله وسلم في نفر من أصحابه عن طريق قباء إلى ديار بني النضير يستعينهم في دية القتيلين العامرين اللذين ذهبا ضحية جهل عمرو بن أمية الضمري بجوار رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لهما، وذلك تنفيذا للعهد الذي كان بين النبي صلى الله عليه واله وسلم وبين بني النضير حول أداء الديات، وإقرارًا لما كان يقوم بين بني النضير وبين بني عامر من عقود وأحلاف.

استقبل بنو النضير النبي صلى الله عليه واله وسلم بكثير من البشاشة والكياسة، ثم خلا بعضهم إلى بعض يتشاورون في قتله والغدر به، ويبدو أنهم اتفقوا على إلقاء صخرة عليه صلى الله عليه واله وسلم، من فوق جدار كان يجلس بالقرب منه، ولكن الرسول صلى الله عليه واله وسلم الذي كان برعاية الله وحفظه أدرك مقاصد بني النضير، إذ جاءه الخبر من السماء بما عزموا عليه من شر، فنهض وانطلق بسرعة إلى المدينة، ثم تبعه أصحابه بعد قليل. 1

وعن اعلام الهداية:
تتابعت النكبات على المسلمين حتى بدى للمنافقين وليهود المدينة أن هيبة المسلمين قد ضاعت، وأراد النبي صلى الله عليه وآله بحكمته السياسية أن يحدّد ملامح التصرف الصحيح مع يهود (بني النضير) مبرزاً نواياهم، فاستعان بهم على دفع دية القتيلين. فتلقوه قرب مساكنهم مرحّبين به وبجماعة من المسلمين وهم يضمرون السوء، فطلبوا منه الجلوس ريثما يحققون له طلبه. فجلس مستنداً إلى جدار بيت من بيوتهم فأسرعوا ـ مستغلّين الفرصة ـ لإلقاء حجر عليه وقتله، فهبط الوحي عليه يخبره، فانسلّ من بينهم تاركاً الصحابة معهم، فاضطرب بنو النضير وأمسوا في حيرة من أمرهم وباتوا قلقين بشدة من سوء فعلتهم، وأسرع الصحابة الى النبي صلى الله عليه وآله في المسجد يستطلعون سرّ عودته فقال صلى الله عليه وآله: "همّت اليهود بالغدر بي فأخبرني الله بذلك فقمت".

وبذلك استحلّ الله دماءهم إذ نقضوا عهد الموادعة مع النبي صلى الله عليه وآله وهمّوا بالغدر به فلم يكن لهم إلاّ الجلاء عن المدينة. وتدخّل زعيم النفاق عبد الله بن اُبي وغيره يمنّون بني النضير بعدم الامتثال لأمر النبي صلى الله عليه وآله والثبات له ووعدهم بأ نّه وجماعته سيمدونهم مقابل النبي صلى الله عليه وآله ولن يخذلوهم، وتحصن بنو النضير في حصونهم متمرّدين على أمر النبي صلى الله عليه وآله.

واستخلف النبي صلى الله عليه وآله ابن اُم مكتوم على المدينة حين علم بمساعي المنافقين وخرج لمحاصرة بني النضير واتّبع معهم اسلوباً اضطرّهم إلى التسليم والخروج بما تحمله إبلهم فقط أذلّةً خاسئين.

وغنم المسلمون أموالاً وسلاحاً كثيراً ولكن الرسول صلى الله عليه وآله جمع المسلمين وعرض عليهم رأيه في أن تكون الغنائم للمهاجرين خاصة كي يتحقّق لهم الاستقلال الاقتصادي إلاّ سهل بن حنيف وأبا دجانة وهما من فقراء الأنصار فأعطاهما النبي صلى الله عليه وآله من هذه الغنائم.2


1- انظر: الواقدي 1/365.
2- أعلام الهداية ج1_ بني النضير.

2012-02-14