حال بني النضير مع الرسول الأعظم (ص)
غزوة بني النضير
لقد فرح منافقو المدينة ويهودها بانتكاسة المسلمين في معركة "أحد" كما فرحوا أيضاً بمصرع رجال التبليغ والدعوة، فرحاً بالغاً وباتوا يتحيّنون الفرصة لإثارة القلاقل والفتن في المدينة لإفهام القبائل خارجها بأنه لا توجد أية وحدة سياسيّةٍ وانسجام اجتماعيّ في مركز الاسلام، وعاصمة الحكومة الاسلامية...
عدد الزوار: 257
لقد فرح منافقو المدينة ويهودها بانتكاسة المسلمين في معركة "أحد"
كما فرحوا أيضاً بمصرع رجال التبليغ والدعوة، فرحاً بالغاً وباتوا يتحيّنون
الفرصة لإثارة القلاقل والفتن في المدينة لإفهام القبائل خارجها بأنه لا
توجد أية وحدة سياسيّةٍ وانسجام اجتماعيّ في مركز الاسلام، وعاصمة الحكومة
الاسلامية، وأن في مقدور الأعداء الخارجيين أن يُجهزوا على حكومة الاسلام
الفتية، ويقضوا عليها بسهولة!!
ولكي يقف رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله على نوايا ودخائل يهود بني النضير مشى في جماعة من أصحابه إلى حصنهم.
على أن الهدف الظاهري المعلَن عنه كان هو الاستعانة بهم في دية العامريّين
اللذين قتِلا خطأ على يد "عمرو بن اُميّة"، وذلك بموجب الاتفاقيّة المعقودة
بين رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وبين اليهود وكذا بني عامر وغيرهم
والقاضية بالتعاون معاً في تسديد الدية في مثل هذه الموارد.
فلما وصل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله الى حيث يسكن بنو النضير،
وكلّمهم في أن يعينوه في تلك الدية، رحبوا به ظاهراً، ووعدوا بأن يلبّوا
مطلبه، ثم إنهم خاطبوه قائلين: يا أبا القاسم نعينك على ما احببتَ. ثم دعوه
إلى أن يدخل في بيوتهم، ويقضي يومه فيها، قائلين: قد آن لك أن تزورنا، وأن
تأتينا، إجلس حتى نطعمك، فلم يقبل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله بتلبية
مطلبهم، بل جلس مستنداً الى جدار بيت من بيوتهم واخذ يكلمهم.
ثم إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله احسَّ بشرٍ من ذلك الترحيب الحارّ
الذي قابلته به رجال بني النضير، والذي رافق حركات مشبوهة منهم!!
هذا مضافاً إلى أنه صلّى اللّه عليه وآله شاهدهم وقد خلا بعضهم إلى بعض
يتناجون ويتهامسون الأمر الذي يدعو الى الشك، ويورث سوء الظن!!
وقد كان سوء الظن هذا في محله، فقد قرر سادة يهود - لمّا أتاهم رسول اللّه
صلّى اللّه عليه وآله في رهط قليل من أصحابه - أن يتخلصوا منه باغتياله
والغدر به على حين غفلة منه صلّى اللّه عليه وآله، فانتدبوا أحدهم وهو
"عمرو بن جحاش" لتنفيذ هذه الجريمة، وذلك بأن يعلو على البيت الذي استند
رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله إلى جداره فيلقي عليه صخرة تقتله.
إلا أنّ هذه المؤامرة انكشفت - ولحسن الحظ - قبل تنفيذها، إما من خلال
حركات اُولئك اليهود الخبثاء، المشبوهة، أو بخبر أتى رسول اللّه صلّى اللّه
عليه وآله من السماء، كما يروي ابنُ هشام والواقدي في مؤلفيهما.
فنهض رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله سريعاً، كأنه يريد حاجة، وتوجه من توّه إلى المدينة دون أن يخبر أصحابه الذين أتوا معه، بقصده.
وبقي أصحابه هناك ينتظرون عودته من حاجته دون جدوى.
وندمت يهود على ما صنعت، واضطربت لذلك إضطراباً شديداً، واصابتها حيرة شديدة فيما يجب أن تقوم به.
فمن جهة خشيت أن يكون رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله قد علِم بمؤامرتهم
وتواطئهم، فيقدم على تأديبهم لنقضهم ميثاق التعايش السلميّ، ولتواطئهم
القبيح، ومكرهم السيّئ.
ومن ناحية اُخرى أخذت تفكّر في أن تنتقم من أصحابه الموجودين هنا إن هو
فاتهم، ولكنها خشيت أن يؤدي ذلك إلى مزيد من تأزّم الموقف، وان ينتقم رسول
اللّه صلّى اللّه عليه وآله حينئذ منهم قطعاً ويقيناً.
وفيما هم في هذه الحالة من الاضطراب والتحيّر قرر أصحاب النبيّ صلّى اللّه
عليه وآله العودة إلى المدينة بعد أن يئسوا من رجعته إليهم من حاجته، فلقوا
رجلاً مقبلاً من المدينة فسألوه عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله فقال:
رأيته داخلاً المدينة، فأقبلوا حتى انتهوا اليه صلّى اللّه عليه وآله
وعرفوا بمؤامرة اليهود إذ قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله لهم لما
قالوا: يا رسول اللّه قمت ولم نشعر: "همّت اليهودُ بالغدر بي، فأخبرني
اللّهُ بذلك فقمتُ".
بماذا يجب أن تقابل هذه الجريمة؟
والآن ماذا يجب أن يقوم به رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله تجاه هذه
الزمرة الخائنة المتآمرة؟ تلك الزمرة التي تنعم بما وفّرتها لهم الحكومةُ
الاسلاميةُ من أمن وحرية، ويحافظ جنودُ الاسلام على أنفسهم وأموالهم
وأعراضهم، كما يفعلون الفعل ذاته بالنسبة إلى أنفسهم وأموالهم وأعراضهم على
حد سواء.
تلك الزمرة التي كانت ترى كل آثار النبوة ودلائلها في حياة رسول اللّه صلّى
اللّه عليه وآله وأعماله وأقواله، تماماً على نحو ما قرأت عنه في كتبها
وأسفارها، ولكنها بدل أن تردّ الجميل بالجميل وتقابل الاحسان بالاحسان،
وبدل أن تحسن ضيافته وقد نزلَ عليهم ضيفاً تآمر ت لقتله غيلة وغدراً دونما
خجل ولا حياء!!
ما الذي تقتضيه العدالة في هذا الصعيد وفي هذه الحال؟ وماذا يجب أن يفعل
المرء حتى يمنع من تكرار مثل هذه الحوادث، ويستأصل جذور مثل هذه الجرائم؟
إن الطريق المنطقي هو ما اختاره رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وفعله.
فقد أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله المسلمين بالتهيّؤ لحربهم، والسير
اليهم، ثم دعا محمد بن مسلمة وأمره بأن يذهب إلى بني النضير، ويبلغ
سادتهم، من قِبله رسالة.
فخرج محمد بن مسلمة الأنصاري الاوسي الى بني النضير وقال لسادتهم: إنّ رسول
اللّه صلّى اللّه عليه وآله أرسلني اليكم يقول: "قد نقضتُم العهد الّذي
جعلتُ لكم بما هممتُم به من الغدر بي. اُخرجُوا مِن بلادي فقد أجّلتكُم
عشراً فمن رُئي بعد ذلك ضربتُ عنقه". فأحدثت هذه الرسالة الشديدة اللهجة
والساخنة المضمون انكساراً عجيباً في يهود بني النضير، وأخذوا يتلاومون،
وأخذ يحمّل كل واحد منهم الآخر مسؤولية هذه القضية.
فاقترح عليهم أحد سادتهم أن يعتنقوا الاسلام، ويؤمنوا برسول اللّه صلّى
اللّه عليه وآله، ولكن عنادهم منعهم من القبول بهذا الاقتراح. وعمتهم حالة
يرثى لها من الحيرة، والانقطاع، فقالوا لمبعوث النبيّ صلّى اللّه عليه
وآله: يا محمّد ما كنّا نرى أن يأتي بهذا رجل من الاوس. ويقصدون أنه كان
بيننا وبين الأوس حلف فما بالك تريد حربنا الآن. فقال محمد بن مسلمة:
تغيّرت القلوب.
وقد كان هذا الاجراء متطابقاً مع ما جاء في ميثاق التعايش الذي عقده رسول
اللّه صلّى اللّه عليه وآله مع يهود يثرب ابان دخوله المدينة، وقد وقع عليه
عن يهود بني النضير حيي بن أخطب، وجاء في أحد بنود الميثاق (العهد): "ألا
يعينوا (أي بنو النضير وبنو قريظة وبنو قينقاع) على رسول اللّه صلّى اللّه
عليه وآله ولا على أحد من أصحابه بلسانٍ ولا يدٍ ولا بسلاحٍ ولا بكراعٍ في
السرّ والعلانية لا بليلٍ ولا بنهارٍ واللّه بذلك عليهم شهيد، فان فعلوا
فرسول اللّه في حلٍّ من سفك دمائهم، وسبي ذراريهم، ونسائهم، وأخذِ
أموالهم".
المستشرقون ودموع التماسيح:
لقد أبدى المستشرقون حزنهم وأسفهم لما جرى في هذه القضية، وذرفوا دموع
تماسيح، وأبدوا رقّة وشفقةً أكثر مما تبديه والدة تجاه وليدها، على اليهود
الخونة الناقضين العهد، الناكثين للايمان، واعتبروا الإجراء الذي اتخذه
النبيّ صلّى اللّه عليه وآله بحقهم بعيداً عن روح الانصاف وسنن العدل!!
والحق أن هذه الاعتراضات والانتقادات لا تنبع من منطلق السعي لمعرفة
الحقيقة، لأننا عند مراجعتنا لنص الميثاق الذي أدرجناه للقارئ الكريم نرى
الحقيقة على غير ما يتصورون ويصورون فاننا نعرف أن الجزاء الذي جازى به
رسول اللّه يهود بني النضير هو في الحقيقة أقلّ من الجزاء المنصوص عليه في
ذلك الميثاق بدرجات.
إن هناك اليوم مئات الجرائم والمظالم التي يرتكبها أسياد هؤلاء المستشرقين
في الشرق والغرب دون أن يعترض عليها أي واحد من هؤلاء المستشرقين الرحماء،
أدعياء الدفاع عن حقوق الانسان!!!
أما عندما يقوم رسول الاسلام بتنفيذ عقوبة - هي في الحقيقة - اقل بكثير من
ما هو منصوص عليه في الميثاق بحق زمرة خائنة متآمرةٍ ناقضةٍ للعهد تتعالى
أصواتُ حفنة من الكتاب المدفوعين بأغراض معينة ودوافع خاصة بالاعتراض،
والانتقاد.
دور حزب النفاق أيضاً
كان خطر المنافقين أكبر من خطر اليهود لأن المنافق يطعن من الخلف وتحت غطاء من الصداقة، ويتستر وراء قناع الصحبة والزمالة.
وقد كان رأس هذا الحزب هو "عبد اللّه بن اُبي" و"مالك بن اُبي" و.. و..
ولمّا سمع هؤلاء المنافقون بما يلقاه بنو النضير من رسول اللّه صلّى اللّه
عليه وآله أرسلوا اليهم من يقول لهم: لا تخرجوا من دياركم وأموالكم،
وأقيموا في حصونكم، فان معي ألفين من قومي وغيرهم من العرب، يدخلون معكم
حصنكم فيموتون من آخرهم قبل أن يوصل إليكم وتمدكم بني قريظة ولن يخذلونكم،
ويمدّكم حلفاؤكم من غطفان؟!
ولقد جرأت هذه الوعود بني النضير، فانصرفوا عن فكرة الرضوخ لمطلب النبيّ
صلّى اللّه عليه وآله فأغلقوا أبواب حصونهم، وأعدُّوا عدة الحرب، وعزموا
على أن يقاوموا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله مهما كلّف الثمن، ولا
يسمحوا للمسلمين بأن يسيطروا على بساتينهم وممتلكاتهم دون عوض.
فنصحهم أحد كبرائهم وهو "سلام بن مشكم" وشكك في وعود عبد اللّه بن ابي،
واعتبرها وعوداً جوفاء، وقال: ليس رأي ابن اُبيّ بشيء، فهو واللّه جلاؤُنا
من أرضنا، وذهاب أموالنا، أو سباء ذرارينا مع قتل مقاتلينا.
إلا أن "حيي بن أخطب" أبى إلا محاربة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وحث
الناس على المقاومة والصمود، وأرسل الى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله:
إنا لا نبرح من دارنا وأموالنا فاصنع ما أنت صانع!!
فعرف رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله برسالة "عبد اللّه بن ابي" إلى بني
النضير، ووعوده لهم، فاستخلف ابن اُمّ مكتوم على المدينة، وسار صلّى اللّه
عليه وآله في أصحابه مكبّراً لمحاصرة بني النضير فصلّى صلاة العصر بفضائهم
واستقر في الطريق بين "بني النضير" وبين "بني قريظة" ليقطع بذلك سبيل
الاتصال بين هذين الفريقين، وحاصر بني النضير ست ليال - حسب رواية ابن هشام
- أو خمسة عشر يوماً حسب روايات آخرين، ولكن اليهود تحصنوا منه في الحصون،
وأظهروا المقاومة، والإصرار على الامتناع، فأمر رسول اللّه صلّى اللّه
عليه وآله بقطع النخيل المحيطة بتلك الحصون، وإلقاء النار لييأس اليهود من
البقاء في تلك المنطقة ما دامت بساتينهم اُعدمت، واُفنيت.
فتعالت نداءاتُ اليهود تقول: يا محمّد، قد كنت تنهى عن الفساد، وتعيبه على من صنعهُ، فما بالُ قطع النخل وتحريقها؟!
فرد اللّه تعالى عليهم بقوله: ﴿مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ﴾. الحشر:5.
هذا من جهة ومن جهة اُخرى خذلهم عبد اللّه بن اُبيّ، فلم يأتوهم، كما اعتزلتهم قريظة فلم تعنهم بسلاح ولا رجال.
وقد ذكر القرآن الكريم هذا الخذلان إذ قال تعالى: ﴿أَلَمْ
تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ
كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ
مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِن قُوتِلْتُمْ
لَنَنصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ*لَئِنْ
أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِن قُوتِلُوا لَا يَنصُرُونَهُمْ
وَلَئِن نَّصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا
يُنصَرُونَ*لَأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِم مِّنَ اللَّهِ
ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ*لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا
إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاء جُدُرٍ بَأْسُهُمْ
بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ
بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ﴾. الحشر:11-14.
وقد كشفت الآيات إلى جانب ما ذكر عن نفسية اليهود الجبانة، والتي انهارت
أيضاً بسبب معنويات المسلمين القوية حتى أنهم رغم اجتماعهم وعددهم الكبير
يخافون من مواجهة المسلمين فلا يقاتلونهم إلا من وراء أسوار الحصون، وجدران
القلاع القوية خائفين مذعورين، ومرعوبين، وهم الى جانب كل ذلك يعانون من
اضطراب وقلق وتفرق كلمة في الواقع.
وأخيراً رضخ اليهودُ لمطلب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسألوه أن
يجليهم، ويكفَّ عن دمائهم على أن يكون لهم ما حملت الابل من أموالهم إلا
السلاح والدروع، فرضي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله بذلك.
فاحتملوا من أموالهم أكبر قدرٍ ممكنٍ، حتى أن الرجل منهم يقلع باب بيته فيضعه على ظهر بعيره، ثم يخرب بيته بيديه!!
فخرج جماعة منهم إلى خيبر، وسارت جماعة اُخرى منهم الى الشام.
وقد خرجت تلك الزمرة الذليلة المسكينة وهم يضربون بالدفوف، ويزمّرون
بالمزامير، وقد البسوا نساءهم الثياب الراقية، وحليّ الذهب، مظهرين بذلك
تجلّداً ليغطوا على هزيمتهم، ويروا المسلمين أنهم غير منزعجين من مغادرتهم
تلك الديار!!
مزارع بني النضير تقسَّم بين المهاجرين فقط
إن ما يغنمه جنود الاسلام دون قتال وهو ما يسمى بالفيء يعود أمره الى رسول
اللّه صلّى اللّه عليه وآله خاصة يضعه حيث يشاء ويصرفه فيما يرى من مصالح
الاسلام لقوله تعالى: ﴿مَّا
أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ
وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ
السَّبِيلِ...﴾. الحشر:7.
وقد رأى النبيّ صلّى اللّه عليه وآله أن من الصالح أن يقسم المزارع
والممتلكات التي غنمها من بني النضير على المهاجرين دون الأنصار، لحرمانهم
من ممتلكاتهم وثروتهم في مكة بسبب الهجرة منها الى المدينة، وكانوا في
الحقيقة ضيوفاً على الأنصار طوال هذه المدة، وقد أيّد "سعد بن معاذ" و"سعد
بن عبادة" هذا الرأي، ومن هنا قسَّم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله جميع
تلك المزارع والممتلكات على المهاجرين خاصّة، ولم يصب أحد من الأنصار منها
شيئاً الا رجلان كانا محتاجين هما: "سهل بن حنيف"، و"أبو دجانة"،
الانصاريين وحصل بذلك انفراج في أحوال المسلمين عامة، وأعطى "سعد بن معاذ"
سيف رجلٍ من زعماء بني النضير وكان سيفاً معروفاً.
يقول المقريزي: فلما غنم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله من بني النضير
بعث ثابت بن قيس بن شماس فدعا الانصار كلّها - الاوس والخزرج - فحمد للّه
وأثنى عليه، وذكر الانصار وما صنعوا بالمهاجرين وانزالهم اياهم في منازلهم،
واثرتهم على أنفسهم ثم قال صلّى اللّه عليه وآله: "ان أحببتم قسمتُ بينكم
وبين المهاجرين ما أفاء اللّه عليّ من بني النضير وكان المهاجرون على ما هم
عليه من السكنى في مساكنكم وأموالكم، وان أحببتم أعطيتهم وخرجوا من
دوركم"؟
فقال سعد بن عبادة وسعد بن مُعاذ: رضينا وسلّمنا يا رسول اللّه. فقسّم رسول
اللّه ما أفاء اللّه عليه، على المهاجرين دون الانصار إلا رجلين كانا
محتاجين.. الخ".
وقد وقعت هذه الحادثة في شهر ربيع الأول في السنة الرابعة من الهجرة ونزلت سورة الحشر في هذا الشأن، والتي جاء في مطلعها قوله تعالى: ﴿هُوَ
الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن
دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا وَظَنُّوا
أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ
مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ
يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ
فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ﴾. الحشر:2.
هذا ويعتقد أكثر المؤرخين المسلمين أنه لم يُسفك في هذه الحادثة، أي دم،
ولكن المرحوم الشيخ المفيد يكتب في ارشاده: انه وقع ليلة فتح حصون بني
النضير قتال محدود قتل فيه عشرة من اليهود وكان ذلك هو السبب في فتح تلكم
الحصون.1
وقال المقريزي: وفُقِدَ علي عليه السلام في بعض الليالي فقال النبيّ صلّى
اللّه عليه وآله: انه في بعض شأنكم، فعن قليل جاء برأسِ "عزوك" وقد كمن له
حتى خرج في نفر من اليهود بطلب غرّة من المسلمين وكان شجاعاً رامياً فشدّ
عليه علي عليه السلام، فقتله وفرّ اليهود.2
1- سيد المرسلين ج2_210_218.
2- امتاع الاسماع: ج 1 ص 180.