الصفات الذاتية للآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر
الأمر والنهي
الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر مسؤولية كبيرة وتكليف شاق، لاَنّه ليس مجرد ألفاظ تردّد أو كلام يقال، وليس مجرد أمر ونهي، وإنّما هو اصلاح وتغيير للمحتوى الداخلي للاِنسان، وصياغة جديدة للاَفكار والعواطف والسلوك.
عدد الزوار: 163
الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر مسؤولية كبيرة وتكليف شاق، لاَنّه ليس مجرد ألفاظ تردّد أو كلام يقال، وليس مجرد أمر ونهي، وإنّما هو اصلاح وتغيير للمحتوى الداخلي للاِنسان، وصياغة جديدة للاَفكار والعواطف والسلوك.
ولهذا فلابدّ ان يتّصف الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر بخصائص وصفات متميزة، تؤهلهم لخوض غمار المسؤولية إلى نهاية الشوط في تغيير ذهنية المجتمع إلى ذهنية اسلامية، وتغيير سلوكه إلى سلوك اسلامي.
وبما إنّ الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو تكليف شرعي فيجب أن يكون المكلّف ـ في جميع أحواله وفي جميع مراحل المسؤولية ـ مخلصاً لله تعالى، وان يتوكل عليه، ويستمد العون والنصرة منه وحده، وان يستخدم الاساليب المشروعة في ادائه للتكليف والمسؤولية، وان يكون متفائلاً بالنجاح، وان يندفع ذاتياً للعمل لا ينتظر أجراً ولا جزاءً بشرياً من أحدٍ، وإنّما أجره على الله تعالى.
الخصائص والصفات الذاتية
أولاً: العلم والمعرفة
من أهم الخصائص والصفات أن يكون الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر عالماً بقواعد وأسس المنهج الاِسلامي، ليصلح ويغيّر على ضوئها، والحد الاَدنى من العلم أن يكون مطّلعاً اطلاعاً إجمالياً على اُصول العقيدة الاِسلامية، واُصول العقائد السائدة في المجتمع، وان يكون على علم بالاحكام الشرعية التي تصنّف إلى: معروف ومنكر، وتصنّف أيضاً إلى: واجب ومستحب، وحرام ومكروه، ومباح، والحد الاَدنى أن يكون على علم بمسائل يبتلي بها أفراد المجتمع. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر إلاّ من كان فيه ثلاث:... عالماً بما يأمر به عالماً بما ينهى عنه. وقال الاِمام الصادق عليه السلام: "إياك وخصلتين ففيهما هلك من هلك: إيّاك أن تفتي الناس برأيك أو تدين بما لا تعلم"1. وينبغي أن يطّلع المكلّف على السيرة النبوية وسيرة أهل البيت عليهم السلام وسيرة المصلحين، ليكون أكثر خبرة في أداء العمل.
وأن يكون على معرفة بأحوال المجتمع وخصائص أفراده من حيث أفكارهم وعواطفهم وممارساتهم العملية، وأن يكون مطّلعاً على الاَحداث والمواقف ليتخذ الاُسلوب الانجح في حركته الاِصلاحية، وأن يكون قادراً على تشخيص ما ينبغي أن يعمله تبعاً للظروف من حيث اللين والشدّة، أو الحيطة والحذر، أو الاسراع والتأني. وأن يكون مطّلعاً على الفوارق الطبيعية بين بلدٍ وآخر، أو قوم وآخرين. وعدم المعرفة بالاوضاع الاجتماعية والفردية، أو بعدم استخدام الاُسلوب الاَنجح، أو عدم الاطّلاع على أساسيات المفاهيم والقيم الاِسلامية، قد تؤدي إلى نتائج عكسية ومنها النفور من الاِسلام أو من الداعين له. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من عمل على غير علم كان ما يفسد أكثر ممّا يصلح". وقال الاِمام جعفر الصادق عليه السلام: "العامل على غير بصيرة كالسائر على غير الطريق لا يزيده سرعة السير إلاّ بعداً"
ثانياً: القدوة
إن لم يكن الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر قدوة لغيره فإنّ عمله لايثمر، ولا يستطيع أن ينفذ إلى القلوب لتتبناه الجوارح في ممارسات عملية، فالناس ينظرون إلى شخصية من يريد اصلاحهم وتغييرهم ومدى تجسيده للمفاهيم والقيم التي يدعوهم إلى التمسك بها، ومقدار ابتعاده عن النواهي التي يدعو للانتهاء عنها.
ثالثاً: الشجاعة
إنّ مواجهة الناس ومواجهة الاحداث والمواقف لتغييرها بالاِسلام بحاجة إلى الشجاعة والاقدام، لاَنّ الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر والداعي له سيصطدم بشهوات البعض، وبالضعف النفسي لهم، ويصطدم بالجاهلين الذين يحسبون أنهم يحسنون صنعاً، ويصطدم بالمنحرفين الذين يبغضون الصلاح والسمو الروحي والسلوكي، ويصطدم بمخططات ومؤامرات أعداء الاِسلام أو التيارات الفكرية المنحرفة التي لا يروق لها انتشار مبادئ الاِسلام في المجتمع، ويصطدم بالقوى الشريرة التي تقابله بالاذى والتكذيب والاستهزاء، ويصطدم بالمثبطين له عن الانطلاق في التكليف أو الاستمرار به. ولذا فهو بحاجة إلى أن يتسلح بالشجاعة وان تكون احدى خصائصه وصفاته، لينطلق دون خوف أو وجل أو تردد أو تراجع.
رابعاً: الاِيثار
للايثار دور كبير في خلق الاجواء الروحية والنفسية لنمو حركة الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فالناس ستنشدّ عواطفهم ومشاعرهم للمتصفين بهذه الصفة، وهذا الانشداد يمكن استثماره للتأثير على أفكارهم ومواقفهم العملية.
خامساً: الزهد
الزهد في أموال الناس وممتلكاتهم، والزهد الذاتي في الحياة الدنيا، يساعد على زرع ثقة الناس بالآمر بالمعروف والناهي عن المنكر، فيشعرون بانه لا يرجو دنياً ولا جاهاً في قيامه وتبنّيه لحركة الاصلاح والتغيير، وإنّما يعمل لذات المسؤولية تقرباً إلى الله تعالى. وبالزهد يكتسب محبة الناس. 2
1- الكافي 1: 43.
2- كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر / مركز الرسالة للتحقيق _ الفصل الثالث.