زواج العباس عليه السلام
العباس تضحية ووفاء
تزوّج أمير المؤمنين عليه السّلام من فاطمة ابنة حزام العامرية، إمّا بعد وفاة الصديقة سيّدة النّساء عليها السّلام كما يراه بعضُ المؤرّخين، أو بعد أنْ تزوّج باُمامة بنت زينب بنت رسول اللّه صلّى الله عليه وآله كما يراه البعضُ الآخر.
عدد الزوار: 311
تزوّج أمير المؤمنين عليه السّلام من فاطمة ابنة حزام العامرية، إمّا بعد وفاة الصديقة سيّدة النّساء عليها السّلام كما يراه بعضُ المؤرّخين، أو بعد أنْ تزوّج باُمامة بنت زينب بنت رسول اللّه صلّى الله عليه وآله كما يراه البعضُ الآخر. وهذا بعد وفاة الزهراء عليها السّلام ; لأنّ اللّه قد حرّم النّساء على عليٍّ عليه السّلام ما دامت فاطمةُ عليها السّلام موجودة.
فولدت أربعة بنين وأنجبت بهم : العبّاس وعبد اللّه، وجعفر وعثمان، وعاشت بعده مدّة طويلة ولم تتزوّج من غيره، كما أنّ اُمامة وأسماء بنت عُميس وليلى النّهشلية لم يخرجنَ إلى أحد بعده، وهذه الحرائر الأربع تُوفي عنهنّ سيّد الوصيين عليهما السلام.
وقد خطب المغيرة بن نوفل اُمامة، ثُمّ خطبها أبو الهياج بن أبي سفيان بن الحارث، فامتنعت، وروت حديثاً عن علي عليه السّلام : أنّ أزواج النّبيصلّى الله عليه وآله والوصيّ عليه السّلام لا يتزوّجنَ بعده ، فلم يتزوّجنَ الحرائرُ واُمّهات الأولاد عملاً بالرواية.
وكانت اُمّ البنين من النّساء الفاضلات العارفات بحقّ أهل البيت عليهم السّلام، مُخلصة في ولائهم، مُمحّضة في مودّتهم، ولها عندهم الجاه الوجيه والمحلّ الرفيع، وقد زارتها زينب الكبرى بعد وصولها المدينة تُعزّيها بأولادها الأربعة، كما كانت تزورها أيّام العيد.
وبلغ من عظمها ومعرفتها وتبصّرها بمقام أهل البيت عليهم السّلام، أنّها لمّا اُدخلت على أمير المؤمنين عليه السّلام، وكان الحسنان عليهما السّلام مريضين، أخذت تُلاطف القول معهما، وتُلقي إليهما من طيب الكلام ما يأخذ بمجامع القلوب، وما برحت على ذلك تُحسن السّيرة معهما وتخضع لهما كالاُمّ الحنون.
ولا بِدعَ في ذلك ، فإنّها ضجيعة شخص الإيمان، قد استضاءت بأنواره، وربت في روضة أزهاره، واستفادت من معارفه، وتأدّبت بآدابه، وتخلّقت بأخلاقه.
الولادة
لقد أشرق الكون بمولد قمر بني هاشم يوم بزوغ نوره من اُفق المجد العلوي، مُرتضعاً ثدي البسالة، مُتربّياً في حِجر الخلافة، وقد ضربت فيه الإمامةُ بعرقٍ نابضٍ، فترعرع ومزيجُ روحه الشهامة والإباء، والنّزوع عن الدَّنايا، وما شُوهد مُشتدّاً بشبيبته الغضة إلاّ وملء إهابه إيمانٌ ثابت، وحشوُ ردائه حلم راجح، ولبّ ناضج، وعلم ناجع.
فلم يزل يقتصّ أثر السّبط الشهيد عليه السّلام الذي خُلق لأجله، وكُوّن لأنْ يكون ردءاً له في صفات الفضل ومخائل الرفعة، وملامح الشجاعة والسّؤدد والخطر. فإنْ خطى سلام اللّه عليه فإلى الشرف، وإنْ قال فعَن الهُدى والرشاد، وإنْ رمق فإلى الحقِّ، وإنْ مال فعَن الباطل، وإنْ ترفّع فعَن الضيم، وإنْ تهالك فدون الدِّين.
فكان أبو الفضل جامع الفضل والمثل الأعلى للعبقرية ; لأنّه كان يستفيد بلجِّ هاتيك المآثر من شمسِ فَلَكِ الإمامة ( حسينُ العلمِ والبأسِ والصلاحِ )، فكان هو وأخوه الشهيد عليهما السّلام من مصاديق قوله تعالى في التأويل : ( وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا. فلم يسبقه بقولٍ استفاده منه، ولا بعملٍ أتبعه فيه، ولا بنفسيَّةٍ هي ظلّ نفسيَّته، ولا بمنقبة هي شعاع نوره الأقدس المُنطبع في مرآة غرائزه الصقيلة.
وقد تابع إمامه في كُلّ أطواره حتّى في بروز هيكله القدسي إلى عالم الوجود، فكان مولد الإمام السّبط عليه السّلام في ثالث شعبان، وظهور أبي الفضل العبّاس إلى عالم الشهود في الرابع منه سنة ستٍّ وعشرين من الهجرة.
وممّا لا شكّ فيه أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام لمّا اُحضر أمامه ولدُهُ المحبوبُ ليُقيم عليه مراسيم السُّنّة النّبويّة التي تُقام عند الولادة، ونظر إلى هذا الولد الجديد الذي كان يتحرّى البناء على اُمّه أنْ تكون من أشجع بيوتات العرب ; ليكون ولدها ردءاً لأخيه السّبط الشهيد يوم تحيط به عصب الضلال، شاهد بواسع علم الإمامة ما يجري عليه من الفادح الجَلل، فكان بطبع الحال يُطبّق على كُلِّ عضو يُشاهده مصيبةً سوف تجري عليه، يُقلّب كفّيه اللذين سيُقطعان في نُصرة حُجّة وقته، فتهمل عيونُهُ،
ويُبصر صدرَه عيبةَ العلم واليقين، فيُشاهده منبتاً لسهام الأعداء، فتتصاعد زفرتُهُ، وينظر إلى رأسه المُطهّر فلا يعزب عنه أنّه سوف يُقرع بعمد الحديد ، فتثور عاطفتُهُ وترتفعُ عقيرتُه، كما لا يُبارح فاكرته حينما يراه يسقي أخاه الماء ما يكون غداً من تفانيه في سقاية كريمات النّبوّة، ويحمل إليهنّ الماء على عطشه المرمض، وينفض الماء حيث يذكر عطش أخيه عليه السّلام ، تهالكاً في المواساة، ومبالغة في المفادات، وإخلاصاً في الاُخوّة، فيتنفس الصعداء، ويُكثر من قول : مالي وليزيد !. وعلى هذا فقس كُلَّ كارثةٍ يُقدّر سوف تلمّ به وتجري عليه.
فكان هذا الولد العزيز على أبويه وحامّته، كُلّما سرّ أباه اعتدالُ خلقتِهِ، أو ملامح الخير فيه، أو سمة البسالة عليه، أو شارة السّعادة منه، ساءه ما يُشاهده هنالك من مصائب يتحمّلها، أو فادحٍ ينوء به ، من جُرحٍ دامٍ، وعطشٍ مُجهدٍ، وبلاءٍ مُكرب. وهذه قضايا طبيعيّة تشتدّ عليها الحالة في مثل هاتيك الموارد، ممّن يحمل أقلّ شيء من الرّقّة على أقلّ إنسان، فكيف بأمير المؤمنين عليه السّلام الذي هو أعطف النّاس على البشر عامّة من الأب الرؤوف، وأرقّ عليهم من الاُمّ الحنون !
إذاً فكيف به في مثل هذا الإنسان الكامل (أبي الفضل) الذي لا يقف أحدٌ على مدى فضله، كما ينحسر البيان عن تحديد مظلوميّته واضطهاده.
وذكر صاحب كتاب ( قمر بني هاشم ) ص21 : إنّ اُمّ البنين رأت أمير المؤمنين عليه السّلام في بعض الأيّام أجلس أبا الفضل عليه السّلام على فخذه، وشمّر عن ساعديه، وقبَّلهما وبكى، فأدهشها الحال ; لأنّها لم تكنْ تعهد صبيّاً بتلك الشمائل العلويّة ينظر إليه أبوه ويبكي من دون سبب ظاهر، ولمّا أوقفها أمير المؤمنين عليه السّلام على غامض القضاء، وما يجري على يديه من القطع في نصرة الحسين عليه السّلام، بكت وأعولت، وشاركها مَن في الدار في الزفرة والحسرة، غير أنّ سيّد الأوصياء عليه السّلام بشّرها بمكانة ولدها العزيز عند اللّه جلّ شأنه، وما حباه عن يديه بجناحين يطير بهما مع الملائكة في الجنّة، كما جعل ذلك لجعفر بن أبي طالب، فقامت تحمل بشرى الأبد، والسّعادة الخالدة 1.
1-الخصائص العبّاسيّة / محمّد إبراهيم الكلباسي النجفي ص 230_233.
2011-12-02