يتم التحميل...

المثل التاسع عشر والعشرون

الأمثال في القرآن

يقول الله تعالى في الآية 24 من سورة هود: مَثَلُ الفَرِيْقَيْنِ كالأعْمَى والأَصَمّ والبَصِيْرِ وَالسَّميعِ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثلا أفلا تَذَكَّرُونَ. يقارن الله العظيم في هذا المثل بين الكافرين والمؤمنين، ويشبِّه أحد الفريقين بالأعمى والأصم والآخر بالبصير والسميع، وذلك لأنَّ الإيمان والتقوى يورثان السمع والبصر،

عدد الزوار: 173


المثل التاسع عشر: الكافر والمؤمن


يقول الله تعالى في الآية 24 من سورة هود: ﴿ مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالأَعْمَى وَالأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ.

يقارن الله العظيم في هذا المثل بين الكافرين والمؤمنين، ويشبِّه أحد الفريقين بالأعمى والأصم والآخر بالبصير والسميع، وذلك لأنَّ الإيمان والتقوى يورثان السمع والبصر، أما اللجاجة والتعصب والكفر فيحجبان عن هذين الموهبتين الربانيتين.

﴿مَثَلُ الفَرِيْقَيْنِ كالأعْمَى والأصمِّ والبَصِيْرِ والسَّمِيع نعت تعالى هنا كلا من الفريقين بصفات فقال: إن الكافر مثل الأعمى والأصمّ، والمؤمن مثل البصير والسميع.

﴿هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلا أفَلاَ تَذَكَّرُونَ والسؤال هنا استنكاري أي أنَّ الفريقين لا يستويان فالأعمى ليس كالبصير والأصم ليس كالسميع; كذلك المؤمن فهو غير الكافر وليس مثله.

المثل العشرون: الذين يدعون من دون الله

يقول الله في الآية 14 من سورة الرعد: ﴿ لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاء لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ.

إنّ آية المثل درست قضية الدعاء والتوسّل، وهي تسعى لتعليم الإنسان إلى مَن يمدّ يده ؟ ثم مثَّلت أولئك الذين يطرقون أبواب المخلوقات دون خالقهم طالبين حاجاتهم بمن بسط يديه إلى الماء....

﴿لَهُ دَعْوَةُ الحَقِّ يختلف المفسرون في المراد من هذه الجملة، فالبعض يرى أنها تعني التوحيد، والتوحيد خاص بذاته تعالى.

ويعتقد بعض آخر أنَّ المراد منها هو القرآن المجيد، فهي تشير إلى هذا الكتاب الإلهي.

وكثير من المفسرين فسَّرها بالدعاء، أي إذا أراد الإنسان أن يستجاب دعاؤه دعى الله خالصاً، فغيره لا يحلّ شيئاً من المشاكل بل الله هو الوحيد القادر على استجابة الدعاء وحل المشاكل.

والشاهد على هذا الرأي (الرأي الثالث) الذي نحن نذهب إليه هو ذيل الآية، حيث تقول: ﴿وَمَا دُعَاءُ الكَافِرينَ إلاّ فِي ضَلاَل.

إنَّ سبب كون دعاء الكافرين في ضلال هو أنَّهم يسألون من لا يقدر حتى على الدفاع عن نفسه، ولا يستطيع كسب منفعة لنفسه فضلا عن نفعه الآخرين.

﴿والّذِيْنَ يَدْعُونَ مِنْ دُوْنِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيء إلاّ كَبَاسِطِ كَفّيْهِ إلى الماءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ إنّ شاهد حديثنا في المثل العشرين هو هذا الجزء من الآية.

إن الذين يدعون غير الله ويقصدون معابد الاصنام ويتوسلون بها لأجل حلّ مشاكلهم، فمشاكلهم سوف لا تُحل. ومثل إنسان كهذا مثل الذي يبسط يده ويمدها ليأخذ الماء ويشرب، وهو لا يستطيع من خلال هذا العمل شرب الماء أبداً.

اختلف المفسرون في تفسير ﴿كَبَاسِطِ كَفّيْهِ إلى المَآءِ... نشير إلى أقوالهم هنا:

1 - المراد منها هو شخص عطشان يريد إرواء عطشه فيقصد بئراً ليس فيه حبل ولا دلو، وعمق البئر كثير جداً، فيبسط هذا الشخص يديه في البئر، لكن يديه لا تمتدان إلى أكثر من متر واحد. ولا شك أنَّ شخصاً مثل هذا سوف لا يبلغ هدفه ولا يروي عطشه.

2 - مراد الآية هو الشخص الذي يقف بجنب البئر ويشير للماء لكي يصعد ويشرب منه. ومن الواضح أن الماء هنا لا يُنال بالاشارة إليه، بل هناك حاجة واقعية لوسيلة ترفعه. نعم، دعاء الكافرين عند معبد الأصنام ضلال، وحالهم حال إنسان كهذا.

3 - إنَّ (باسط) تعني الذي يفتح يديه ولا يحنيهما بحيث يتمكن الاغتراف بهما. فإنَّ هذا الشخص يذهب إلى جنب الماء ويغترف منه بيديه حال كونه فاتح يديه وباسطهما، وهو أمر لا يوفّر له الماء فيضطر للابتعاد عن مصدر الماء، وهو عطشان.

نرى أنَّ التفسير الأوّل هو أنسب الثلاثة، رغم إمكانية القول بأنّ الثلاثة صحيحة وكلها تبيّن مراداً واحداً; وذلك لانَّا نعتقد بامكانية استعمال لفظ واحد في أكثر من معنى واحد.

وعلى ما تقدم علينا - لأجل حل المشاكل - أن لا نطرق غير باب الله، بل نقصد بابه منذ البداية، فهو الخالق والرازق والمحيي والمييت وهو حلاّل المشاكل وكل شيء بيده. اما غيره فلا شيء بيده; لأنّه ما من موجود إلاّ وهو يحتاج إلى الله الغني، فالكل يحتاج إليه فكل شيء عاجز، وهو القادر، وكل شيء ضعيف، وهو القوي والقادر المطلق، فلا يصح الذهاب لا لمعبد الأصنام فحسب بل لكل شيء غير الله،ومن يطلب من غير الله لا يصل الى مبتغاه وسيكون في ضلال كالكافرين . 1

1- الأمثال في القرأن / مكارم الشيرازي_المثل 19_20.

2011-11-04