المثل الثالث والثلاثون: الحياة الدنيا
الأمثال في القرآن
يقول الله تعالى في الآيات 45 و46 من سورة الكهف: وَاضرِبْ لَهُم مَّثَلَ الحَيَاةِ الدُّنيَا كَمَاء أَنَزلنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاختَلَطَ بِهِ نَباتُ الأَرْضِ فَأصبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِيَاحُ وَكَانَ اللهُ عَلَى كُلِّ شَيء مُقْتَدِراً * المَالُ وَالبَنُونَ زِينَةُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالبَاقيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ أَمَل
عدد الزوار: 362
يقول الله تعالى في الآيات 45 و46 من سورة الكهف: ﴿ وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِرًا * الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا ﴾.
شبَّه الله تعالى الحياة الدنيا في هذا المثل بماء الغيث. الخصوصية البارزة لهذا الماء أنَّه يضفي طراوة ونشاطاً على الزرع والنباتات مدّة أيام، لكن هذه الطراوة والنشاط تنتهي بحلول فصل الخريف، أي فصل الموت المؤقت للنباتات، وينتهي به شوط قصير من حياة النباتات. وهذا الشوط تحذير في الحقيقة إلى الانسان الغارق في الحياة الدنيوية بأنَّ حياته سيحلُّ فيها فصل الخريف حيث بداية الموت.
﴿وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الحَياةِ الدُّني﴾.
يخاطب الله بهذه الآية الرسول صلى الله عليه وآله بأن يضرب للناس الغارقين في الدنيا مثلاً على هذه الحياة ويشبّهها بما شببهها.
﴿كَمَاء أنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ﴾.
يسقط هذا الماء على أرجاء الأرض كلها سواء كانت خصبة أو سبخة، لكن الأراضي لم تستفد من هذا الماء بنحو واحد، فقد يكون هذا الماء سبباً للحياة في جزء وقد يكون سبباً للعذاب الإلهي في جزء آخر.
﴿فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأرْضِ﴾.
عندما يسقط هذا الماء على الأراضي الخصبة يضفي عليها حياة وطراوة ونشاطاً وافراً، فتنبت من جراء ذلك نباتات مختلفة ومتنوّعة، كلٌّ منها تكشف عن قدرة الخالق، وتتشكل بذلك مناظر طبيعية خلابة ومحيّرة للعقول في فصلي الربيع والصيف، وتحرّض كل صاحب بصيرة لتمجيد الخالق وتحسينه.
﴿فَأصبَحَ هَشيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ﴾.
لكن عمر الطراوة والنشاط، الذي منحه الماء للنباتات وجمَّل الارض، قصير; لأنّه بعد أيام حيث يحلُّ فصل الخريف والشتاء ويتبدَّل الخضار إلى صفار والنشاط إلى خمول وموت، وعندما تهبُّ الرياح حاملة معها رسالة الموت الظاهري للطبيعة تتساقط أوراق الأشجار التي كانت تجمّل الطبيعة وتجعلها خضراء خلابة، وبعدما ترقص في الهواء للحظات تقع على الأرض لتُدفن في باطنها.
﴿وَكَانَ اللهُ عَلى كُلِّ شىء مُقتدِرَ﴾.
بالطبع، هذه التحولات والتغييرات التي تطرأ على الانسان وجميع الموجودات في العالم تحتاج إلى قدرة الله من حيث الوجود والبقاء، فهي فقيرة إلى قدرته تعالى، أمَّا ذات الحق فقادرة ومستطيعة دائماً، ولا يؤثّر فيها مرور الزمان وتحوّلات الفصول والمناخات وغير ذلك، بل الله بقدرته أوجد هذه التحوّلات، وكل شيء يتغيّر إلاَّ ذاته الطاهرة. نعم، الله قادر على كل شيء.
﴿المَالُ والبَنُونَ زِينَةُ الحَيَاةِ الدُّنْيَ﴾.
البنون كالمال بمثابة رأس مال في الحياة الدنيا، كما هو حال النباتات ففي برهة من الزمن تُعدُّ سبباً لجمال الأرض ويتباهى بها الانسان أحياناً، لكنها ممَّا لا ينبغي الوثوق بها، ولا ممَّا تسبب إنقاذ الانسان ونجاته في الدنيا وفي الآخرة.
﴿والبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ ربِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ أَمَل﴾.
الرصيد الذي يمكن الاعتماد عليه والذي يُعد ذخراً حَسَناً عند الله تعالى هو الأعمال الصالحة الباقية التي عبَّر عنها الله في هذه الآية بالباقيات الصالحات.نعم، الأعمال الصالحة والقيم الثابتة تعدُّ رصيداً يعتمد عليه، فهي ذات صبغة خالدة ولا خريف فيها ولا موت .1
1- الأمثال في القران / مكارم الشيرازي _المثل 33.
2012-08-22