يتم التحميل...

نظام الحكومة في عصر الغيبة

أبحاث في الولاية

عندما أسس النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم دولة الإسلام الأولى في المدينة كان المجتمع الإسلامي صغيراً في تعداد أفراده وفي مساحته فكان النبي صلى الله عليه وسلم يتولى إدارة هذا التجمع بشكل مباشر، وعندما اتسعت رقعة بلاد الإسلام ودخل الناس في دين اللَّه أفواجاً...

عدد الزوار: 92

إدارة الولي الفقيه للدولة
عندما أسس النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم دولة الإسلام الأولى في المدينة كان المجتمع الإسلامي صغيراً في تعداد أفراده وفي مساحته، فكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يتولى إدارة هذا التجمع بشكل مباشر، وعندما اتسعت رقعة بلاد الإسلام ودخل الناس في دين اللَّه أفواجاً ابتدأ النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالاعتماد على وكلاء عنه يرسلهم إلى أطراف الدولة على رأس القوى المسلحة وهم الذين عرفوا باسم الولاة. وهكذا سارت حياة المسلمين بعد وفاة النبي فكانت طريقة إدارة الدولة تعتمد على الولاة فنجد في سيرة الإمام علي عليه السلام أنه أرسل ولاة له على الأمصار كمالك الأشتر حيث ولاه على مصر...

وفي العصر الحديث ونتيجة عوامل متعددة أصبحت البلاد والدول تدار عبر نظام محدد تتوزع فيه السلطات بنحو يضمن السلامة الإجتماعية فأصبحت البلاد تدار عبر الوزارات والمجالس الوزارية وإذا كان هذا النظام هو المعتمد، يأتي السؤال عن علاقة الولي الفقيه بالدولة وكيفية النظام الذي يعتمده لإدارة الدولة. إننا ولأجل الإجابة عن هذا السؤال نقف أمام فرضين:

الفرض الأول: أن يتمكن الفقيه من إقامة الحكومة والدولة بنحو يكون له فيها الأمر والنهي.

الفرض الثاني: أن لا يتمكن الفقيه من إقامة الدولة، أو أنه إذا تمكن من ذلك في بلد ما فما هو حكم البلاد الأخرى التي لا تخضع لنظام حكومة الولي الفقيه.

الولي الفقيه مصدر السلطة
أما الفرض الأول:
ومثال ذلك في عصرنا الجمهورية الإسلامية المباركة في إيران حيث أن الحكومة والدولة هي بيد الفقيه وله فيها الأمر والنهي، فما هو النظام الذي يتبع لإدارة الدولة.

تتشكّل الدولة في مفهومها الحديث من سلطات ثلاث هي
1- السلطة التشريعية:
أي مجلس النواب، وهذه السلطة في الدولة الإسلامية تمتاز عن سائر الدول في أنها لا تمتلك صلاحية التشريع المطلق بل هي محكومة لأحكام الإسلام وتشريعاته، ولا يحق لأحد أن يبتدع حكماً يخالف فيه أحكام الشريعة الإسلامية، ولذا تكون وظيفة السلطة التشريعية ترسيم خطوط إدارة البلاد ضمن الإطار الشرعي الذي يحدده الولي الفقيه - ولو ضمن آليات ومجالس معينة -، فالولي الفقيه يمضي القوانين التي يصدرها مجلس النواب وهي لا تملك شرعيتها إلا بذلك.

2- السلطة التنفيذية: هي عبارة عن الإدارة التي تتولى إدارة الدولة بشكل مباشر وهو ما يسمى بمجلس الوزراء، وطريقة تعيين السلطة التنفيذية سواء كان عبر الإنتخاب من قبل الناس أو التعيين من قبل رئيس الجمهورية أو غير ذلك، لا تملك سلطتها الشرعية إلا من خلال الولي الفقيه لأنه هو الذي بيده شؤون إدارة الدولة والولاية إنما أعطيت له من قبل الإمام المعصوم عليه السلام.

3- السلطة القضائية: وهي سلطة مستقلة عن سابقتيها، وتعيين القضاة ونصبهم إنما هو للفقيه الولي، فإن القضاء كما ورد في الرواية شعبة من شعب الولاية. وقد كان الإمام عليه السلام يقوم بتعيين القضاة.

إن ما ينبغي الالتفات إليه هنا هو أن هذه الطريقة لإدارة الدولة من قبل الولي الفقيه ليست هي طريقة ملزمة للفقيه بل له إعتماد أي طريقة يراها مناسبة لإدارة الدولة بنحو يحفظ المبادئ الأساسية والأهداف الرئيسية لإقامة الدولة الإسلامية، وذلك لأنه بعد أن أوصلنا الدليل إلى أن الحكم في عصر الغيبة هو للفقيه فتحديد شكل الحكم هو أيضاً له ولم يرد تحديد شرعي لطريقة خاصة يكون الفقيه ملزماً بالعمل على أساسها.

ولاية الفقيه خارج دولته‏
أما الفرض الثاني:
أن لا يتمكن الفقيه من إقامة الدولة، أو ما هو حكم المسلمين الذين لا يعيشون ضمن الدولة التي أقامها الفقيه وكيف تتحدد العلاقة بين الفقيه وهؤلاء.

إن أول ما ينبغي أن نعرفه هنا هو أن ثبوت الولاية للفقيه لا ترتبط إطلاقاً بتمكنه من إقامة الدولة أو عدم تمكنه من ذلك، فكما أن شأن الإمامة والولاية ثابتة للمعصوم عليه السلام حتى مع عدم تمكنه من تولي الأمور كما حدث مع أكثر أئمة أهل البيت عليهم السلام، فإن الولاية التي جعلها الإمام عليه السلام للفقيه لا تتوقف على تمكنه من إقامة الدولة، ولذا فإن لزوم الرجوع إليه والعمل طبق رأيه وامتثال أوامره ونواهيه لازم على جميع المكلفين.

والفقيه كما يمكنه المباشرة في إدارة أمور المسلمين في جميع البلاد، له أن يعتمد طريقة تعيين الولاة في سائر البلاد بنحو يديرون به أمور المسلمين بمقتضى تعيين الولي الفقيه. ومتى قام الفقيه بتعيين أشخاص في المناطق - سواء كانوا أفراداً أو مجالس - حتى تلك التي لا تخضع لنظام حكومة الفقيه سرت الولاية إليهم من الفقيه، فلا يجوز مخالفة أوامرهم في دائرة صلاحياتهم، ودائرة الطاعة لهم تقتصر على الأمور الموكولة إليهم وليس لهم حق الطاعة في خارج دائرة صلاحياتهم.

لزوم طاعة من نصبه الولي الفقيه‏
وقد كفل الإسلام حكومة العدل من خلال ما فرضه من مواصفات لهؤلاء الولاة ففرض فيهم

أ- الكفاءة والأمانة والخبرة: حتى يصل في إدارة الأمور إلى مقصودها الأساسي، دون ظلم لأحد، وقد قال أمير المؤمنين عليه السلام في عهده لمالك الأشتر لما ولاه على مصر: "ثم انظر في أمور عمّالك فاستعملهم اختباراً ولا تولّهم محاباة وأثرة فإنهما جماع من شعب الجور والخيانة"1.

ب- انتخاب الصالحين لإدارة الأمور: كما ورد عنه عليه السلام: "إن للولي خاصة وبطانة فيهم استئثار وتطاول وقلة إنصاف في معاملة فامسك مادة أولئك بقطع أسباب تلك الأحوال عنهم"2.

ج- اعتماد العيون: أي إعتماد طريقة يعرف فيها كيف تتم إدارة الأمور قال الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر: "ثم تفقد أعمالهم وابعث العيون من أهل الصدق والوفاء عليهم، فإنّ‏َ تعاهدك في السر لأمورهم حدوة لهم على إستعمال الأمانة والرفق بالرعية".

مضافاً إلى أمور أخرى يلزم مراعاتها، كعدم التعدي عن صلاحياته، فلا يأمر بما لا شأن له به، والتصرف بحكمة، ومراعاة الدقة في التصرف بأموال الناس، وكذلك الأموال الشرعية.

* دروس في ولاية الفقيه, إعداد ونشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية, ط1, تشرين الأول 2005م, ص 21-26.



1- نهج البلاغة، عند الإمام عليه السلام إلى مالك الأشتر.
2-  نهج البلاغة، عند الإمام عليه السلام إلى مالك الأشتر.

2009-08-03