الموضوع: هجران الحج الابراهيمي - البراءة من المشركين في مؤتمر الحج العظيم
نداء
المخاطب: الشعب المسلم في ايران والعالم وزائروا بيت الله الحرام
عدد الزوار: 45
التاريخ: 16 مرداد 1365. ش/ 1 ذي الحجة 1406. ق
المكان: طهران، جماران
المخاطب: الشعب المسلم في ايران والعالم وزائروا بيت الله الحرام
بسم الله الرحمن الرحيم
" وأذانُ منَ اللهِ ورسولِهِ الى الناسِ يومَ الحجِ الأكبرِ أنَّ اللهَ بريءُ منَ المشركينَ ورسولُهُ " 1 صدق الله العلي العظيم.
الحمد لله وحده لاشريك له الذي علم البشرية بألطافه الغزيرة آداب العيش وأسباب الخلق والهدف منه، وذلك بإنزال الوحي على أنبيائه العظام بدءاً بآدم صفي الله وانتهاءاً بمحمد حبيب الله عليهم صلوات الله وسلامه -. والتحية والسلام للأنبياء أولي العزم نظير - إبراهيم محطم الأوثان وموسى صارع فرعون وعيسى المسيح الذي لو سنحت له الفرصة لقام بما قاموا به، ومحمد المصطفى محطم كافة الأصنام والمتبري من جميع المشركين والظلمة. والسلام الباقي ما بقي الدهر لأئمة المسلمين رواد طريق الجهاد ضد الظالمين المتظاهرين بالاسلام والجبابرة الغاصبين لحقوق الله وحقوق الناس والضالين أصحاب الجباه السود. والسلام على إبراهيم خليل الله الذي انقض بمفرده على الأوثان وعبدتها، ولم تفزعه الوحدة ولاا لنار، وعلى موسى كليم الله الصارخ بوجه الفراعنه بسلاح لا يعدو عن العصا ولم يرعبه افتقاده للأهل والسند. والتحية والسلام على محمد حبيب الله الذي انفرد با لدعوة وقاتل الكفار والظالمين حتى اللحظات الأخيرة من حياته، ولم يتأفف من قلة العدة والعدد. والسلام على مسلمي صدر الاسلام الذين أغاروا على سلاطين الجور في الروم وايران برغم ضآلة الذخيرة الحربية وقله الأنصار والأعوان.
وسلام متتال على علي بن أبي طالب الذي قارع الجلادين المتلبسين بلباس الاسلام والمتظاهرين بالقدسية، فلم يكلّ ولم يهن. والسلام على الحسين بن علي الذي انتفض بوجه غاصبي الخلافة لاقتلاع جذورهم واستئصا ل شأفتهم وقطع دابرهم برغم قلة ناصريه، ولم تجبره بساطة العدة والعدد على التفكير بمدّ يد الصلح للظالم، فجعل كربلاء محطة لقتله وأبنائه وأصحابه المعدودين، وأوصل صرخة "هيهات منا الذلة" الى أسماع طلاب الحقيقة، حيث يعتقد ذوو النزعة الدنيوية والوطنيون بأنّ ما قام به أولياء الله تعالى مخالف للعقل والشرع. لاتحبذ عقولهم النهضة بدون معدات كافية ولا يجيز شرعهم ذلك. وكذلك يعتقد أولئك بأنّ التحرك من دولة الى أخرى ذات حكومة وتنظيمات مخالف للعقل والقومية، ومن ثم مخالف للموازين الالهية والشرعية، وقد كان ومازا ل الصلح والهدنة مع الظلمة والملحدين وكذلك مع المتظاهرين بالاسلام والمرائين ذوي الجباه السود هو طريق الصواب والعقل والشرع. لذا تصبح قضية التسوية مع أمريكا الظالمة وأتباعها واجبة عقلًا وشرعاً، والتخلف عن ذلك يعارض الشرع والعقل. والدفاع عن الشعب العراقي المظلوم الذي يقبع تحت سياط الجلادين حيث تستشهد أفواج من العلماء الأبرار من دون ذنب، ويتعرض النساء والأطفال هناك الى شتى أنواع الظلم والاضطهاد وتضيع حقوقهم فيستغيثون وينادون "ياللمسلمين"، كل ذلك مخالف للعقل والشرع! إنّ هذه النزعة الوطنية والميل للخلود في الأرض عرضا مصالح المسلمين للخطر، وجعلا الدفاع عن المسلمين حكراً على أمة خاصة، فألغي القرآن الكريم وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والائمة المعصومين عليه السلام وسيرة أنبياء الله العظام وأوليائه الكرام على مرّ التاريخ. لقد تحمل الشعب الايراني الغيور تلك الأيام العصيبة لما باغته العدو الغاشم بالهجوم براً وبحراً وجواً فاحتل قسماً واسعاً من أراضيه، وقام المجرمون في الداخل تساندهم القوى الخارجية الكبرى والمرتزقة في البلد بالأعمال التخريبية والقتل والسلب؛ فاستطاع هذا الشعب الأبي دحر العدو وطرده من البلاد بواسطة جيش مبعثر وقوة مسلحة ضئيلة وغير متدربة من خلال توكله على الله تعالى واستناده الى سلاح الايمان، فما ضعف أبناء الشعب وما استكانوا واستقبلواالموت بصدور حرى، ولم يستسلموا الى الصلح مع الأفعى الجريحة، ولم يتكلم عن ذلك سوى عدد ضئيل من ضعاف القلوب أو الخونة وطلاب الدنيا الذين لم يبدوا أي اهتمام بالاسلام ومصالح المسلمين، إنّهم لايعلمون بأنّ الصلح والهدنة مع هؤلاء المجرمين في مختلف الظروف يؤدي الى تعريض مصداقية الاسلام والجمهورية الاسلامية الى الخطر، ويسبب أيضاً وقوع وطننا العزيز في مخالب القوى العظمى.
يتمتع نظام الجمهورية الاسلامية الآن بقوة فائقة بفضل الله تعالى وعناية بقية الله الأعظم - روحي فداه - فلديه جيش قوي وحرس ثوري مؤمن ومستميت وقوات مسلحة مقتدرة وشعب على أهبة الاستعداد أرعب الأعداء في مختلف المجالات، فما معنى الصلح والهدنة المفروضة التي تعد أسوأ من الحرب نفسها؟ من لا يعرف أنّ طلب الأعداء للصلح يأتي في إطار خطة للتأهب والمباغتة؟ فيجب على الجمهورية الاسلامية تجهيز قواتها على طول أكثر من ألف كيلومتر إحترازاً من وقوع ذلك، ومن لايعلم أنّ الصلح مع هذا الحزب يعني الاعتراف رسمياً بالحكومة البعثية وإضفاء الشرعية عليها، وهي تحكم دولة إسلامية بالنار والحديد؟ وعلى من يخفى أنّ هذا الأمر من أعظم الذنوب وأوضح خيانة للمسلمين؟ سوف يواصل شعبنا العزيز وفق التزامه بالاسلام الحرب حتى الشهادة ولقاء الله الذي يعتبر منتهى آمال أولياء الله وأصحاب المعرفة، برغم أنّ الجهال يظنونه فناءاً.
الآن يجب على حجاج بيت الله الحرام وهم يهاجرون الى الله ورسوله والى دار القلب، ولاشيء وراءهم سوى المحبوب الحقيقي، بل لاشيء غيره في الداخل والخارج، يجب عليهم أن يعلموا بأنّ "الحج الإبراهيمي المحمدي" غريب ومهجور منذ سنين طوال، مهجور من الناحية المعنوية والعرفانية ومن الناحية السياسية والاجتماعية أيضاً. ويجب على حجاج كافة الدول الاسلامية إخراج بيت الله الحرام بجميع أبعاده من هذه الغربة، أنيطت مسؤولية الأسرار للعرفانية والمعنوية بأشخاص غير ورعين. ونحن الآن نتعامل مع البعد السياسي والاجتماعي ويجب القول أنّنا بعيدون عن ذلك بعداً جماً. نحن مكلفون بتدارك الماضي. إنّ هذا المؤتمرالزاخر بالسياسة والذي يقام تلبية لدعوة إبراهيم ومحمد صلى الله عليهم - فيجتمع الناس من كل فج عميق إنّما هو لمصالح الناس والقيام بالقسط 2، وتحطيم الأوثان من قبل إبراهيم ومحمد وتحطيم الطاغوت وإزالة فرعون من قبل موسى. وأي وثن يصل الى درجة الشيطان الأكبر والأوثان والطواغيت المستعمرة للعالم التي تدعو كافة المستضعفين الى السجود لهم وتمجيدهم، ويعتبرون جميع عبادالله الأحرار عبيداً مطيعين لهم؟
في فريضة الحج لما تقال كلمة "لبيك" بحق، وتكون الهجرة الى الله تعالى ببركة إبراهيم ومحمد، فإنّ ذلك بمنزلة كلمة "كل" لكافة الأوثان والطواغيت والشياطين. وأي وثن أكبر من الشيطان الأكبر المتمثل بأمريكا المستعمرة وروسيا الملحدة والظالمة، وأي طاغوت أكبر من طواغيت زماننا؟
عند قولكم "لبيك" قولوا "كل" لكافة الأوثان والطواغيت، وعند طواف بيت الله الحرام - مظهر العشق الحقيقي - أفرغوا قلوبكم من كل شيء، وطهروا أرواحكم من خوف غير الباري جل وعلا، والى جانب العشق الحقيقي تبرؤا من الأوثان - كبيرها وصغيره - والطواغيت وأذنابهم كما تبرأ الله ورسوله منهم، وجميع أحرار العالم بريئون من ذلك. وبايعوا الله أثناء لمس "الحجر الًاسود" على أن تكونوا أعداءاً لأعدائه وأعداء رسوله والصلحاء والأحرار، وألا ترضخوا لهم أبداً، ولاتهنوا وتذلوا فإنّ أعداء الله وعلى رأسهم الشيطان الأكبر أذلاء، برغم تفوقهم في آلات القتل والقمع وارتكاب الجرائم.
وعند السعي بين الصفا والمروة إسعوا بإخلاص لإدراك المحبوب، حيث تنقطع بوجوده جميع الموجودات الدنيوية، وتنهار كل الشكوك والالتباس، وتزول كل ألوان الخوف الحيواني، وتنفصم عرى كافة العلائق المادية، وتتفتح الحريات، وتتحطم أغلال الشيطان والطاغوت التي يأسرون بها عبادالله.
وتوجهوا الى المشعر الحرام وعرفات بحالة من الخشوع والعرفان، وازدادوا في كل موقف يقيناً بتحقق الوعد الالهي حول حكومة المستضعفين، وتفكروا في آيات الله بسكون ووقار، وفكروا في إنقاذ المحرومين والمستضعفين من مخالب الاستكبار العالمي، واطلبوا التوفيق من الله تعالى لمعرفة طرق النجاة في تلك المواقف الكريمة.
ثم اذهبوا الى منى واحصلوا على آمالكم المشروعة المتمثلة بالتضحية بالغالي والنفيس من أجل المحبوب المطلق. واعلموا بأنكم لاتبلغون المحبوب المطلق إلا باجتياز ماتصبو إليه أنفسكم، وتتجسد ذروة ذلك في حب النفس ثم يتلوه حب الدنيا، وارجموا الشيطان وأنتم على هذه الحال ليفر مولياً عنكم. وتابعوا رجم الشيطان في الأماكن المختلفة طبقاً للأوامر الالهية كي لاتبقى له ولأتباعه باقية. إنّ شرط كل هذه المناسك والمحطات بغية نيل الأماني الفطرية والآمال الانسانية إجتماع كافة المسلمين فيها ووحدة كلمة تمام طوائف المسلمين بدون الالتفات الى اللغة واللون والقبيلة والعشيرة والدولة والنعرات الطائفية، والصرخة المشتركة بوجه عدونا المشترك عدو الاسلام العزيز الذي تلقى ضربة موجعة من الاسلام في عصرنا الراهن، ويعتبر ذلك رادعاً ووازعاً أمام غزوه، فيريد رفع هذا العائق الملموس من طريقه باثارة الفرقة وبث النفاق. وقد أناطوا تنفيذ هذه الأهداف الخبيثة بعملائهم المأجورين، وعلى رأسهم علماء البلاط الحساد وذوي النزعة الدنيوية الموجودين في كل زمان ومكان، لا سيما في موسم الحج. يجب علي المسلمين في هذه المراسم الالهية والعبادية التي تهدف بدرجة أساس الى تجمع المسلمين من كل بقاع العالم لمصلحة المستضعفين، وأي مصلحة أهم من ردع وطرد المستعمرين من البلدان الاسلامية، يجب عليهم رصد الأعمال المنافية للاسلام والقرآن الصادرة من هؤلأء العلماء الخبثاء المنافقين بكل يقظة وحذر، وطرد من لايأخذ بالنصيحة في الحرص على الاسلام ومصالح المسلمين، فإنّهم أشد وطأة من الطواغيت وأدون من الشياطين. أتطرق الآن الى بعض النقاط المهمة وأسأل الله تعالى أن يوفق الجميع لخدمة الاسلام: أقول لزائري بيت الله الحرام - أيدهم الله تعا لى -: تعلموا أعمال ومناسك الحج بصورة كاملة ودقيقة من علماء الدين المرافقين لقوافلكم، ولاتقدموا علي أي عمل بدون إرشاداتهم، فعسى أن يؤدي تسامحكم الى إبطال عملكم - لاسمح الله - ويشق عليكم تدارك ذلك، أو أن تبقوا على إحرامكم فتسببوا الأذى والإزعاج لكم ولمن حولكم عند العودة، فهذا تكليف شرعي لايجب تجاهله وإغفاله. وأوصي رجا ل الدين الأجلاء بشرح المسائل المتعلقة بالموضوع بصورة وافية ليدركها الجميع فضلًا عن مرافقة الحجيج في أعمالهم لهدايتهم وإرشادهم.
1 - أذكر الزائرين الكرام بالأنس بالقرآن الكريم، تلك الصحيفة الالهية وكتاب الهداية، في كل هذه المواقف الشريفة وطيلة مدة السفر الى مكة المكرمة والمدينة المنورة، فكل ماناله المسلمون في القرون السالفة وما سينالونه في المستقبل يعود الى البركات اللامتناهية لهذا الكتاب المقدس. وأغتنم هذه الفرصة لأطلب من جميع العلماء الاعلام وأبناء القرآن ألا يغفلوا عن هذا الكتاب المقدس الذي أنزل "تبياناً لكلّ شيءً" 3.
فربما يهجر هذا الكتاب السماوي الالهي - والعياذ بالله - وهو يحتوي على جميع الأسماء والصفات والآيات البينات بصورة حسية وخطية، ونعجز عن درك منازله الغيبية، ولايحيط بأسراره سوى الوجود الجامع المقدس أي "مَن خوطبَ بهِ" 4. فأدرك خُلص أولياء الله العظام كنه ذلك ببركة تلك الذات المقدسة وبفضل تعليمه، واستفاد خُلص أهل المعرفة بشعاع منه بقدر استعدادهم ومراتب سيرِهم ببركة المجاهدة والرياضة القلبية، والآن نمتلك نسخه الخطية بعدما نزل على لسان الوحي بدون أي زيادة أو نقيصة في حرف منه، وبرغم تعذر إدراك الأبعاد المختلفة له والتي تتضمن مراحل ومراتب كذلك، فليستفد منه أهل المعرفة والتحقيق بمقدار علمهم وقابليتهم في مجالاته المختلفة ويعلمون للآخرين، وليمحص أهل الفلسفة والبرهان الرموز الخاصة بهذا الكتاب الالهي ويكشفوا براهين الفلسفة الالهية ويضعوها في متناول أيدي أهلها.
وليهدي الأحرار ذوو الآداب القلبية والرقابة الباطنية جرعة مما "أدَّبني رَبّي" للظمآنين الى هذا الكوثر ليتأدبوا بآداب الله قدر المستطاع. وليتحف المتقون المتعطشون للهداية طلاب الهداية الالهية وعشاقها ببريق من نور التقوى من معين "هُدى للمتقينَ" 5 الذي لاينضب. وأخيراً فليشمر العلماء الأعلام عن سواعد الجد ويمسكوا بأقلامهم ويتناولوا بعداً من الأبعاد الالهية لهذا الكتاب المقدس ويحققوا آمال عشاق القرآن، وليقضوا أوقاتهم في الأبعاد السياسية والاجتماعية والاقتصادية والعسكرية والثقافية والحربية والسلمية للقرآن ليتبين أنّ هذا الكتاب منشأ لكل شيء، بدءاً بالعرفان والفسلفة وانتهاءاً بالأدب والسياسة، لكي لايقول الجهلة: ليس العرفان والفلسفة إلا من نسج الخيال، وترويض النفس والسير والسلوك من عمل الدراويش والزهاد البارعين، أو ما للاسلام والسياسة والحكومة وإدارة الدولة؟ فإنّه عمل السلاطين ورؤساء الجمهوريات وأهل الدنيا. أو إنّ الاسلام دين الصلح والسلام وهو بريء من محاربة الظالمين أيضاً. ويفعلون بالقرآن ما فعلته الكنيسة الجاهلة والساسة المتلاعبون بالدين المسيحي.
ألا أيتها الحوزات العلمية والجامعات إنهضوا وخلصوا القرآن من شرالجهال المتنسكين والعلماء المتهتكين الذين يغيرون على القرآن والاسلام عن عمد وقصد. وأنا أقول جاداً ولست مجاملًا أنّني آسف على انقضاء عمري في طريق الجهالة والاشتباه. وأنتم ياأبناء الاسلام البررة أيقظوا الحوزات والجامعات للاهتمام بأمورالقرآن وأبعاده المختلفة. إجعلوا تدريس القرآن في كل فروعه ومجالاته محط نظركم وهدفكم السامي. ربما تندمون وتأسفون في أواخر عمركم - لاقدر الله - على مافاتكم أيام الشباب وذلك بعدما يهجم عليكم ضعف المشيب ككاتب هذه السطور.
3 - يجب أن نعلم أنّ الحكمة تكمن في حفظ هذا الكتاب الخالد والأبدي النازل لهداية البشر بكل أصنافهم وأشكالهم وأينما حلوا ووجدوا من الأقطار الى قيام الساعة لتلك المسائل الحيوية والمهمة سواء من الناحية المعنوية أم من الناحية العملية، فلاتختص مسائل هذا الكتاب بعصر ومكان معين. ولايُظن أنّ قصد إبراهيم وموسى ومحمد - عليهم وعلى آلهم السلام - يتعلق بزمن محدد. صرخة البراءة من المشركين لاتخص زمن معين، فهذا أمر خالد وأبدي، حتى مع انقراض مشركي الحجاز. وليس "قيام الناس" 6 مرتبط بزمن خاص، فالأمر في كل زمان ومكان من ضمن العبادات المهمة اليالأبد في مثل هذا التجمع البشري العام. وهذا مغزى التوصيات المؤكدة من أئمة المسلمين عليه السلام على إقامة عزاء سيد الشهداء الى أبد الآبدين، فصرخة مظلومية آل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على ظلم بني أمية - عليهم لعائن الله - هي صرخة المظلوم على الظالم برغم انقراض بني أمية. ويجب أن تبقى هذه الصرخة خالدة، وبركاتها واضحة للعيان في ايران لدى حربها مع اليزيديين. ويجب على حجاج بيت الله الحرام أن يصرخوا بالبراءة من المشركين والظالمين في هذا الاجتماع العام والجموع البشرية الصاخبة بأعلى أصواتهم ويشدوا على أيدي بعضهم، ولا يضحوا بالمصالح العليا للاسلام والمسلمين المضطهدين مقابل الطائفية والقومية، وليلتفت الأخوان المسلمون الى توحيد الكلمة وترك النعرات الجاهلية ا لتي لاتخذم سوى المستعمرين وأذنابهم، وهذا نصر الله تعالى، وسوف يشملهم الوعد الالهي الحق أكيداً. ولو تبعوا عملاء الاستعمار وعلى رأسهم العلماء المرتزقة مثيروا الفتن - لاقدر الله - فقد ارتكبوا معصية كبيرة وسوف يشملهم غضب الجبار المقتدر، وسيبقون في أغلال القوى العظمى، فيجب عليهم الاستعاذة بالله من ذلك.
4 - أطلب من الزائرين الايرانيين الكرام أن يلتفتوا الى أنّهم من أي دولة يذهبون والى من يتوجهون. إنّهم يذهبون من بلد ثار من أجل الاسلام العزيز ومن أجل إجراء أحكامه النورانية بدل الأحكام ا لطاغوتية، وقد ضحى رجاله ونساؤه وشبابه وكهوله با لغالي والنفيس من أجل ذلك. لقد أمسى شبابهم الأعزاء الملتزمون والحائزون على قيم ربانية نعجز عن إدراكها بين شهيد ومعاق وأسير ومفقود، فهم يمثلون شعب فدى الاسلام بنفسه وبأفلاذ كبده وماله وشرفه. ويقبلون على بلد هو بيت الله وكعبة آمال الأنبياء العظام والأولياء الكرام ومحط الوحي ومهبط جبرائيل الأمين وملائكة الله الصالحين. يقبلون على الله حتى تكون حركتهم وسكونهم ربانية، ويتوجهون الى مذبح إسماعيل العزيز الذي علمنا سنّ القوانين في سبيل الله، ويتوجهون نحو مدينة محمد صلى الله عليه وآله وسلم (يثرب) كي يصبحوا محمديين ويتعلموا كيفية العيش والجهاد والإقبال على المعشوق. توجهوا نحو قبر الرسول الكريم وقبور الًاولياء العظام الذين لم تغرهم الدنيا لحظة واحدة ولم تشغفهم زخارفها وبهارجها، ولم يشغلهم شاغل سوى الباري تعالى وأوامره، ولم يخطوا خطوة إلا برضاه. إذن اعلموا من أين تذهبون والى أين تقصدون. إنّ مهمتكم لشاقة وتكليفكم لعظيم، وإنّ أعمالكم تعرض على أولياء الله وملائكته وتقع في حضور الله تبارك وتعالى فضلًا عن وقوعها أمام أعين آلاف الزائرين الوافدين من الدول الاسلامية ومختلف أقطار العالم، وربما يكون أولئك قد تأثروا بالدعايات المغرضة والواسعة لأعداء الاسلام وايران، حيث قضوا ويقضون جلّ وقتهم بالأكاذيب الملفقة على الاسلام والشعب الايراني ومسؤولي هذه الدولة المظلومة، فتصور وسائل إعلامهم شعبنا الثائر على غير ما هو عليه، فتصدق أغلب الشعوب المسلمة هذه الدعايات أو تعيش حالة من الغموض والالتباس من جراء ذلك.
وكذلك ألفت أنظار حجاجنا الكرام الى أنّ شعبنا العزيز والمعاقين والشهداء الأحياء وعوائلهم ومتعلقيهم يراقبون أعمالكم، فها أنتم وهذه الأمانة الالهية الثقيلة وتكليفكم الاسلامي ووجدانكم وفطرتكم، فإما أن تصبحوا منادين بالحق ودعاة بالقول والفعل للاسلام والجمهورية الاسلامية تقديرا وتكريماً لدماء الشهداء ولشرف الاسلام وشعبكم المظلوم المهضوم حقه، فتشملكم الألطاف الالهية ودعاء بقية الله الًاعظم - أرواحنا لمقدمه الفداء -، وتغرقكم رحمةالباري تعالى، وتنالون خير وثواب الدنيا والآخرة، ناهيك عن حصولكم على الثواب العظيم لزيارة بيت الله الحرام وقبور أوليائه العظام لاسيما رسوله الكريم صلى الله عليه وآله وسلم؛ وإما أن تضحوا جنود إبليس - لاقدر الله - ومروجين لدعايات الأعداء، فتسببون هتك حرمةالاسلام والجمهورية الاسلامية والشهداء الأحياء وكادحي أمتكم، فيرفضونكم ويتبرأون منكم. أنتم الآن - أيها الأعزة - تقفون على مفترق طرق، أحدها يوصل الي السعادةالأبدية وكسب الرضا الالهي والآخر يؤدي الى الشقاء والحرمان الدائم، وآمل أن تكونوا من الصنف الأول ببركة المواقيت 7 والمواقف المباركة 8 ودعاء هذه الأمة المحرومة الذي يرافقكم أينما حللتم، كونوا من الصنف الأول وارفعوا رأس الاسلام والشهداء والمعاقين وأمتكم ووطنكم عالياً، واخذلوا الأعداء وخيبوا آمالهم وسروا الأحباب والأصدقاء. وعلى الرغم من أنكم تعرفون ما ينبغي فعله وما يجب تركه، إلا أني أشير الى النقاط المهمة من ذلك أداءاً للتكليف وإتماماً للحجة:
الف - أبدوا اهتمامكم البالغ بالأخلاق الانسانية والاسلامية الكريمة مع كافة الزائرين من أي فئة كانوا ومن أي دولة أو لغة أو لون، وأظهروا الحلم والجلد والصبر في تعاملكم وتزاوركم في كافة الظروف وكل الأحداث، وتعاملوا بسماحة مع الجميع، وقابلوا الإساءة بالإحسان والفظاظة باللين، وأطيقوا الشدائد من أي شخص صدرت مرضاة لله، وقابلوها ببشاشة ورحابة صدر، فليست تلك المواقف الكريمة والبقاع الشريفة محلًا للنزاع والجدال. إفعلوا ما يبين أنّكم قادمون من بلد الامام الصادق عليه السلام، وإنّ هذه لخدمة جليلة للاسلام والجمهورية الاسلامية وأبناء وطننا العزيز. واعلموا أنكم سوف تشعرون بحلاوة هذا الأمر بعد رجوعكم، بالاضافة الى كسب رضا الله تعالى والنبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم وبقية الله الأعظم - روحي لمقدمة الفداء -.
ب - يجب عليكم اتباع المشرفين على إقامة المسيرات والالتزام بالأوقات والشعارات ونظائر ذلك، والالتزام بالنظم والآداب الاسلامية بصورة لائقة، ولاتسمحوا لأي شخص بإلقاء شعارات تلقائية، فمن المحتمل أن يكون عملاء الاسلام والجمهورية الاسلامية قد تغلغلوا بينكم لإثارة الفتنة والتفرقة وتشويه صورتكم من خلال تحريضكم على الهتاف بشعارات مخالفة للأخلاق والسجايا الاسلامية، فيوجهون بذلك ضربة للإسلام والمذهب، وعلى كل حال يلزم الإصغاء الى أوامر وشعارات ممثلنا سماحة حجة الاسلام الشيخ الكروبي وباقي المتصدين، وإياكم وفعل ما يخالف ذلك.
ج - شراء البضائع المقدمة للحجاج في الحجاز والمتعلقة بأمريكا المخالفة للأهداف الاسلامية والاسلام بالذات يعد إعانة لأعداء الاسلام وترويجاً للباطل، فيجب تجنب ذلك والاحتراز عنه. ليس من الإنصاف أن يضحي فتياننا الأعزاء بأرواحهم في جبهات القتال وأنتم تساعدون مجرمي الحرب بشراءكم هذه ا لبضائع، وتوجهون صفعة للاسلام والجمهورية الاسلامية وشعبكم المظلوم بهذه الأعمال. يمكنكم شراء بعض المستلزمات لكم ولأصدقائكم من ايران نفسها لئلا تحصل إعانة للأعداء بذلك.
لقد أديت ما عليّ وبقي ما عليكم وهو أن لاتسببوا الخزي والعار لشعبكم ووطنكم بإعانتكم الأعداء أثناء زيارة الله ورسوله. هذه بعض التعليمات التي سبق وأن ذكرتها في السنوات السابقة، وأرى من اللازم تكرارها.
4 - - كم هو جيد أن يفكر رؤساء الدول الاسلامية في الأوضاع الراهنة للدول الاسلامية المضطهدة والشعوب المظلومة المتعرضة لتسلط الأجانب وسلب ونهب - الشيطان الأكبر وسائر الشياطين الذين يغيرون على ثرواتهم وهم في حالة من الفقر والإملاق المدقع، وكم هو حسن أن يثوبوا الى رشدهم ويزنوا الأمور بدقة، ويضعوا الخوف والرعب الذي فرضته عليهم القوى العظمى من أجل غض الطرف عن مصالحهم ومصالح سائر المسلمين جانباً، وليحكموا بضمائرهم، ولايجلبوا الخزي والعار لهم ولدولهم أكثر مما هو عليه الآن، ولينظروا الى حكومة وشعب ايران كي يخرجوا أنفسهم من غطرسة كلا القطبين، ويضيئوا ا لعالم بأسره بنور انتصار الثورة الاسلامية والإسلام العزيز وليثوروا من أجل شرف الاسلام وعزة البلاد الاسلامية، وليضحوا بكل ما يملكون في هذا الطريق الذي يمثل طريق الأنبياء الكرام - - عليهم وآلهم السلام - وليوصلوا صرخة "هيهات منا الذلة" الى أسماع العالم برمته. ولو أنّ دول المنطقة لم تمدّ يد العون للخرب العفلقي في العراق الذي يهدف الى محو الاسلام بدرجة أساس، لأمكن قمعه منذ الأشهر الأولى ولتنفس الشعب العراقي العزيز الصعداء، ولعاشت دولة ايران والعراق وكافة دول المنطقة بمحبة وأخاء. والآن يريد اللاعبون المحترفون مواصلة سلطة القرصنة والسلب والنهب بنشاطاتهم التآمرية المختلفة، والحيلولة دون توحد المسلمين خوفاً وهلعاً من الاسلام العظيم الذي وجه لهم صفعة قوية جعلتهم مضطربين، فأطلقوا العنان لعملائهم المعروفين ليقفوا بوجه انصار الإسلام، نظيرالحسن المراكشي 9 الذي ارتكب خيانة لاتغتفر للاسلام والشعوب المسلمة لاسيما الشعب العربي والفلسطيني على وجه الخصوص، وذلك بلقائه "بيريز" 10 ومده يد الصداقة له، وعلى الشعوب المسلمة والعربية التعامل بحزم لقطع يد هذا الخائن؛ وكالحسين الًاردني 11، هذا الوسيط الجوا ل الخائن الذي لن يقر له قرار إلا بإيقاع دول المنطقة في فخ الشيطان؛ وكحسني مبارك الصورة المطابقة لأنور السادات وبقية الخونة للاسلام، فعليكم بطردهم لأنّهم جعلوكم هزواً ليقفوا سداً بوجه شرف وعزة الاسلام عمداً أو سهواً.
نحن نناشد دول المنطقة الكف عن دعم ومساندة أعداء الاسلام والبشرية، وعدم معارضة المصالح الاسلامية التي تمثل مصالحهم ومصالح وطنهم والمظلومين في العالم، ورفض المستعمرين والمتواطئين معهم من خلال التلاحم والتواؤم مع الجمهورية الاسلامية، وعليهم أن يعلموا أنّ هذا الحزب الهالك 12 لن يحيا أبداً "والعاقبةُ للمتقينَ".
لقد قمت بتذكير المسلمين وحكومات دول المنطقة بما رأيته صالحاً لهم طبق واجبي الشرعي، وأسأل الله تعالى أن يهديهم الى صراطه المستقيم ويمنعهم عن الإنحراف.
السلام على عباد الله ا لصا لحين.
أول ذي الحجة الحرام 1406 هـ. ق
روح الله الموسوي الخميني
* صحيفة الإمام، ج20، ص:85,77
1 - سورة التوبة، الآية 3.
2 - إشارة الي الآية 25 من سورة الحديد
3 - إشارة الى الآية 89 من سورة النحل.
4 - إشارة الى الحديث الشريف: " إنّما يعرفُ القرآنَ مَن خوطبَ به ِ".
5 - سورة البقرة، الآية 2.
6 - إشارة الى الآية 97 من سورة المائدة: " جعل الله الكعبة قياماً للناس ".
7 - جمع ميقات، وهي الأماكن الخمسة التي يحرم منها الحجاج ويتوجهون صوب بيت الله ا لحرام.
8 - عرفات والمشعر ومنى.
9 - الملك حسن، ملك المغرب.
10 - شمعون بيريز، رئيس الوزراء الصهيوني.
11 - الملك حسين، ملك الاردن
12 - حزب البعث الحاكم في العراق.