حقوق المراة المزيفة
حقوق الأسرة
تمحض العصر الحديث عن ضلالات ومبادئ غزت الشرق الاسلامي، وسممت أفكاره ومشاعره. وكان ذلك بتخطيط وكيد من أعداء الاسلام، لاطفاء نوره الوهاج. واستجاب الأغرار والبلهاء لتلك المفاهيم الوافدة، المناقضة لدينهم وشريعتهم، وطفقوا يحاكونها، وينادون بها كأنها من صميم مبادئهم...
عدد الزوار: 322
تمحض العصر الحديث عن ضلالات ومبادئ غزت الشرق الاسلامي، وسممت أفكاره ومشاعره. وكان ذلك بتخطيط وكيد من أعداء الاسلام، لاطفاء نوره الوهاج. واستجاب الأغرار والبلهاء لتلك المفاهيم الوافدة، المناقضة لدينهم وشريعتهم، وطفقوا يحاكونها، وينادون بها كأنها من صميم مبادئهم. وانطمست تلك الصورة الاسلامية التي كانت بالأمس القريب تشع بالجمال والنور والمثالية، وخلفتها صور مسيخة شوهاء يستبشعها الضمير المسلم، ويستنكرها واقع الاسلام، وغدا يستشعر الغربة والوحشة في ربوعه وبين اتباعه ومعتنقيه. وراحت المفاهيم الجاهلية الأولى تحتل مواقعها من مشاعر المسلمين وضمائرهم، لتحيلها قفراً يباباً من قيم الاسلام ومثله الرفيعة.
وانطلقت حناجر، وصرت أفلام أجيرة، تطالب بالمزيد من تلك الأعراف الجاهلية، لتشيع مفاهيمها الدارسة من جديد، في المحيط الاسلامي، وعلى حساب المرأة المسلمة، والتغاير على حقوقها وتحريرها ومساواتها بالرجل، ونحو ذلك من صور الدعايات المدجلة.
1- السفور: لقد عزّ على دعاة التحرر أن يروا المرأة المسلمة محصنة بالصون والحجاب، عصية الطلب، بعيدة المنال. فأغروها بالسفور والتبرج، ليستزلوها من علياء برجها وخدرها. واستجابت المرأة لتلك الدعوة الماكرة وراحت تُنظي حجابها وتبرز جمالها ومفاتنها، تستهوي العيون والقلوب، دونما تحرج او استحياء.
وما خدعت المرأة المسلمة وغرر بها في تاريخها المديد بمثل ذلك الخُداع والتلبيس، متجاهلة عما يترصدها من جراء ذلك من الأخطار والمزالق. ليس الحجاب كما يصوره المتحللون تخلفاً ورجعية، وانما هو حشمة وحصانة، تصون المرأة من التبذل والاسفاف، ويقيها تلصص الغواة والداعرين، وتجنبها مزالق الفتن والشرور.
وحسب المسلمين ان يعتبروا بما أصاب الأمم الغربية من ويلات السفور والتبرج، واختلاط الجنسين، ما جعلها في وضع سيئ وحالة مزرية، من التسيب الخلقي. وغدت تعاني ألوان المآسي الأخلاقية والصحية والاجتماعية.
الأضرار الخلقية: لقد أحدث التبرج والاختلاط في الأوساط الغربية مضاعفات اخلاقية خطيرة، تثير الفزع والتقزز. فأصبحوا لا يستنكرون الرذائل الجنسية، ولا يستحيون من آثامها ومعائبها. وراح الوباء الخلقي يجتاحهم ويفتك بهم فتكاً ذريعاً، حتى انطلقت صيحات الغيارى منهم معلنة بالتذمر والاستنكار، ومنذرة بالخطر الرهيب.
فقد صور (بول بيودر) انهيار الأخلاق في بلاده حيث قال: "لم يعد الآن من الغريب الشاذ وجود العلاقات الجنسية بين الأقارب في النسب، كالأب والبنت، والأخ والأخت في بعض الأقاليم الفرنسية، وفي النواحي المزدحمة في المدن".
وجاء في تقرير (اللجنة الأربعة عشرية) المعنية بالفحص عن مكامن الفجور: "ان كل ما يوجد في البلاد الامريكية من المراقص والنوادي الليلة، ومجالي الزينة، وأماكن التدريم، وحجرات التدليك، ومراكز تمويج الشعر، قد أصبح جُلها مواطن للفجور ودوراً للبغاء، بل هي أقبح منها وأشنع، لما يرتكب فيها من الرذائل التي لا تصلح للذكر".
ومما يخمنه القاضي (لندسي) الامريكي: "أن خمساً وأربعين في المائة من فتيات المدارس يدنسن أعراضهن قبل خروجهن منها، وترتفع هذه النسبة كثيراً في مراحل التعليم التالية".
وقال (جورج رائيلي اسكات) في كتابه (تاريخ الفحشاء) وهو يشير الى حالة بلاده في الغالب "وقد بلغ عدد هؤلاء العاهرات غير المحترفات في هذه الأيام مبلغاً لم يعهد قط فيما قبل، فهؤلاء يوجدن في كل طبقة من طبقات المجتمع من الدنيا والعليا.... وقد أصبح تعاطي الفجور وعدم التصون بل اتخاذ الأطوار السوقية، معدوداً عند فتاة العصر، من أساليب العيش المستجدة".
وقد سرت عدوى هذا التفسخ الخلقي الى الصبية والصبايا من أولئك الأقوام، لتأثرهم بالمحيط الفاسد والمثيرات الجنسية. يقول الدكتور (راديت هوكو) في كتابه ( القوانين الجنسية): "انه ليس من الغريب الشاذ حتى في الطبقات المثقفة المترفة، ان بنات سبع أو ثماني سنين منهم، يخادن لداتهن من الصبية، وربما تلوثن معهم بالفاحشة".
وقد جاء في تقرير طبيب من مدينة (بالتي مور): "أنه قد رفع الى المحاكم في تلك المدينة اكثر من ألف مرافعة في مدة سنة واحدة، كلها في ارتكاب الفاحشة مع صبايا دون الثانية عشرة من العمر".
ولم تقف الفوضى الخلقية عند هذا الدرك السافل، فقد تفاقمت حتى أصبحت العلاقات الجنسية الطبيعية... لاتشبع نهمهم الجنسي، فراحوا يتمرغون في مقاذر الشذوذ الجنسي وانحرافاته النكراء. وعاد من المألوف لديهم ان يتزوج الفتى فتى مثله، بتشجيع من القانون، ومرأى ومسمع من الناس، وهم يباركون هذا العرس!!
ويقول الدكتور (هوكر): "انه لاتزال تحدث في مثل هذه المدارس والكليات ودور التربية للممرضات، والمدارس الدينية، من تسافح الوالدين من الجنس الواحد فيما بينهما، وقد تلاشى أو كاد... ميلهم الطبيعي الى الجنس المخالف".
والآن فلنسائل الببغاوات من دعاة التحرر والتبرج، أهذا الذي ينشدونه لأنفسهم وأمتهم الاسلامية... ام أنهم لا يفقهون ما ينادون به ويدعون اليه؟ ان كل داعية الى التبرج والاختلاط هو بلا ريب، معول هدام، في كيان المجتمع الاسلامي، ورائد شر ودعارة لأمته وبلاده.
﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾(النور:19).
الأضرار الصحية: وكان من الطبيعي لأمة شاع فيها الفساد، وتلاشت فيها قيم الدين والأخلاق، أن تعاني نتائج شذوذها وتفسخها، فتنهار صحتها كما انهارت أخلاقها من قبل.
وهذا ما حدث فعلاً في الأوساط الغربية، حيث استهدفتها الأمراض الزهرية، وكبدتها خسائر فادحة في الأرواح والأموال. وجاءت تقارير اطباء الغرب معلنة أبعاد تلك الأمراض ومآسيها الخطيرة في أرقى تلك الأمم واكثرها تشدقاً بالحضارة والمدنية.
قال الدكتور الفرنسي (ليريد): "إنه يموت في فرنسا ثلاثون ألف نسمة بالزهريّ وما يتبعها من الأمراض الكثيرة، في كل سنة. وهذا المرض هو أفتك الأمراض بالأمة الفرنسية بعد حُمى الدق".
وجاء في دائرة المعارف البريطانية ج 23 ص 45: "انه يعالج في المستشفيات الرسمية هناك (اي القطر الامريكي) مائتا ألف مريض بالزهري ومائة وستون ألف مصاب بالسيلان البني في كل سنة بالمعدل. وقد اختص بهذه الأمراض الجنسية وحدها ستمائة وخمسون مستشفى، على انه يفوق هذه المستشفيات الرسمية نتاج الأطباء غير الرسميين الذين يراجعهم 16% من مرضى الزهري و 89% من مرضى السيلان".
وجاء في كتاب القوانين الجنسية: انه "يموت في امريكا ما بين ثلاثين وأربعين الف طفل بمرض الزهري الموروث وحده، في كل سنة. وان الوفيات التي تقع بسبب جميع الأمراض "عدا السل" يربو عليها جملة عدد الوفيات الواقعة من مرض الزهري وحده". وكل هذه الخسائر والمآسي تدفعها الأمم الغربية الداعرة... ضريبة من صحتها وحياتها جزاءاً وفاقاً، على تفسخها وتمرغها في مقاذر الجنس ومباءته.
الاضرار الاجتماعية: وكان حتماً مقضياً علي تلك الأمم المتحللة أن تعاني "الى جانب خسائرها الأخلاقية والصحية" عللاً اجتماعية خطيرة. فقد جنت على حياتها الأسرية والاجتماعية، باغفالها مبادئ العفة والوفاء، واستهتارها بشرائط الزوجية الصالحة. وطفق الزوجان منهم يهيمان في متاهات الغواية والفساد، تنطلق الزوجة خليعة متجملة بأبهى مظاهر الجمال، وبواعث الفتنة والاغراء، وينطلق الزوج هائماً في مراتع التبذل والاسفاف. وسرعان ما ينزلق هذا أو تلك في مهاوي الرذيلة، حينما تستهوي بهما شخصية جذابة أروع جمالاً وأشد اغراءاً من شريك حياته، فيزورُّ عنه طالباً صيداً جديداً، ومتعة جديدة، بين فتيان الهوى وفتياته السائحات. فتزعزع بذلك كيان الأسرة، وانفرط عقدها، ووهت العلائق الزوجية، وغدت تنفصم لأتفه الأسباب. كما شهدت بذلك تقارير الخبراء.
وقد كتب القاضي (لندسي) في بلدة (دنور) سنة 1922: "اعقب كل زواج تفريق بين الزوجين، وبأزاء كل زواجين عرضت على المحكمة قضية الطلاق. وهذه الحال لا تقتصر على بلدة دنور، بل الحق أن جميع البلدان الامريكية على وجه التقريب تماثلها في ذلك قليلاً أو كثيراً".
ويمضي في كتابته فيقول: "إن حوادث الطلاق والتفريق بين الزوجين لا تزال تكثر وتزداد، وان اطردت الحال على هذا "كما هو المرجو" فلا بد ان تكون قضايا الطلاق المرفوعة الى المحاكم في معظم نواحي القطر على قدر ما يمنح فيها من الامتيازات للزواج".
وهكذا توالت على الأمم الغربية أعراض الشذوذ واختلاطاته المقيتة فقد زهد الكثيرون منهم في الحياة الزوجية، وآثروا العزوبة إشباعاً لهوسهم الجنسي وتحرراً من قيود الزواج وتكاليفه.
فقد جاء في مقال نشرته جريدة (بدترويت): "إن ما قد نشأ بيننا اليوم من قلة الزواج، وكثرة الطلاق، وتفاحش العلاقات غير المشروعة بين الرجال والنساء، يدلّ كله على أننا راجعون القهقرى الى البهيمية. فالرغبة الطبيعية في النسل الى التلاشي، والجيل المولود ملقى حبله على غاربه، والشعور بكون تعمير الأسرة والبيت لازماً لبقاء المدنية، والحكم المستقل يكاد ينتفي من النفوس، وبخلاف ذلك أصبح الناس ينشأ فيهم الاغفال عن مآل المدنية والحكومة وعدم النصح لهما".
ولو تحرينا مردّ تلك المآسي التي اجتاحت الغرب لرأيناه ماثلاً في التبرج والخلاعة والاختلاط، وشيوع المثيرات الجنسية، كالأفلام الداعرة والقصص الخلاعية والأغاني المخنثة، التي مسخت القيم الأخلاقية واشاعت الاسفاف والتهتك في المجتمع الغربي، كما شهد بذلك القوم انفسهم.
وقد كتب (أميل بوريسي) في تقريره الذي قدمّه الى الجلسة العامة الثانية لرابطة منع الفواحش: "هذه الفوتوغرافات الداعرة المتهتكة تصيب أحاسيس الناس بأشدّ ما يمكن من الهيجان والاختلال، وتحثّ مشتريها البؤساء على المعاصي والاجرام التي تقشعر من تصورها الجلود. وإنّ أثرها السيّئ المهلك في الفتية والفتيات لمّما يعجز عنه البيان. فكثير من المدارس والكليات قد خربت حالتها الخلقية والصحية لتأثير هذه الصور المهيجة، ولا يمكن ان يكون للفتيات على الأخص شيء أضرّ وأفتك من هذه"1.
ونستنتج من هذا العرض السالف: أنّ الشريعة الاسلامية، إنّما أمرت المرأة المسلمة بالحجاب، ونهتها عن التبرج والاختلاط المريب، حرصاً على كرامتها وصيانتها من دوافع الاساءة والتغرير، ووقاية للمجتمع الاسلامي من المآسي والارزاء التي حاقت بالأمم الغربية، ومسخت أخلاقها وضمائرها وأوردتها موارد الشقاء والهلاك.
أنظر كيف أهاب الاسلام بالمرأة المسلمة أن تتحصن بالحجاب، وتتوقى به مزالق الفتن والشرور: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾(الاحزاب:59).
هذه هي احدى الآيات الكريمة الناطقة بوجوب الحجاب، والمحرضة عليه، بأسلوب جاد صريح، حيث خاطب اللّه عز وجل رسوله الأعظم: "يا أيها النبي قل لأزواجك، وبناتك، ونساء المؤمنين... يدنين عليهن من جلابيبهن" وذلك باسدال الجلباب "وهو ما تستتر به المرأة من ملحفة أو ملاءة" على وجوههن وأبدانهن.
ثم بين سبحانه علة الحجاب وجدواه: "ذلك أدنى ان يعرفن، فلا يؤذين" حيث أن الحجاب يستر محاسن المرأة ومفاتنها، ويحيطها بهالة من الحصانة والمنعة، تقيها تلصص الغواة والداعرين وتحرشاتهم الاجرامية العابثة بصون النساء وكرامتهن.
ويمضي القرآن الكريم في تركيز مبدأ الحجاب والحث عليه في آيات متتالية، وأساليب بلاغية فذّة: ﴿يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى﴾(الأحزاب:32-33).
وهنا يخاطب اللّه عز وجل، زوجات النبي صلى اللّه عليه وآله "يا نساء النبي لستنّ كأحد من النساء" في الشرف والفضل، فأنتنّ أرفع شأناً وأسمى منزلة منهن، لشرف انتمائكن لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله "ان اتقيتنّ" معصية اللّه تعالى ورسوله، وفي هذا الشرط إشعار لهنّ انّ انتسابهنّ الى الرسول صلى اللّه عليه وآله فحسب لا يوجب تفوقهن على غيرهن من النساء، الا بتحليهن بتقوى اللّه عز وجل، الذي هو مفتاح الفضائل، وقوام حياة الايمان.
"فلا تخضعن بالقول، فيطمع الذي في قلبه مرض" فلا تخاطبن الأجانب بأسلوب لينّ رقيق يستثير نوازع القلوب المريضة بالدنس والفجور.
"وقلن قولاً معروفاً" مستقيماً مشعراً بالحشمة والترفع والوقار. ثم أمرهن بالاستقرار في بيوتهن، ونهاهنّ عن التبرج واظهار المحاسن والزينة للأجانب، كما كنّ يظهرنها النساء الجاهليات "وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى". وفي ذلك ضمان لعفاف المرأة وكرامتها، وصيانتها من مزالق الخطيئة، وخوالج الشك والارتياب.
وهكذا يواصل القرآن الكريم غرس الفضيلة والعفة في نفوس المؤمنين بمُثله العليا، وآدابه الرفيعة: ﴿قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ﴾(النور:30-31).
أمر اللّه تعالى في هذه الآية الكريمة النبي صلى اللّه عليه وآله أن يصدع بآداب القرآن ووحي السماء، ويوجه المؤمنين على ضوئهما توجيهاً هادفاً بناءاً. "قل" يا محمد "للمؤمنين يغضوا من أبصارهم" بأن ينقصوا من نظراتهم وتطلعاتهم نحو النساء الأجنبيات، لما في ذلك من ضروب الأخطار والأضرار. فكم نظرة طامحة الى الجمال أورثت حسرة طويلة، واسترقت صاحبها بأسر الحب وعناء الهيام.
وأنت اذا أرسلت طرفك رائداً*** لقلبك يوماً اتعبتك المناظر
رأيت الذي لا كله أنت قادر*** عليه ولا عن بعضه أنت صابر
وقد تزج النظرة الآثمة في مهاوي الرذيلة والفساد:
نظرة فابتسامة فسلام*** فكلام فموعد فلقاء
ثم أمر المؤمنين بحفظ الفروج بعد أمرهم بغض الأبصار "ويحفظوا فروجهم" عن الآثام الجنسية أو يستروها عن الناظر المحترم، وقد أوصد اللّه تعالى بهذين الأمرين "غض الأبصار وحفظ الفروج" أخطر منافذ الشرور الخلقية وبوائقها العارمة، وحصن المؤمنين بالعفة والنزاهة "ذلك أزكى لهم" أطهر لنفوسهم وأخلاقهم، وأنفع لدينهم ودنياهم.
ثم عمد الى توعية الضمائر، وتصعيد قيمها الأخلاقية بالايحاء النفسي بهيمنة اللّه سبحانه عليهم ورقابته لهم "ان اللّه خبير بما يصنعون" بأبصارهم وفروجهم وجميع اعمالهم. ثم عطف اللّه تعالى على النساء المؤمنات، فأمرهنّ بما أمر به الرجال المؤمنين من غض الأبصار وحفظ الفروج، لاتحاد الجنسين، وتساويهما في الغرائز والميول، وانجذاب كل منهما نحو الآخر.
وخصّ النساء بتوجيهات تنظّم سلوكهن، وتذكي فيهن مشاعر الحشمة والعزة والوقار: "ولايبدين زينتهن" لا يظهرن مواضع الزينة لغير المحارم، "الا ما ظهر منها" كالثياب او الوجه والكفين، "وليضربن بخمرهن على جيوبهن" وليسدلن الخمر والمقانع على نحورهن وصدورهن تستراً من الأجانب.
ثم رخّصهن في إبداء زينتهن للمحارم، ومن يؤمن من الافتتان والاغراء منهنّ وعليهن، لنفرة الطباع من ذلك "ولا يبدين زينتهن الا لبعولتهنّ، أو آبائهن، أو آباء بعولتهن، أو ابنائهن، أو ابناء بعولتهن، أو إخوانهنّ، أو بني اخوانهن، أو بني اخواتهن، أو ما ملكت أيمانهنّ" وهن الاماء. "أو التابعين غير أولي الاربة من الرجال" وهم الذين يتّبعون الناس طمعاً في برهم ونوالهم من لا يهفو الى النساء، ولا حاجة له فيهن، كالبله من الرجال أو الشيوخ العاجزين الصلحاء.
"او الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء" وأريد به جمع الأطفال الذين لايعرفون عورات النساء لسذاجتهم، وضعف غريزتهم الجنسية. "ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن" للاعلام عن خلخالها أو اسماع صوته. ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾(النور:31) تسعدون في الدارين.
وهكذا جاءت احاديث اهل البيت عليهم السلام تحضّ على العفاف، وغض الأبصار عن النظرة المحرمة، فضلا عن الاختلاط، سيان في ذلك الرجال والنساء.
قال الصادق عليه السلام: "النظرة سهم من سهام ابليس مسموم، وكم نظرة أورثت حسرة طويلة"2. وقال عليه السلام: "أول النظرة لك، والثانية عليك، والثالثة فيها الهلاك"3. وقال عليه السلام: "نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أن يدخل الرجل على النساء الا باذن أوليائهن"4.
وعن أبي جعفر وأبي عبد اللّه عليهما السلام قالا: "ما من أحد الا وهو يصيب حظاً من الزنا، فزنا العين النظر، وزنا الفم الغيبة، وزنا اليدين اللمس، صدّق الفرج ذلك ام كذب"5. وقال الصادق عليه السلام: "من نظر الى امرأة فرفع بصره الى السماء، لم يرتد اليه بصره حتى يزوجه اللّه من الحور العين"6.
وعنه، عن أبيه عليهما السلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله: "كل عين باكية يوم القيامة الا ثلاث أعين: عين بكت من خشية اللّه، وعين غضّت عن محارم اللّه، وعين باتت ساهرة في سبيل اللّه"7.
المرأة في التأريخ القديم: لقد اضطرب المعيار الاجتماعي في تقييم المرأة وتحديد منزلتها الاجتماعية في عصور الجاهلية القديمة أو الحديثة. وتأرجح بين الافراط والتفريط، وبين التطفيف والمغالاة، دون أن يستقر على حال رضي من القصد والاعتدال. فاعتُبرت حيناً من الدهر مخلوقاً قاصراً منحطاً، ثم اعتُبرت شيطاناً يسوّل الخطيئة ويوحي بالشر، ثم اعتبرت سيدة المجتمع تحكم بأمرها وتصرفه بمشيئتها، ثم اعتبرت عاملة كادحة في سبيل عيشها، وحياتها.
وكانت المرأة في أغلب العصور تعاني الشقاء والهوان، مهدورة الحق مسترقة للرجل، يسخرها لأغراضه كيف يشاء. وهي في تقييم الحضارة الرومانية في تأرجح واضطراب، بين التطفيف والمغالاة: اعتبرتها رقيقاً تابعاً للرجل، يتحكم فيها كما شاء. ثم غالت في قيمها فحررتها من سلطان الأب والزوج، ومنحتها الحقوق الملكية والارثية وحرية الطلاق، وحرية التبذل والاسفاف، فكانت الرومانية تتزوج الرجل بعد الآخر دونما خجل او استحياء.
فقد كتب "جوونيل 60 - 140 م" عن امرأة تقلبت في أحضان ثمانية أزواج في خمس سنوات. وذكر القديس "جروم 340 - 420 م" عن امرأة تزوجت في المرة الأخيرة الثالث والعشرين من أزواجها، وكانت هي الحادية والعشرين لبعلها8. ثم أباحوا لها طرق الغواية والفساد، مما سبب تفسخ المجتمع الروماني ثم سقوطه وانهياره. وهي في عرف الحضارة اليونانية تعتبر من سقط المتاع، تُباع وتُشترى، وتعتبر رجساً من عمل الشيطان.
وقضت شرائع الهند القديمة (أن الوباء والموت والجحيم والسم والافاعي والنار... خير من المرأة) وكان حقها في الحياة ينتهي بانتهاء أجل زوجها الذي هو سيدها ومالكها، فاذا رأت جثمانه يحرق ألقت بنفسها في نيرانه، والا حاقت عليها اللعنة الأبدية.
وأما رأي التوراة في المرأة، فقد وضحه سفر الجامعة في الكلمات الآتية: (درت أنا وقلبي لاعلم ولابحث ولأطلب حكمة وعقلاً، ولاعرف الشر أنه جهالة، والحماقة أنها جنون، فوجدت أمرّ من الموت المرأة، التي هي شباك، وقلبها شراك، ويداها قيود" (الاصحاح 14 الفقرة 17)9.
وكانت المرأة في وجهة نظر المسيحية "خلال العصور الوسطى" مخلوقاً شيطانياً دنساً، يجب الابتعاد عنه.
قال "ليكي" في كتاب تأريخ أخلاق اوربا: "وكانوا يفرون من ظل النساء، ويتأثمون من قربهن والاجتماع بهن، وكانوا يعتقدون أن مصادفتهن في الطريق والتحدث اليهن "ولو كُنَّ أمهات وأزواجاً أو شقيقات" تحبط أعمالهم وجهودهم الروحية"10.
وهكذا كان المجتمع الغربي فيما خلا تلك العصور، يستخف بالمرأة ولا يقيم لها وزناً. (فقد عُقد في فرنسا اجتماع سنة 586 م يبحث شأن المرأة وما اذا كانت تعد انساناً أو لا تعد انساناً. وبعد النقاش، قرر المجتمعون أن المرأة انسان ولكنها مخلوقة لخدمة الرجل)11.
وفي انجلترا حرّم "هنري الثامن" على المرأة الانجليزية قراءة الكتاب المقدس، وظلت النساء حتى سنة 1850 م غير معدودات من المواطنين، وظللن حتى سنة 1882 م ليس لهن حقوق شخصية، ولا حق لهن في التملك الخالص، وانما كانت المرأة ذائبة في ابيها أو زوجها12.
المرأة في المجتمع العربي الجاهلي: وقد لخص الأستاذ الندوي حياة المرأة في المجتمع العربي الجاهلي، حيث قال: "وكانت المرأة في المجتمع الجاهلي عرضة غبن وحيف، تُؤكل حقوقها وتُبتز أموالها، وتحرم من ارثها، وتعضل بعد الطلاق أو وفاة الزوج من ان تنكح زوجاً ترضاه، وتورث كما يورث المتاع أو الدابة، وكانت المرأة في الجاهلية يطفف معها الكيل، فيتمتع الرجل بحقوقه ولا تتمتع هي بحقوقها، ومن المأكولات ما هو خالص للذكور ومحرم على الإناث، وكان يسوغ للرجل ان يتزوج ما يشاء من النساء من غير تحديد. وقد بلغت كراهة البنات الى حدّ الوأد، وكانوا يقتلون البنات بقسوة، فقد يتأخر وأد المؤدة لسفر الوالد وشغله، فلا يئدها الا وقد كبرت وصارت تعقل، وكان بعضهم يلقي الانثى من شاهق"13.
المرأة في الحضارة الغربية الحديثة: ولما بلغت الحضارة الغربية الحديثة أوجها، نالت المرأة فيها "بعد جهاد شاق وتضحيات غالية" حريتها وحقوقها، وغدت تستشعر المساواة بالرجل، وتشاطره الأعمال في الدوائر والمتاجر والمصانع، ومختلف الشؤون والنشاطات الاجتماعية.
وابتهجت المرأة الغربية بهذه المكاسب التي نالتها بالدموع والمآسي، متجاهلة واقع غبنها وخسرانها في هذا المجال. ولو أنها حاكمت وعادلت في ميزان المنطق بين المغانم التي حققتها والمغارم التي حاقت بها... لأحست بالأسي والخيبة والخسران.
فقد خدعها دعاة التحرر في هذه الحضارة المادية، وغرروا بها واستغلوا سذاجتها استغلالاً ماكراً دنيئاً. استغلوها لمضاربة الرجل، ومكايدته حينما بدأ يطالب بمضاعفة أجور العمل وتخفيف ساعاته، فاستجابت لذلك... تعمل اعمال الرجل قانعة بأجر دون أجره.
واستغلوا انوثتها في الحقل التجاري لمضاعفة الأرباح المادية، لقدرتها على اجتذاب الزبائن وتصريف البضائع، مستثيرين كوامن الجنس في نفوسهم فأي استغلال أنكى وأسوأ من هذا الاستغلال؟ وكان عليها بعد هذا أن تضطلع بمهامها النسوية من الحمل والوضع والتربية والتدبير المنزلي، الى جانب كفاحها في سبيل العيش كيلا يمسها السغب والحرمان لنكول الرجل عن اعالتها في الغالب.
وبالرغم مما حققته المرأة الأروبية من صنوف الانجازات والمكاسب، فانها تعتبر في المعيار المنطقي خاسرة مخفقة، قد خسرت أزاء تحررها دينها وأخلاقها وكرامتها، وأصبحت في حالة مرزية من التبذل والاسفاف. كما شهد به الغربيون أنفسهم مما أوضحناه سالفاً ونزيده ايضاحاً في الابحاث التالية.
المساواة بين الرجل والمرأة: لقد غزت الشرق فيما غزاه من صنوف البدع والضلالات، فكرة المساواة التامة بين الرجل والمرأة، ومشاطرتها له في مختلف نشاطاته السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وانخدع اغرار المسلمين بهذه الفكرة، وراحوا ينادون بها ويدعون اليها، جهلاً بزيفها ومخالفتها مبادئ الفطرة والوجدان، للفوارق العديدة بين الجنسين، واختلاف مؤهلاتهما في مجالات الحياة.
ومتى ثبتت المفارقات بين الرجل والمرأة، تجلى خطأ هذه الفكرة، واستبان ما فيها من تفريط وتضييع لخصائص كل منهما وكفاءته. فالرجل غالباً: هو أضخم هيكلاً من المرأة، وأصلب عوداً، وأقوى جلداً على معاناة الشدائد والأهوال، كما هو اوسع أفقاً، وأبعد نظراً، وأوفر خبرة في تجارب الحياة. والمرأة غالباً، هي أجمل صورة من الرجل، وأضعف جسماً وطاقة، وأرق عاطفة، وأرهف حسّاً، تيسيراً لما اُعدت له من وظائف الأمومة ورسالتها الانسانية في الحياة.
ويزداد التغاير والتباين بين الجنسين فيما ينتاب الإناث خاصة، من أعراض الحيض والحمل والارضاع، مما يؤثر تأثيراً بالغاً في حياة المرأة وحالتها الصحية. فهي تعاني أعراضاً مرضية خلال عاداتها الشهرية، تخرجها عن طورها المألوف.
قال الطبيب (جب هارد): "قلّ من النساء من لا تعتل بعلة في المحاض، ووجدنا اكثرهن يشكين الصداع والنصب والوجع تحت السرة، وقلة الشهوة للطعام، ويصبحن شرسات الطباع، مائلات الى البكاء. فنظراً لهذه العوارض كلها يصح القول، أن المرأة في محاضها تكون في الحق مريضة، وينتابها هذا المرض مرة في كل شهر، وهذه التغييرات في جسم المرأة تؤثر لا محالة في قواها الذهنية وفي افعال اعضائها".
وهكذا أعرب الباحثون عن امتناع المساواة بين الجنسين.
قال الباحث الطبيعي الروسي (انطون نميلاف) في كتابه الذي أثبت فيه عدم المساواة الفطرية بينهما، بتجارب العلوم الطبيعية ومشاهداته: "ينبغي ان لا نخدع انفسنا بزعم أن إقامة المساواة بين الرجل والمرأة في الحياة العملية أمر هيّن ميسور. الحق أنه لم يجتهد أحد في الدنيا لتحقيق هذه المساواة بين الصنفين مثل ما اجتهدنا في روسيا السوفيتية، ولم يوضع في العالم من القوانين السمحة البريئة من التعصب في هذا الباب مثل ما وضع عندنا، ولكن الحق ان منزلة المرأة قلّما تبدلت في الأسرة، ولا في الأسرة فحسب بل قلما تبدلت في المجتمع ايضاً".
ويقول في مكان آخر: "لا يزال تصور عدم مساواة الرجل والمرأة ذلك التصور العميق راسخاً لا في قلوب الطبقات ذات المستوى الذهني البسيط، بل في قلوب الطبقات السوفيتية العليا ايضاً"14.
وقال الدكتور (الكسيس كاريل) الحائز على جائزة نوبل: "يجب أن يبذل المربون اهتماماً شديداً للخصائص العضوية والعقلية في الذكر والأنثى، كذا لوظائفهما الطبيعية. فهناك اختلافات لا تُنقض بين الجنسين ولذلك فلا مناص من ان نحسب حساب هذه الاختلافات في انشاء عالم متمدن"15. ولا يعتبر تفوق الرجل على المرأة في المجالات العملية والنظرية مقياساً عاماً شاملاً لجميع الرجال، فقد تَبُذُّ المرأة الرجل وتفوقه في ذلك، ولكن هذا لا ينفي تخلفها عن أغلب الرجال.
وعزا بعضهم تخلف المرأة عن الرجل الى التقاليد الاجتماعية، والنظم التربوية التي تكتنف حياتها. وفاتهم أن تلك التقاليد والنظم قد تلاشت في أغلب الدول المتحللة، وانعدمت فيها الفوارق بين الجنسين، وغدت المرأة تتمتع بجميع فرص التكافؤ التي يتمتع بها الرجل. وبالرغم من ذلك فانها تعتبر في المرتبة الثانية منه. ومن هنا ندرك امتناع المساواة المطلقة بين الرجل والمرأة، ونعتبرها ضرباً من الحماقة والسخف. فهل يسع دعاة المساواة أن يطوروا واقع الرجل ويجعلوه مشاركاً للمرأة في مؤهلاتها الخاصة، ووظائفها النسوية التي يعجز عنها هو، كذلك لا يسعهم ان يسترجلوا المرأة ويمنحوها خصائص الرجل ووظائفه التي تعجز عنها هي.
ان الحكمة الالهية قد كيفت كلاً من الجنسين وأعدته إعداداً خاصاً، يؤهله لأداء وظائفه ومهماته في الحياة، فلا مناص من تنويع الأعمال بينهما حسب كفاءتهما ومؤهلاتهما... وكُل مُيسر لما خُلق له.
فوظيفة الرجل هي: ممارسة الأعمال الشاقة، والشئون الخارجية عن المنزل، والكدح في توفير وسائل العيش لأسرته، والدأب على حمايتها وإسعادها مادياً وأدبياً، مما تنوء به المرأة ولا تستطيع اتقانه واجادته.
ووظيفة المرأة هي: أن تكون ربة بيت وراعية منزل، وأمّاً مثالية تُنشئ الأكفاء من الرجال، وهي وحدها التي تستطيع أن تجعل البيت فردوساً للرجل، يستشعر فيه الراحة من متاعب الحياة، وينعم الأطفال فيه بدفء الحنان ودواعي النمو والازدهار.
فإقحام المرأة في ميادين الرجل، ومنافستها له في أعماله... تضييع لكفاءتها ومؤهلاتها، ثم هو تجميد للرجل عن ممارسة نشاطاته الحيوية التي يجيدها ولا تجيدها المرأة، وتعطيل له عن انشاء أسرة وتكوين بيت. وقد أحدثت منافسة المرأة للرجل في وظائفه ونشاطاته الخاصة في الجاهلية الحديثة... شروراً أخلاقية واجتماعية ونفسية خطيرة، وكانت مضارها اكثر من نفعها أضعافاً مضاعفة.
وأصبحت المرأة هناك تعاني مرارة الكفاح ومهانة الابتذال في سبيل العيش، كي لا تمسّها الفاقة لنكول الرجل عن إعالتها، مما عاقها عن أداء وظائفها الخاصة من تدبير المنزل ورعاية الأسرة وتربية الأبناء تربية صالحة.
وبتقاعس المرأة عن أداء واجبها الأصيل، وانخراطها في المجتمع الخليط، أصيبت الأسرة هناك بالتبعثر والتسيب والشقاء، وشاع فيها التفسخ والتهتك والانهيار الخلقي، كما شهد بذلك الباحث الطبيعي الروسي (انطون نيميلاف) في كتابه الآنف الذكر: "الحق أن جميع العمال قد بدت فيهم اعراض الفوضى الجنسية، وهذه حالة جدّ خطرة، تهدد النظام الاشتراكي بالدمار، فيجب أن نحارب بكل ما أمكن من الطرق، لأن المحاربة في هذه الجبهة ذات مشاكل وصعوبات. ولي أن أدلكم على آلاف من الأحداث، يعلم منها ان الاباحية الجنسية قد سرت عدواها لا في الجهال الأغرار فحسب، بل في الأفراد المثقفين من طبقة العمال"16.
وحسبُنا هذه الشهادة عِظة وعبرة على بطلان المساواة بين الجنسين، وأضرار اختلاطهما في الوظائف والأعمال، فهل من متعظ ؟! فاقحام المرأة في ميدان أعمال الرجال خطأ فاضح، وجناية كبرى على المرأة والمجتمع الذي تعيشه، وهدر لكرامتهما معاً.
نعم... يستساغ للمرأة ان تمارس أعمالاً تخصها وتليق بها، كتعليم البنات، وتطبيب النساء وتوليدهن، وفي حالة فقدان المرأة من يعولها، أو عجزه عن إعالتها، فانها والحالة هذه تستطيع مزاولة الأعمال والمكاسب التي يؤمن عليها من مفاتن المجتمع الخليط، ويُؤمن عليه من فتنتها كذلك.
ولكن الاسلام، صان كرامة المرأة المعوزة، وكفل رزقها من بيت المال، دون ان يحوجها الى تلك المعاناة، فلو أدى المسلمون زكاة أموالهم ما بقي محتاج. فماذا يريد دعاة المساواة؟ أيريدون إعزاز المرأة وتحريرها من الغبن الاجتماعي؟ فقد حررها الاسلام ورفع منزلتها ومنحها حقوقها المادية والأدبية.
ام يريدون مخادعة المرأة وابتذالها، لتكون قريبة من عيون الذئاب ومغازلاتهم؟ وماذا تريد المرأة المتحررة؟ أتريد المساواة التامة بالرجل، أم تريد حرية الخلاعة والابتذال؟ وكلها غايات داعرة، حرمها الاسلام على المرأة والرجل ليقيهما مزالق الفتن ومآسي الاختلاط.
1- اقتبسنا تلك الأقوال المترجمة عن كتاب الحجاب، للأستاذ المودودي.
2- الوافي ج 12 ص 127، عن الكافي.
3- الوافي ج 12 ص 127، عن الفقيه.
4- الوافي ج 12 ص 123، عن الكافي.
5- الوافي ج 12 ص 127، عن الكافي.
6- الوافي ج 12 ص 127، عن الفقيه
7- البحار م 23 ص 101 عن خصال الصدوق (ره).
8- الحجاب للمودودي ص 22.
9- مقارنة الأديان ج 3 الاسلام ص 196 بتصرف للدكتور أحمد شلبي.
10- ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين، للسيد الندوي ص 160.
11- مقارنة الأديان، للدكتور احمد شلبي ج 3 ص 200.
12- المصدرالسابق
13- ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين، للسيد الندوي ص 57 بتصرف.
14- الحجاب، للمودودي ص 256.
15- الانسان ذلك المجهول ص 117.
16- الحجاب، للمودودي ص 257.