الموضوع: ظاهر الأعمال وباطنها في منظار أهل الدنيا وأهل العلم
خطاب
الحاضرون: مسؤولو الجمهورية الإسلامية من عسكريين ومدنييّن 1، وفئات مختلفة من أبناء الشعب
عدد الزوار: 192
التاريخ: صباح 15 شهريور 1363 هـ. ش/ 10 ذو الحجة 1404 هـ. ق
المكان: طهران، جماران
الحاضرون: مسؤولو الجمهورية الإسلامية من عسكريين ومدنييّن 1، وفئات مختلفة من أبناء الشعب
بسم الله الرحمن الرحيم
الفرق بين أعمال الأنبياء وأعمال الناس
إنني بدوري أبارك للسادة الحاضرين، ولكل الشعوب الإسلامية والمستضعفين في العالم هذا العيد السعيد. وأسأل الله تعالى ببركة هذا العيد وسائر الأعياد الشريفة أن يهدينا وسائر الشعوب الإسلامية للسير على الصراط المستقيم والتفكير بالأهداف الإسلامية والتمكين من إقامة الصلح والاتحاد بين المسلمين وتوحيدهم.
إنَّ سيدنا إبراهيم عليه السلام الذي ينسب إليه هذا العيد هو مؤسس الإيثار، فصورة العمل شئ، ومعناه ومحتواه شئ آخر، صورة العمل هنا مشكلة تحتاج إلى حل وهو أمر فوق طاقة البشر، ولكن الذي جعل من إبراهيم شخصية عظيمة هو السير والسلوك الذي تفضّل به والذي انتهى الى هذه الأمور.
إبراهيم الذي بحسب رواياتنا الشريفة حين كان يتوجه صوب النار، سألته الملائكة عما إذا كان في حاجة إلى شئ قال: أمّا إليكم فلا. كانت لديه وجهة أخرى من العلم والمعرفة، ونحن نرى ظاهر هذا العمل ونعجب له وهو أمر عجيب حقاً، أمّا أهل المعارف الإلهية فيرون باطنه، الأصل في أعمال الأنبياء على الاطلاق هو الجوهر. الصورة والشكل تتفق مع أعمالنا بحسب النوع. أولئك يصّلون ونحن نصلي، أولئك يصومون ونحن نصوم كذلك، أولئك يحجّون ونحن نحجّ أيضاً، أولئك يضحّون ونحن نضحّي كذلك، يقفون في المواقف ونحن نقف كذلك، هذه صورة مشتركة بيننا وبينهم. لكن الشيء الذي يجعل أعمالنا تختلف عن أعمالهم، - كما تختلف أعمال بعضهم عن بعض -، هو جوهر العمل الذي يستلهمونه من المبدأ، وأعمالهم هذه مستمدّة من ذلك الإلهام.
مسألة الوحي الذي لدى الأنبياء - وهذا متفاوت بينهم أيض - واحدة من الأمور المهمة التي لا يتمكن الإنسان من تصوّر ماهيّتها فالوسيط هو جبرائيل، ولكن اي وساطة وواسطة كان ينجزها جبرائيل؟ هل أنزله للنبّي وبولايته نزل؟ هل نزل الوحي مع جبرائيل وقام جبرائيل بإبلاغه؟ هذه هي المسائل التي يدور الحديث حولها.
معنى العيد من منظار الأنبياء
إنَّ قضية التضحية بالولد تمثل إحدى الأبواب التي ترتبط برؤية النوع البشري، وهي قضية مهمة لكن الشئ الذي يكون مبدأ هذا العمل هو الذي يحقق المقابلة بين الأب والابن. هذه هي أمور قلبية وروحية ومعنوية وهي فوق الأمور التي نفهمها نحن. إننا نقول: إنه آثرَ وضحّي وقد حصل هذا حقّاً وهو أمر مهم ولكن هل كان هذا في نظر إبراهيم عليه السلام إيثاراً؟ وهل كان يرى أنه يقدم شيئاً عظيماً إلى الله؟
هل كان إسماعيل (سلام الله عليه)، يري أنه يقدم نفسه فداءً لله؟ أم أن الأمر ليس كذلك. فما دامت الإنسانية موجودة والإنسان نفسه موجوداً فالإيثار موجود باسمه. أنا أضحّي بابني في سبيل الله، أضحّي بنفسي في سبيل الله. هذا هو المهم بالنسبة لنا ومهم جدّاً، أما بالنسبة لإبراهيم عليه السلام فليس هذا بالأمر المهم ولايعتبره إيثاراً. إبراهيم لم يجد نفسه شيئاً ليعتبر عمله تضحية. إسماعيل لم يعتبر نفسه شيئاً ليرى عمله إيثاراً وتضحية. الإيثار معناه أني موجود وأنت موجود وعملي من أجلك ومن أجل الإيثار. هذا في نظر العظماء وأهل المعرفة وأولياء الله شرك، وفي نظرنا نحن - في الوقت نفسه - كمال كبير وإيثار عظيم.
العيد بالنسبة لنا له معنى، لكنه بالنسبة لإبراهيم وللأنبياء له معنى آخر. نحن نعيّد أمّا أولئك فيعيدون عيد اللقاء. أولئك يعودون إلى المكان الذي ظهروا منه ويعيّدون لهذا الأمر، طبعاً بعد إعادة اسمه - معنى السيروالسلوك الإلهي - يكون عيداً، وأبعاده المعنوية كثيرة جداً لا تصل أيدينا إليها، وأبعاده السياسية والاجتماعية كانت وما تزال كثيرة إيضاً ونتمنى ازديادها.
الجهاد الأكبر
آمل أن يعود المسلمون إلى رشدهم، ويكسبوا من هذه العبارات التي قرّرها الله تعالى لهم سيراً معنوياً واستنباطات سياسية وعملية.
يجب أن لا ننظر إلى الصلاة من زاوية أنها تقرّب إلى الله. طبعاً هذا هو أسمى شئ لكن بعد إن يكون الإنسان مصليّاً سيكون مؤثراً، وبعد أن يصير مؤثراً سيقدّم خدمة للإسلام، والحج الذي تتجّلي فيه الجوانب الاجتماعية والسياسية بشكل أوضح وقد أقيم بحمد الله هذا العام حتى الآن بشكل جيد وآمل أن يقام كذلك من الآن فصاعداً ويوقظ المسلمين هؤلاء الحجّاج الذين هم في بيت الله الحرام، مع أن ما يؤسف له هو أنَّ بعض رجال الدين الذين لايفهمون شيئاً أو المشاغبين، قد بدأوا بكتابة نشرات ووزعوا رسائل اعتدوا فيها على كرامة الشيعة وأئمتهم وأهانوا المذهب الشيعي في الوقت الذي يجتمع عقلاء المذاهب المختلفة وعلماؤهم، ليتداولوا في شؤون المسلمين عامة، يفكروا في ما يحقق مصلحة الإسلام. في هذا الوقت ينشرون مثل هذه الرسائل كأنهم يرون أن الخطر قد أحدق بأمريكا ويرفعون أصواتهم داعين بالويل والثبور. إنَّ هؤلاء الحمقى من رجال الدين قد اعتدوا على بعض مقدسات الشيعة مؤملين أن يوجد من يرّد عليهم بالمثل وتقع الفرقة بين المسلمين في الوقت الذي تبذل المساعي لتوحيدهم. ماذا يعمل الإسلام - في الحقيقة - مع هذا الشكل من الأفكار والأعمال؟ ماذا يفعل الإسلام مع هؤلاء الذين تلبّسوا بلباس الدين وانبثوا في صفوف الناس؟ والمصيبة هنا هي أنه في الوقت الذي يجتمع المسلمون للتفكير في المصالح العامة ينطلق - هذا المتلبس - بالقول: إنني رأيت بعض الشبّان يرغبون في هذا التجمع، يميلون إلى إيران، إن هؤلاء مشركون، إنهم مجوس، ثم يعتدي على بعض المقدسات ويتجّرأ عليها بالقول الفاحش. ألا يمثل هذا العمل خدمة للاستعار وللقوى العظمى وتحطيماً للإسلام والمسلمين. يجب علينا أن نفكر في هذه الأمور، على المسلمين أن يفكّروا في هذه القضايا وفي الأشخاص الذين يحاولون بهذا الشكل اضعاف وحدة المسلمين وفسخها.
و الخلاصة أنني آمل أن لا تلحظ - في هذا السبيل الذي سلكته - الجوانب الشكلية الظاهرة بل عليها ملاحظة الجهات المعنوية كذلك. إذ إنَّ جميع القضايا من أجل المعنويات. والأنبياء الذين جاءوا ونشروا الأحكام إنما فعلوا ذلك من أجل تزكية الناس " ويزكّيهمُ ويعلمهم الكتاب" 1. الجميع جاءوا من أجل تعريف الناس بمبدأ الوحي والسير إلى الله وهدايتهم إلى الصراط المستقيم، ونحن الإيرانيين المسلمين بالإضافة إلى جهادنا في سبيل الإسلام يجب أن لا نغفل عن الجهاد الأكبر، جهاد النفس الذي هو مبدأ كل الأمور، كما أننا نرى هذه الأعياد عيداً للمسلمين وذخراً وشرفاً للنبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، كذلك يجب علينا أن نهيّئ أنفسنا لكي نكون ذخراً وشرفاً للنبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم.
يجب علينا أن نتصرف ونتعامل في مكة والمدينة وفي كل مكان ومع المسلمين كافة بشكل يبين شرف الإسلام، ويفهم الناس كيف يربى الإسلام أبناءه، ومن أجل ذلك جاء الإسلام والقرآن الكريم.
التوجه الى الله هو الهدف الأساس للأنبياء
القضية وما فيها هي أننا نريد الحد من أيدي الظالمين إن شاء الله ونريد تحطيم القوى ونمنعهم من أن تطأ إقدامهم بلاد المسلمين إن شاء الله، وهذه كلها مقدمة لحصول الاطمئنان في هذه البلاد ويتبع هذا الاطمئنان حصول سير روحي وهداية الى الله. الشيء الأساس هو السير إلى الله. التوجه الى الله... كل العبادات له، كل متاعب الأنبياء من آدم إلى الخاتم من أجل هذا المعنى إي السير إلى الله وتحطيم صنم النفس الذي هو أكبر الأصنام ويتبعه تحطيم الأصنام الأخرى ولقد كانت التظاهرات في مكة هذا العام عظيمة والحمد لله، وبالشعارات المفحمة حطمت شوكة الأصنام وستتحطّم كذلك فيما بعد إن شاء لله.
آمل أن تزداد هذه الأمور سنة بعد أخرى ويتصل المسلمون بعضهم ببعض ويهتفون سوية في موضع الهتاف، وأرجو الله تبارك وتعالى أن يوقظنا جميعاً ويوقظ المسلمين كلهم ويزيد في توجيههم نحو مصالح الإسلام والمسلمين، وآمل أن تلتفت دول المنطقة إلى نفسها وأن تبتعد عن الدعايات السيئة التي يبثها رجال الدين أولئك، ويتجهوا نحو وحدة الكلمة لينقذوا الإسلام من مصّاصي الدماء هؤلاء، وينقذوا بلاد المسلمين من أيدي الأشخاص الذين يحاولون ابتلاعها. وفّقنا الله وإياكم لنحتفل في هذه الأعياد بعيد التعريف بالإسلام وأحكامه.
روح الله الموسوي الخميني
* صحيفة الإمام، ج19، ص:48,45