يتم التحميل...

الموضوع: أبعاد شخصية الإمام عليّ عليه السلام

خطاب

الحاضرون: عباس واعظ طبسي (ممثل الإمام وسادن الروضة الرضوية المقدّسة)، محافظ خراسان، مسؤولو الدوائر والمؤسسات في محافظة خراسان، اساتذة الحوزة العلمية في مشهد وطلّابها، خدمة وعمّال المرقد الرضوي المقدس‏

عدد الزوار: 152

التاريخ: 23 شهريور 1363 هـ. ش/ 18 ذو الحجة 1404 هـ. ق‏
المكان: طهران، جماران‏
المناسبة: عيد غدير خم‏
الحاضرون: عباس واعظ طبسي (ممثل الإمام وسادن الروضة الرضوية المقدّسة)، محافظ خراسان، مسؤولو الدوائر والمؤسسات في محافظة خراسان، اساتذة الحوزة العلمية في مشهد وطلّابها، خدمة وعمّال المرقد الرضوي المقدس‏

بسم الله الرحمن الرحيم

عليٌّ عليه السلام مصداق جميع الأسماء والصفات الإلهية

أبارك للضيوف الأعزاء الذين قدموا من الحضرة القدسية لثامن الأئمة - سلام الله عليه - هذا العيد الكبير ونجلّ أكبر الإجلال قدومكم. لقد جئتم من مركز النور، مركز العلم الإلهي، المركز الذي يجب على الجميع تقبيل أعتابه، ويجب عليّ أن أظهر الأسف لأن العين بصيرة واليد قصيرة. وأرجوكم أنتم أيها السادة والروحانيون والطبقات الأخرى أن تبلغوا شوقي وإرادتي عند ما تعودون إلى هناك.

عيد الغدير هو من أكبر الأعياد المذهبية. وهو عيد المستضعفين وعيد المحرومين وعيد المظلومين في العالم أجمع. العيد الذي اختار فيه الباري تبارك وتعالى أمير المؤمنين عليه السلام بوساطة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، لتطبيق الأهداف الإلهية تبليغها ومواصلة طريق الأنبياء. يجب أن نأسف لأن أيدي الخيانة بالحروب التي أثارتها وأشعلت نيرانها حين تصديه للأمور حالت دون أن تظهر الشخصية الحقيقية لهذا الرجل العظيم بمختلف أبعادها. فلشخصية هذا الرجل العظيم أبعاد كثيرة وتجلًّ للإسم الإلهي الجامع لكل الأسماء والصفات الإلهية. حيث تجلت في هذه الشخصية الأسماء والصفات الإلهية كلها في الظهور والبروز في الدنيا وفي العالم بواسطة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم. إن الأبعاد الخفيّة فيه أكثر من الظاهرة. وهذه الأبعاد نفسها التي وصلت وتصل إليها يد البشر. لقد جمعت في شخصية هذا الرجل أبعاد متناقضة ومتضادة. ففي حين تراه زاهداً وأكبر الزهّاد تجده كذلك مقاتلًا مقداماً مستبسلًا في الدفاع عن الإسلام. إنَّ هذه الأبعاد والصفات لا تجتمع في أشخاص عاديين. فالزاهد من الأفراد العاديين ليس مقاتلًا والمقاتل منهم ليس زاهداً كما هو معروف.

و في حين يقنع من المأكل والملبس وغيرهما بأقل القليل تجده قويّ الساعدين. إنَّ اجتماع هذه الصفات كلها فيه هي من التناقضات. وفي الوقت الذي يجمع العلوم المتعددة المعنوية والروحانية وسائر العلوم الإسلامية، يجمع كذلك مختلف الاختصاصات بحيث إنَّ أصحاب كل اختصاص يعدّونه منهم، فالأبطال الشجعان يعدّون حضرة أمير المؤمنين عليه السلام منهم وكذلك الفلاسفة والعرفاء والفقهاء والفئات الباقية الأخرى كلُّ منها تعتبر أمير المؤمنين عليه السلام منها، والحقيقة هو أنّه منها كلها إذ يجمع الأوصاف والكلمات كلها.

إنَّ بعض هذه الكمالات بقي مستوراً لكنه يُعلم من أدعيته. فدعاء كميل دعاء عجيب جداً إذ بعض فقراته لايمكن أن تصدر من بشر عادي إنه يقول: "إلهي وسيدي ومولاي وربّي صبرت على عذابك فكيف أصبر على فراقك"، من يستطيع أن يقول مثل هذا؟ مَن له مثل هذا العشق لجمال الله بحيث لا يخشى جهنم لكنه يخشى أنه حين يدخل جهنم فإنه سينزل عن مقامه ويصل إلي درجة يُحرمُ فيها من عشقه لله؟ إنه يئن من فراقه لحضرة الحق تعالى. هذا العشق الذي تستعر ناره في قلبه على الدوام. وكل الأعمال التي تصدر عنه تصدر من هذا العشق لله. قيمة الأعمال تنبع من هذا العشق والحب لله، إنها تنبع من التفاني والتوحيد الذي في هذا الإنسان ولهذا صارت" ضربة عليٌ يوم الخندق أفضل من عبادة الثقلين " 1. لو افترضنا أنَّ هذه الضربة صدرت عن إنسان آخر دفاعاً عن الإسلام لكنها لم تنبع من هذا العشق، وإن كان عمله هذا قد تسبب في تقوية الإسلام لكن بما أن مبدأه لم يكن مبدأ عشق فلن يكون " أفضل من عبادة الثقلين" هدف الأعمال هدف معنويتها لا صورتها. إنَّ هذا العمل قد يصدر من أشخاص كثيرين لكنه قد لا يحظى بالأجر ولا بالفضيلة على الإطلاق، وقد يحظى بالفضيلة إلى الحد الذي يصير " أفضل من عبادة الثقلين" وهذا ناتج عن العشق والمحبة النابعين من قلب أمير المؤمنين عليه السلام إذ لا اليد يده ولا العين عينه بل يد الله وعين الله.

إننا نردّد هذا بألسنتنا ولايمكننا تصوّره، لقد صدقناه - بالطبع - بهذا الشكل ولكننا لانستطيع أن نتصور كيفية الأمر.

شيعة عليّ عليه السلام يتّبعون هدفه وطريقته‏

إنَّ شيعة هذا الرجل العظيم لا يستطيعون أن يكونوا مثله. وهو نفسه قد أكدّ هذا بقوله عليه السلام:

" ألا وإنكم لا تقدرون على ذلك "، إنهم لا يقدرون حتى على مجاراته في زهده الظاهري، فكيف بمعنوياته. لا ينبغي لنا أن نقول: نحن شيعة أمير المؤمنين عليّ عليه السلام وهو نفسه في دعاء كميل وسائر أدعيته وغيرها يظهر مثل هذا الخوف من الله، ونحن لا نسير على خطاه. لكننا ندّعي بأننا شيعته، لو كان قد تمكن من بسط العدالة لكان أنموذجاً لحكومات العالم كلها، لكنهم لم يمكّنوه.

إننا نقول: نحن شيعته ثم نظلم - لا سمح الله -، هذا لا يكون. ولقد جاءفي الروايات أن شيعة عليّ عليه السلام هم السعداء. فعلينا أن ننظر إلى أنفسنا هل نحن تابعوه أم لا؟ هل نعمل بواجباتنا  - حتى هذه الواجبات الشكلية - أم لا؟ ماذا فعلنا في هذه الجمهورية الإسلامية وماذا سنفعل؟ وماذا فعلوا بنا وماذا سيفعلون؟

أنتم أيها الشعب العزيز بقدرتكم وبإيمانكم وبالتغييرات التي حصلت في أعماقكم قد قطعتم أيدي الجناة داخل البلاد وأيدي الغزاةالتي امتدت إليكم من الخارج. لقد أزلتم من الوجود حكومة طاغية وأقمتم مكانها حكومة إسلامية. أنتم الذين قمتم بهذا العمل يجب عليكم أن تواصلوا المسير لتحافظوا عليه، لا يمكن أن يقوم إنسان بعملٍ مّا ويتركه في منتصف الطريق. الجمهورية الإسلامية اليوم أمانة في أيديكم، وأيدينا نحن والشعب الإيراني كله، فلو قمنا بما يتعارض ومصالح الجمهورية الإسلامية ومصالح الإسلام فقد خنا هذه الأمانة. وصرنا مجرمين وخائنين أمام الله تعالى. لا تتمثل الخيانة كلها بما يفعله المنافقون. فهذا جزءٌ منها، وما يفعله صدام جزء منها كذلك وهكذا الذين يريدون تحت - عناوين مختلفة - أن يوجهوا في الداخل الضربة للإسلام، وبأسماء مختلفة وأمور متعددة يوجهون لطمة للحكومة الإسلامية. هؤلاء خونة أيضاً، قد تفتح خيانة هؤلاء أحياناً الطريق لأمثال صدام والمنافقين ليقوموا بخيانات أكبر وأعظم. نحن الذين نقول: إننا مسلمون شيعة عليّ بن أبي طالب عليه السلام يجب علينا أن ننظر إلى مسلكه. عليّ بن أبي طالب عليه السلام الذي نصبه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مكانه قد ساير غاصبي حقه مدة عشرين سنة ونيّف من أجل مصلحة الإسلام، لأنَّ مصلحة الإسلام اقتضت ذلك، فلو كان عارضهم ووقف ضدّهم لتعرض الإسلام للخطر، ونحن الذين نقول: إننا مسلمون يجب أن نأخذ مصالح الإسلام بنظر الاعتبار لامصالحنا الشخصية، يجب أن نلحظ هل أنَّ توجيه الضربة لمجلس الشورى الإسلامي، ولمجلس صيانة الدستور، ولرئيس الجمهورية، ولحكومة الجمهورية الإسلامية، هل ينسجم ذلك مع كوننا شيعة عليّ بن أبي طالب عليه السلام؟ فذلك قد سالم القوم أكثر من عشرين سنة وأرسل أبناءه للحرب إلى جانبهم.

دعم الحكومة الخدومة

المصالح الإسلامية اليوم تقتضي أن نتّفق جميعاً لا أن نطرح كل يوم موضوعاً لإضعاف الحكومة أو المجلس أو بعض الشخصيات المرموقة. أنا أنصح الحكومة بأنَّ تشرك أبناء الشعب في‏ أعمالها. لأنكم لا تقدرون على القيام بالأعمال لوحدكم، ولا يمكن ذلك. إذ نرى فجأه أنَّ الشياطين يهاجمون الدولة من جميع الجهات بأنكم كنتم تعملون دائماً بما يغاير الشرع. عند ما ينصح الله تبارك وتعالى نبيه لقوله:" يا أيها النبيَّ اتّقِ الله 2 "، فهذا يعني في رأيكم أن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن متّقياً ليقول له الله:" اتّق الله "! إنَّ الله تبارك وتعالى يقول للمؤمنين جميعاً:" يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله "، فيقتضي أنَّ المؤمنين لم يكونوا متقين ليقول لهم الله تعالى: " اتّقوا الله "2" " ! كلا ليس الأمر كذلك، ماذا يقول الشياطين لهذا الشعب؟.

فهل هؤلاء الذين يطالبون بالحكم الملكي يريدون إعادة الحكم الملكي إلى البلاد، أم أنهم خدعوا من قبل من يريدون تضييع البلاد وإعادتها مجدداً إلى الهيمنة الأمريكية؟ فهل يدرك هؤلاء ماذا يفعلون؟ هؤلاء الذين لا يستطيعون إدارة شؤون محلّة واحدة لو سلّمت إليهم، فكيف يسمحون لأنفسهم بالتصدّي لتحمل أعباء دولة تعاني من المشاكل والضغوط التي يمارس ضدها من الشرق والغرب؟ وكيف يدعون أنهم يستطيعون أن يديروا شؤون هذه الدولة على أحسن وجه؟ كيف يسمحون لأنفسهم بهذا التجرّي ويظهرون في كل يوم بمظهر. حسناً، إننا لا نعرف الأشخاص لكنَّ الله تعالى يعرفهم. نحن لا نفهم أفكاركم لكنَّ الله يعلم. أنتم الذين لاتستطيعون إدارة مدينة واحدة. ولو أعطيتم مخبزاً في المدينة لم تستطيعوا إدارته فكيف تقولون: لماذا لم تفعل الحكومة كذا ولماذا تفعل كذا؟ هل تفهمون عمل الحكومة ما هو وما فعلت لحد الآن؟ هل تعلمون أن الأعمال التي قامت بها هذه الحكومة في هذه السنين المعدودة مع كل الضغوط التي تعاني منها تزيد في عمقها على كل الأعمال التي انجرت طيلة العهد البهلوي الفاسد؟ ماذا تقولون في حق هذه الحكومة؟ انتهوا. خافوا الله، اخشوا غضب الله، هل تتصورون أنكم ستأتون إلى الحكم فيما لو سقطت هذه الدولة؟ لا إنكم لن تنالوا ذلك مطلقاً. هل تتصورون أنَّ كلامكم هذا هو في مصلحة الإسلام؟ إنَّ الشيطان المتلبس بكم والكامن في بواطنكم هو الذي يطلق هذه الأقوال للإضرار بالإسلام. اتركوا هذه الأمور. ساعدوا الحكومة التي تعاني من أجل الإسلام ومن أجل بلدكم.

لماذا كلما سنحت لكم الفرصة هنا وهناك تطلقون أقاويل أو تنشرون مقالات في نقد الحكومة والتحريض عليها، هذه أمور يجب أن يُلفت نظر الشعب إليها، يجب أن يعلموا أن بين أبناء الشعب أشخاص من هذا القبيل. على العلماء الأعلام أينما كانوا أن يحذروا هؤلاء بأنَّكم تعملون على دفن أنفسكم بأيديكم. خافوا اليوم الذي يغضب الله علينا ويعيدنا إلى جهنم التي كنّا فيها فيما سبق، هل نسيتم ماذا كان يعمّ إيران من شمالها إلى جنوبها من الفحشاء؟ ألا تعلمون أنا كنا في السنوات القليلة الماضية تحت سلطة الاستعمار الأمريكي وقبلها تحت سلطة الاستعمار البريطاني؟ ألا تدرون أم إنكم تدرون وتريدون أن يعود الوضع إلى سابق عهده؟ أم أخذكم الحسد وتريدون أن تتحطم الجمهورية الإسلامية حتى لو أدّي ذلك إلى قتلكم والقضاء عليكم؟ إنني أنصحكم وأذكّركم في هذا اليوم المبارك بأنَّ إمامكم لم يكن هكذا. إمامكم كان يلاحظ مصالح الإسلام العامة، ولم يلحظ مصلحته الخاصة، فقد تابع الوضع عند ما اقتضت ذلك المصلحة العامة للإسلام، وعند ما اقتضت مصلحة الإسلام إبعاد الخوارج بقوة السيف، أبعدهم. خذوا المشكلات بنظر الاعتبار واعلموا أن الشياطين المحدقين بكم يبحثون عن أمر بسيط ليضخّموه ويذيعوه من أبواقهم. لماذا تعملون كل يوم شيئاً وتقدمونه لهم ليتّخذوه مادةً للدعاية ضدّكم؟.

إنني أشعر أن من واجبي التذكير وإلا فإنّي لم أرد أن أقول شيئاً ولكن رأيت الواجب يحتمّ عليّ ذلك، حيث إنَّ الشياطين قد عادو - عند ما قلت شيئ - إلى القول بأنَّ فلاناً عند ما قال هذا، اتضّح أنَّ الحكومة تعمل خلاف المصلحة الإسلامية، فهل قلتُ هذا حقاً؟ لقد نصحتُ، والله كذلك نصح النبيّ ونصح المؤمنين، في كل جمعة يقول أئمة الجمعة للناس:" اتقوا الله "، فهل هذا يعني أنكم جميعاً عديمو التقوى؟!.

صلاة الجمعة الآن تقام الآن في كل أنحاء البلاد ومن آدابها وواجباتها في الخطبة الأولى واحتياطاً في الخطبة الثانية أن يأمر خطباؤها الناس بتقوى الله فهل يعني هذا أن الله تعالى يرى الناس كلهم من غير تقوى؟ عند ما أقول لكم: افعلوا كذا فلا يعني هذا أنكم لحد الآن لم تفعلوه وكنتم معارضين له والآن عليكم أن تفعلوه. كلا، يجب أن تتنبّهوا قليلًا. لا تجعلوا الله يغضب علينا في وقت ما ويريكم للناس ويقول: هؤلاء الذين يقومون بهذه الأفعال. دعوا هذه الأفعال. تنبّهوا للأمور. إنكم تواجهون أشخاص يبذلون أرواحهم في سبيل الإسلام ويعرّضون أنفسهم للقتل، فلا تخالفوهم بل ساعدوهم وقفوا معهم وكونوا يداً واحدة وإلّا فستندحرون، وباندحاركم يندحر الإسلام، ولو اندحر الإسلام - لا سمح الله - فسوف لا يستطيع أن يرفع رأسه لسنوات طوال، ولهذا علمت القوى العظمى أنَّ الإسلام عزيز مقتدر. فحافظوا على قدرته هذه. أدعو الله بخضوع أن يمنحنا اليقظة وأن يوقظ المسلمين وحكومات البلدان الإسلامية وينصر شعبنا وجيشنا وكل قوانا المسلحة، ويمنح الأمة كلها السعادة والسلامة والتوفيق والرعاية الفائقة، وأن نكون جميعاً من خدّام الإسلام.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته‏

روح الله الموسوي الخميني‏

* صحيفة الإمام، ج19، ص:63,59


1- سورة الأحزاب، الآية 1
2- سورة الحشر، الآية  18

2011-06-25