يتم التحميل...

الموضوع: ضرورة الاهتمام بأمر القضاء، واجبات السفراء وممثلي الجمهورية الإسلامية في الخارج‏

خطاب

الحاضرون: أعضاء المجلس الاعلى للقضاء، العاملون في السلطة القضائية، وزير الخارجية واعضاء بعثات الجمهورية الإسلامية في الدول الأوروبية والأمريكية

عدد الزوار: 59

التاريخ: 8 مرداد 1364 هـ. ش/ 11 ذو القعدة 1405 هـ، ق‏
المكان: طهران، جماران‏
المناسبة: ولادة الإمام الرضا عليه السلام
الحاضرون: أعضاء المجلس الاعلى للقضاء، العاملون في السلطة القضائية، وزير الخارجية واعضاء بعثات الجمهورية الإسلامية في الدول الأوروبية والأمريكية

بسم الله الرحمن الرحيم

اهتمام الحوزات العلمية بأمور القضاء

أهنّئ بهذا اليوم المبارك جميع مسلمي العالم وكل المستضعفين والشيعة بالخصوص، وبالأخص أنتم أيها السادة الذين شرّفتم هذا المكان بحضوركم، أسأل الله تبارك وتعالى أن يوفقنا ببركة المرقد المطهّر لحضرة الإمام الرضا سلام الله عليه لمتابعة تعاليم الإسلام السامية وأن نتّبع التربيات التي تكفلها أئمة الهدى عليهم السلام وأسأل الله التوفيق لكل الشعوب وخصوصاً الشعب الإيراني للعمل بأحكام الإسلام بشكلها الصحيح والاستناد إلى الألطاف العالية لله تعالى وأن يسيروا قدماً في الطريق الذي سلكوه وسيحصلون على التوفيقات إن شاء الله.

إن ما يجب أن أعرضه على حضراتكم هو أمر يعود إلى السلطة القضائية وأمر آخر يخص المنشغلين بالخدمة خارج البلاد والحاضرين بعضهم هنا. ففيما يتعلق بالسلطة القضائية فالحديث يعود إلى وجوب تقوية العاملين فيها وهذا يرتبط جانب منه بالحوزات العلمية في البلاد كلها وخصوصاً الحوزة العلمية في قم. إنَّ مسألة القضاء هي مسألة مهمة حيث إنها تتعلق بمصداقية الدولة وكرامة المسلمين، وقد حثّ الإسلام على القضاء بشكل قلّ أن يحث به على شئ آخر. فبناءً على هذا فإن كل من يجدف نفسه المؤهلات لممارسة القضاء أن يلتحق بالسلطة القضائية، وهذا واجب على الجميع حتى تتحقق الكفاية، وإلّا فإن الواجبات الكفائية واجبةعلى الجميع فرداً فرداً ولا يرتفع الوجوب إلّا حينما تحصل الكفاية، على هذا فإن على الحوزات العلمية في طول البلاد وعرضها أن تهتم بهذا الأمر، وعلى كل من يجد في نفسه‏ الكفاءة للقيام بهذه المهمة أن يقدّم نفسه ويؤدي هذا الواجب، وهذا خدمة للإسلام وللوطن وتكليف إلهي وضعه الله تعالى على الجميع وآمل أن ينجز هذا الأمر.

العلم بدون عمل مضرٌّ

و آمل من الطلاب المنشغلين بالخدمة أن يهتموا بتهذيب الأخلاق إلى جانب القضاء، المهم أن يكون جناحا العلم والعمل معاً فالعلم بدون عمل غير مفيد بل هو مضرٌّ، ولعل أكثر المصائب التي حلّت بالبشر ناشئة عن العلم، وكل هذه الخراب الذي حل بالدنيا إنما نتج عن عدم اقتران العلم بالتهذيب، إن لديهم علماً ولكنهم غير مهذبين، فلو أردتم خدمة الإسلام فاخدموا وطنكم وحافظوا على استقلاله ولا تربطوا أنفسكم بأية جهة وعليكم بتقوية العلم وتهذيب الأخلاق والعمل. وأنا آمل أن يكون الأمر هكذا وأن توفقوا لإيصال هذا الواجب الكبير إلى كماله بشكل مناسب.

إقامة الحدود بحسب ميزان أحكام الإسلام‏

وأقول للسلطة القضائية أن مسألة القضاء مسألة مهمة جدّاً بحيث لو قصُرَ الإنسان عنها أو قصَّرَ فيها لحصل الضرر، فلو قصَّر فيها لأصبح مسؤولًا أمام الله تعالى، ولو تجاوز الحّد فهو كذلك، فالميزان هو أحكام الإسلام، ويجب إقامة الحدود كما أمر الله به لا أقلّ ولا أكثر، حتى أن المحكوم بالإعدام وهو في طريقه إلى تنفيذ الحكم لايحق لأي أحد أن يُسمعه كلاماً نابياً، ولو صفعه أحد في الطريق فمن حقه أن يعيد الصفعة إليه ويجب على الآخرين مساعدته ليقتصّ ممّن صفعه، ولو أسمعه أحد كلاماً نابياً فعلى السلطة القضائية تعزيره.

و من جهة أخرى لو قصّر أحد في إقامة الحدّ فلو استحق أحد سبعين سوطاً مثلًا فضربه ستين سوطاً فقد قصّر في إقامة حكم الله ولا يتصّور أن هذا رحمة بل هو معصية لله، فالحدود يجب أن تقام كما أمر الله، فمن لم يقم الحدّ أو أقامه ناقصاً فقد عصى وسيلحق الضرر به وبالشعب، فهذه الحدود هي التي تربّي الأشخاص وتوصل الشعب إلى الحد الذي تقِلُّ فيه المفاسد، فالحدّ الذي يقام يربّي الشخص الذي أقيم بحقه وهو للشعب أمر حَسَنُ، ولكم في القصاص حياة 1.

إننا أحياءٌ عند ما نعمل بكل الموازين الإلهية، وإننا نستطيع مقابلة القوى العظمى ولا يلحقنا ضرر عند ما نكون ملتزمين بالإسلام وبأحكامه. والقضاة يمكنهم أن يكونوا قضاة عند ما لا يكون قاصرين أو مقصرين في القضاء من حيث الحكم الأمر بما يجب أن يحدث، فلا يغالون ولا يقصّرون، وعلى هذا فإن إحدى المهمّات التي تجب ملاحظتها وستلاحظ إن شاء الله، وآمل أن يوفق الجميع للعمل طبقاً لقول الله فلاتسرفوا بحيث تتجاوزون الحد لا سمح الله فهذا تقصير، ولا تعملوا بأقلّ منه وتتصورون أنكم أرحم من الله وهذا تقصير أيضاً، فالصراط المستقيم هو العمل بما سنّه الله تبارك وتعالى وعلى الشرطة القضائية أن تتنبّه إلى أنها شرطة الإسلام ... شرطة السلطة القضائية من اجل الاسلام. هذه الشرطة يجب أن تعمل طبقاً للموازين، فلا تتجاوز الحد لا سمح الله عند ما تجد لديها القدرة على ذلك بل عليها أن تعمل طبقاً للأوامر الصادرة لها والمطابقة للموازين الشرعية إن شاءالله.

العمل على جعل الأجواء في سفارات الجمهورية الإسلامية إسلامية

و إن الشئ الذي أودُّ عرضه فيما يتعلق بالإخوة الذين حضروا من الخارج إلى هنا وكل الإخوة الذين يقومون بالخدمة خارج البلاد هو أن عليكم جميعاً أن تكونوا مقيدين وملتزمين أينما تكونون ولا تتأثروا بالمحيط الذي تعيشون فيه بحيث إنَّ من يدخل إحدى السفارات في الخارج يرى أنه يدخل محيطاً إسلامياً وإنسانياً، لا أن تكون هناك لا سمح الله أشياء كما كانت في العهد السابق، فإن كانت هناك أشياء باقية من عهد الطاغوت فكونوا جادّين في إزالتها بشكل كامل وآمل أنها قد أزيلت لحد الآن.

و على هذا فإننا حين نستطيع أن نقف في مقابل الدنيا كلها ونقول: نحن لا نذهب صوب " المغضوب عليهم " ولا صوب" الضالين "، لا صوب الشرق ولا صوب الغرب، عند ما تستطيع أن نكون هكذا ونعمل على الصراط المستقيم بحيث نكون مجتمعين معاً ونكون يداً واحدة كما أمر الإسلام بذلك، وصوتاً واحداً كأننا حنجرة واحدة ننادي: لنجتمع سوية ولا نبدي ضعفاً.

فكلما يتقدم الإسلام ونعطيه زخماً لزمنا أن نقوم بنشاطات أكثر، لا أن نقول إن الإسلام قد جاء إلى إيران ولا يهمنا شئ آخر. كلا، لقد حان وقت البدء بالعمل، يجب علينا الاهتمام بكل الأمور وأن نكون أقوياء، وأفضل العاملين هو من ينجز الأمر الموكل إليه في أحسن وجه، فلو افترضتم أنكم تريدون العمل في إحدى السفارات فعليكم أن تؤدوا العمل المناط بكم خير أداء ولا شأن لكم بغيركم، نعم لو رأيتموهم يتصرفون خلافاً للمطلوب فعليكم ردعهم ولا تشغلوا أنفسكم بالنظر إلى كيفية أدائه لعمله. عليكم أنتم أن تؤدّوا عملكم طبقاً للموازين الإسلامية وقوانين الجمهورية الإسلامية. وعليه فإن الموظف الجيد والإنسان الجيد هو الذي يؤدي عمله بشكل جيد ويكون بمستوى المسؤولية المناطة به، وآمل أن تكونوا جميعاً هكذا كما آمل أن يكون الشعب الإيراني كله هكذا.

إثبات الوجود امام العالم بالمشاركة في الانتخابات‏

من الأمور التي ستحصل في المستقبل القريب مسألة انتخاب رئيس الجمهورية. وأنا لا يهمني من سيكون رئيساً للجمهورية ولا ربط لي به فأنا لي صوت واحد سأمنحه لمن أشاء، أما إنْ أردتم إثبات وجودكم أمام العالم وأن تقولوا: إننا بعد كل هذه السنوات لا نزال أحياءً فعليكم المشاركة في الانتخابات، فلو تعرضت الجمهورية الإسلامية للضرر لا سمح الله بسبب عدم مشاركتكم فكل واحد منا مسؤول حينذاك أمام الله تعالى، فالمسألة ليست مسألة رئاسة الجمهورية بل هي مسألة الإسلام وقواعده وكرامته، والمسألة التي يجب علينا جميعاً أن نوليها أكبر الأهمية ونشارك فيها أكثر من أي وقت وأية سنة وأية دورةانتخابية إن شاء الله، وآمل إن يشارك الجميع فيها.

و اعلموا أن إشعاعات الإسلام قد انطلقت من مركز إيران إلى كل أنحاء الدنيا، ولا أدري هل سمعتم كما سمعت بأنَّ هناك نية لتأسيس بنك إسلامي في أمريكا؟ وبالطبع فإن الإسلام الذي يقوله هؤلاء غير الإسلام الذي نقوله نحن ولكني سمعت أن دولًا من أمثال مصر والسودان التي أصبحت تنادي بأحكام الإسلام وتنطلق منها أصوات لتأسيس البنك الإسلامي في أمريكا، فهل تتصورون أن هذه المسألة حدثت اعتباطاً ومن دون أن يتأثروا بثورتنا؟ كلا فموجة إشعاع الإسلام قد وصلت إلى مكان وانطلق صوته في كل مكان حتى في أمريكا وغيرها من الأماكن، لقد تأثروا بهذه الحركة شاءوا أم أبوا، هذه الحركة الإسلامية أدّت إلى تأثر سائر الدول بها ومسلمو الدول التي سارت معاً والتي تقول أحياناً إنَّ إيران أصبحت منزوية ومعزولة فماذا يقصدون؟ هل يقصدون أمريكا أصبحت لا تعتني بنا؟ فلو مددنا أيدينا نحو أمريكا لاستجابت لنا أكثر من الآخرين ولكننا نحن الذين لا نعتني بها كما لا نعتني بغيرها.

و إن كانوا يقصدون أننا منزوون عن الشعوب، حسناً فالكل يعلم أنَّ الشعوب كلها تدرك حقيقة مايجري، والاجتماعات الإسلامية الآن قائمة في كل مكان. فإخواننا أهل السنة وإخواننا الشيعة مجتمعون ويتحدثون عن الإسلام وإن وجوب كون كل شئ إسلاميّاً ووجوب كون بلدهم إسلاميّاً فهذه الأمور موجودة وهذا كله بفضل الإشعاعات التي تفضّل الله ورَحِمَنا بها وبثها في كل مكان وعليكم إن شاء الله أن تتابعوا هذه المسألة وتعملوا بها بشكل لائق ومناسب وتجعلوها محور اجتماعاتكم.

و أقول لكم أيضاً أن اجتماعاتكم ووحدتكم مؤثرة. ونقول للذين يعادوننا: حسناً، إن كنا سيئين فالإسلام غير سيّئ، فلو رأوا أن الشعب صوّت لصالح رئيس الجمهورية أيّاً كان فهذا دليل على اجتماع جماعة المسلمين وهذا من موجبات تقوية الإسلام، وأولئك الذين يعتقدون بالإسلام عليهم أن يتواجدوا في الساحة ويدلوا بأصواتهم ولا يقولوا بأنه مادام الأمر لم يتمّ كما يريدون فإنهم يتنحَّون ولا يشاركون، لا، ليس الأمر كذلك، إذ على الإنسان أن يتواجد في الساحة حتى لو لم يكن الأمر مطابقاً لهواه ورغبته، فالمرحوم المدرّسرحمه الله قال في وقته: إنني معارض لقيام الجمهورية وكانت المعارضة لقيام الجمهورية في ذلك الوقت أمراً واضحاً ومع معارضتي لها فلو قامت فلا اعتزلها ولا أتنحّى عنها فأنا حاضر في الساحة وسأتابعها.

فالإنسان الذي يريد أن يخدم عليه أن يخدم في أي شكل أولون سواء وافق ذلك هواه ورغبته أم خالفتهما، إنَّها خدمة للإسلام وللجمهورية الإسلامية، فالذي يعتقد بسلامة الجمهورية الإسلامية عليه أن يشارك في الانتخابات حتى ولو كان معارضاً لبعض الأشخاص، وعدم مشاركته دليل على عدم قبوله بالجمهورية الإسلامية. أسأل الله تعالى أن يوفقنا جميعاً لخدمة الإسلام وأسأله أن يقوّي مقاتلينا في الجبهات أكثر ممّا هم عليه الآن وأن يجعلنا جميعاً تابعين لأحكام الإسلام.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته‏

روح الله الموسوي الخميني‏

* صحيفة الإمام، ج19، ص:290,286


1- سورة البقرة: الآية 179.

2011-06-25