أصول الأخلاق في القرآن
الأخلاق في القرآن
نحن نعلم أنّ القرآن الكريم لم يُنظّم ككتاب تقليدي، في أبواب وفصول، كما هوالمتعارف اليوم، بل هومجموعةٌ من القاءات الوحي السّماوي، نزل بالتّدريج على حسب الحاجة والضّرورة، ولكن وبالإستفادة من طريقة التّفسير الموضوعي، يمكن وضعه في مثل هذه القوالب....
عدد الزوار: 335نحن نعلم أنّ القرآن الكريم لم يُنظّم ككتاب تقليدي، في أبواب وفصول، كما هوالمتعارف اليوم، بل هومجموعةٌ من القاءات الوحي السّماوي، نزل بالتّدريج على حسب الحاجة والضّرورة، ولكن وبالإستفادة من طريقة التّفسير الموضوعي، يمكن وضعه في مثل هذه القوالب. ومن التّقسيمات الّتي يمكن إستيحاؤها وإستفادتها من مجموع الآيات القرآنية، هوتقسيم اُصول الأخلاق إلى أربعة أقسام:
1- المسائل الأخلاقيّة المتعلّقة بالخالق.
2- المسائل الأخلاقيّة المتعلّقة بالخَلق.
3- المسائل الأخلاقيّة المتعلّقة بالنّفس.
4- المسائل الأخلاقيّة المتعلّقة بالكون والطّبيعة.
فمسألة شكر المُنعم والخضوع أمام الباري تعالى، والرّضا والتسّليم لأوامره، وما شابهها، يُعتبر من المجموعة الاُولى. والتواضع، والإيثار، والمحبّة، وحُسن الخلق، والمُواساة، تدخل في دائرةالمجموعة الثّانية. تزكية النّفس وتطهير القلب من الأدران، وتفعيل عناصر الخير، لمقاومة الضّغط والتّحديات التي يُواجهها الإنسان في حركة الواقع والحياة، تدخل في نطاق المجموعة الثّالثة. وأمّا عدم الإسراف والتّبذير، وإتلاف المواهب الإلهيّة فإنّه يُعتبر من القسم الرّابع. كلّ هذه الاُصول الأربعة، لها جذور واُصول في القرآن الكريم.
وبالطبع فإنّ هذه الشّعب الأربعة، تختلف عمّا جاء في كتاب "الأسفار" للفيلسوف المعروف: "ملاّ صدرا الشّيرازي"، وأتباع مذهبه، فهؤلاء وطِبقاً لطريقة العُرفاء، شبّهوا الإنسان وحركته التكامليّة: بـ: (المسافر)، وعبّروا عن مسائل بناءِ الذّات وصياغة الشّخصية بالسّير والسّلوك، وجعلوا للإنسان أربعةَ أسفار، هي مَطمع السّالكين والعُرفاء، وأولياء الله:
1- السّفر من الخلق إلى الحقّ.
2- السّفر بالحقّ في الحقّ.
3- السّفر من الحقّ إلى الخلق بالحقّ.
4- السفر بالحقّ في الخلق.
ومن المعلوم أنّ هذه الأسفار والمراحل الأربعة لبناء الذات، والسّير والسّلوك إلى الله تعالى، تتحرك بإتجاه آخر غير ما نحن بصددِه، وإن كانت تتشابه في بعض أقسام الفروع الأربعة، للأخلاق الآنفة الذّكر. وتوجد في القرآن الكريم آيات، نعتقد أنّها رَسمت الاُصول الكليّة للأخلاق، ومن هذه الآيات، الآيات الوادرة في (سورة لُقمان) والّتي تبدأ من هذه الآية: ﴿وَلَقَدْ آتَينا لُقْمَانَ الحِكْمَةَ أَنْ اشْكُرْ للهِ﴾(لقمان:12). إنّ أوّل ما يشرع فيه الإنسان في مضمارالعقائد والمعارف، هوشُكر المُنعم، وأوّل خطوة في طريق معرفة الله تعالى، هي مسألة شكر المُنعم، وبعبارة اُخرى، كما صرّح علماء العقائدوالكلام: إنّ الدّافع للحركة إلى الله تعالى هوشكر النّعمة، لأنّ الإنسان عندما يفتح عينه، يرى نفسه غارقاً في بحر النّعم، فيدعوه الضّمير مُباشرةً إلى معرفة المُنعم، وهذا هوبداية الطّريق لمعرفة الله تعالى.وبعدها تتطرّق الآية لمسألة التّوحيد وتقول: ﴿لا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّركَ لَظُلمٌ عَظِيمٌ﴾.وفي المرحلة الاُخرى، يتناول القرآن الكريم مسألة المعاد، وهي الأساس الثّاني والمهم للمعارف الدّينية ويقول: ﴿يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّة مِنْ خَرْدَل فَتَكُنْ فِي صَخْرَة وفِي السَّمَواتِ وفِي الأَرْضِ يَأَتِ بِها اللهُ﴾(لقمان:16). ثم يتطرق للاُصول الأساسيّة للأخلاق والحكمة العمليّة، ويشير للاُمور التاليّة:
1- مسألة إحترام الوالدين وشكرهم بعد شكر الخالق: ﴿وَوَصَّينا الإِنْسانَ بِوَالِدَيِهِ... أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيكَ﴾(لقمان:14).
2- إعطاء الأهميّة للصلاة، وعلاقته بالله والدعاء والخضوع له: ﴿أَقِمْ الصَّلاةَ﴾(لقمان:17).
3- الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر: ﴿وَامُرْ بِالمَعرُوفِ وَإِنْهَ عَنِ المُنْكَرِ﴾(لقمان:17).
4- الصّبر على نوائب الدّهر: ﴿واصبِرْ عَلَى ما أَصابَكَ﴾(لقمان:17).
5- حُسن الخُلق مع النّاس: ﴿وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ﴾(لقمان:18).
6- التواضع وترك الكِبر مع النّاس والخلق: ﴿وَلا تَمْشِ في الأَرْضِ مَرَحَاً إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُختَال فَخُور﴾(لقمان:18).
7- الإعتدال في المشي وفي كلّ شيء: ﴿وإقْصِدْ فِي مَشْيِكَ واُغْضُضْ مِنْ صَوتِكَ﴾(لقمان:19).
وعلى هذا التّرتيب، نرى أنّ القسم الأكبر من الفضائل الأخلاقيّة، جاءت في الآيات القرآنيّة تحت عنوان: "حكمةٌ لقمان"، التي تشمل الشّكر والصبر وحُسن الخلق والتوّاضع والإعتدال والدّعوة للإحسان، ومقاومة النّوازع والأهواء النّفسانيّة، كلّ ذلك في ضِمن سبعِ آيات، من الآية (13-19). وجاء في الآيات الثلاث من (الأنعام، التي تبدأ بالآية (151) وتنتهي بالآية (153)، عشرة أوامر مهمّة، تناولت مبادىء مهمّة من الاُصول الأخلاقيّة، ومن جملتها: ترك الظّلم للأولاد، ورعاية الأيتام، ومُراعاة العدالة مع الجميع، وترك العصبيّة للأقارب والأصدقاء والقبيلة، في دائرة نقض اُصول العدالة، وكذلك الإجتناب من القبائح والرّذائل الظّاهرية والباطنيّة، وإحترام حقوق الوالدين، والإجتناب عن كلّ ما يُسبّب التّفرقة والابتعاد عن كلّ شرك1.
*الأخلاق في القرآن،آية الله مكارم الشيرازي،مدرسة الامام علي بن ابي طالب عليه السلام-قم،ط2،ج1،ص87-90
1- لمزيد من التوضيح لهذه الأوامر العشرة، يمكن الرجوع لتفسير الأمثل: ج6، ذيل تفسير هذه الآيات الثلاث.
2009-07-29