الموضوع: توصيات لأعضاء مجلس الخبراء وقادة المستقبل
نداء
المخاطبون: اعضاء مجلس الخبراء
عدد الزوار: 126
التاريخ 22 تير 1362 هـ . ش/ 2 شوال 1403هـ . ق
المناسبة: افتتاح مجلس الخبراء
المخاطبون: اعضاء مجلس الخبراء
بسم الله الرحمن الرحيم
بتوفيق من الله المتعال، جلّ وعلا، وتأييد ولي الله الأعظم بقية الله ارواحنا لمقدمه الفداء وحسب المادة مائة وسبعة من القانون الاساسي للجمهورية الاسلامية، تم افتتاح مجلس الخبراء المبارك، الذي يضم عدداً من العلماء الأعلام وحجج الاسلام أدام الله بقاءهم ممن تم انتخابهم من قبل الشعب الايراني العظيم ليتولوا مسؤولية تعيين القائد أو مجلس القيادة، المجلس الذي يضطلع بدور كبير وأساسي في صيانة نظام الجمهورية الاسلامية واضفاء الشرعية عليه، المجلس الذي تتطلع اليه قلوب محبي الاسلام والجمهورية الاسلامية ويعقدون آمالًا عليه، فيما يقف الاعداء متربصين به. فالمحبون يعلقون الآمال على منتخبيهم وهم من العلماء الملتزمين العارفين بمصالح الأمور ومفاسدها، الذين سيتولون مهمة اختيار الفقيه او الفقهاء الاكثر كفاءة ووعياً والتزاماً، انه المجلس الذي يقع على عاتقه مهمة صيانة نظام الجمهورية الاسلامية وقيادتها، فبقاء نظام الجمهورية الاسلامية وحفظه وصيانته والسير به بشكل لائق وموافق للشريعة المطهرة منوطٌ بهذا الجلس. وأما المبغضون فيترصدونه بعيون طامعة عسى أن يجدوا لهم سبيلًا اليه من خلال عملائهم لحرف النظام الاسلامي عن مساره الصحيح ولو على المدى البعيد.
اننا نعلم ان الدول الكبرى والحكومات المرتبطة بها ليست على عداء مع الاسلام الشاهنشاهي أو الملكي، بل تدعمه وتؤيده دون شك. فالاسلام الذي يدعوإليه عملاؤهم الشياطين والجهال المتلبسون بزي العلماء، ويطالب علماء الاسلام والمسلمين بعدم التدخل في الأمور السياسية والاجتماعية واهمال قضايا المسلمين، والتجاهل لحكم العقل الواضح الموافق للقرآن. واعتبار الحديث القائل (مجاري الأمور بيد العلماء بالله) «1» ضعيفاً، والحديث الشريف (وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة أحاديثنا) 1 وأمثاله من الاحاديث الأخرى، لا أساس لها أو محاولة تأويلها تحظى بتأييد هؤلاء مئة بالمئة.
فكم هوجميل أن يكبل وعاظ البلاط والمتاجرون بالدين المخدوعون والغافلين عن ألاعيب الشياطين السياسية، أيدي علماء الاسلام اليقظين والأتقياء ليفتحوا الطريق أمام الغزاة والطامعين وتسلط القوى الكبرى.
فما الذي يخشاه أولئك من اسلام يدعم خططهم؟ انهم يخشون اسلام علي بن أبي طالب عليه صلواة الله وسلامه فلوكان هذا الشهيد الوله بالاسلام والعارف الحقيقي به يفكر كهؤلاء واختار طريق العزلة، وقبع في احدى الزوايا يشتغل في عبادة الله، ولم يطوِ طريقاً إلا الطريق بين بيته والمسجد، لما وقعت حرب صفين 2 ولا حرب النهروان 3 ولا حرب الجمل 4، ولما قُتلَ واستشهد آلاف المسلمين أفواجاً أفواجا. ولو أن سيد الشهداء عليه السلام كان يفكر كهؤلاء واختار المكوث عند قبر جده والاشتغال بالعبادة والأذكار، ما كانت لتحدث فاجعة كربلاء العظيمة، وتُقَطَّع أجسام المحبين لله ارباً إرباً، ويساق آل الله كما تساق الأسارى.
وأكثر من ذلك، لو أن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم كان يفكر كهؤلاء واكتفى بالنصح وبيان أحكام العبادات، لما عانى كل هذه المصائب والمحن والآلام، ولما استشهد هذا العدد من المسلمين. وحتى بالنسبة لعلمائنا المعاصرين، لو أن المرحوم آية الله السيد ميرزا محمد تقي الشيرازي «5»، مع ماله من مقام في العلم والورع والتقوى، كان يفكر على طريقة هؤلاء، ما كانت لتقع الحرب بين المسلمين والانجليز الغاصبين والمحتلين في العراق، ولما استشهد كل هؤلاء المسلمين، ولما تحقق للعراق استقلاله. فحكومات هذا العصر، التي تعمل بكل جد وباسم الاسلام، على تأمين مصالح القوى الكبرى، لاسيما أمريكا وتتطوع للدفاع عن مصالحها، ووعاظ السلاطين والبلاط الجاهلين بالله والذين يعملون على دعم هذه الحكومات وهدم وتقويض اساس الاسلام الثائر ضد الظالمين وتحريف سيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وسنته، وترويج الاسلام الشاهنشاهي والملكي، فيحرمون المسلمين الشرفاء من أداء فريضة الحج بجرم اعلانهم البراءة والشكوى إلى الله من ظلم أمريكا واسرائيل، من الطبيعي أن يحظوا بتأييد ودعم السوفييت والامريكان واسرائيل.
والآن أنتم، يا فقهاء مجلس الخبراء، أيها المنتخبون من قبل شعب تجرع الظلم طوال تاريخ الحكم الشاهنشاهي الظالم، قد قبلتم تحمل مسؤولية التي هي في طليعة كل المسؤوليات، وبدأتم عملًا مرهون به مصيرُ الاسلام ومصيرُ أمةٍ عانت وقدمت الشهداء من أجله. ان التاريخ والأجيال القادمة ستقاضيكم وتحكم على أعمالكم وان أولياء الله العظام شاهدون على آرائكم وأعمالكم (والله من ورائهم محيط ورقيب).
لذا فإن اي تساهل أو مماطلة أو فرض للآراء الشخصية، ولا قدر الله اتباع لأهواء النفس التي قد تعرض هذا العمل الشريف للانحراف، سيتسبب بكارثة تاريخية، لأنه لا سمح الله لوتعرض الاسلام والجمهورية الاسلامية للانحراف وتلقت صفعةً وانتهى بها الأمر إلى الفشل، لن تقوم للاسلام قائمة لقرون طويلة وسيوضع على رف النسيان، وسيحل محله الاسلام الشاهنشاهي والملكي. فأنتم يا مُنتَخَبو المستضعفين تعلمون جيداً أن قطع أيدي القوى الكبرى الغازية الطامعة عن بلدكم المسلم، جعل هؤلاء والمرتبطين بهم يدركون ماهية الاسلام وقوته الالهية، لذا راحوا يترصدونه كالأفعى الجريحة عسى أن يجدوا لهم سبيلًا إليه إما بأنفسهم أو من خلال أتباعهم الجاهلين بالله، لينفذوا إلى قلب هذا النظام ويحرفوه عن مساره الصحيح. وان أخطر انحراف، الذي بإمكانه أن يؤدي إلى انحراف كل أجهزة الدولة، هو انحراف القيادة، التي تضطلعون بمهمتها الأولى. فقد رأيتم وسمعتم كم أثاروا من ضجة ومعارضةٍ ضد المادة الخامسة من القانون الأساسي، وبحمد الله لم يوفقوا في تحقيق مآربهم.
ومؤخراً حاولوا أيضاً تسميم الاجواء واثارة الاعتراض ضد تعيين مجلس الخبراء هذا، إلا أنهم وبحمد الله واجهوا الفشل أيضاً. واليوم أيضاً عليكم أن تتحلوا باليقظة في مواجهة مكر السحرة وكيدهم وتسويل الخنّاسين ووسوستهم.
تابعوا طريقكم بالاعتماد على الله القدير والالتزام بالاسلام العظيم والقوة الايمانية والمعنوية، ولا تهتموا بغير مصلحة الاسلام والمسلمين، وسيكون الله تعالى حاميكم ومسدد خطاكم.
وهنا أرى من الضروري تنبيه القائد المقبل أو مجلس القيادة، وبأخوية واخلاص: إلى أن القائد والقيادة في الأديان السماوية لا سيما الاسلام العظيم ليست ذات قيمة في حد ذاتها لتجر الانسان إلى الغرور والتكبر وهذا ما نبه عليه مولانا علي بن ابي طالب وأكد عليه كثيراً. أساساً إن أنبياء الله صلواة الله وسلامه عليهم إنما بعثوا لخدمة عباد الله خدمةً معنوية وارشادية، ولخدمة المستضعفين والمقهورين، واقامة العدالة الفردية والاجتماعية، ولإخراج الناس من الظلمات إلى النور.
فهل من الممكن أن تكونوا اتباعاً للانبياء والاولياء العظام والحمد لله انكم كذلك ولا تكونوا في خدمة الشعوب المظلومة المقهورة. عليكم أن تعلموا أن المفسدين والجناة طامعون بكم أكثر من غيركم، ومن الممكن ومن خلال بعض المنحرفين والمتنفذين في بيوتكم، وبوجوه اسلامية وثورية مئة بالمئة، أن يسببوا كارثة لا سمح الله، وأن يحرفوا النظام عن مساره بعمل انحرافي واحد، وأن يوجهوا للاسلام وللجمهورية الاسلامية صفعة بأيديكم. فالله الله في انتخابكم لأصحابكم، والله الله في الاسراع باتخاذكم لقراراتكم لا سيما في المهم من الأمور، وعليكم أن تعلموا وانتم تعلمون أن الانسان ليس في مأمن من الخطأ والزلل، فعودوا عن أخطائكم وأقروا بها بمجرد التنبه لها، فإن هذا من الكمال الإنساني، وإن الاصرار على الخطأ وتبريره من النقص والشيطان. شاوروا اصحاب الاختصاص في الأمور المهمة، وراعوا جانب الاحتياط.
لقد كتبت بعض الموضوعات في نحو ثلاثين صفحة، كوصية لي، وسأترك منها نسخة في أمانة مجلس الخبراء المبارك، على أن تطبع وتنشر بعد وفاتي. اسأل الله المتعال وبكل عجز أن يزيد في عظمة الاسلام، ويوفق الشعوب المسلمة للتوحيد والتضامن لحفظ وصون كيان الاسلام والدول الاسلامية المهدد، وأن يزيد في قوة الجمهورية الاسلامية، وأن نكون من المشمولين بعنايات بقية الله عجل الله فرجه الشريف وروحي لمقدمه الفداء والسلام على عباد الله الصالحين.
22 تير ماه 1362/ 2 شوال المكرم 1403
روح الله الموسوي الخميني
*صحيفة الإمام، ج18، ص: 11
1- بحار الأنوار، ج 9، ص 80، ح 37.
2-حرب صفين: حرب دارت بين جيش الامام علي وجيش معاوية.
3-حرب الامام علي المعروفة مع الخوارج.
4- الحرب التي دارت بين الامام علي وطلحة والزبير وأنصارهم بالقرب من البصرة.