الموضوع: الحج الابراهيمي؛ توصيات لحجاج بيت الله الحرام
نداء
المخاطبون: مسلمو ايران والعالم أجمع، لاسيما حجاج بيت الله الحرام
عدد الزوار: 150
التاريخ 12 شهريور 1362هـ ش/ 25 ذي القعدة 1403 هـ ق
المكان: طهران، جماران
المخاطبون: مسلمو ايران والعالم أجمع، لاسيما حجاج بيت الله الحرام
بسم الله الرحمن الرحيم
نبارك لجميع المسلمين حلول عيد الأضحى المبارك، هذا العيد الاسلامي الكبير الذي يعيد إلى الذاكرة قصة القربان الابراهيمي، هذا العمل العظيم الذي يعطي للإنسان وحتى الأولياء والأصفياء دروساً في التضحية والجهاد والفداء في سبيل الله، هذا العمل الذي لا يدرك عمق أبعاده التوحيدية والسياسية إلا الأنبياء العظام والأولياء الكرام صلوات الله عليهم ومن اختصه الله بالكرامة. ان أبا التوحيد هذا. ومحطم أصنام العالم، علَّمنا وعلّم الانسانية جمعاء، أن التضحية والفداء في سبيل الله، ذات أبعاد سياسية واجتماعية قبل أن تكون ذات أبعاد توحيدية وعبادية، علّمنا وعلّم الجميع أن نقيم الأعياد عند التضحية بأعزّ مانملك وبثمار حياتنا في سبيل الله. أن نضحي بأنفسنا وباعزما لدينا لنقيم دين الله والعدالة الالهية. علَّمنا وعلَّم البشرية جمعاء أن (مكة) و (منى) مذبح العشاق، وهما مكان لنشر التوحيد ونبذ الشرك، لأن التمسك بالروح والاعزة نوع من الشرك أيضاً .. علّم أبناء آدم درس الجهاد في طريق الحق بأن اطلعوا العالم من هذا المكان العظيم على دروس التضحية والايثار في سبيل الله.
علّمنا وعلّم البشرية جمعاء أنه للمضي على طريق الحق واقامة العدالة الالهية وقطع أيادي المشركين والطواغيت في هذا الزمان لابد من التضحية بكل عزيز، حتى وان كان مثل اسماعيل، ذبيح الله. ان المحطم للأصنام هذا، وسليله الكريم محطم الأصنام الآخر، سيد الأنبياء، محمد المصطفى صلى الله عليه وآله علّما البشرية جمعاء أن لابد من تحطيم الأصنام أياً كانت. وأن يطهّر العالم بأسره، انطلاقاً من مكة، أم القرى، حتى آخر نقطةٍ على سطح الأرض، وإلى قيام الساعة، من دنس هذه الأصنام أياً كانت، هياكل كانت، أم شموس وأقمارٌ، أم حيوانات أم بشر. وأي صنمٍ أسوأ وأخطر من الطواغيت على مرّ التاريخ، منذ زمان آدم صفي الله، إلى زمان ابراهيم خليل الله، فزمان محمد المصطفى حبيب الله صلى الله عليهم أجمعين إلى الزمان الذي يقوم فيه محطم الأصنام الأخير ويعلونداء التوحيد من مكة. أليس هؤلاء المستكبرون أصناماً كبيرةً تدعوا العالم لإطاعتها وعبادتها، بالترهيب تارةً وبالترغيب والتزوير تارةً أخرى؟ فالكعبة المشرفة هي المركز الوحيد لتحطيم هذه الأصنام. وقد توالى الأنبياء على تنفيذ هذه المهمة، منذ آدم، إلى ابراهيم الخليل، إلى محمد المصطفى، وإلى أن يقوم سليله المهدي الموعود روحي فداه فيحطم أصنام زمانه من الطواغيت والظلام، وتشع الأرض بنور التوحيد والعدالة الالهية، من مركز التوحيد مكة المكرمة.
وقد خاطب الله نبيه ابراهيم حيث قال ﴿ وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ﴾ 1 وقال أيضاً: ﴿ وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ﴾2 وهذا التطهير يشمل جميع أنواع الرجس، واكبرها الشرك الذي ورد في صدر هذه الآية الكريمة. ونقرأ في سورة التوبة قوله تعالى:﴿ وَأَذَانٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ ﴾ 3 والمهدي المنتظر وعلى لسان جميع الاديان، وبإتفاق جميع المسلمين "سينادي من الكعبة، ويدعوالبشرية جمعاء إلى التوحيد، فجميع نداءات التوحيد علت من الكعبة ومن مكة، وعلينا نحن بدورنا أن نتابع المسيرة ونرفع نداءات كلمة التوحيد، وتوحيد الكلمة من هذا المكان المقدس، وأن نحطم أصنام زماننا بحضورنا الفاعل والنشيط في مكة المكرمة من خلال عقد الاجتماعات، والنداءات، ومسيرات البراءة من المشركين والمستكبرين في هذا العالم، وفضح جرائمهم وادانتها، وأن نطرد الشياطين ونرميها بالجمار في عقبات، وعلى رأسها الشيطان الأكبر أمريكا. لنؤدي بذلك حج خليل الله، وحج حبيب الله، وحج ولي الله المهدي المنتظر، والّا انطبق علينا القول (ما أكثر الضجيج وأقلَّ الحجيج) 4.
والأمل في حجاج بيت الله الحرام، من أي فرقة كانوا أو مذهب. أن يرفعوا أيديهم في هذه البقع والمواقف والمشاعر الشريفة، ويدعوا الله بشكل جماعي أن ينصر الاسلام على الكفر العالمي، وأن ينادوا ويلحوا في الدعاء من أجل أن يستيقظ المسلمون وحكوماتهم، عسى الله وببركة هذه البقعة الشريفة، أن يستجيب لدعاءهم ويتفضل على المسلمين بعودة مجد صدر الاسلام العظيم، وقطع أيادي ناهبي الشعوب من الاجانب عن بلادهم، وأن يرسل على جميع المسلمين غمام رحمته وغفرانه، إنه عفواً غفوراً.
وأرى هنا أن اغتنم الفرصة، وأتوجه ببعض الملاحظات والوصايا لحجاج بيت الله الحرام خاصة ولجميع المسلمين عامة:
أولًا: من أهم ما يجب على الحجاج المحترمين والعلماء المرافقين لقوافلهم أن يصرفوا أوقاتهم فيه، هو تعليم وتعلّم مسائل الحج، لأن أي تقصير أو تهاون في ذلك من الممكن أن يتسبب لهم بمتاعب كثيرة، من قبيل بطلان حجهم أو بقائهم في الاحرام. لذا على العلماء المرافقين لقوافل الحجاج أن يقيم كلٌ منهم لأفراد قافلته جلسات يعلمهم فيها مناسك الحج ومسائله، ومن الواجب على الحجاج أن يجدّوا في تعلّم هذه المسائل ولايتوانوا أبداً في ذلك، ليؤدوا مناسكهم عن علمٍ ودراية.
ثانياً: جميعنا يعلم، وعلينا أن نعلم، أن ما أصاب المسلمين منذ قرون عدة حتى الآن وخصوصاً في القرنين الأخيرين، حيث وجد المستعمرون الاجانب طريقهم إلى البلدان الاسلامية وخيم ظلهم المشؤوم على هذه البلاد ونهبوا خيراتها وثرواتها، سببه غفلة المسلمين عن المسائل السياسية والاجتماعية للإسلام. وقد كان للمستعمرين وعملائهم من المتغربين والمتشرقين دوراً أساسياً في ترسيخ ذلك من خلال دعايتهم الواسعة والقوية. لدرجة جعلت علماء الدين يصدقون، ولايزال بعضهم كذلك، أن الاسلام منزه عن السياسة والخوض فيها، وأن على المسلم أن لا يتدخل في الشؤون السياسية. فقد سعى هؤلاء الطامعون المخادعون ومن خلال عملائهم المسمَّون بالمتنورين، إلى عزل الاسلام وابعاده عن الساحة السياسية والاجتماعية، كما هو الحال في المسيحية المحرّفة اليوم، وذلك من خلال حصر تفكير علماء الدين في نطاق المسائل العبادية فقط، ودور أئمة الجامعات بالوعظ والارشاد وعقود الزواج، والصلاة على الأموات.
وتشجيع المتنسكين للإنشغال أكثر بالأوراد والأذكار، والشبان على الاستغراق أكثر بلهوهم وملذاتهم ليشلّوا أذهانهم عن التفكير بالأمور السياسية وقضايا المجمتع، وعن الاهتمام بأمور المسلمين وما تعانيه البلدان الإسلامية. وقد نجحوا في ذلك نجاحاً كبيراً واستطاعوا استغلال جهلنا وغفلتنا أيما استغلال، فجعلوا بلاد المسلمين مستعمرات لهم، وراحوا ينهبون ويستغلون ثرواتها، ووضعوا في كل بلدٍ منها حاكماً او سلطاناً أو ملكاً، ليحمى مصالحهم، ويقمع الشعب اذا ما استيقظ يوماً وفكر بالانعتاق والتحرر من التخلف والفقر والتبعية.
ويستمر هذا الوضع الآن، فالمسلمون ماضون في غفلتهم، والإستعمار وعمّاله ناشطون في دعايتهم وبث سمومهم والقوى الكبرى تتابع تسلطها ونهبها، والعملاء من معممي البلاط، يسعون جاهدين لإبقاء المسلمين في غفلتهم وجهلهم ونومهم. (وإنا لله وإنا إليه راجعون).
ثالثاً: ومن جملة الأمور التي جعلت المسلمين والمستضعفين في العالم يبقون على تخلفهم وضعفهم، ولا يبدون أي سعي للتخلص من نير الاستعمار وظله، هي الدعاية الواسعة التي مارسها ويمارسها المتغربون والمتشرقون في سائر البلدان الاسلامية والمستضعفة، إمّا بأمرٍ من القوى الكبرى أو بسبب قصور نظرتهم. من مثل أن العلم والتطور والمدنية هي من مختصات المعسكرين الرأسمالي والشيوعي. وأن العِرق الغربي وخصوصاً الأمريكي. هو العرق الأفضل. وأن باقي الأعراق أدنى مرتبة وناقصة. وان السبب في رقي أولئك هو عرقهم الأسمى، والسبب في تخلف هؤلاء هو عرقهم الادنى. وبعبارة أخرى أن أولئك في قمة سلّم التكامل البشري وأن هؤلاء في أدناه وفي طور التكامل ويحتاجون إلى ملايين السنين حتى يتطوروا، لذا، عليهم أن لايتعبوا أنفسهم طلباً للتطور. وينبغي لهم ان يبقوا دائماً تابعين إمّا للغرب الرأسمالي أو الشرق الشيوعي. بتعبير آخر نحن لا قابلية لنا على صنع شيء، وعلينا أن نحصل على كل مانريد من القوى الكبرى في الشرق او الغرب. العلم، القوانين، التطور وكل شيء.
لقد نجحوا في غرس هذا النمط من التفكير فينا، لدرجة بات الاقبال على شراء السلع والمنتجات الوطنية حتى مع كونها ممتازة، قليلٌ، ولو أن نفس هذا المنتج ألصقت عليه احدى الماركات الغربية لوجدت عليه اقبالًا كبير. فالقماش الايراني لابد أن تطرّز حاشيته بالحروف الاجنبية، حتى يجد له مقتنين. والامراض التي يمكن معالجتها في الداخل وعلى أحسن نحو، لابد من السفر إلى الخارج لمعالجتها، هذا في حين أن بعض العلماء والكتاب غير المسلمين أثبتوا بالأدلة والشواهد الحية أن الاروبيين إنما أخذوا علمهم وحضارتهم من المسلمين، وأن المسلمين كانوا أكثر تطوراً وتحضراً منهم.
يجب القول؛ أن جامعاتنا كانت تدار من قبل جماعةٍ من المتغربين الانهزاميين او العملاء، وأن علماءنا المؤمنين والغيارى كانوا قلّة قليلة ومغلوبة على أمرها. وتلك الأكثرية المتغربة المسيطرة كانت تروّج للغرب وتحبب الطلاب الشباب به، وترسلهم إلى الخارج أفواجاً أفواجاً. وفي الخارج كان المستعمرون بانتظارهم ليجروا لهم غسيلًا للأدمغة تحت غطاء العلم، الذي لا يسمحون لهم أن ينالوا منه الإ القليل مما عندهم، وليعودوا بعدها إلى بلدانهم بأفكارٍ غربية وغير اسلامية وحتى غير وطنية. وما هذا الإ غيض من فيض ما منيت به البلدان الاسلامية من المصائب في القرن الأخير نتيجة غفلتها واغفالها وابتعادها عن دينها واسلامها الحقيقي.
رابعاً: ومن جملة الأمور التي جعلت المسلمين يخضعون للسيطرة ولايفكرون بالدفاع عن أنفسهم وبلدانهم، تلك الحرب الدعائية النفسية الواسعة التي سعت ما أمكن لتضخيم حجم القوة التي عليها الدول الكبرى، والتي ساهم فيها المتنورون والمتغربون من الدارسين في الغرب، فقد جعلوا من بريطانيا ومثيلاتها من الدول، قوى اسطورية لاتقهر، وراحوا يلقون في أذهان البسطاء والغير مطلعين أن مجرد التعرض ولوبالألفاظ لخادمٍ في السفارة البريطانية فيه هلاك ايران وخرابها. وأن أي مجرم يرفع على رأسه علم السفارة البريطانية مصون من العقوبة، وأنه تكفي من السفير البريطاني مجرد الإشارة للحكومة أو المستشار، لتطاع أوامره وتوضع حيز التنفيذ دون أي استفسارٍ أو اعتراض.
واليوم نفس هذا الأمر يتكرر ولكن هذه المرّة بالنسبة للقوتين اللتين تسعيان لإقتسام العالم، وخصوصاً أمريكا. فقد جعلوا منهما قوتين اسطورتين يستحيل مخالفتهما والخروج عن رأيهما. فالترويج لهكذا أوهام ومقايسة العصر الحاضر بالعصور السابقة، وسعي المتغربين التابعين للترسيخ لهكذا أفكار انهزامية، ثبط من عزيمة المسلمين وجعلهم ييأسون من جدوى الدفاع عن حقوقهم، وبالتالي الرضوخ والاستسلام لارادة هؤلاء. وان جرم هؤلاء المتغربين الانهزاميين ليس أقل من جرم المجرم الأصلي.
خامساً: فما هو الحل للخروج مما نحن فيه؟ وماذا يترتب على مسلمي العالم من واجبات وتكاليف لتحطيم هذه الأصنام؟ ان السبيل الوحيد لخلاص كل مسلمي العالم بل كل المستضعفين والمستعبدين مما هم فيه من الذل والضعف، يتمثل في الوحدة التي أكد عليها القرآن الكريم كثيراً. والتي تحتاج في تحققها إلى الدعوة والتبليغ الواسع والمكثف. ومركز الدعوة والتبليغ لها هو مكة المكرمة، عند اجتماع المسلمين لأداء فريضة الحج، هذه الحركة التي انطلق بها ابراهيم خليل الله، ومحمد حبيب الله وسيواصلها في آخر الزمان المهدي المنتظر أرواحنا لمقدمه الفداء. فقد خاطب جل وعلا خليله ابراهيم أن ادعو الناس من مختلف الأقطار والأمصار أن يأتوا إلى الحج، ﴿ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ ﴾ 5 منافع على مختلف الاصعدة، منافع سياسية ومنافع اجتماعية ومنافع اقتصادية وحتى ثقافية وفكرية، وليستلهموا منك أعظم دروس التضحية في سبيل الله، حيث هممت بتقديم ثمرة فؤادك ابنك اسماعيل قرباناً امتثالًا للأمر الالهي.
وليتعلموا منك معنى التوحيد الخالص، وكيف تحطم أصنامُ الشرك وترمى بعيداً، شمسٌ كانت أم قمر وهياكل كانت أم انسان ام حيوان، وليتعلموا معنى التوجُه الخالص إلى الله حيث قلت ﴿ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ 6 فعلينا جميعاً أن نقتدي بأبي التوحيد وبأبي الأنبياء الكرام.
ونقرأ في سورة التوبة، التي أمر اللهُ رسولَهُ أن يقرأها على الملأ العام في مكة ﴿ وَأَذَانٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ﴾ 7 فنداء البراءة من المشركين في مراسم الحج والذي أشارت إليه هذه الآية المباركة، هو نداءٌ سياسي عبادي أمر به الله ورسوله المصطفى، صلى الله عليه وآله وسلم. وهنا علينا أن نقول لهؤلاء المرتزقة والعملاء من رجال الدين الذين يرون الهتاف ضد أمريكا واسرائيل والاتحاد السوفيتي أمرٌ مخالفٌ للإسلام. هل التأسي برسول الله وإتباع أمر الله تعالى مخالفٌ للاسلام ومراسم الحج؟ أتخطئون الله بما أمر والرسول بما فعل، وتعتبرون التأسي برسول الله واطاعة أمر الله في البراءة من الكفار والمشركين أمرٌ مخالفٌ للاسلام، وتتنزه عنه مراسم الحج؟ أتتجاهلون أوامر الله ورسوله لأجل منافعكم الدنيوية، وتعتبرون البراءة من أعداء الإسلام الذين يحاربون ويظلمون المسلمين، كفراً؟ نأمل من الحكومة السعودية أن لا تصغي إلى وساوس رجال الدين هؤلاء، الجاهلين بالله ورسوله، وأن تسمح للمسلمين، كما وعدت، بإقامة مراسم الحج والبراءة من الكفار والمشركين بحرية، وأن تتعاون معهم بخصوص اداء هذا العمل الالهي، خصوصاً مع الحجاج القادمين من بلدان تتعرض للاعتداء من قبل الكفار، كإيران، وفلسطين، ولبنان وأفغانستان، ليعرِّفوا العالم أجمع وبنداءٍ واحد، من هو العدو المشترك لجميع المظلومين والمستضعفين في هذا العالم.
وإني أطلب من جميع حجاج بيت الله الحرام خصوصاً الايرانيين، مراعاة الهدوء والنظام ماأمكن، وأن يعملوا بتعليمات ممثلي في بعثة الحج حجة الاسلام (السيد خوئينيها) وأن ينظروا بعين الاخوة إلى جميع المسلمين هناك، ويتعاملوا معهم بما يليق بالمسلم الملتزم من المعاملة، آملين من الحكومة السعودية أن تبدي حسن التعاون والتنسيق مع الحجاج الايرانيين لإنجاح هذا العمل الالهي، كي يؤدى حج هذه السنة بإذن الله على الصورة التي تُرضي الله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم).
سادساً: ومما يجب التنبه إليه من قبل مسلمي ومستضعفي العالم في قيامهم ضد مستكبري العالم وناهبي الشعوب. أن للقوى الكبرى اساليبها في الوصول إلى أهدافها المشؤومة، فهي إمّا تعتمد على لغة التهديد والارعاب، أو على أبواقها الدعائية، أو على عملائها في الداخل، ولكن كل هذا يمكن التغلب عليه وابطاله، وذلك إذا ما اتحدت الشعوب وتصدت له بيقظةٍ وشجاعة. والشواهد على ذلك كثيرة، وأكثرها وضوحاً ماحصل ويحصل في ايران وأفغانستان. فكما تعلمون فإن ايران كانت أسيرة الارادة الأمريكية، فقد جعلها الشاه الخائن تابعة لأمريكا في كل شيء. وإحدى القواعد العسكرية الامريكية في المنطقة، فجيشها بأيدي مستشاريهم، وثقافتها يتلاعب بها المرتزقة والعملاء، والاقتصاد يغط في التبعية، والشاه والحكومة والمجلس مستغرقون في العبودية. والشاه المخلوع أقوى شرطي لهم في المنطقة. ويحظى بدعمٍ أمريكا وجميع الدول التابعة بها، وقد أمدّته بأحدث الاجهزة العسكرية. ومع هذا كله.
استطاع الشعب الايراني العظيم، وبيدٍ خالية إلا من الايمان المستمد من الاسلام، والعزم الراسخ، والتوكل على الباري تعالى، والثقة بالنفس، وبمدة وجيزة وعلى نحو أشبه بالمعجزة، أن يحطم الأصنام الوهمية صنيعة الغرب والمتغربين، وأن يطوي صفحة ألفين وخمسمئة سنة من الاستبداد والظلم، ويشطب على اساطير صنّاع التاريخ ونحّات الأصنام. وأفغانستان التي استطاعت بقوة الايمان والتوكل على الله، والثقة بالنفس أن تصدّ هجوم السوفيت الغادر، وتوجه لهم ضربات موجعة أفقدتهم صوابهم، رغم كل القوة التي كانوا عليها، ليبددوا بذلك اسطورة القوة التي لاتهزم. وكذلك الأمر في الجزائر والعراق حيث استطاعت الشعوب المسلمة هناك وبقيادة العلماءالمؤمنين والمجاهدين أن يطردوا الفرنسيين والانكليز من بلادهم.
فهذه وغيرها من الأمثلة تكفي لإزالة هذا الرعب الوهمي من قوى الاستعمار، ولعودة الروح واليقظة في هذه الأمة الاسلامية المترامية الأطراف، التي تزيد على المليارد مسلم، والغنيه بثرواتها والتي بيدها شريان حياة الشرق والغرب. ليتأمل المسلمون في التجربة الايرانية ويأخذوا منها العبر، ايران بلدُ الثلاثة والثلاثين مليوناً، التي قطعت دابر القوى الكبرى عن بلادها، وتحررت من جميع قيود الاستعمار والاستغلال ولم تصغي إلى كل ماتبثه أبواق الدعاية الاستعمارية من شائعات وأكاذيب، هذا البلد القوي بإسلامه، الذي يتطلع إلى رفعة المسلمين وعزتهم، وتحررهم من تسلط المستكبرين ونهبهم لثرواتهم وخيراتهم، ويسعى جاهداً للمّ شمل المسلمين واعادة أواصر الأخوة والمحبة فيما بينهم، ليدرس المسلمون والدول الاسلامية هذه التجربة جيداً وليضعوا أيديهم في يد هذا البلد المسلم الذي لا يريد إلا خيرهم، وليعلموا أن الدول الكبرى الانتهازية، الطامعة ببلدان المسلمين والمستضعفين وثرواتها، لا تعرف للوفاء معنى، وستتخلّى عنهم في مواضع الضيق والحاجة إليها.
سابعاً: ولو أن هذه الوحدة بين المسلمين والدول الاسلامية، التي أرادها الله ورسوله الكريم وأكدا عليها، تتحقق لاستطاعت الدول الاسلامية بناءَ جيشِ دفاعٍ مشترك من قوات الاحتياط المدرّبة، يزيد على المئة مليون، وجيشٍ نظامي مكوّن من عشرات الملايين، تستطيع بهما أن تكون اكبر قوة في العالم. وبما إن ذلك متعذر الآن، فيمكن لدول المنطقة على الأقل، أن تكوّنَ جيشَ احتياطٍ للدفاع المشترك قوامُه عشرات الملايين، وجيشاً نظامياً يزيد على العشرة ملايين مقاتل. أملنا بالدول الاسلامية وبغض النظر عن اللغة والمذهب والقومية، وبإسم الاسلام وتحت لواءه فقط، أن تفكر بهذا المشروع وتسعى لإنجازه وتحقيقه، لتخرج نفسها من ذل الخضوع للقوى الكبرى، وتذوق طعم الحرية والاستقلال الحقيقي.
وبغية تحقيق ذلك ينبغي على كل دولة من هذه الدول أن تتصالح مع شعبها وتكسب دعمه وتأييده في هكذا مشروع حياتي ليس فقط لبلدانهم بل للمنطقة بأسرها، وان ايران اليوم، رغم كل ما تعانيه من حصارٍ وعقباتٍ ومضايقات في صدد تدريب كل شبابها عسكرياً، واليوم وحسب التقارير، لديها قرابةُ مليون مقاتل احتياط مدرَّب، مستعد للتسلح والقتال في أي وقتِ يستدعي الأمر دعوتهم لذلك. والدول الاسلامية ودول المنطقة بدورها، اذا ما أحسنت التعامل مع شعوبها، ووقفت إلى جانبها، واستطاعت كسب ودّها ودعمها من خلال اشعارها بأنها خادمة لها، تستطيع تحقيق هذا الأمر في بلدانها أيضاً ليكون ذلك مقدمة أساسية للانطلاق نحو ماطرحه الاسلام من مشروع الوحدة العظيم.
وإنه لمن المؤسف بقاء الاسلام الحقيقي على مرّ تاريخه بإستثناء صدره مجهول في جميع أبعاده، ومضروبٌ بينه وبين معتنقيه بأستارٍاستعمارية بغيضة. نسأل الله تعالى أن يزيل هذه الأستار السوداء عنه لتمتليء أعين وقلوب المسلمين بأنواره البهية، وتدرك الدنيا بأسرها مايمكن للاسلام أن يحققه للعالم أجمع، وأن غاية التعاليم الاسلامية هي تحقيق التعايش السلمي بين جميع الشعوب على هذه الارض، والذي نأمل تحققه على يد صاحب الزمان المهدي ارواحنا فداه وأن تصل البشرية إلى ذروة الكمال والسعادة الدنيوية والأخروية.
ثامناً: ليعلم المسلمون كافة لاسيما مسلمو ومظلومو المنطقة، أن اسرائيل لن تتخلّى عن مشروعها الاستيطاني الكبير. (أن أرضك يا اسرائيل من الفرات إلى النيل) وما هذه التغييرات والتحركات السياسية إلا لاغفال المقاتلين الفلسطينيين واللبنانيين. كما أن أمريكا التي تكشر عن أنيابها في المنطقة، هي الداعمة الرئيسية لها ولا يجب أن تغيب عنا ألاعيبهم السياسية. وليعلم الذين يقدمون الدعم والحماية لاسرائيل بأنها أفعى سامة، وبمجرد أن تتاح لها الفرصة ستدمر المنطقة وتهلك الحرث والنسل فيها، ولذا يجب أن يفوتوا عليها الفرصة ولايمهلوها أكثرمن ذلك، كما عليهم أن يفوتوا الفرصة على صدام المجرم الذي لايقل خطره على المنطقة من خطر اسرائيل. وأن يكفوا عن تقديم الدعم له، ويفسحوا المجال لقواتنا الاسلامية أيدها الله للقضاء على جرثومة الفساد هذه، فإن ضرباتها الموجعة استطاعت أن تشل قدرات قائد القادسية المزعومة وتفضحه وتقوده إلى الهلاك، فإن في ذلك خيرهم وصلاحهم، فإنه إن أُمهِل وتمكن اكثر لن يرحم أياً من الدول الخليجية وغيرها من الدول، فقد رأيتم ما صرّح به وهو يعيش الهزيمة النكراء قائلًا: (على الدول العربية أن تقبل قيادة العراق) وكونوا على يقين بأنه ان وجد القوة فلن يكتفي بالقيادة فقط.
واعلموا أن الابواق الدعائية للدول التي تلقت صفعة على أيدي الثورة الايرانية، تسعى جاهدة لإخافتكم منها، لتقضي على أي لقاء أو تعاونٍ بيننا وبينكم، وهذا ما يخدم مصالحها ومشاريعها في المنطقة. ولكن لتعلم الدول، أن ايران ومن منطلق إلتزامها بتعاليم الاسلام، ستتعامل وبكل أخوية مع الدول التي تحترم الاسلام وموازينه. ولكنها لاتسمح لنفسها أبداً بالجلوس إلى طاولة الصلح مع هكذا شخص مجرم تسبب بكل هذه الكوارث والجرائم، وان الشعب العراقي العزيز، ينتظر انتصار ايران. ليتخلص من هذا العقرب الخبيث. ونسأل الله أن لا يطول انتظارهم كثيراً، ﴿ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ ﴾ 8.
تاسعاً: وعلى الحجاج الايرانيين أن يدركوا مدى عظمة المسؤولية التي يحملونها بتواجدهم في هذه البقاع الشريفة، فإنكم تمثلون ايران الاسلام، ايران الثورة على الظالمين وقاطعة أيدي المستكبرين، وان انظار جميع الحجاج من البلدان الاسلامية ستكون مراقبة لكم، كما أن جميع وسائل الاعلام والدعاية المعادية للثورة والاسلام تترصد أقوالكم وتصرفاتكم، ليصطادوا منها ما يناسب أهدافهم، ويصنعوا من صغيرها كبيراً و من القشة جبلًا، ويبثوا شائعاتهم ضد الاسلام والجمهورية الاسلامية في كل أرجاء العالم. لتشويه صورة الجمهورية الاسلامية واضعافها والحد من امتدادها العالمي. لذا فإن أي تصرف خاطئ أو انحراف يصدر عنكم، حتى وان كان جزئياً، فضلًا عن كونه يتنافى وحرمة الحرمين الشريفين، فإنه من الممكن أن يتسبب بإضعاف الجمهورية الاسلامية وتشويه صورتها وبالتالي تشويه صورة الاسلام واضعافه، وهذا ما يميزكم عن بقية الحجيج ويضع على عاتقكم مسؤولية مضاعفة ويجعل أفعالكم هذه ذنوباً عظاماً، أعظم مما لو أنها صدرت عن غيركم، لذا فعليكم أن تكونوا حذرين في اقوالكم وفي افعالكم، بل وحتى لما يقوله ويفعله أصدقاؤكم والمقربون منكم. واحرصوا على التقييد بالبرامج الاسلامية الانسانية الصحيحة التي يدعوا إليها المشرفون على بعثة الحج برئاسة ممثلي هناك حجة الاسلام والمسلمين السيد (خوئينها)، ولا تتخطوها لئلا يتحول الأمر إلى فوضى ويؤدي إلى ازعاج الحجاج الآخرين.
وعلى الحكومة والشرطة السعودية والمتولين لأمور الحج أن يلتفتوا إلى أن الحجاج الايرانيين، الوافدين عليهم من بلدٍ ثوري استطاع بثورته الاسلامية المظفرة وبجهاد ونضال نساءه ورجاله وشيبه وشبابه، أن يتخلص من براثن القوى الكبرى ويحقق لنفسه الحرية والاستقلال، ويسقط نظام الشاه الامريكي الظالم، ويقيم نظاماً اسلامياً جمهورياً شعبياً، ويطرد جميع العملاء والجواسيس من أراضيه. أن يلتفتوا إلى أن هؤلاء الحجاج هم ضيوف الله والرسول. وأن أي تجرؤ أو تصرف سيء، أو إهانة توجه ضدهم، هي بمثابة التجرؤ والاساءة لمضيفيهم، أي الله ورسوله. خصوصاً وأن هؤلاء الضيوف جاءوا ليقرنوا أداءهم لمناسك الحج بتلبية نداء ودعوة ابراهيم خليل الله، ومحمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والتي هي تلبية لله تبارك وتعالى. لذا فعليكم أن تتعاملوا مع هؤلاء الوافدين على الله ورسوله (من كل فجٍ عميق) بكل محبة ولطف واخوة، ولا تتعرضوا لضيوف الله ورسوله بالأذية، فهؤلاء إنما جاءوا لأداء مناسك الحج والبراءة من الكافرين والمشركين، الذين تبرأ الله ورسوله منهم وأمر المسلمين بف بفعل ذلك. فأكرموا ضيافتهم، وحاولوا أن تستفيدوا من وجود هكذا نظام اسلامي قوي ومقتدر، لضرب أعداء الاسلام والمسلمين، اسرائيل الغاصبة، وقطع دابر أسيادها، أمريكا في طليعة المعادين للاسلام والمسلمين. واجعلوا من مكة المكرمة وبالتعاون والتنسيق مع جميع حجاج بيت الله الحرام، مركزاً للثورة والصرخة ضد الظالمين، فإن هذا من أهم أبعاد فلسفة الحج وأسراره، إذ ان الله غني عن عبادة البشر ونداءات التلبية.
اللهم احفظنا من إتباع النفس الأمارة والشيطان. ولاتجعل قلوبنا تتعلق بحب الدنيا والمقام والجاه. اللهم ترحم على الدول الاسلامية جمعاء وخلصها يارب من خوفها أمام قوى الشرق والغرب المستبدة، وعرفها بواجباتها ومسؤولياتها الإسلامية الإنسانية، واهد جميع الشعوب المسلمة وحكوماتها لأن تتوحد وتتآخى فيما بينها، وأنعم على الحجاج الايرانيين الذين يتحملون الايذاء والإساءة والسجن والتعذيب في سبيل إعلاء كلمتك برحمتك وعناياتك الخاصة، اللهم ابعد شر القوى الكبرى الطامعة في بلاد المسلمين. واهدنا لما فيه رضاك، وانصر جيش الاسلام في دفاعه عن أرضه ونصرته لجميع المظلومين في المنطقة، واخذل اسرائيل الغاصبة، وأمريكا المعتدية، والاتحاد السوفيتي الظالم.
اللهم انصر الاسلام والمسلمين وزد في قوتهم، واحفظهم يارب من شرِّ كل معتدٍ طامع.
انك ولي النصر والنعمة والسلام على رسول الله صلّى الله عليه وآله وعلى أوليائه المعصومين سيما بقية الله في الارضين (أرواحنا فداه)
روح الله الموسوي الخميني
* صحيفة الإمام، ج18، ص: 79
1- الحج:27.
2- الحج: 26.
3- التوبة: 3.
4- بحار الانوار، ج 27، ص 181.
5- الحج: 28.
6- الانعام:79.
7- التوبة: 3.
8-هود: 81.