التاريخ 6 شهريور 1362 هـ ش/ 19 ذي القعدة 1403 هـ ق
المكان: طهران، جماران
المخاطب: الشعب الايراني
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الشهادة في سبيل الله ليست بالأمر الذي يمكن للعقل البشري المحدود أن يقيمها ويدرك مدى عظمتها، فالمقام السامي للشهيد في سبيل الحق والهدف الالهي، لا تستطيع الرؤية المحدودة للممكنات أن تدركه، فمثل هذه القيمة العظيمة التي لا يمكن أن تُقيم إلا بالمعايير الالهية، وهذا المقام الرفيع لا يمكن أن يدرك إلا بالعين الربانية ولسنا نحن الترابيون فقط من نعجز عن درك كنه ذلك، بل حتى الخلائق الملكوتية لا تجد إلى درك كنه ذلك سبيلًا. لأنه من مختصات الانسان الكامل. والملكوتيون تفصلهم مسافات عن هذا المقام المفعم بالأسرار .. فليتوقف القلم عند هذا الحد ويعترف بعجزه.
ونحن الباقون والمتخلفون عن ركب الشهادة، علينا أن نعدّ الايام في طلب وتمني هذا المقام وتلك القيمة. وأن نحمل معنا إلى قبورنا حسرة الشهادة والشهداء وذويهم، الذين قدموا ثمرة حياتهم وأفلاذ أكبادهم بكل ايثار وفخر على طريق الشهادة والشهداء.
وأن نشعر بالخجل من أنفسنا، أمام هذه الشجاعة المنقطعة النظير للشهداء وأصدقائهم من الأسرى والجرحى والمفقودين، وشوقهم الذي يفوق الوصف للعودة إلى ساحات الحرب والشهادة. فهؤلاء النساء والرجال والأطفال القدوة، الذين يهتفون وينشدون للشهادة من تحت الانقاض وعلى أسرّة المستشفيات، وبأيدٍ وأرجلٍ مقطوعة يتمنون العودة إلى جبهات بناء الانسان. هم فوق ما يمكن أن نتصوره، أو ما يكتبه العرفاء والفلاسفة ويقدمه الفنانون والرسامون.
فإن ما وصل إليه هؤلاء بالاستدلال والبحث والسير والسلوك، وصل إليه أولئك بالعيان، وما كانوا يبحثون عنه في الكتب وبين صفحاتها، وجده أولئك في ميادين الدم والشهادة في سبيل الله.
إلهي، وفقنا لنكون مخلصين على طريق هؤلاء وأهدافهم الكبيرة. وتكرّم على الشهداء الأعزاء الذين حلّوا بساحات قدسك مضرجين بدمائهم بعناياتك وتجلياتك الخاصة، وأفرغ على ذويهم الصبر والسلوان وتفضل عليهم بالأجر والامتنان. اللهم برحمتك اشفي جرحانا الأعزاء. وعجل في رد أسرانا ومفقودينا إلى أحضان وطنهم وأهاليهم. وأفرغ على آبائهم وأمهاتهم الصبر والثبات، واشمل الأمة جمعاء بوافر عناياتك وبركات مولانا بقية الله أرواحنا فداه.
روح الله الموسوي الخميني
*صحيفة الإمام، ج18، ص: 69
2011-06-19