الموضوع: الهدف من بعثة الأنبياء-تربية البشر الخطر الكبير لحب النفس معيار الحكم في الأمور
خطاب
الحاضرون: أعضاء الحكومة ونواب مجلس الشورى الإسلامي
عدد الزوار: 193
التاريخ: 4 بهمن 1357 هـ. ش/ 17 ربيع الأول 1401 هـ. ق
المكان: طهران، جماران
المناسبة: مولد الرسول المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم والإمام جعفر الصادق عليه السلام
الحاضرون: أعضاء الحكومة ونواب مجلس الشورى الإسلامي
بسم الله الرحمن الرحيم
نبي الإسلام أشرف الموجودات وأكمل الناس
اليوم يوم عظيم جداً حيث ولد قائد الأمة الإسلامية الكبيرة ونوّر العالم بنوره المبارك وولد أيضاً الإمام الكبير للمذهب. وربما لا يكون لدينا مثل هذا اليوم في بقية الأيام أو لا يكون لدينا ابداً مثله. وأنا أتقدم بالتهنئة إلى جميع الشعوب المسلمة وجميع الدول الإسلامية وإليكم نواب المجلس المحترمين واعضاء الحكومة وبقية الأخوة الحاضرين. داعياً لكم بالسلامة والنجاح.
بركة وجود الرسول الأكرم بركة لم يأت مثلها في العالم من أول الخلق إلى آخره ولن يأتي موجود مبارك مثله أيضا. إن هذا الموجود المبارك هو أشرف الموجودات وأكمل الناس ومربي البشر الأكبر وإن ذريته الطاهرة وخاصةً الإمام جعفر الصادق عليه السلام، هم مبينوا أحكام الإسلام وأفكار الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم.
تربية البشر هي هدف بعثة الأنبياء
إن هدف سعي الأنبياء وفكرة البعثة في جميع القرون هو تربية هذا الموجود (الإنسان)، هذا الموجود الذي يمثل خلاصة جميع المخلوقات وبإصلاحه يتم إصلاح العالم وبفساده ينجر العالم إلى الفساد. سعي الأنبياء من البداية إلى النهاية هو دعوة هذا الموجود إلى الصراط المستقيم وشدّه إليه. ليس مجرد الهداية بالقول فقط بل بجعل أنفسهم قدوة ومرشدين في العمل والأفعال والأقوال من أجل إيصال هذا الموجود إلى كماله اللائق به. ومع الأسف فإنّ هذا الشيء لم يتحقق بالشكل الذي أرادوه ولن يتحقق فيما بعد بالشكل الذي أراده الأنبياء. لأن هؤلاء يواجهون موجوداً لم يعرف إلا من قبل الله والأشخاص الذين أخذوا علمهم من الله تبارك وتعالى. موجود معقّد حتى أنه يجهل نفسه. ولعل هذه الكلمة التي وردت أنه من عرف نفسه فقد عرف ربه 1 تعليق بأمر محال للنوع البشري. إنّ معرفة الإنسان لنفسه ومعرفة االصفات والغرائز الموجودة في الإنسان تعدّ من الأمور المستحيلة أو شبه المستحيلة إلا من عصمه الله تعالى. الإنسان نفسه ومن باب أن عنده حب النفس وأنه يريد كل شيء لنفسه، من أجل هذا الحب الشديد للنفس فإنه غافل عن كثير من الأمور أي مع وجود هذا الحب للنفس لا يمكن أن يعرف نفسه بحرية.
حب النفس أكبر الأخطار
في العالم ثلاث وجهات نظر، أولاها تتأمل في الموجودات أو في بعضها من خلال الحب ووجهة نظر أخرى تنظر إليها من منطلق البغض ووجهة نظر ثالثة ليس فيها حب وبغض وهي النظر بالحرية. وجهتا النظر الأولى والثانية لغير الأحرار من البشر، أكبر بلاء البشر وأكبر مصيبة لدينا هذا البلاء وهي من عندنا وفينا. من ينظر إلى الناس والأشياء من خلال حب النفس وينظر إلى الأشياء من خلال طريق العداوة والبغض لا يمكن أن يكون حراً وهو غير طليق في تقديم وجهة نظره ومن ينظر من خلال حب النفس إلى الموجودات أو إلى الأشخاص أو إلى المجموعات ليس حراً ولا يمكن أن يعطي حكماً صحيحاً. الإنسان يظن أن كل ما يقوله هو من باب الحرية والحياد ولكن لو ادعى أحد مثل هذا الإدعاء فلا تقبلوا منه. لا يمكن لهذا الموجود أن يكون متحرراً من حب النفس - الذي هو منشأ جميع المصائب - ومن أهوائه النفسانية. المدعون لمثل هذه الحرية من هذا القبيل كثيرون ولكن الحقيقة أنهم قليلون، يمكن لكثير من الناس ألا يلتفتوا بأنهم عبيد أنفسهم وليسوا عبيداً لله ولكنهم يعتبرون أنفسهم خالية من العيوب وذلك لوجود حب النفس الموجود في الإنسان. إن حب النفس هذا يغطي جميع عيوب الإنسان على الإنسان نفسه. كل عيب فيه فإنه لا يراه لأجل حب النفس هذا وأحياناً يرى العيب فيه حُسناً. وإذا لم يُخرِجِ الإنسان نفسه من هذه البلايا وعبودية النفس من خلال ترويض النفس وتعاليم الأنبياء فإنه لا يَصْلح بنفسه ولا يمكن أن تكون الأحكام التي يصدرها والآراء التي يعطيها صحيحة ومطابقة للواقع. يمكن أن يحدث هذا الأمر صدفة ولكن لا يمكن أن يكون بهذا الشكل دائماً، لو قام إنسان بعمل ما في جو معين وفي ساعة معينة ورأى عمله شخصان أحدهما معادٍ للشخص فانه سيرى العمل سيئاً والآخر محب له فانه سيرى العمل نفسه جيداً. العمل من شخص واحد وفي وقت واحد وفي جو واحد وفي نفس الظروف وهو واحد من جميع الجهات ولكن بسبب البلاء الموجود عند المشاهد وعدم تحرره منه وكونه أسيراً لأهوائه فإن هذا العمل بعينه يراه جيداً إذا كان يحبّ الشخص الفاعل له ويراه بعينه سيئاً إذا كان يكره الفاعل له. والإنسان لا يعي هذا الأمر، أجل يوجد بعض الأشخاص الذين يعلمون ولكن يكذبون من دون سبب أو أنهم يعرفون ويمدحون. هكذا هم ولكن ربما الكثيرون بهذا الشكل وبسبب الأسر الذي يعانون منه وتلك البلية الموجودة في الباطن والتي ابتلوا بها وبسبب ذلك الشيطان الفعال في النفس الإنسانية فإن هذه البلية لا تترك الإنسان يحكم بحرية ولا تترك الإنسان يدرك الأمور كما هي في الواقع وأن يقولها كما هي في الواقع. بعبارة أخرى الواقعيات كما هي لا يراها على حقيقتها بسبب عبوديته لنفسه وسيطرة النفس وتسلطها عليه والشيطان والقوى الشيطانية كلها إما أنها تجعله لا يدرك الواقع على ما هو عليه وإما أنها تمنعه من إظهاره لو تمكن من إدراكه. ومن الجهة الأخرى الأمور بهذا الشكل أيضاً المديح والتكذيب الصادر عنا، الصادر عن الإنسان العادي هذه المدائح والتكذيب بسبب تعلقات الإنسان بنفسه ومتعلقيه وهو أيضاً نوع من التعلق بالنفس؛ لأن هذا ابني، لأن هذا أخي، لأن هذا يشاركني في العقيدة. كل هذه هي الأنا وجميع هذه الأشياء في الناس العاديين ترجع إلى الأنا تماماً. ولو مدح شخصاً ما فمن باب أنه يتعلق به فيمدحه.
إذا أراد الإنسان أن يختبر نفسه فليختل بنفسه ويفكر في عمل يصدر عن اثنين أحدهما من رفاقه أو من أقربائه أو من متعلقيه والآخر من معارضيه وأعدائه فليجلس ويفكر في العمل الذي يصدر عن هذين لماذا عندما يصير الحديث عن العمل الصادر عن صديقي فإنني أبدأ بالمدح أو أغض الطرف عن عيوبه على الأقلّ بأصناف الحيل. والعمل الصادر عن عدوي فإنني أجد فيه أنواع العيوب والنواقص؟ لو جلس الإنسان واختلى بنفسه وأراد أن يفهم نفسه وما هي فعليه أن يلاحظ ويأخذ بعين الاعتبار هذه الموازين فلو صدر عمل جيد عن عدوه فإنه يمدح العمل الجيد ويعترف بأن فيه الإيجابيات الفلانية وإذا صدر العمل السيء عن أحد أو عن مجموعة فإنه يعتبره عملًا سيئاً ويقول عنه أنه سيء. لا أقول أن يكشف أسرار الناس ولكنني أقول بينه وبين نفسه. وبالطبع أسرار الناس أياً كانت فإنّ فضحها أمام الناس مخالف للإسلام. والغيبة والاتهام وجميع أمثالها من الانحرافات التي يبتلى بها الإنسان ولكن ابتلاء الإنسان بنفسه أكبر من جميع الابتلاءات. الدليل على هذا الامر هو أنه لو صدر عمل بارز عن أحد فإنني اطرحه للنقاش والبحث وأسعى للتقليل من شأنه باذلًا في هذا الأمر كل وسعي. ولو صدر مثله من صديق أو شخص يخصني فإنني أبني على أن الأمر جيد فأعطيه حجماً أكبر مما يستحقه. كل هذا بسبب الأنا ولا علاقة له بالخارج أصلًا، الدنيا هي" أنا".
التعلق بالدنيا منشأ انحطاط الإنسان
عالم المُلك هذا الذي نعيشه هو عالم الطبيعة وهو أحد مخلوقات الله وعالم الطبيعة هذا تجلٍ من تجليات الله. التعلق بعالم الطبيعة هذا والتعلق بالدنيا يؤدي إلى انحطاط الإنسان. من الممكن أن يتعلق إنسان بمسبحة تعلقاً لا يتعلقه آخر بمملكة. فالأول أكثر التصاقاً بالدنيا من الثاني. كان سليمان بن داوود سلطاناً يحكم كل شيء ولكن سلطنته لم تكن مسيطرة على قلب السلطان، على قلب سليمان بن داوود. الرسول الأكرم أيضاً كان رئيساً لأمة وحاكماً لأمة ولكن هذه الرئاسة لم تكن لتأسره. كانت السلطة تحت سيطرته ولم يكن هو تحت سيطرتها. إذا وجد الإنسان مجالًا للسيطرة على النفس وعلى كل شيء فلا يكون من أهل الدنيا حتى ولو ملك الدنيا كلها مثل سليمان النبي وأمثاله. وإذا لم تتوفر هذه السيطرة وكان الإنسان غارقاً في الغفلة التي نحن فيها فإن هذا الإنسان من أهل الدنيا الدنية. الدنيا والآخرة، الله والدنيا، هذان شيئان بحيث أننا عندما نتعلق بالدنيا فإن عالم الملك يصبح دنيا وهذه الدنيا دنياي. عندما أكون متعلقا بها وتحت سيطرتها وتحت رئاستها وعندما أكون تحت سيطرة الرئاسة وتحت سيطرة المنصب، كل هذه الامور هي دنيا وأنا الأسير. وكلما زادت السيطرة أكثر فإن الأسر يزداد أكثر وأكون أسيرا دون أن أكون منتبهاً. وإذا وفق الإنسان للعمل بما أراده الأنبياء وهو الخروج من تحت سيطرة ونفوذ النفس - أعدى عدوٍ للإنسان - وإذا وفق الإنسان لتحرير نفسه من رق الأسر وأغلاله يصبح هذا الإنسان إنساناً مسيطراً على كل شيء ولا شيء يسيطر عليه حتى السيطرة التي له على كل شيء فإنه لا يهتم بها، ولا يراها شيئاً وكما يريد لأصحابه الخير والصلاح فإنه يريد لأعدائه الخير والصلاح. الأنبياء كانوا بهذا الشكل. الأنبياء كانوا يتألمون من أجل الكفار والمنافقين لكونهم كفاراً ومنافقين. الأنبياء بذلوا كل جهودهم من أجل تحرير الكفار والمنافقين والمنحرفين والناس الراسخين في أغلال أنفسهم وفي أغلال التعلق بالدني - وجميع المفاسد ناجمة عن ذلك - كان الأنبياء يريدون تحريرهم وكانت هذه المهمة صعبة جداً. وهذه المهمة لم تتمكن من ان تشمل الجميع وتصير عامة ولن تكون بعد ذلك ايضا. ولن يصبح الإنسان إنساناً حتى النهاية. هناك مثل معروف يقول كم من السهل أن تصبح عالماً ولكن كم من الصعب أن تصبح إنساناً. شيخنا 2 (رحمه الله) كان يقول: من الصعب أن تصبح عالماً ومن المحال أن تصبح إنساناً.
المعيار في صحة حكم الناس وعدم صحته
إذا أراد الإنسان الحكم على موضوع والتصديق بحقيقة موضوع ما، في البداية عليه أن يذهب وراء نفسه ليعرف نفسه وما دورها؟ أن يجلس الانسان جانباً وينظر الى عيوب الناس أو محاسنهم ويشوّه محاسنهم أو يجمّل عيوبهم، فان هذا الأمر هين. هذا الانسان لا يشترك في اي معركة ثم لا ينفك ينتقد اولئك الذين يحاربون على الثغور بل يعيب هؤلاء الذين على الثغور محاربين. ولا يدخل أي إدارة، ثم يعيب الذين ذهبوا للعمل في الدوائر، لا يدخل أي مركز يحتاج إلى الإصلاح، يجلس جانباً ويشرع بالمناقشة واختلاق العيوب. وهذا العمل سهل ولعله شائع جدا ايضا. ولكن إذا جلس الإنسان جانباً وشاور قلبه وحاكم أفكاره وفكر في نفسه من هو ويمتحن نفسه إذا حصل انتصار على أعداء الإسلام ولصالح الإسلام (على يد عدو له) يرى نفسه هل يشعر بالسرور والفرح لهذا النصر ويبارك في قلبه هذا النصر أو لا؟ يشعر بالانزعاج من انتصار الإسلام لحصوله بيد هذا (الشخص) ويريد أن لا ينتصر الإسلام مخافة أن ينتصر هذا الشخص.
لو أن الإنسان فكر في نفسه لو أن المكسب لصالح الإسلام الذي حصل بيد هذا أو حصل بيدي لم يكن هناك أي فرق بالنسبة لي سواء كان بيده أو بيدي؟ هذا إسلامي!؟ هذا يريد الإسلام!؟ لو حصل ما ينفع الإسلام ولو كان من يد الكافر فإنه يسر لذلك العمل مع أنه لا يسر للكافر ككافر. وبالتالي فإنه يسر من عمله باعتبار أن انتصاره انتصار للإسلام. وهكذا لو أن عملًا تخريبياً صدر من شخص صديق له ويكن له محبة أو منه نفسه ينظر هل يؤثر هذا في قلبه أم لا يترك أثراً. أي عمل يحدث في الخارج إذا أراد الإنسان أن يكتب شيئاً عنه أو يقول شيئاً للأمة قبل أن يذهب ليقوم بهذا العمل لينظر هل أن حب النفس الذي من تبعاته حبّ تعلقاته القلبية وحب أصدقائه فإنه يعمى قلبه بحيث لا يمكن أن يقول الحقيقة وبالتالي يضحّي بالحقيقة لأجل نفسه أم لا فلا يضحي بالحقيقة من أجل نفسه. في ذلك الوقت يجب أن يعرف أن القلم للشيطان ولكنه بيده وأنّ لسانه للشيطان ولكن بإرادته هو، او لو أنه رأى أن العمل الحسن من أي كان هو حسن ولأنه جيد فأياً كان عمله فهو يستحق التقدير. يرى العمل بما هو عمل العمل بنفسه والتفكير في حصول العمل من فلان هو ابتلاء له. عندما ينظر إلى العمل بحد ذاته بغض النظر عن الشخص الذي قام به فإن الإنسان يمكنه الحكم بنفسه.
وعلى هذا يستطيع الإنسان أن يحكم على مجلس الشورى الإسلامي في بلدنا كيف هو من مجلس؟ شريطة أن ينظر إلى المجلس لا إلى الأشخاص. وما تتم الموافقة عليه في المجلس ينظر إليه كيف هو؟ هنا يستطيع الحكم لأن ذلك لا يعود إلى الأشخاص. ولكن عندما يتعلق الأمر بالأشخاص فإنه يغير رأيه لمجرد تعلق الأمر بالأشخاص وما حكم به سابقاً بأنه جيد أو سيء فإن الحكم يتغير في باطن الإنسان. وأكثر الناس يغفلون عن هذا الأمر أي أن الرأي الصادر عن المحبة والصداقة والرأي الصادر عن العداوة شيء يؤثر في الإنسان. من الممكن ان يفهم هذا الإنسان أيضاً ان الموضوع جيد أيضا. هذا لم يفهم نفس الموضوع. هذا الرأي خطأ لأنه ينظر إليه من منطلق المحبة لهذا الإنسان وإذا نظر إلى الشخص من منطلق البغض فنظرته هذه خاطئة أيضاً. نحن يجب أن نمتحن أنفسنا أولًا وبعد الامتحان نتجه نحو العمل الفلاني كيف كان العمل الفلاني جيداً والعمل الآخر سيئاً. أولئك الذين يتعادون عندما يصدر عمل معين يتوجهون نحو نقاط ضعفه. ولا يتعرضون لنقاط قوته. يسكتون عنها. إذا كان إنساناً طيباً جداً فإنه يسكت عن نقاط القوة فقط واذا كان منحرفاً وشيطانيا فإنه يشوه النقاط الجيدة أيضاً. فيعرض نقاطه الجيدة بمعرض سيء. فيعمل من جهته الجيدة شيئاً سيئاً. أما لو كان الرأي رأياً بسيطاَ بمعنى أنه حرٌ فإن أرفع أنواع الحرية هو التحرر من النفس ومن الحب والبغض وأسوأ أنواع البلاء هو بلاء حب النفس وبلاء حب الجاه وحب الشهرة. أحب أن أقوم بهذا العمل لكي يصفق لي الناس. وإذا صدر عمل جيد عن أحد فإنه يغتاظ لذلك. يريد أن يصدر عنه ليقف الناس إعجاباً به. ولو صدر عنه عمل سيء فإنه يحتال له ويدافع عنه. لأنه أعمى فلا يرى (حب الشيء يعمي ويصم) فهو لا يرى الإيجابيات وإنما يرى السلبيات. وفي أحيان أخرى لا يرى السيئات ويرى الايجابيات وإذا كان فضولياً فإنه يقلب الأمور فيحول الإيجابيات إلى سلبيات والسلبيات إلى إيجابيات. مع أنه حسن إلا أنه وراء السيء ليحوله إلى حسن. إذا كان حسناً مع شخص فإنه يحسّن أي عمل سيء يقوم به ويحاول أن يظهره مظهر الحسن. هذا خلاف الإنسانية وخلاف الصراط المستقيم الذي جاء لأجله النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وجميع الأنبياء عليه السلام. إذا نجح الإنسان في التحرر من الأسر، هذا الأسر في داخلي أنا، وتسلط الأهواء النفسية عليّ إذا وفق الإنسان للخلاص منها فإنه ينجح. وإلّا فلا تؤثر أي موعظة ولا أي قول ولا أي كتابة ولا أي استدلال. ولا البراهين الفلسفية أيضاً لا تؤثر في مثل هذه الموجودات التي تعلقت قلوبها بجهة معينة. ومن يعادِ النبي الاكرم صلى الله عليه وآله وسلم فإنه يعترض مستشكلًا على جميع المبادئ الصحيحة مهما أقيمت له الحجج والبراهين. في حديثٍ أن أهل جهنم يشعرون ببرودة - مضمون الحديث قريب من ذلك لأني قرأته منذ وقت بعيد - فيسألون ما الذي جرى؟ يقال: النبي يعبر من هنا فيقول أهل جهنم أغلقوا أبواب جهنم نريد عذاباً ولا نريد هذا.
قدرة الإنسان واختياره أمام النفسانيات
النفسانية بهذا الشكل ومن الأشياء المتعلقة بالإنسان بواسطة حب النفس هذا بحيث اذا كانت تعلقات الإنسان بالدنيا وتعلقاته بالمرأة والولد والمال والشأن والرئاسة وامثالها. من المصائب التي تؤلم الإنسان وتقصم ظهره هو الحالة التي تعرض للإنسان قبيل انتقاله إلى العالم الاخر حيث يكشف له بأن ذلك كله بقدرة الله تعالى. والإنسان يتحول إلى عدو لله لأنه تعالى يفصله عن الاشياء التي يحبها. أحد المحترمين في قزوين وكان غاية في الورع والزهد، رحمه الله قال: ذهبنا لعيادة احد الاشخاص حيث كان على وشك الموت. فقال: إن الظلم - والعياذ بالله - الذي ظلمني إياه الله لم يظلم أحداً من الناس مثله. كيف ربيت أولادي تلك التربية وهو الآن يريد أن يتوفاني. القضية هنا. ما يقصم الظهر هو حب الإنسان لنفسه ورئاسته وحب الإنسان لجميع الأشياء التي توجب الحب يوصل الإنسان إلى درجة بحيث أن النبي لو أخذ هذا الشيء منه فإنه يصبح له عدواً وعندما يرى أن الله يسلبه إياها فإنه يعاديه. ونحن إذا لم نصلح أنفسنا لا يمكننا أن نصلح بلادنا. أنا لا أقول لكم، انسلخوا عن جميع أهوائكم النفسية فهذا ليس مقدوراً لي ولا لكم ولا لأحد إلا من عصمه الله. ولكننا قادرون على ضبط ألسنتنا ولا يمكننا أن نقول أن لساننا ليس تحت اختيارنا. نحن يمكننا أن نسيطر على أقلامنا ولا يمكننا القول أن قلمنا ليس مخيراً. نحن يمكننا السيطرة على ألسنتنا وبياننا وأقلامنا وعملنا جميع هذه يمكننا السيطرة عليها والتحكم فيها.
إن مسألة القدرة والاختيار التي بسببها يؤاخذ الإنسان ويبتلى بها، فإنه مهما كان حبه لشخص أو بغضه له فالواجب عليه أن يمسك قلمه، فيكون قادراً على الأقل في ألا يكون الشر مهما كان صادراً عن قلمه وألا يكون الضعف بأي شكل كان صادرا عن قلمه.
واجب المسؤولين هو بعث الأمل في الأمة ورفع معنوياتها
نحن اليوم نحتاج إلى أن نبعث الأمل والحيوية في هذه الأمة. نحن كل ما لدينا هو من هذه الأمة. ومن هذه الجماهير الإنسانية العظيمة. ونحن نرى الآن أننا قدمنا كل هذه الضحايا بدءاً من الخامس عشر من شهر خرداد إلى ما بعد الحرب. كل هذه خذوها بعين الاعتبار. كم قدمنا من الضحايا كم قدمنا من المعوقين كم قدمنا من المشردين كل هذا من أجل استقلال وطننا وإيجاد الحرية فيه لأجل أن لا يكون لدينا ما كان من المصائب في الماضي، وأن يكون لدينا بلد إسلامي. يكون لدينا وطن يتبع الله وأحكامه.
نحن الآن ولم نصل إلى النصر بعد ولدينا مصاعب كبيرة لا يجوز أن نضعف هذا الشعب فنأتي إلى المجلس ونبدأ بالاستشكال المتواصل. إن الحسنات الموجودة في هذا المجلس لم تتوافر منذ ان كان لدينا مجلس وإلى الآن. أنا لا أقول أن المجلس ليس فيه أي شخص غير صالح. من الممكن أن يوجد فيه. ولكن هناك الصالحون. هذا المجلس يجب الحفاظ عليه وعدم بث اليأس في الناس تجاه المجلس. كل يوم يكتب شيء حول المجلس وكل يوم يكتب حول عدم إلمام المجلس بالأمور أو أشياء أخرى حوله. نحن اليوم نحتاج إلى عدم بث اليأس في الكسبة وهم محترمون والعمال وهم محترمون أيضاً وجميعهم محترمون إن شاء الله يجب ألا نبعث اليأس في قلب العامل بحيث يضعف عند العمل ونبعث اليأس في قلب المزارع فإنه عندما يريد أن يعمل في الزراعة يشعر بالضعف كما يجب ألا نبعث اليأس في قلوب اعضاء المجلس بحيث يشعرون بخيبة الأمل وكذلك الذين يخدمون على الحدود يجب ألا نسبّب اليأس لهم بحيث يفقدون دوافعهم للعمل.
نحن جميعنا يجب أن نعمل لبعث الأمل في الشعب، لأنه بالأمل ينتصر. بالأمل يستطيع المزارع أن ينتج أكثر. بالأمل يستطيع الجيش والحرس الوقوف في وجه العدو. نحن بحسب أقوالنا لسنا من أعداء الإسلام. ولسنا أعداءً لوطننا. ونحن لا نعارض مصالح وطننا. نحن نريد إصلاح وطننا وإسلامنا إن شاء الله. جميعنا لدينا هذا الأمل.
حسناً إذا كان لدينا جميعاً هذا الأمل لماذا نضعف الحكومة الإسلامية؟ لماذا نضعف المجلس؟ لماذا نضعف الجيش؟ لماذا نضعف الحرس؟ أليس جميع هؤلاء يعملون من أجل خدمة الشعب؟ حسناً جميع هؤلاء يخدمون بدءاً برئيس الجمهورية وامتداداً إليّ أنا الطالب الحوزوي وجميع الأجهزة منشغلة بالخدمة. لا تجعلوا النظرة نظرة متشائمة. ولا يكن الحب والبغض في قلوبكم بحيث تحكمون أو تكتبون أو تقولون ما يخالف الواقع. قولوا الحقيقة.
طريقة الأنبياء لإصلاح المجتمع
بالطبع أنا لا أعني أن تؤيدوا ترويج الفواحش. لأن هذا العمل خلاف الشرع ومن الذنوب الكبيرة. ولكن من باب الموعظة ومن أجل التوعية والتنبيه، قولوا نقاط الضعف ولكن بهدوء. لا أن يشوه الشخص الذي يسمع بما كتبتموه فيشوهه أكثر. إذا قلتم شيئاً سيئا ازعج احدا وهو ايضا لم يكن مهذبا لدرجة كبيرة بحيث يغمض عينه عنه. هو أيضاً يقوم في المقابل برد فعل مشابه ومغرض. بل ويزيد عليه ومن يواجهه يزيد عليه أيضاً وهكذا. نحن إذا أردنا أن يكون وطننا لنا ولا يستطيع الآخرون التسلط عليه من الآن يجب على جميع الطبقات الموجودة التعاضد والتعاون. والتخلي عن الحب والبغض المؤسس على حب النفس. وأن يسيطروا قليلا على حب النفس، إن لم يتمكنوا من اقتلاعه بشكل كامل فليقللوا منه الى أن يتم الانتصار. وأن يضبطوا الأقلام مؤقتاً وإذا أرادوا النصيحة فلينصحوا حقيقة ولكن دون حدة لأن الإنسان يمكن أن يقبل النصح ولكنه مهما كان لا يتحمل الحدة في النصيحة. نحن يجب أن نتعلم من العظماء. لقد سمعتم قصة مالك الأشتر حين شتمه شخص وبعد أن علم أنه مالك ذهب خلفه. وكان مالك قد دخل المسجد وانشغل بالصلاة فجاءه واعتذر منه. فقال: أنا لم آت - حسب الرواة - إلى المسجد إلا لأستغفر لك. 3 انظروا كيف يربي وكيف يؤدي هذا الأمر إلى التربية كتب أحدهم إلى الخواجه نصير الدين الطوسي 4 (رضوان الله عليه) مكتوباً فيه بعض المسائل. ومن بين ما كتب له أن نعته باسم الكلب تجرؤاً. فعندما أجابه الطوسي - حسب الرواية - أجاب عن جميع الأسئلة بحكمة إلى أن وصل إلى قوله (أنت كلب) فكتب له: إن أوصاف وخواص وآثار الكلب تختلف عن أوصافي وخواصي وآثاري. الكلب عنده الصفة الفلانية وهي ليست موجودة عندي وأنا فيّ الصفة الفلانية وهي ليست موجودة في الكلب 5. لقد حل القضية في منتهى الحكمة بهذا الشكل. لو أن الخواجة كان يكتب له في الجواب على ورقة أنك أنت الكلب وأبوك كلب كان سيتلقى في اليوم التالي كتاباً آخر يحمل شتائم أكثر. عندما نستطيع بلسان لين ومن خلال القول السليم الخالي من الطعن وغير المغرض أن نصلح الناس وزيادة أصدقائنا وكل هذا من أجل الله ما الداعي لأن يكتب الإنسان بقلمه ضد نفسه. الكثيرون يتخيلون أن ما أقوله هو ضد فلان ولقمع فلان. هؤلاء لا ينتبهون إلى هذا الموضوع. عندما يحصل مثل هذا الأمر وعندما يشاهدون مثل هذا القلم ويشعرون بأنه متلوث فإنهم سوف يشعرون بالنفور منه.
ما هي دعوى إنسان يمكنه أن يهدي إنساناً آخر إلى الخير بلسان لين وقلم لين من خلال النصيحة والمصادقة كما كان يفعل الأنبياء. فالأنبياء كان ديدنهم أن لا يلجأوا إلى السيف إلا لمعالجة من لا علاج له سوى السيف وبقاؤه يفسد المجتمع، فإنّ من يفسد المجتمع ولن يتخلّى عن فساده يجب استئصاله من المجتمع، إنه غدة سرطانية تفسد المجتمع.
الأنبياء كانوا مثل الطبيب إذ كانوا يريدون إصلاح المجتمع، فلو أن طبيباً جاء واستأصل غدة سرطانية من جسم أحد باستعمال السكين وشق البطن هل تصرخون في وجهه ويلك لقد مزقت بطنه وأنت جانٍ؟ لا، بل تحترمونه بل وتعطونه أجره وربما قبّلتم مثلًا يده وتطيرون فرحاً لأنه شق بطن المريض ولكن لاستئصال غدة سرطانية يمكن أن تؤدي إلى هلاكه. الأنبياء هكذا كانوا.
الأنبياء في نفس الوقت الذي يخاطبهم الله تبارك وتعالى ب - (لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين) 6 وكانوا في منتهى العاطفة والحنان وحب الخير للناس ليهتدوا ولكن عندما كانوا يرون أن المجموعة الفلانية لو بقيت في الناس لأفسدتهم فإن سيف النبي هو سكين الطبيب. النبي طبيب العالم وطبيب المجتمع ويجب ان يصلح المجتمع بحسن النية الموجودة لديه. لقد وصف سيف علي بن أبي طالب بأنّ ضربته أفضل من عبادة الإنس والجن. 7 لأنها إصلاح، ضربة إصلاحية وليست ضربة إفسادية.
إذا أردنا أن تكون أقلامنا وألسنتنا هكذا بحيث أننا حقيقةً نريد تقدم المجتمع وإصلاح البلاد في حين أننا نحن جميعنا مصابون فلا أقل من تخليص الناس من مصيبة اقلامنا لأن هذه المصيبة مصيبة فادحة.
إصلاح المجتمع رهن السلوك والمنطق المعقولين
اذا أردنا اصلاح المجتمع يجب أن نفكر قليلًا إنه يجب وضع الأقلام جانباً وتقديم النصح للناس عندما نتحدث عن القلم يجب أن يكون قلمنا إصلاحياً فلا نذهب وراء البحث عن العيوب والكتابة عنها. اذا انتم اكتشفتم عيبا وكتبتم عنه فان منافسكم أيضاً يصطنع عيباً لكم وفي الغد يضخمه أكثر والآخر هكذا وهكذا. لو وقف شخص في قارعة الطريق وشتم أحداً فلو أن الشخص المشتوم تركه أو ذهب إليه وقال له إنّ ما قلته ليس صحيحاً وأنا لم افعله، وينتهي الموضوع، ويتم اصلاح الأمر بينهما. ولكن لو كال له بدل الشتيمة شتيمتين وهكذا زاد في الشتائم فإن الجميع يجب أن يفكروا في حل للموضوع. يجب على أهل الفكر وأهل القلم والصلحاء أن يجلسوا ويفكروا في بعث الأمل في المجتمع. الناس بحاجة إلى أمل. الآخرون يعملون على بث اليأس في النفوس. الآخرون يقولون إن كل شيء اختلط في البلاد ولم يعد هناك شيء اسمه الوطن.
نحن الذين يجب أن نسعى للوقوف وتبيين أن لدينا نظاماً وهذا النظام أفضل من بقية الأنظمة. اين يوجد نظام يستطيع فيه بقّال بكل حرية أن يقول لرئيس الجمهورية ما يشاء. وأن يقول لرئيس الوزراء ما يشاء. وأن يقول لرئيس المجلس ما يشاء. أين يوجد مثل هذا الشيء. انظروا إلى رؤساء الدول الأخرى أنتم ترون أعمالهم وترون أيضاً تعاملهم مع الشعب. وعندما يكون الأمر هكذا لماذا نخلق الفتن بين هؤلاء ولماذا نزيد المشاكل؟ ولو فرضنا أن هناك مشكلة بين طائفتين فعلينا أن نذهب ونصلح الامر بأقلامنا وأقوالنا. نجتمع ونتوحد ونتآخى. الجميع يريدون اصلاح البلاد. فلا سمح الله لو اننا بقلم أو بخطوة أو قول وجهنا ضرراً إلى هذه الدولة وإلى هذه الجمهورية الإسلامية بحيث أنهم يقولون في الخارج اننا لا نستطيع الإدارة وقمنا نحن أيضاً بتضخيم ما يقال في الخارج. لماذا نتسبب في تشويه صورة الجمهورية الإسلامية في الدنيا من بغض نكنه لشخص أو لجماعة؟ إنكم تريدون الجمهورية الإسلامية فتصرّفوا بحيث لا ننسى عدو العالم الذي يبث دعايته ضدنا حتى لا يستشهدوا بأقوالنا. يجب الإلتفات إلى هذه القضايا. الإنسان مبتلى جداً. ندعو الله أن ينجينا من هذه الابتلاءات وأن ينجينا من شر أنفسنا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
روح الله الموسوي الخميني
* صحيفة الإمام، ج14، ص:22,13
1- غرر الحكم، ص 232، ح 4637؛ عوالي اللآلئ، ج 4، ص 102، ح 149
2- الحاج الشيخ عبدالكريم الحائري اليزدي مؤسس الحوزة العلمية بقم.
3- بحار الأنوار، ج 42، ص 157
4- نصير الدين أبو جعفر محمد الطوسي( 595- 673 هـ) المعروف بالخواجه نصير الدين، من العلماء المشهورين في القرن السابع كان وزيراً لهولاكو المغولي.
كان الخواجه من أساتذة زمانه في علم الهيئة والهندسة وعلم النجوم والمنطق والحكمة. من أعماله البارزة تأليف 130 مجلداً من الكتب والرسائل وصناعة مرصد مراغة وافتتاح مكتبة فيها 400 ألف نسخة من الكتب. من جملة آثاره: تحرير أصول الهندسة الاقليدية، رسالة العروض، شرح إشارات ابن سينا، تحرير المجسطي على تحرير العقائد، أوصاف الأشراف، أخلاق الناصري ...
5- الكنى والألقاب، المحدث القمي، ج 3، ص 252. الوافي بالوفيات، الصفدي، ج 1، ص 180.
6- سورة الشعراء، الآية 3.
7- بحار الأنوار، ج 39، ص 1- 2، ح 1. المستدرك، الحاكم النيسابوري، ج 3، ص 32.