الموضوع: طلب الإنسان للكمال المطلق وأنانياته
خطاب
الحاضرون: أكبر هاشمي رفسنجاني (رئيس مجلس الشورى الإسلامي) ونوّاب مجلس الشورى الإسلامي
عدد الزوار: 39
التاريخ: 28 اسفند 1359 هـ. ش/ 12 جمادى الأولى 1401 هـ. ق
المكان: طهران، جماران
الحاضرون: أكبر هاشمي رفسنجاني (رئيس مجلس الشورى الإسلامي) ونوّاب مجلس الشورى الإسلامي
بسم الله الرحمن الرحيم
دور النساء وبركات الحرب
بالطبع هذه السنة التي مرت علينا حصلت فيها أحداث كثيرة وابتلاءات كثيرة لشعبنا. ولكنني أعتقد أن الابتلاءات والمصائب والحروب وتقديم القتلى وسائر آثارها إذا لم تواجه الإنسان فإنه لا يخرج من حالة الخمود وحب الراحة (الموجودة في ذاته) وبالطبع فإن الحرب وآثارها كانت مؤلمة جداً لشعبنا ولكن في مقابلها فإن شبابنا وهؤلاء الموجودين على الجبهات والأناس الذين لمسوا الحرب قد أظهروا مقاومة لم تكن متوقعة. وهذا من بركات اتعاب وآلام الحرب وآثار الحرب. إن وقوع الحرب في بعض الأنظمة التي لا يشارك الشعب فيها حكومته في جميع النوائب والبلايا العسكرية بل يقف متفرجاً على الحكومة فقط دون أي حركة منه ومن الشباب الذين يحتاجون إلى الحركة فإن هذه الحرب ستكون عديمة الفائدة. وأما اليوم فإن جميع شعبنا وليس الشباب وهؤلاء الموجودون في الجبهات فحسب بل الشيوخ والعجائز والفتيات والأطفال غير البالغين جميعهم حاضرون في ساحة البلايا وفي ساحة الحرب والجميع يرون أنفسهم في الجبهة.
عندما أشاهد في التلفاز النساء المحترمات اللواتي يشتغلن بمرافقة الجيش والقوات المسلحة فإنني أشعر في قلبي لهن بقيمة لا أستطيع أن أشعر بها لأحد آخر. الأعمال التي يقمن بها أعمال ليس وراءها طمع في الحصول على منصب أو منزلة أو مطالب من الناس. لا شيء من هذه الأمور مطلقاً. بل يجب القول بأنهن جنود مجهولون يشتغلون بالجهاد على الجبهات ولو لم يكن لدينا فائدة من الجمهورية الإسلامية سوى حضور الشعب بجميع فئاته في الساحة وإشراف جميع الفئات على جميع الأمور فهذه معجزة لا أظن أنها تحققت في مكان آخر. وهذه هدية الهية أعطانا إياها الله بفضله دون أن تتدخل فيها أيدي البشر ويجب علينا أن نقدّر هذه النعمة. وأن نقتدي بهؤلاء النسوة والسيدات والأطفال خلف الجبهات وهؤلاء المتواجدين في المدن المخربة وشبه المخربة. يجب علينا أن نتعلم منهم الأخلاق الإسلامية والايمان والتوجه الى الله.
نحن من الممكن أيضاً أن نقوم بالأعمال المفيدة جداً للمجتمع ولكنها ليست مفيدة لأنفسنا. من الممكن أن نقوم بأعمال لمصلحة المجتمع ويستفيد المجتمع منها يتقدم بسببها ولكنها تعيدنا إلى الوراء وليس فقط لا نحصل على أجر عند الله تبارك وتعالى بل وننحط أيضاً.
يجب علينا أن نتأسى بهذه الفئات من جماهير الناس التي تخدم البلاد دون أي طمع وتخدمكم أنتم أيضاً ويجب علينا أن نصلح أنفسنا. نحن أيضاً إذا صار عندنا مثل تلك النفسية عندها يصبح لأعمالنا هدف وإذا صار لأعمال الناس هدف واحد أي كان هدفهم هو الله وكان التوجه نحوه، وذلك سيجبر الإنسان على العمل وعندها لا يتصور حصول أي خلاف. جميع الأشياء التي يبتلى بها الإنسان هي من نفسه. ليس جميع الأعمال التي هي من صنع البشر فقط بل ربما حتى ما يصيبنا من الغيب أيضاً. فلربما كانت كل هذه الزلازل والسيول والأعاصير لعدم إصلاحنا أنفسنا. لا يحدث أي اختلاف بيننا إذا اصلحنا أنفسنا وسار على هذا النهج من يؤثرون على الجماهير ومن هم محطّ أنظار الشعب. وإذا كانت وجهة الذين يقتدي بهم الناس ويراقبون أعمالهم وأقوالهم وكان حديثكم حديثاً لله وكان استماع من يستمع إليكم لله ومن يكتب أيضاً هكذا فسوف لن يقع اي اختلاف. ولو كان هناك اختلاف بالرأي فيمكن حله بطريقة إلهية وليس بطريقة شيطانية. وأساس الإصلاح هو مركز النفس. جميع مصائبنا من أنفسنا ذاتها. ويجب أن يبدأ الإصلاح من ذواتنا ولا يكن عندي أمل أن أُصلح غيري اذا لم أُصلح نفسي، هذا خيال باطل. إذا كان نفس المتكلم قد أصلح نفسه يمكنه أن يصلح الآخرين.
بحث الإنسان عن الكمال المطلق
في البشر خصائص لا توجد في أي موجود آخر ومن جملتها أن في فطرة البشر طلب القدرة المطلقة وليس القدرة المحدودة. طلب الكمال المطلق وليس الكمال المحدود. يطلب العلم المطلق والقدرة المطلقة ولما كانت القدرة المطلقة لا تتحقق في غير الحق تعالى فإن البشر يطلب الحق تعالى بالفطرة دون أن يعرف. أحد الأدلة المحكمة لإثبات الكمال المطلق هو هذا العشق الإنساني للكمال المطلق. عنده عشق حقيقي للكمال المطلق. وليس توهم الكمال المطلق، بل الكمال المطلق على نحو الحقيقة. من المحال أن يكون هناك عاشق حقيقي دون معشوق حقيقي. هنا لا أثر للتوهم والاختلاق لأن الفطرة وراء حقيقة الكمال المطلق. وليس وراء توهم الكمال المطلق حتى يأتي شخص ويقول انه خدع. لا تنخدع الفطرة أبداً. إن فطرة الإنسان تنزع إلى الكمال المطلق لنفسه والإنسان يحتكر كل شيء لنفسه. يريد الكمال المطلق أن يتملكه بنفسه وهذا الكمال المطلق عندما يتحقق عند الجميع فإنه يتوحد. وليس متعدداً بحيث يمكن الانفراد به. الجميع واحد. إذا حكم شخص مدينة (فرضاً) فإنه قلبياً ليس راضياً لأنه يرى في نفسه أنه يريد أن تكون لديه حكومة على محافظة كاملة. وعندما يصبح محافظاً لا يكون راضياً ومن أعماق القلب، يريد أن يكون تحت سلطته بلد كامل. وعندما يتوفر له ذلك أيضاً لا يرضى يريد أن يكون بلد آخر تحت سلطته. أنتم ترون أن القوتين العظميين الموجودتين اليوم في العالم وفي الأرض، هاتان القوتان لا ترضى أية منهما بقوتها العظمى. دولة أمريكا تريد أن لا يكون هناك شيء اسمه الاتحاد السوفياتي وأن تكون هي المتفردة لوحدها. الاتحاد السوفياتي أيضاً يريد أن لا يكون هناك شيء في العالم اسمه امريكا وأن يكون لوحده وكل منهما يتوهم أن هذا يكفيه! في حين أن الأرض بكاملها لو أعطيت لأحدهما لذهب يبحث عن الذي لا يملكه ولا يقنع بما لديه. يسعى خلف ما ليس عنده لأنه يعشق الكمال المطلق. ويعشق القدرة المطلقة. إذا سخر جميع هذا العالم وجميع المجرات وجميع السيارات والثوابت وكل ما هو موجود إذا سُخر جميع هذا تحت سلطة شخص واحد فإنه لا يقنع به لأن هذه الأشياء ليست الكمال المطلق. وإذا لم يصل إلى حيث يتصل ببحر الكمال المطلق ولم يغن هناك فلن يحصل له اطمئنان. (ألا بذكر الله تطمئن القلوب 1) لا برئاسة الجمهورية ولا برئاسة الوزراء ولا بقوة القوى الكبرى ولا بملكية كل الملك والملكوت. ما يطمئن وما يخرج النفس من التزلزل الموجود عندها والرغبات التي عندها هو (ذكر الله). ليس ذكر الله باللفظ وأن نقول لا إله إلا الله. ذكر الله الذي يحصل في القلب، ذكر الله التوجه اليه: (ألا بذكر الله تطمئن القلوب) ثم تقول آيات أخر (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إلى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي) 2.
لو أراد الإنسان أن يذكر خصوصيات هذه الآيات الشريفة فسيطول به الأمر. أشير فقط إشارة إليها. وهو أن (النفس الممطمئنة) هي النفس التي لا رغبة عندها. ليس إنه عندما يصير الإنسان رئيساً للوزراء يقول هذا قليل يجب أن أصبح رئيساً للجمهورية. صار رئيساً للجمهورية يقول هذا قليل يجب أن أصبح رئيساً لجمهورية البلاد الإسلامية, إذا وصل إلى ذلك يقول هذا قليل وسيقول ذلك أينما وصل. لو جُعل العالم كله لقمة واحدة ووضعت في متناوله فإنه عندما يفكر يرى أن فيه نقصاً ما يطلبه غير هذا ويطمئن عندما يصل إلى الكمال المطلق. الكمال المطلق هو أن يكون هو ولا غيره. لا اهتمام له بالرئاسة ولا اهتمام له بالسلطنة ولا اهتمام بعالم المادة ولا اهتمام له بالعوالم الأخرى، لا الغيب، ولا الشهادة، ولا شيء مطلقاً. الذكر ينحصر بذكر الله. هناك تطمئن النفس. عندها ستكون هي المعنية بالخطاب: يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك، الآن ليس لك أي شيء ارجعي إلى (ربك) رب النفس المطمئنة. فادخلي في (عبادي) ليس (عباد الله) ليس (العباد الصالحين). (عبادي) مع هذا التدقيق عندما صرت في عبادي عندها (وادخلي جنتي) وليس (الجنة). تلك الجنة للآخرين تلك الجنة بكل عرضها وطولها ل- (العباد الصالحين) وليس ل- (عبادي). ما هو لعبادي هو ما ليس شيئا سوى العبادة وهي أيضاً عبادة (هو). عندما وصلتي إلى هناك (ادخلي جنتي) جنة اللقاء جنة الذات, ليس جنة الآخرين. جنتكم التي تدخلونها إن شاء الله جميعاً تختلف عن هذه الجنة. تلك جنة (العباد الصالحين) (عباد الله الصالحين) أما هذه الجنة التي لا تنتسب لأي مكان إلا به (هو). في ذلك الوقت دخلت (النفس المطمئنة) في نبع النور وفي كمال مطلق ووصلت إلى الشيء الذي كانت تعشقه يتخيل أنه يعشق أي شيء! القوى الكبرى تتخيل أن الوصول إلى قدرات الأرض وكل ما هنا لا يكفيهم. والدليل هو أنهم يرون أن في فطرة الجميع أن تكون لديه قدرة لا حد لها. إذا قيل له حسناً الآن لديك كل قدرة الملك والملكوت ولكن هناك قدرة أخرى تريدها أم لا فإن الجواب سيكون بالايجاب! (إذا) قيل أعطيت جميع القوى الموجودة في العالم عالم الملك والملكوت لكن هناك شيء آخر أعلى من هذا تريده أم لا؟ يقول أريد. الفطرة الإنسانية تقول أريد. لا أحد منكم يقول أنا لا أريد عندما تعرض عليه. لا يوجد شخص عالم بجميع علوم الدنيا والآخرة وجميع العلوم توجد في جعبته ثم يقال له هناك علوم أخرى في عالم آخر هل تريدها أم يكفيك ما عندك، سيقول ليتها كانت عندي وليتني نلتها. تلك المرحلة التي ينتهي فيها كل شيء هي المرحلة التي فيها يبلغ الإنسان العلم المطلق وتفنى هذه القطرة في ذلك البحر.
إذاً أنتم الذين في هذا العالم وتتصورون أن الشيء الفلاني لو كان عندي لأكتفيت، إعلموا أنه لن يكفيكم. من الممكن أن يكون الشيء الذي تتخيلون أنكم تريدونه قليلًا، والشخص العادي يقول يكفيني منزلٌ وحياة بحيث أسد بها رمقي فهو قبل أن يبلغها يتخيل أنه يطلب ذلك فقط لا أكثر. ولكنه عندما يبلغها يطلب شيئاً آخر، ما لم تصلوا إلى منصب رئاسة الجمهورية تقولون نريد هذا المنصب. وعندما تصلون إليه تقولون: لا، ليس هذا ما نريد، ما نريده شيء آخر. أريد شيئاً أعلى، ومن بلغ مناصب أعلى من ذلك فهو يقول ذلك أيضاً. ترون مثلا أن الرئيس الاميركي لديه نصف القوة في هذا الكوكب الارضي وهو يتخيل أن هذا قليل وما أريده ليس هذا ويتخيل لو أنه غلب الاتحاد السوفياتي وحاصره وصار كل هذا الكوكب تحت سلطته فإن ذلك يكفيه. ولكنه لا يفهم أن الأمر ليس كذلك. لا يفهم أنه يعشق الله وليس يعشق الدنيا. والدليل هو أنه عندما يصل إلى هناك يرى أنه: ليس كافياً. إذا قيل له أن في كوكب المشتري أشياءً أيضاً هل تريد الوصول إليها؟ لا يمكن أن يقول: ل, يقول: نعم. لا يشبع الإنسان أبداً. لا تتخيلوا أننا وصلنا إلى هنا والحمد لله! الاختلافات التي تظهر هي لأن هناك أخطاءً. خطأ في الهدف. ليس هدفنا الفطرة. لم نر, لا نعلم، لم نقرأ كتاب الفطرة. ولأننا لسنا عالمين بكتاب الفطرة نتخيل أننا نريد أن نصل إلى قوة تكون خاصة بنا. وعندما تصلون ترون أن ما كنا نريده ليس موجوداً. ما يزال هناك اضطراب في القلب. والاضطراب في تزايد أي أننا لو فرضنا أنه لو قيل لرئيس الجمهورية الفلاني في أمريكا حسناً ماذا تريد الآن؟ ماذا تعشق؟ ماذا تريد أن تفعل؟ كل همه هو أن الاتحاد السوفياتي الذي هو كالشوكة في عينه أن لا يكون. ولو قيل للثاني سيقول إن أمريكا كالشوكة في عيني وأريد أن لا تكون. لا يفهم هؤلاء أن تلك القوة ليست آمالًا. لا، تلك القوة شيء آخر. في فطرة جميع البشر بلا استثناء، في جميعها يوجد العشق للكمال المطلق, العشق لله. العذاب هو لأجل أننا لا نفهم، لأننا جاهلون ونفهم الأشياء مقلوبة. إذا سرنا على هذه الفطرة نصل للكمال المطلق. إن ما سيعذب الإنسان هو أنه أخطأ في الكمال، يتخيل أن الكمال هو في أن يصير رئيساً، رئيساً لإدارة عندما يصبح رئيساً لإدارة يرى أن هذه الإدارة قليلة عليه، ما هذه الإدارة؟ يجب أن يصير رئيس بلد عندما يصل إلى رئاسة بلد يفكر في بلد آخر. وعندما يصل إليه يفكر في بلد آخر. ولو أعطي العالم كله فإنه لا يشبع أيضاً لأن أمل الإنسان هو الكمال المطلق. لأنّ فطرة الإنسان هي فطرة الله التي فطر الناس عليها. 3 هذه فطرة التوحيد. فطرة الكمال المطلق. ومالم تبلغوه فإنكم في حالة بحث دائم عنه. أنتم تبحثون عن ضائع، وتشتبهون فيما تبحثون عنه. نحن جميعنا نخطئ. كل شخص يتخيل أن ما هو موجود عند الآخر ليته كان عندي. وإذا ذهبت إلى الثاني فهو يقول ليت ما عند فلان كان عندي. ولو وصل كلاهما اليه سيريان أن لا ليس هذا هو. أنتم تبحثون عن شيء هو الكمال المطلق أي أن الله في فطرة الجميع، وهذا يثبت أن مثل هذا الكمال المطلق له تحقق. العشق الحقيقي مستحيل بدون عاشق حقيقي ومعشوق حقيقي. وهذا من الأدلة المحكمة لثبوت الكمال المطلق. لا تبحثوا وراء هذه الأوراق وتلك الأوراق وخلف هذه الجبهة وتلك الجبهة، لا تتعبوا أنفسكم لن تشبعوا. ابحثوا عن شيء يمنحكم النضارة ويُطْمئِنُ أنفسكم. كلما ازداد ما يصل لأيديكم يزداد تزلزلكم. الإنسان فطرته هي هكذا. لأنه يريد الكمال المطلق ولكنه أخطأ الهدف وعندما يحصل على هذا يرى أنه ليس هو ما يريد بل يريد شيئاً أكثر. رئيس الجمهورية في أمريكا لم يعد قانعاً ببلد أو اثنين أو عشرة بلدان. أنتم ترضون أن يعطوكم إدارة أخرى لأنكم الآن لا تعلمون. ولكن لو أن أياً منكم جعل مكان رئيس أمريكا أو رئيس الاتحاد السوفياتي فإنّ الاضطراب الذي في قلبيهما وهو كثير سينتقل إلى قلبكم الذي اضطرابه الآن أقل مما في قلبيهما. وإذا أعطيتم الدنيا بكاملها فإن الاضطراب يزداد في قلبكم ويزداد التزلزل. إنّ ما يُخرج الإنسان من حالة التزلزل هو ذكر الله. وبذكر الله يتم القضاء على التزلزل والحصول على الاطمئنان. وعندما يحصل الاطمئنان ويحصل ذكر الله عندها يخاطب الإنسان بهذا الخطاب: (يا أيتها النفس المطمئنة) وفي رواية أنه خطاب لسيد الشهداء.4عندها يقال لكم: (فادخلي في عبادي). ليس في عباد الله, ليس في (عباد) أخرى. (في عبادي) عناية خاصة، هذا الإنسان له! عندما يحصل هذا فجنته تختلف أيضاً عن الجنان الأخرى. لا تتخيلوا أن جنانكم وجناننا مثل جنة رسول الله. لا ذاك وضع آخر، جنة الرسول من نوع (جنتي). الجنة للجميع إن شاء الله ولكن عندما تصل الأمور إلى هناك، (جنتي) شيء آخر. القلب عندها لا يصل لمكان آخر. إذاً تسعون وراء أي شيء أنتم؟ تسعون بقلمكم وبلسانكم لتحصلوا على شيء آخر. تتخيلون الحصول عليه. عندما تحصلون عليه هل تطمئنون؟ لا! عندما تحصلون عليه يزداد تزلزلكم ويزداد قلقكم. مثلًا، ذلك الدرويش الذي جلس في زاوية ووجد لقمة عيشه فرض, انشغال باله أقل من الرئيس الأمريكي، وباله أكثر اضطراباً من ذلك الدرويش. وباله أقل راحة وأكثر تزلزلًا وأكثر قلقاً، اعملوا على إزالة القلق لا أن تزيدوا منه. كلما سرتم للأمام ازداد القلق.
الأنانية هي منشأ جميع المصائب
اعملوا على إزالة الحجب الحائلة بينكم وبين الله تبارك وتعالى. أنتم حجاب أنفسكم السميك. الإنسان بنفسه حجاب. أنت نفسك حجاب نفسك. فكروا أنكم تريدون تحصيل الاطمئنان القلبي. تريدون راحة وليس اضطربا وقلقاً. الإنسان وهو في هذه الدنيا يجعله القلق كأنه يعيش في جهنم. هذا القلق هو للإنسان باب من أبواب جهنم. اعملوا على إزالة هذا القلق. رفع القلق لا يكون بأن يكون عندكم منصب فيصير اثنان، لا، الزيادة قلق. اعملوا على إزالة الهاجس النفسي الموجود في الإنسان. هذا القلق ما يتبع الأنانية. ارفعوا أنفسكم. أنفسكم هي حجب. إذا رفعتم أنفسكم فإن القلق سيزول كله. يقول الانسان في نفسه أنني أسعى وأريد أن أبقى في هذا المنصب أريد أن أعمل لله. هذه أوهام يتوهمها الإنسان. الإنسان لأنه يحب نفسه كثيراً يتخيل أن أي عمل يقوم به فهو حسن وكل ما يقوم به فهو لله. لكنه لو عرض نفسه على شخص يعرف الله، عندئذ يُفهمه (ذلك الشخص) أن لا، كان عملك لنفسك. جميع الأعمال كانت لنفسك. إذا وصلت إلى حيث تضع نفسك جانباً وتعمل، فإنّ ذلك العمل ليس للنفس. وبالإجبار عندما لا تكون النفس موجودة فلن يكون هناك نزاع ولا خلاف. الأنبياء لم يكن بينهم نزاع. جميع الأنبياء لو اجتمعوا في مكان ما فلن يحصل بينهم أي خلاف. لأن بينهم جهةً واحدةً وتنحّت أنفسهم جانباً ولم يعد هناك نفس. (جزنا وهي خامدة) 5. هذه الرواية تقول جزناها، جزنا الصراط- الصراط في قلب جهنم وليس عليها كالجسر والماء يجري من تحته. في الوسط. كالجسر الذي غرق في وسط الماء فإنّ جهنم محيطة بالصراط. ويجب عليكم أن تعبروا من هناك. ليس أنها فوق ونحن نقع فيها. لا، وسطها. المؤمن عندما يريد أن يعبر ويجب أن يعبر، فإن جهنم أيضاً له. ولكن جهنم تصيح إنك تكاد تقضي على نوري- في رواياتنا أن الأنبياء- الأئمة عليهم السلام ذكروا أن هذا يعم جميع الأولياء (يقولون)- أننا عبرنا الصراط وجهنم خامدة: جزنا وهي خامدة لأن هذا الخمود يشرع من النفس. عندما تكون جهنم خامدة في ذات الإنسان فإن جهنم تلك أيضاً ستكون خامدة. جهنم تلك التي تصل إلينا هي التي صنعناها من أنفسنا. لا نرى أي شيء زائدا على ما فعلناه بأنفسنا: (ذلك بما كسبت أيديكم) 6 نحن بأنفسنا صنعنا جهنم. في الرواية أن النبي (ص) عندما ذهب إلى المعراج رأى في الجنة مجموعة تشتغل: تعمل ساعة وتقف أخرى فسأل جبرائيل عن القصة؟ قال: هذه أعمال الناس، عندما تصل إليهم فهي كمواد البناء فيعملون وعندما يتوقف الناس عن العمل السيء يترك هؤلاء العمل. لاشيء يأتيكم من الخارج. كل ما هنالك منكم. سعى الأنبياء والله تبارك وتعالى أرسل جميع الأنبياء من أجل إنقاذكم من هذه الورطة. من أجل أن تقوموا بإصلاح أنفسكم لذلك أن تعدّوا أنفسكم لذلك العالم. جميع الأنبياء جاؤوا من أجل أن يُنجونا من هذا الشيء الذي صنعناه بأنفسنا. وقلما نجحوا في ذلك. لأن أهواءنا النفسية غلبت دعواتهم. قصدي من هذا الحديث هو أن لا تظن القوى العظمى ولا يظن رجال الدول ولا يظننّ أحد أنه قانع أن يكون الرئيس الفلاني. الاضطراب الموجود في قلبكم يزداد. الآن وعندكم هذا المقدار إذا انتبهتم قليلًا اقتنعتم فإن هناك اضطراباً ولكنه قليل. وكلما ازداد المنصب ازداد اضطرابكم وازداد قلقكم. إذاً لماذا يتحرك الإنسان لزيادة اضطرابه. يتحرك من أجل زيادة منغصاته مثل العنكبوت ينسج الخيوط حول نفسه. جميع الأعمال التي نقوم بها مثل هذا العنكبوت. في ذلك العالم يظهر أننا نقيد أنفسنا بأنفسنا. لماذا تريدون الحصول على هذا المنصب وهو ما سيكون شيئاً صورته مشوهة هناك؟ لماذا تتعقبون هذا، لتزيدوا أتعابكم؟ سلمان (الفارسي) كان والي المدائن عندما اجتاحها سيل عارم فحمل سلمان جلد الشاة الذي كان، يجلس عليه وذهب إلى مكان عال وقال: نجا المخفّفون. ليس عندي شيء ليأخذه الماء. جلد وقد أخذته. الحاكم كان هناك! ولكن الذين استزادوا وكدسوا- من أموال الدنيا ومن الرئاسات- هم الذين مصائبهم كثيرة في ذلك العالم. ولماذا نزيد من المصائب؟!
الهدف هو خدمة فئات الشعب المختلفة
لنعمل من أجل هذا الشعب. كل همنا هو أن ننقذ هذا الوطن الذي صار بهذا الشكل وأجمع الجميع على عداوتنا. لنفكر جميعاً في النجاة ولا نفكر بأنفسنا. لنعمل جميعاً من أجل إنقاذ إنسان، من أجل إنقاذ شعب، من أجل إنقاذ الإسلام من شر هذه القوى، إذا كان لديكم منزل وأردتم تدبير شؤونه فما لم تكن المرأة والرجل والطفل والخادم وجميعهم منسجمين في الفكر، إذا لم تكن همة الجميع هي إدارة هذا المنزل (فلن يحصل أي تقدم) ليفكر الجميع في الناس. هم عباد الله، عبيد الله هؤلاء الذين يقتلون على الحدود وهؤلاء الذين ابتلوا بأوضاع الحرب وهؤلاء الذين شُرّدوا في العراء ويعيشون في الخيام دون توفر الحد الأدنى من الضروريات اللازمة للحياة. هم عبيد الله وأفضل مني ومن المحتمل أن يكونوا أفضل منكم أيضاً. لماذا لا نفكر فيهم؟ لماذا لا نفكّر لإنقاذ الأمة والشعب؟ لماذا لا تكون ذرة واحدة مما كان في قلوب الأنبياء في قلوبنا: (فلعلك باخع نفسك)7 كان يتحسر لأجل الناس. حسرة النبي كانت حتى للكفار، هؤلاء الكفار! يتحسر أنهم لا يفهمون ماذا يعملون. إنهم يصنعون جحيماً لأنفسهم. لماذا لا تكون ذرة وبارقة صغيرة من هذه الأنفس المطمئنة الشريفة في قلوبنا، لنعمل من أجل هذه الأمة وليس من أجل أنفسنا إذا سعيتم جميعاً لتعملوا من أجل الأمة فإن كل شيء سيُصلح. ليكن بناؤنا جميعاً أن نكون جميعاً في هذه السنة الجديدة التي آمل أن تكون خيراً لكم إن شاء الله, أن نفكر في أن نعمل كل شيء من أجل هذا الشعب، وأن نستفيد من هذا المنصب من أجل الشعب، وأن أحصل على هذا المنصب من أجل الشعب. إذا حصل هذا الأمر ولو بنسبة بسيطة منه فإن السنة الجديدة ستكون سنة سلام وصفاء.
آمل أن يأخذ الله بأيدينا وأن يعرّفنا واجباتنا وأن يفهمنا عيوبنا النفسية وأن يهدينا للنجاة من تلك النفسانيات.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
روح الله الموسوي الخميني
* صحيفة الإمام، ج14، ص:169,162
1- الآية 28 من سورة الرعد.
2- الآيات 27- 30 من سورة الفجر.
3- الروم الآية 30.
4- تفسير القمي، ج 2، ص 422.
5- نص الحديث:( جزناها وهي خامدة) علم اليقين، الفيض الكاشاني، ج 2، ص 971.
6- إشارة إلى الآية 30 من سورة الشورى( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير).
7- الكهف الآية 6:( فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفاً).