يتم التحميل...

الموضوع: أهمية القضاء في الإسلام‏

خطاب

الحاضرون: محمد كيلاني (رئيس محاكم الثورة الإسلامية في المركز) ومسؤولو محاكم الثورة

عدد الزوار: 36

التاريخ: 19 فروردين 1360 هـ. ش/ 3 جمادى الثانية 1401 هـ. ق‏
المكان: طهران، جماران‏
الحاضرون: محمد كيلاني (رئيس محاكم الثورة الإسلامية في المركز) ومسؤولو محاكم الثورة

‏‏‏بسم الله الرحمن الرحيم

أهمية أمر القضاء ومشاكله‏

إن هذا العمل الذي ترتبطون به سواء في ذلك القضاة أو المدعون العامون أو المعنيون بأمور السجناء عمل صعب جداً وقيم في نفس الوقت. صعب لأنه في عملية القضاء يبقى احد الطرفين غير راض دائما. ليس الأمر بأنه إذا اختلف شخصان، فلو أن القاضي حكم أن أحدهما هو المجرم فان المجرم يخضع لقوانين الإسلام ولا يعترض. ربما كل الأفراد الذين يدانون في المحكمة يكونون غير راضين، سواء كانت المحاكمة عادلة وهي إن شاء الله كذلك وسواء كانت غير عادلة - لا سمح الله - فصحيح أن لا يرضى هؤلاء بالحكم غير العادل، ولكن المسألة معقدة، وبما أنكم متصدون لهذا الأمر وتواجهون هذا الوضع الموجود في مسألة القضاء، وينتهي الأمر بعد ذلك بالسجن كما تحكمون، فالعمل عمل صعب جداً، ولكنه قيم، ويستحق أن يدخل الإنسان في المسائل الصعبة يتقبل صعوباتها.

ولا أستطيع أن اتحدث الان بشكل مفصل عن هذه المسالة لكن ما أريد ذكره يتعلق بكل القضاة والذين أظن أن غالبيتهم من علماء الدين وفيما يتعلق بالقضاء، هو أن مسألة القضاء تعتبر ربما في الإسلام في مقدمة المسائل وهي ترتبط بأرواح الناس وبأموالهم وبأعراضهم.

فهذا من المسائل الصعبة جداً وحلها أيضاً صعب جداً. وشروط القاضي كثيرة جداً، فنحن اليوم لا نمتلك كثيراً من القضاة المستوفين لكل الشروط. ولكن يجري العمل الان لاعداد وتربية القضاة ان شاء الله.
ولكنّ هؤلاء المتصدين لهذه الأمور ولهم الصلاحية للتصدي لذلك سواء في قم أو طهران، يجب أن ينتبهوا بدقة إلى أن المستهدف الاول اليوم هم علماء الدين، فهناك من يريد أن يهمّش هذه الفئة في المجتمع ويدفعها نحو العزلة.

فالقضاة الذين عملهم مع الناس ومع المذنبين، إذا كانوا ممن يحدثون الضجة ويظهرون قلقهم وما تذكرون من امور، فلو حصل في وقت م - لا سمح الله - خلافٌ، فانهم سوف‏ يضخمون هذا الخلاف ويبدأون بالتشهير والإشاعة ويجعلون منه خلافاً كبيراً، فهم ليسوا أناساً ملتزمين بالإسلام فلا يريدون أن يكذبوا. بالامس حدثني أحدهم: لقد ذهبت إلى منزل أحد الشخصيات، وعندما خرجت من عنده، قال أحد الأشخاص المتواجدين في مكتبه (تعرض للتعذيب) لو أردتم أن تروا هنا واحداً آخر، فقال: نعم أنا أريد أن أرى، قال: ذهبت فرأيت شخصاً قد نزع الثياب عن جسده، فقال: هذه الآثار وهذه الحروق بالسيكارة، ماذا فعلوا بي؟! وقد كتبوا اسم أحد المسؤولين على جسمه بالسيكارة، وكان يذكر اسم أحد القضاة المحترمين، وكان ذلك الشخص يدعي بأنهم فعلوا بي هذا وعذبوني بالسيكارة وكان ذلك الاسم على جسمه، يعني أن ذلك الإسم كما يقول كتبوه بالسيكارة. قال: ظننت في البداية أن ذلك وشمٌ، وعندما تكلمت معه قلت له: من فعل بك هذا؟ قال: أخذتني مجموعة إلى منطقة نائية بالسيارة وعذبوني. قال: قلت له جيد هل عرفتهم؟ قال: لا فقد كانوا ملثمين، قلت: أين عذبوك؟ قال: في السيارة وكانوا من حرس الثورة، فقلت: حسناً أنت تقول أنهم كانوا ملثمين، فكيف عرفت أنهم من الحرس؟ ربما كانوا من أصدقائك. يقول هذا الرجل: فسكت ولم يستطع الإجابة. ثم قلت: أنت منافق وأتيت إلى هنا لتشتكي، قم واخرج من هنا وإلا فالويل لك، فقام من مكانه وذهب. فهؤلاء هكذا، بل لقد سمعت من أحدهم أنه كان في محكمة في أحد الأماكن - لا أذكر أين ربما في شيراز - قال: بعض هؤلاء افقدوا صديقاً لهم الوعي وعذبوه، لأجل أن يقولوا إننا نتعرض للتعذيب.

انتم تتعاملون مع أناس كهؤلاء، فلا تتوقعوا أن تكون الأمور بلا مشاكل، فمثل هذه الامور لا تخلو من الصعوبات والمشاكل، ولا يمكن أن يكون العمل بلا مشاكل وفي أمور صعبة كهذه فذلك مستحيل.

فعندكم الكثير من المشاكل، والكثير منها يتهم بها علماء الدين، فيقال إنّ هؤلاء هم علماء الدين فانظروا الى افعالهم؟ فمن هنا وهناك تأتي الكثير من المشاكل من هذا النوع وأكثرها لا اساس لها. ربما يكون فيه شي‏ء ما صحيحاً وفي النهاية أيضاً يزعجون القضاة، لأن القاضي على حق، فلا يرضى الطرف الآخر، وعندما لا يرضى يبدأ بالكلام والقيل والقال، هذا بالنسبة للأشخاص العاديين، أما أولئك الذين كانوا يحاولون من أول الثورة من أجل بعض المسائل الخاصة بهم ويسعون لها، ولم يقوموا بأي عمل في الثورة، لكنهم يريدون أن يستفيدو - مثلًا حتى أنهم يريدون رئاسة الجمهورية - حسناً، لم يتم ذلك لهم، فبدأوا بعدها بأعمال تعلمونها جميعاً، فأنتم تصادفون في عملكم أشخاصاً من هذا النوع متواطئين في كل مكان، في السجن وخارجه وفي الجبهات في كل مكان توجد هذه المسائل، والخلاصة أنكم في محيط ضيق وهم في محيطهم وكل همهم أن يغيروا وضع السجن إلى النحو الذي تتكلمون عنه.

تبيين المشاكل والأمور للشعب‏

أعتقد أنكم وفي هذا المكان المحدد الذي جلستم فيه وأنا معكم، يجب أن تقولوا هذه الأمور، فهذه الأمور يجب أن تطرح في المجتمع وتعرض على الشعب، يعني أنهم نسبوا لكم الكثير ولقد سمعت مراراً من البعض الذين يعرفونكم بأنهم يزكّونكم، قالوا هذا الكلام كذب، حسناً، أنتم تقولون أمامي أن هذا الكلام كذب، وتشتكون عندي بمثل هذا، لكن المجتمع لا يعلم ذلك، فأولئك يبثون هذه الأمور بين الناس وكما يشاؤون، لكن مع الأسف البعض من المسؤولين يصدق هذا، فنفس هذا التصديق يؤدّي الى اتساع دائرة الموضوع.

فأنتم في محيط تواجهون هذه المشاكل، لكنكم لا تقولون مشاكلكم للناس، فهؤلاء الذين يأتون إليكم بالمشاكل يذهبون ويبدأون القيل والقال ويقلبون المسألة، فيصورون بعضكم بأنه رجل كذا وكذا. في حال أنني سمعت من بعض الأشخاص الموثوق بهم ومنهم السيد محمدي 1 أن الذين يعملون هم أناس ملتزمون إلى حد كبير ومن المعترف باخلاصهم وخدماتهم.

ولكن هذا الكلام بيني وبينه، وأنتم أيضاً في محيط كهذا تتكلمون بهذه الأمور. ما أقوله هو أن العمل صعب، لكن يجب أن تمتلكوا قدراً من المقاومة. طبعاً لا أقصد أنني أملك هذه المقاومة، ولكن أرغب من أن تمتلكوها.

فأنتم والحمد لله شباب وما زلتم تمتلكون مقاومة الشباب. فالشخص الذي يكون عنده مشكلات أكثر في هذه الأمور ويقاوم فله شأن أكبر وأجر عند الله، طبعاً ذكرتم الآن أن عندكم عمل كثير لم تستطيعوا انجازه، لكن ما استطعتم انجازه حدث منه هذا الضجيج وهذا القيل والقال. وأنا أتفهم هذا الأمر، وأعلم أن القاضي ورئيس السجن والمدعي العام ووكيل النيابة، كلهم عندهم مشاكل. كل بحسب طبيعة عمله وقدرته، لكن الناس في الخارج لا يعلمون هذا. فيظن الناس أن الشخص بمجرد أن دخل السجن يتعرض للضرب والتعذيب والكيّ ويبقى هكذا حتى النهاية. وأنتم تقولون أيضاً أن المسائل ليست هكذا هناك، بل لعلهم يعذبوننا ويغيظوننا. فهؤلاء يضربون الحراس ولا يتكلم الحراس أبداً. فيجب أن توضح هذه المسألة للناس، يجب أن تذكر للناس. فأولئك السادة الذين ذهبوا ورأوا السجون لم يأتوا إلي ويخبروني بصحة المسائل فأحياناً أسمع من بعض الأشخاص المحترمين أن الأمور كانت كذباً. لم تكن كذلك، بل ربما يحصل هذا صدفة لأشخاص كانوا في أحد السجون، فربما يحدث أمر كهذا، وعندما تتصدون لمشاكل مجتمع يضربون بعضهم ويعذبون بعضهم من أجل أن يضعوا هذه الأمور على عاتقكم، وعندما تتصدون لمجتمع يخرج أطفال المجرمين الصغار إلى الشوارع ويصرخون حتى يجبروا الناس على التصدي لهم، فلا تتوقعوا بأنكم سوف‏ تهدأون وترتاحون في أماكن عملكم. فيجب أن تتوقعوا أن هذا الأمر سيحدث منه الكثير كل يوم، لكن العمل هو عمل شريف، لأن القضاء هو عمل شريف جداً، وفي نفس الوقت فإن هناك خطراً على القاضي وهي مسألة خطيرة، ومن الأمور الصعبة عمل السجان ورئيس السجن والحارس في السجن.

لكن الأمر متعلق بالبعض من الذين ليس لهم مبدأ، فهؤلاء يريدون أن يقتلعوا الأصل والأساس، عملكم الاساسي مع هؤلاء، وعندما يكون الأمر متعلقاً بهم وهم ليس لهم أي اعتقاد بالثورة الإسلامية ولن يكون ذلك، ويعتبرون أن هذه الثورة مضرة لهم ولأسيادهم، فلا تتوقعوا في عملكم مع هؤلاء أن يعاملوكم كأشخاص عاديين.

السجن هو مكان تربية للمجرمين‏

فهذه المسائل تحدث فليكن سعيكم بأن يكون سلوككم جيداً معهم كما تزعمون بأنكم تعاملونهم بأسلوب حسن، فمن يمكن نصحه وارشاده من بين هؤلاء، أخرجوه من بين هؤلاء وانصحوه في أماكن أخرى، فليأت بعض الأشخاص، وليأت علماء الدين وليتحدثوا معهم وتحدثوا أنتم معهم، لربما تربوا، فالسجن يجب أن يكون مكاناً للتربية حتى يتربى هؤلاء في السجن الإسلامي، فعندما كنت في السجن، كان يأتي السجانون إلي ويتحدثون معي، وذات مرة سمعت صوتاً عالياً من أحد الأماكن وكأن تعذيباً ما هناك - فقد كانوا يأخذون من يريدون تعذيبه إلى مكان آخر، وكأنهم كانوا يريدون أن يفهموني بأن هذا العمل أيضاً موجود وعندما أتوا إليّ فيما بعد قلت: ما هذا الذي تفعلون؟ يجب أن يكون السجن مكاناً لتربية الأشخاص، مكاناً للتوجيه، وعندما تأتون بسارق إلى هناك خذوا منه ما سرق وأخرجوه للتربية، طبعاً قدم أولئك عذراً أنه لم يكن هناك تعذيب في الموضوع ولكن الحارس فعل أمراً ما فضربوه كثيراً و... ولكن كان كذباً، وعلى كل حال يجب أن يكون السجن إسلامياً ويجب أن يكون مطابقاً للموازين الإسلامية، فعندما ضرب الرجل الأول في الإسلام وهو أمير المؤمنين عليه السلام فبعد أن اسروا الضارب أوصاهم بأن يطعموه مما يأكلون ويفعلوا كذا و... 2 فعندما يرون هذه الأخلاق الصالحة والجيدة، فالبعض منهم متواطئ ولا تهمهم أصلًا هذه المسائل، لكن البعض الآخر يهدأون، ويتربون شيئاً فشيئاً، كما قلتم بأن البعض قد تحسن وأصبح أفضل، ويجب معاملتهم بأخلاق حسنة ويجب الاهتمام بهم، والعمل صعب جداً، ومهما يحدث، فإنني أدعو لكم أن تكون مقاومتكم أكبر وأن يكون سلوككم معهم كما هو إلى الآن، جيداً إن شاء الله.

وما ذكرتموه في حديثكم، يجب أن يقال للناس، فلو أتيتم إلي وقلتم لي ذلك، فليس له أي أثر.

وافرضوا أني معتقد بهذا، لكن في هذا المجتمع من يبث فيه السموم وأنتم لا تبينون حقكم، فهؤلاء يظهرون باطلهم وينشرونه، بالشكل الذي تذكرونه، فرجل الحرس هناك يقول هؤلاء السجناء يضربوننا، والشعب من ناحية أخرى يقول بأننا نحن نمارس ضدهم وسائل التعذيب. فهناك مواجهة الآن بين أشخاص يريدون أن يجتثوا أصل هذه النهضة والثورة الإسلامية من بين كل المجتمعات ويشوهوها وأن يسيئوا إليها. فعندما يواجه الإنسان هؤلاء يجب أن يعمل بكل حذر ودقة لكي لا يستطيعوا النيل منا بأي طريقة.

طبعاً هذا ليس عملًا سهلًا بل هو صعب جداً، وإن شاء الله تؤجرون عليه. وأتمنى من الله أن يعطيكم القدرة على الثبات في وجه هذه الصعوبات، ولكن أكرر أيضاً لقد قلت لكل السادة الذين أتوا وذكروا بعض الأمور التي قاموا بها: ليس فيه فائدة، يجب أن تذهبوا وتوضحوا ذلك للناس وتقولوا لهم بأن يأتوا وأن تذكروا لهم الأمور والمسائل بأنها بهذا الشكل وليأتوا ويشاهدوا خلاف ما يقال، وليأت الناس ويروا، ليأتي أشخاص، ليأت ممثلون عن بعض الشخصيات لمشاهدة هذه الأماكن، فالأشخاص الذين يأتون من الخارج يجب أن يروا السجون، ويروا الأمور عن قرب حتى يعلموا ما يقوله البعض.

أتمنى أن تتحسن الأمور تدريجياً ولتكن قلوبكم قوية فأنتم منتصرون إن شاء الله.

روح الله الموسوي الخميني‏

* صحيفة الإمام، ج14، ص:215,211


1- السيد محمدي كيلاني: الرئيس والحاكم الشرعي لمحاكم الثورة الإسلامية.
2- بحار الأنوار: ج 42، ص 206، ح 10.

2011-06-01