الموضوع: البعثة النبوية، اسبابها ونتائجها، واجبنا تجاه البعثة
خطاب
الحاضرون: فئات مختلفة من أهالي تبريز
عدد الزوار: 57
التاريخ 11 خرداد 1360 هـ. ش/ 27 رجب 1401 هـ. ق
المكان: طهران، حسينية جماران
المناسبة: بعثة الرسول الأكرم صلى الله عليه واله وسلم
الحاضرون: فئات مختلفة من أهالي تبريز
بسم الله الرحمن الرحيم
دافع البعثة النبوية والهدف منها
أبارك لكل المسلمين ذكرى بعثة الرسول الأكرم صلى الله عليه واله وسلم وللشعب الإيراني البطل ولكم أهالي تبريز المحترمين وأسأل الله تعالى التوفيق في اتباع هذا الوجود المقدس للجميع.
يجب أن أتكلم حول البعثة النبوية ودوافعها ونتيجتها وواجبنا اتجاهها.
إن غاية البعثة هي ما قاله الله تبارك وتعالى في سورة الجمعة:﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ﴾ 1.
فغاية البعثة هي ما ذكره تعالى في هذه الآية الشريفة، فهو يقول أنه بعث من بينكم رسولًا، لكي يبلغ بعض الأمور من قبل الله. فالقرآن آيات إلهية وغاية البعثة هي هذا الكتاب العظيم وهو الآية الإلهية العظيمة وتلاوته. مع أن كل العالم من آيات الحق تعالى، لكن القرآن الكريم نسخة تتضمن كل شيء من الخلق الإلهي التي يجب أن تنجز في البعثة. القرآن الكريم هو مائدة بسطها الله تبارك وتعالى بواسطة النبي الأكرم صلى الله عليه واله وسلم بين البشر لكي يستفيد منها البشر كل بحسب استعداده.
إن هذا الكتاب وهذه المائدة الممدودة بين الشرق والغرب ومنذ زمن الوحي وحتى القيامة هو كتاب يستفيد منه البشر جميعاً، العامي والعالم والفيلسوف والعارف والفقيه والجميع، وهو كتاب على الرغم من نزوله من عالم الغيب إلى عالم الشهادة وانبسط أمام البشر الموجودين في عالم الطبيعة، على الرغم من أنه تنزل من ذلك المقام إلى مكان نستطيع الاستفادة منه، ففيه مسائل يستفيد منها كل الناس، العامي والعارف والعالم وغير العالم وفيه مسائل تختص بالعلماء الكبار، والفلاسفة الكبار، والعرفاء الكبار والأنبياء والأولياء.
فبعض مسائله لا يستطيع فهمها وإدراكها والاستفادة منها أحد إلا أولياء الله تبارك وتعالى، إلا بالتفسير الذي ورد عنهم، بمقدار الاستعداد الموجود في البشر، وهناك مسائل يستفيد منها عرفاء الإسلام الكبار، وهناك مسائل يستفيد منها الفلاسفة وحكماء الإسلام، ومسائل يستفيد منها الفقهاء الكبار وهذه المائدة للجميع يستفيد منها الجميع وكل هذه الطوائف.
ففيه كل المسائل السياسية والمسائل الاجتماعية والمسائل الثقافية والمسائل العسكرية وغير العسكرية وكل ذلك في ذلك الكتاب المقدس. فقد كان دافع نزول هذا الكتاب المقدس وغاية بعثة النبي الأكرم صلى الله عليه واله وسلم من أجل أن يكون هذا الكتاب في أيدي الجميع ويستفيد منه الجميع بمقدار سعة وجودهم وفكرهم. مع الأسف لم نستطع ولم يستطع البشر ولم يستطع علماء الإسلام أن يستفيدوا من هذا الكتاب المقدس كما يجب.
فيجب أن يُعمل الجميع أفكارهم وعقولهم وينتبهوا إلى هذا الكتاب الكبير، حتى يستطيعوا الاستفادة من هذا الكتاب الكبير وبالشكل الذي نستطيع نحن الاستفادة منه. وقد أتى القرآن من أجل استفادة كل الطبقات، كل شخص بمقدار طاقته، وطبعاً بعض الآيات لا يستطيع أن يفهمها إلا الرسول الأكرم صلى الله عليه واله وسلم ومن تعلم بعلمه ويجب أن نفهمها عن طريقهم.
والكثير من الآيات في متناول الجميع فليعمل الجميع بأفكارهم وعقولهم وينتبهوا إليها وليستفيد الجميع من هذا الكتاب المقدس في مسائل الحياة، حياة هذه الدنيا وحياة ذلك العالم.
إذاً فإن احدى غايات البعثة هي أن القرآن كان في الغيب وبصورة غيبية وفي علم الله تعالى وفي غيب الغيوب، فأنزل بواسطة هذا الموجود العظيم الذي جاهد كثيراً وكان على الفطرة الحقيقية وعلى فطرة التوحيد وكل المسائل الموجودة والتي تتعلق بالغيب، وبسبب ارتباطه بالغيب أنزل هذا الكتاب المقدس من مرتبة الغيب بل لعل ما حصل هو تنزيلات حتى وصل إلى مرتبة (الشهادة)، فأتى بصورة ألفاظ ونستطيع نحن وأنتم والجميع أن نفهمها ونستفيد من معاني هذه الألفاظ بالمقدار الذي نستطيع. وغاية البعثة هي أن نبسط هذه المائدة بين البشر من زمان النزول إلى النهاية. هذه احدى غايات الكتاب وغاية البعثة. بعث إليكم رسولًا يتلو عليكم القرآن والآيات الإلهية.
التزكية من أجل فهم الكتاب والحكمة
ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة، فهذا هو ربما غاية التلاوة، يتلو من أجل التزكية ومن أجل التعليم ومن أجل التعليم الجماعي، تعليم هذا الكتاب وتعليم الحكمة التي هي من نفس الكتاب.
إذاً غاية البعثة هي نزول الوحي ونزول القرآن وغاية تلاوة القرآن على البشر هي أن تحدث التزكية وتصفى النفوس من هذه الظلمات الموجودة فيها حتى تكون أرواحهم وأذهانهم بعد أن تُصفّى قادرة على فهم الكتاب والحكمة. فالغاية هي التزكية من أجل فهم الكتاب والحكمة.
فلا تستطيع النفس أن تدرك هذا النور المتجلي والمتنزل من الغيب الذي وصل إلى الشهادة. فإن تعليم الكتاب والحكمة غير ميسر طالما أنه لا توجد تزكية، فيجب تزكية النفوس من كل التلوثات، فأكبر تلوث هو عبارة عن تلوث النفس بأهوائها النفسانية.
ما دام الإنسان في حجاب نفسه، لا يستطيع أن يدرك هذا القرآن الذي هو نور وطبقاً لما ورد في القرآن فهو نور، ولا يستطيع الغارقون في حجابهم وخلف حجبهم وهم كثر أن يدركوا هذا النور. يظنون أنهم يستطيعون، ولكنهم لا يستطيعون. فلا يكون الإنسان أهلًا لكي ينعكس هذا النور الإلهي في قلبه مادام غير قادر أن يخرج من حجابه الشديد الظلمة، مادام أسيراً لأهوائه النفسية، مادام أسيراً للأنانية، ومادام أسيراً لأشياء قد أوجدها في باطن نفسه من ظلمات بعضها فوق بعض.
فإن الذين يريدون أن يفهموا القرآن ومحتواه، وليس صورته النازلة الصغيرة، ويريدون أن يفهموا محتوى القرآن بحيث أنهم كلما قرأوا أكثر كلما ارتفعوا أكثر وكلما قرأوا أكثر كلما اقتربوا من مبدأ النور والمبدأ الأعلى، فهذا لا يمكن إلا برفع الحجب ورفع حجاب النفس 2 من الداخل حتى تستطيع أن تدرك هذا النور كما هو والإنسان للائق بهذا الإدراك. إذاً فاحدى الغايات هي أن يعلم الكتاب بعد التزكية والتعليم والحكمة بعد التزكية.
الخلاص من الطغيان في تزكية النفس
إن أول آية نزلت على الرسول الأكرم صلى الله عليه واله وسلم بحسب الروايات والتواريخ كما ورد هي آية: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾3. فهذه الآية هي أول آية وبناء على ما نقل قرأها جبرائيل على الرسول الأكرم صلى الله عليه واله وسلم وقد دعي فيها منذ البداية إلى القراءة والتعلم.
اقرأ باسم ربك الذي خلق وفي نفس هذه السورة ﴿ كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى ﴾4 فهذه السورة هي أول ما نزل من الوحي وفي أول نزول للوحي وردت هذه الآية في هذه السورة، كلا إن الإنسان ليطغى، أن رآه استغنى. فيُعلم من ذلك أن وجود الطغيان والطاغوت من الأمور التي هي على رأس الأمور ومن أجل سحق الطاغوت يجب تعليم الكتاب والحكمة وتعلم الكتاب والحكمة والتزكية.
فالإنسان بهذا الشكل، والوضع الروحي لكل الناس بهذا الشكل فبمجرد أن يستغني أحد ما يطغى. فلو استغنى مالياً يطغى بهذا المقدار، ولو استغنى علمياً يطغى بهذا المقدار، ولو حصل على مقام يطغى بهذا المقدار. ففرعون الذي يسميه الله تبارك وتعالى طاغية لأنه حصل على المقام ولم يكن فيه غاية إلهية جرّه هذا المقام إلى الطغيان. الأشخاص الذين يحصلون على أشياء مرتبطة بالدنيا بدون تزكية النفس، ومهما حصلوا فإن طغيانهم سوف يزداد وإن وبال هذا المال وهذا المنال وهذا المقام وهذا الجاه وهذا المنصب من الأشياء التي تؤدي إلى تعرض الإنسان للمتاعب والصعوبات في الدنيا وهي في الآخرة أكثر. فإن غاية البعثة هي أن تخلصنا من هذا الطغيان وأن نزكّي أنفسنا، ونصفي نفوسنا ونخلصها من هذه الظلمات. فلو حصل هذا التوفيق للجميع، ستصبح الدنيا نوراً واحداً كنور القرآن وتجلياً لنور الحق. فكل الخلافات الموجودة بين البشر، الخلافات الموجودة بين السلاطين، الخلافات الموجودة بين الاقوياء، هي بسبب الطغيان الموجود في النفس.
ومردّ هذا الى أن الإنسان رأى نفسه في منصب ما فطغى ولأنه لم يقتنع بذلك المنصب، فكان هذا الطغيان سبب تجاوزه، وعندما يتجاوز يحصل الخلاف ولن يختلف هذا في مرتبة الطغيان الصغيرة إلى تلك المرتبة العالية منه. من المرتبة الصغيرة التي يحصل الخلاف في قرية ما بين الأفراد بسبب الطغيان، إلى المرتبة الأعلى وكلما علا كان الطغيان أكثر. ففرعون الذي طغى قال ﴿أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ﴾5. هذه الغاية موجودة في الجميع لا في فرعون وحده. فلو وضعوا الإنسان فوق رؤوسهم فسوف يقول: أنا ربكم الأعلى. فغاية البعثة هي السيطرة على نفوس العصاة ونفوس الطغاة ونفوس المتمردين من العصيان والطغيان والتمرد ودفعها الى التزكية.
النفوس غير المهذبة منشأ الخلافات
إن كل الخلافات الموجودة في البشر هي لأن النفوس لم تزك. فغاية البعثة هي تزكية الناس، فبواسطة التزكية يتعلمون الحكمة ويتعلمون القرآن والكتاب أيضاً، وإذا تزكت النفوس فلن يحدث الطغيان. فالشخص الذي زكى نفسه، لا يعتبر نفسه مستغنياً أبداً وإن الإنسان ليطغى، أن رآه استغنى، عندما يرى نفسه ويعتبر لنفسه مقاماً ويقول بعظمة نفسه، فإن هذه الرؤية لنفسه هي سبب الطغيان.
إن أساس كل الخلافات التي بين كل البشر، الخلافات التي في كل الدنيا بين البشر هو الطغيان الموجود في النفس وهذه المشاكل التي تواجه الإنسان هي تقيده بنفسه وبالأهواء النفسانية.
لو تزكى الإنسان وتربت نفسه سوف تنتهي هذه الخلافات. فلو اجتمع كل الأنبياء العظام في مدينة ما وفي بلد ما لن يختلفوا مع بعضهم أبداً، لأنهم تزكوا، فهم يملكون العلم والحكمة بعد التزكية في النفس. فكل مشاكلنا جميعاً لأننا لم نُزكّ، لم نربّ. أصبحوا علماء ولكن لم يتربوا، تفكرهم عميق ولكنهم لم يتربوا.
وإن الخطر الناشيء عن العالِم الذي لم يربّ ولم يزكّ على البشر أكبر من خطر المغول. فغاية البعثة هذه التزكية، فغاية مجيء الأنبياء هي التزكية وبعدها التعليم. فلو أن النفوس لم تزكّ ولم تربّ ثم دخلت أي ساحة، في ساحة التوحيد، في ساحة المعارف الإلهية، في ساحة الفلسفة، في ساحة الفقه، في ساحة السياسة، في أي ساحة دخلت، الأشخاص الذين لم يزكوا نفوسهم ولم تصفو ولم يتحرروا من هذا الشيطان الباطني، فإن خطرهم على البشر هو خطر كبير. فيجب على الأشخاص الذين يريدون أن يربوا آخرين في هذا العالم، أن يكونوا قد زكوا أنفسهم سابقاً وربوها ويجب على الأشخاص الذين يأخذون زمام الأمور إذا لم يريدوا أن يطغوا ولا يفعلوا أعمالًا شيطانية، أن يزكوا أنفسهم، والبعثة كانت لتزكية الجميع.
ضرورة التهذيب وأهميّته عند رجال الدولة
إن هذا التهذيب ضرورة أكثر لرجال الدولة وللسلاطين ولرؤساء الجمهوريات وللدول وللمسؤولين أكثر من الناس العاديين. فلو أن الأفراد العاديين لم يزكوا أنفسهم وطغوا فإن الطغيان يكون محدوداً جداً. فلو أن شخصاً في السوق أو شخصاً في القرية طغى فمن الممكن أن يسبب فساداً في نقطة محددة، لكن لو كان الطغيان في يد شخص قبله الناس، ولو حصل في عالِم قبله الناس، في سلطان ما وقبل الناس ذلك السلطان، في رؤساء قبلتهم الناس فهذا أحياناً قد يجر بلداً إلى الفساد وأحياناً قد يجر عدداً من البلدان إلى الفساد. فهذا الطغيان يؤدي إلى جر البلاد إلى الفساد والخراب لأن الشخص الذي يمسك بزمام الأمور لم يزكّ نفسه.
فقارنوا أنتم بين صدام وشخص عادي، فمهما طغى الشخص العادي ومهما كان فرعونياً لن يؤثر إلا على أشخاص محددين أو أسرته فيجرهم إلى الفساد ولن يصدر منه غير ذلك، لكن صدام كما ترون طاغية وطغى وهذا الطغيان يوجب فساد البلد، أو بلدين وربما المنطقة وإذا كان هذا الطغيان في رؤساء كبار في الدنيا، إذا طغى رئيس جمهورية أمريكا فإن طغيانه يؤدي إلى فساد الكثير من الدول. فالحروب الكبيرة التي حصلت في الدنيا، كالحرب العالمية الأولى والثانية، كانت لأن الطغيان كان في تلك الطبقات العليا. تلك الطبقة العليا التي لم تكن مهذبة طغت وجرت دولًا كبيرة نحو الفساد. فلو أن رئيس الحزب الشيوعي السوفياتي يطغى فإن طغيانه غير محدود بهذه الحدود المعينة، فطغيانه يجر بلداناً نحو الخراب والفساد.
فالأشخاص المتواجدون في منصب ما، سواء منصب عادي أو منصب رفيع المستوى، إذا أرادوا أن يصلحوا البلد، إذا أرادوا أن يهدأ هذا البلد، فيجب أن يبدأوا بالهدوء من الأعلى، ولا يمكن أن يحصل الهدوء من الأسفل. فيجب على الأشخاص الذين يمسكون بزمام الأمور مهما كانوا أن يبدءوا بالهدوء من هناك. فهدوؤهم يجر البلد نحو الهدوء وإذا- لا سمح الله- طغوا، فإن طغيانهم يجر البلد نحو الهلاك. فهؤلاء الذين يتلوعون لبلادهم ويتلوعون للإسلام وأولئك الذين يعتبرون أن الإسلام هو المنجي لكل البشر، فيجب عليهم أن ينتبهوا إلى تعليمات الإسلام وعلى الأقل إلى إحدى تعليماته وهي إن الإنسان ليطغى، أن رآه استغنى.
فأولئك الذين يعتبرون أن البعثة هي بعثة إلهية ويعتبرون أن غاية البعثة هي هداية جميع الخلق، يجب عليهم الانتباه إلى غاية البعثة، أن ينتبهوا إلى غاية البعثة التي قالها الله تعالى: يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة. فالتزكية من أجل أن يصبح نور الهداية في الإنسان، فإذا لم تزكوا أنفسكم فإنكم ستطغون. إذا لم تُزكوا فإن العلم يشكل خطراً عليكم، أخطر من كل شيء. إذا لم تزكوا فإن المنصب خطير عليكم ويجركم إلى الهلاك في الدنيا والآخرة. فاسعوا لكي تعلموا أنه منذ ذلك اليوم الذي بدأت فيه البعثة، ومنذ أن بدأت البعثة واليوم نعيش ذكرى هذه النعمة الإلهية العظيمة، انتبهوا لماذا كانت البعثة، ما هي غاية البعثة ولو أن شخصاً خالف غاية البعثة ما الذي يمكن أن يحدث؟
لقد كانت غاية البعثة تزكية النفوس وتزكية النفوس هي أن تنتهي الأنانية، وينتهي التكبر وحب الذات، وينتهي طلب الرئاسة، وينتهي حب الدنيا وطلبها، ويحل محل الجميع حب الله تبارك وتعالى. فغاية البعثة هي أن تحكم حكومة الله في قلوب البشر حتى تحكم في المجتمعات البشرية.
فلن يصلح هذا البلد وكل البلاد إذا لم تحدث التزكية في الطبقات العليا وإذا لم تحصل التصفية للنفس فإن أولئك الذين يعتبرون أن هذه الثورة مفيدة ويدعمونها ويعتبرونها من الشعب ويريدون أن تصل هذه الثورة إلى نتيجة فيجب أن يوجدوا الهدوء والاستقرار بأي شكل في هذا البلد ويبدأ هذا من الطبقات العليا. فما دام لا يوجد الهدوء والاستقرار في الأعلى فلن يهدأ من في الأسفل. ومادام لا توجد التزكية في الطبقات العليا والصفاء وحب الله وطاعته والهروب من النفس وحب الذات بدلًا من التزكية والأنانية بدلًا من الصفاء فلن يكون هناك هدوء واستقرار ومهما صرختم لكي توقفوا النار فلن يكون هذا.
نحن مكلفون بتزكية أنفسنا، فقد أتت البعثة من أجل التزكية. فلو لم تحدث التزكية فإن كل ما يحدث للنفس، وكل ما يأتي إلى النفس، فهو حجاب للإنسان. كلنا مكلفون بتزكية أنفسنا حتى نستطيع أن نستفيد من النور الإلهي ونور القرآن. ولكن هذه التزكية أكثر ضرورة لرجال الدولة وللطبقات العليا من أمثالنا. إذا لم نزكّ أنفسنا، فإننا نجر حداً محدوداً من الفساد أو نجر أنفسنا إلى الفساد وإذا لم يزكّ أولئك أنفسهم ولم يضعوا الأنانية جانباً، فإن من الممكن أن يجروا بلداً، بل بلاداً إلى الفساد.
أشكركم جميعاً أيها الإخوة الأعزاء من أهالي آذربيجان وتبريز وقد شرفتم إلى هنا من مناطق بعيدة واجتمعتم في هذا المكان المتواضع وإنني أعقد عليكم آمالًا. وأتمنى أن تحافظوا على الهدوء والاستقرار هناك وتزكوا أنفسكم وتسعوا من أجل الإسلام ومن أجل تقدم الأهداف الإسلامية. الإسلام للجميع ويجب علينا جميعاً نستفيد أن من الإسلام.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
*صحيفة الإمام، ج14، ص: 305
1- الجمعة: 2.
2- إنّك أنت الحجاب لنفسك، جزء من البيت المعروف للشاعر الصوفي الإيراني حافظ الشيرازي.
3- العلق: 1.
4- العلق: 6- 7.
5- النازعات:24.