الموضوع: هدف القوى الكبرى من إيجاد التفرقة والاختلاف بين المسلمين
خطاب
الحاضرون: علماء الدين الباكستانيين والسيد المفتي جعفر حسين
عدد الزوار: 32
التاريخ: 7 تير 1360 هـ. ش/ 25 شعبان 1401 هـ. ق
المكان: طهران - حسينية جماران
الحاضرون: علماء الدين الباكستانيين والسيد المفتي جعفر حسين
بسم الله الرحمن الرحيم
خوف العدو من اتحاد الحوزة والجامعة
أرحب بالإخوة الأعزاء والعلماء الذين شرفونا من باكستان وطلبوا اللقاء بي، وإني أطلب من الله تبارك وتعالى التوفيق للجميع من أجل خدمة الإسلام.
أنتم تعلمون أن هدف القوى الكبرى ومنذ سنوات طويلة كان من اجل السيطرة على الدول الإسلامية التي تمتلك الخيرات وكانت خطتهم هي تحقيق هذه السيطرة بأية طريقة ممكنة ومن جملة هذه الطرق إيجاد حكومة تتوافق مع آمالهم ومصالحهم في كل مكان. في إيران ولأكثر من خمسين عاماً كانت الحكومة مثالًا للحكومة التي يريدونها هم- خصوصاً أمريكا- فقد أوجدوا هذه الحكومات وأنشأوا الجامعات الاستعمارية التي تتماشى مع مصالحهم وهذا الأمر لا ينحصر بإيران وإنما هو في كل مكان. وهذا يعني خوفهم من فئتين: الأولى هي فئة علماء الدين، وهذا لأن عمل علماء الدين يرتبط بجميع المسلمين والمتدينين في كل بلد، والثانية هي الجامعة، فلو استطاعوا الفصل فيما بين علماء الدين والجامعة لسيطروا حينها على الجامعة وحينها يستطيعون أن يقرأوا الفاتحة على الإسلام، وطبعاً حيث أن علوم الدين لم تكن تتدخل في مجرى الأمور وكان عملها ينحصر مع الناس وتبليغهم، ومن هذه الناحية هم يريدون فصلها عن الجامعيين والفصل بين الناس وعلوم الدين فهم يخافون كثيراً من الارتباط بين الناس وعلوم الدين، وخاصة الآن بعدما لمسوا في إيران كيف أن هذا الارتباط أدى إلى استجابة الناس لدعوة الدين وقيامهم دفعة واحدة، فقد اتبعوا طريقاً لفصل الناس عن الدين وهو بالاستفادة من مأجوريهم في الداخل لافتعال الأجواء المعادية للدين واتهامهم له وغيرها من الطرق حتى يفرقوا بين الجامعات والمدارس الدينية. إيران كما نراها وكنا نراها لم يكن فيها فصل بين الجامعة والدين وحسب بل كانت هناك عداوة قائمة بينهما، فهم كانوا يعتبرون المتدينين فئة فاسدة ويرون الدين رجعياً ومخدراً للناس، نعم هكذا عرفوه، وسعوا لأن يصوروا الجامعيين لعلماء الدين على أنهم أناس بلا دين وفئة من الناس كذا وكذا...، هذه كانت خطتهم بين الناس (لإيجاد الإختلاف) يعني أنك لاتستطيع أن تصلي في الجامعة علناً! لم يكونوا يستطيعون أن يصلوا، وخرج الجامعيون بشكل رباهم وعلمهم عليه أساتذتهم- على الغالب طبعاً- كانوا يربونهم ويعلموهم بشكل يتجهون معه إلى الخارج، باتجاه القوى العظمى، ولهذا لم يكن محصول الجامعة إسلامياً، بل كان محصولًا فيه القليل من الإسلام- هذا لا يعني أنه لم يكن موجوداً بتاتاً فقد كان الأساتذة المسلمون قلائل وكان توجه الغالبية كما قلنا إلى الخارج- وانفصلت هاتان الطائفتان بشكل كلي عن بعضهما البعض، وكانوا يحاولون فصل الناس عن الدين وهذا الأمر ليس فقط في إيران، وحتماً أنتم تعرفون أن الأمر في باكستان كان كذلك حيث كانوا يسعون لإيجاد الفواصل بين الدين والناس، وكذلك بين علماء الدين والجامعيين، وحاولوا وضع المتدينين وعلماء الدين في طرف، والجامعة في طرف آخر. حتى لا يكون هناك أي ارتباط بينهما، فنحن الآن هنا والحمد للّه وصلنا إلى هذا المعنى أن الجامعة يجب أن تصلح حتى تكون إسلامية وقد أحسن الشباب الجامعيون أيضاً هذا المعنى وهم الآن قريبون من بعضهم ونأمل أن يقتربوا أكثر وأكثر.
توصية علماء باكستان بالسعي من أجل الوحدة
هذه كانت خطة ويتوجب عليكم هناك أن تسعوا لإبطال مفعول هذه الخطة، وإذا أردتم فأنتم تستطيعون وكما قمنا نحن بهذا العمل في إيران أن تصلحوا بين الدين والجامعة فهذا الفصل بينهما يساعد أولئك الأجانب والمستعمرين. وهناك مسألة أخرى كان مخططاً لها وهي إيجاد الفرقة بين المسلمين، ليقسموهم الى عدة طوائف- خصوصاً الشيعة والسنة- ويباعدوهم عن بعضهم البعض. فلم يكن غرضهم أن يكبر الشيعي، أو يضعف السني، بل غرضهم كان إضعاف الطرفين فكان المتفق عليه هو الفصل بين هذه المجموعات العظيمة الموجودة، السنة والشيعة في باكستان وإيران وفي الأماكن الأخرى حيث تتواجد الأقليات وبث الفرقة والفواصل فيما بينهم حتى تنحرف أذهانهم عن المسائل الأخرى بشكل كلي، ولكي تتوجه أذهانهم باتجاه الاقتتال فيما بينهم. هذه كانت إحدى الخطط التي خطط لها هؤلاء الشياطين، ومنذ زمن بعيد، فقد استغلوا المشاعر الاسلامية، واستغلوا الأحاسيس المذهبية، فهم لم يريدوا أن ينتشر المذهب الشيعي في باكستان وإيران، ولا المذهب السني فلم يريدوا أياً منهما، فهم لا يريدون الإسلام، لأنهم يخافون الإسلام! ويرهبونه. فلو كان هؤلاء المسلمون البالغ عددهم المليار مجتمعين مع بعضهم- كل له آدابه الخاصة، وكل يراعي مالديه من تقاليد، ويقوم بأعماله وواجباته الدينية ولكن كل واحد يقف الى جانب الاخر- لو اجتمع هؤلاء المليار مسلم مع بعضم، لكانت قدرتهم أعظم قدرة، ولما علتها أي قدرة أخرى، ولكنهم لا يسمحون لهذا الشيء أن يتحقق، ويقومون بتحريض الحكومات ويزرعون بذور النفاق فيما بينهم، يقولون لهؤلاء شيئاً ولأولئك شيئاً آخر. فيصبح هؤلاء شيئاً وأولئك شيئاً آخر. فنحن اليوم لو أردنا أن نعيش بشكل مستقل، ونحيا كما كان المسلمون في صدر الإسلام يجب أن نعبر عن أنفسنا وأن لا نكون مرتبطين بأي جهة اخرى. يجب أن نأخذ هذين الأمرين بعين الاعتبار أن نوجد الوحدة والاجتماع بين الفئة الجامعية واالنتاجات الجامعية وبين فئة الدين والمدارس الدينية ونتاجات المدارس الدينية، وبين الاخوة أهل السنة والشيعة ليكونوا أيضاً مع بعضهم البعض، وكما هم أهل السنة أربعة مذاهب الى جانب بعضهم البعض لا يتقاتلون ولا يتخاصمون، كما هو ظاهر، نحن أيضاً المذهب الخامس نجلس سوياً نؤدي فرائضنا، ولكن جميعنا ضد الأشخاص المخالفين للإسلام. نحن لدينا أمور مشتركة كثيرة، فنحن في أصول مذاهبنا، أصول ديننا نشترك جميعنا مع بعض، فالقرآن قرآن الجميع، الإسلام إسلام الجميع، الرسول رسول الجميع، هذه الأمور المشتركة بيننا، فلنقف مع بعضنا في هذه الأمور المشتركة، وفيما يتعلق بالأشياء الخاصة، فكل منا لديه عمله وتقاليده وآدابه، ولا حاجة لهذا الخصام فالخصام الموجود بيننا هو من صنع أيديهم.
وأنتم تعلمون أنهم لا يكتفون بهذا، فمثلًا في مذهب الشيعة نفسه كانوا قد أوجدوا اختلافاً بين الإخباريين والأصوليين 1وإضافة الى هذا أوجدوا الأحزاب! تلك الأحزاب التي كانت تظهر وتلك الأيدي المشكوكة التي تقف وراء إقامة هذه الأحزاب، ومن بعدها كانت تختلف هذه الأحزاب مع بعضها البعض، جميعهم كانوا شيعة، وجميعهم كانوا مسلمين أو جميعهم من أهل السنة كانوا يقيمون أحزاباً مختلفة بين الشيعة. افرضوا في طهران، كانت الأحزاب المختلفة على عداوة فيما بينها، جميعهم علاقاتهم سيئة مع بعض، وفي الأماكن الأخرى كان الأمر كذلك، وهذه أيضاً كانت طريقة، حيث كانوا يشكلون الأحزاب المختلفة، ومن ثم تتقاتل هذه الأحزاب سياسياً فيما بينها. كل هذا كان سبباً للمشاكل الأساسية التي نحن الآن فيها وتلك مشاكل المسلمين التي كانت من صنع القوى الكبرى، ونحن نغفل عنها، ما هو أفضل من ذلك بالنسبة لهم أنه إذا ما استيقظنا صباح كل يوم وانشغلنا بألعاب الأحزاب هذه، أو انشغلنا باختلافاتنا مع بعضنا البعض، اختلاف الجامعة مع علماء الدين وعلماء الدين مع الجامعة، هذا المذهب مع ذاك المذهب وذاك المذهب مع هذا المذهب، هذا الحزب مع ذلك الحزب، وفي مذهب واحد هذا الحزب مع ذاك وهلمّ جرّا......
خطة الأعداء لمحو أثر القرآن
الشيء الذي يحتاجه المسلمون اليوم هو اتحادهم مع بعضهم البعض وأن يوحدوا صفوفهم بوجه الكفار ووجه أولئك الذين يسيئون إلى أساس الإسلام وفي مقابل أولئك الذين يسيئون بالأساس إلى القرآن ويرون في القرآن خطراً عليهم. ان ما يقوله الجميع هو ان رئيس وزراء بريطانيا 2 في ذلك الزمان، قد حمل القرآن وأساء إليه حيث قال طالما هذا موجود بين المسلمين فلن نستطيع أن نكون اسياداً! فمنذ البداية كانت الخطة أن لا يكون القرآن، وإني آمل أن يظهر القرآن الكريم نفوذه في كل مكان، وكما وجدت هذه النهضة في إيران، مضى الناس على أن يصدقوا بأنه من الممكن مواجهة جميع القوى، فإذا شاءت الأمة تستطيع أن تواجه جميع القوى، والآن إيران مقابل جميع القوى، جميع القوى تقف في صف واحد وطرف واحد وإيران تقاوم في الطرف الآخر، وسوف تنتصر إن شاء الله.
نأمل إن شاء الله أن تنتصروا جميعكم، وليس هناك فرق بين بلدنا وبلدكم وأي من البلدان الأخرى، جميعنا تحت لواء الإسلام. قضية (القومية) هي قضية هم أوجدوها، القومية العربية، القومية الفارسية، القومية الباكستانية، القومية الأندونيسية، قومية كذا وكذا....، هذه كانت من الأفخاخ التي نصبوها. الانحياز باتجاه القومية، تلك الأمور قد نفاها الإسلام فلا يوجد فرق بيننا نحن الشعوب الإسلامية، وهم يثبتونه الآن، الآن أنتم ترون صدام بتحيزه (القومي) مع أنه ليس من الواضح أنه قومي، ماذا يفعل مع إيران بتحيزه القومي، هذه الأشياء كلها من صنيعهم، افتعلوها حتى نقتتل فيما بيننا، نحن من ننادي بالإسلام يرسلون لنا صدام تحت عنوان أنكم لستم مسلمين! شعبنا كله ينادي بالإسلام، وهو يقول لا، أنتم زرادشتيون! على كل الأحوال إن الوضع على هذا النحو ويجب علينا أن نستيقظ، وإني آمل إن شاء الله أن تستيقظوا أنتم الشباب وأن تنتبهوا لهذه المصائب التي هي بيننا، ونحن نستطيع أن نلقي بها بعيداً عنا، يجب أن تثقوا بأنفسكم. فهم سلبونا الثقة بالنفس، لقّنوا أنفسكم بأننا نستطيع أن نقف في مواجهتهم فأنتم تستطيعون ذلك ولتكونوا موفقين ومؤيدين وإن شاء الله أنتم منتصرون ولنكن جميعنا تحت لواء (لا إله إلا الله، محمد رسول الله).
روح الله الموسوي الخميني
* صحيفة الإمام، ج14، ص:399,396
1- مجموعتان من علماء الشيعة تختلفان في وجهات النظر من حيث الاجتهاد في المسائل الشرعية، وكانت ذروة اختلافهم في القرنين 11 و 12 هـ. ق.
2- غلادستون رئيس الوزراء في عهد الملكة فيكتوريا.