الموضوع: التبعيّة للغرب ونتائجها - ضالة شعوب الشرق
خطاب
الحاضرون: اعضاء الاتحاد الاسلامي لطلبة كلية الحقوق - المعهد العالي/ اردبيل
عدد الزوار: 183
التاريخ: 12 دي 1358 هـ. ش/ 13 صفر 1400 هـ. ق
المكان: قم
الحاضرون: اعضاء الاتحاد الاسلامي لطلبة كلية الحقوق - المعهد العالي/ اردبيل
بسم الله الرحمن الرحيم
معرفة الذات والعودة إليها
إنني متأثر، - أيها الأعزاء - لأن الوقت قد فاتكم، والطقس بارد، وقد جلستم بشكل غير مريح في هذا المنزل الرطب المكتظ بكم. ومع ذلك فإنني أود أن اتحدث اليكم قليلا:
لا يستطيع شعب أن يستقل إلّا إذا عرف نفسه، فإنّ الشعوب لا تستطيع ان تحصل على الاستقلال ما دامت فاقدة لهويتها وشخصيتها. وإنه لمن المؤسف حقاً أنّ بلادنا تسير على خطا الغرب مع ما لديها من تشريعات إسلامية، وقضاء إسلامي، وثقافة إسلامية. فتعامت عن هذه الثقافة، وهذه التشريعات، وسارت وراء الغرب. إنّ الغرب في نظر بعض فئات هذ 1 الشعب يمثل كل شيء يمتلك كل شيء، ولا شيء عند غيره. ولاشك أنّ هذه التبعية الفكرية والعقلية هي سبب شقاء الشعوب، وشقاء شعبنا ايضاً.
لقد مُسخت عقول من كانوا على رأس السلطة إلى درجة انهم كانوا لا يرجعون الى أنفسهم في حلّ الأمور لفقدانهم شخصيتهم، إذ كان الغرب قبلتهم في كل شيء. حتى قال أحد مثقفيهم الذي كان - بزعمهم - عقلهم المفكر 1: (نحن لا نستطيع أن نتقدم إلّا إذا جعلنا كل شيءٍ في حياتنا انجليزياً). هذه هي العقول التي كانت تمسك بزمام الأمور. ومن جهة أخرى بدأ الغربيون وعملاؤهم حملة من الدعايات، ولعل هذه الدعايات موجودة الآن ايضاً. كل ذلك كان سبباً في أن تنشأ عقولنا نشأة غربية، وأن يكون الغرب قبلتنا.
وإنّ عملية إعادة العقول الى أصالتها، وإخراجها من حالة التغرّب والتبعيّة الى الأجانب، تستغرق وقتاً طويلًا.
آثار الاستعمار الغربي في جميع شؤون البلاد
إنّ التغرّب والشعور بالتبعيّة كان موجوداً منذ فترة طويلة ولكنه وصل خلال الخمسين سنة الاخيرة لاسيما في زمن حكومة هذا الرجل الفاسد محمد رضا، الى ما كان يراد له أن يصل، أي وصل الى اقصى غايته؛ فصارت البلاد أسيرة لدى الغرب، ومرتبطة به في مختلف المجالات.
على الرغم من ان تشريعاتنا القضائية، وقوانيننا الحقوقيّة ومسائلها المختلفة، ومعايير ثقافتنا، متطورة ومتفوقة على جميع الدول، لكنّ هؤلاء كانوا يمدون أيدي الحاجة إلى الأجانب في كل الأمور، ويستمدّون القوانين منهم. و كانت هذه الظاهرة موجودةً حتى في زمن الحركة الدستورية، إذ كانت أيادي متغربي ذلك الوقت تعمل، حيث استمدوا الدستور آنذاك من الغرب، لكي لا يعود الشعب إلى نفسه وأصالته، ولا يبحث عن ثقافته ولا يدرك أنه شعب يمتلك ثقافة غنية عريقة. فهذه مدارسنا - الآن - وجامعاتنا ومعاهدنا العالية كلها ذات صياغة وأشكال غربية، وكذلك المحاكم والسلطة القضائية، وجميع مراحل القضاء، إذ انهم اقتبسوا كل شيء من الغرب، ووضعوا الثقافة الاسلامية الغنية جانباً، وربطوا أنفسهم بالغرب، لكنهم لم يأخذوا ثقافته الأصيلة، وإنما أخذوا ثقافته الاستعمارية.
إنّ كل ما يملكه الغرب يحمل صفة استعمارية؛ فالطب الغربي يحمل صفة استعمارية. والثقافة الغربية تحمل صفة استعمارية. وكل شيء غربي، يحمل طابعاً استعمارياً. فالغرب يصدر من أنواع الاستعمار ما يتناسب مع كل دولة من الدول المتخلفة بزعمه. إن الغربيين يريدون أن نكون بحاجة اليهم دائماً، وكل شيء يعطوننا إياه يحمل سمة استعمارية تفرض علينا الافتقار اليهم، فهم لا يريدون أن نكون مستقلين استقلالًا ثقافياً وفكرياً، وقد لعب عمالهم الذين ربوهم هناك، ثم بعثوهم إلى هنا، دور المساعد في هذا المجال. فبدّلوا طريقة تفكير مجتمعنا بحيث صار يرفض كل ما هو غير غربي، ولعل هذه الظاهرة تقلّصت في ظل الثورة. لكنكم تعلمون أنّ الناس في السابق كانوا يرفضون الدواء والقماش وكل شيء لا يحمل اسم الغرب. حتى شوارعنا كان ينبغي ان تحمل اسماً غربياً لأحد اولئك الذين فرضوا علينا هذا العجز ونهبوا ثرواتنا وانزلوا كل هذا الجور بنا، فكانت بعض شوارعنا تحمل اسماء اشخاص غربيين وأمريكيين مثل شارع روزفلت 2. ولقد كان الناس لا يتقبلون السلع التي لا تحمل اسم الغرب، وكذلك الدواء، إذا لم يقولوا إنه مستورد من الغرب، فإنّ الناس يرفضونه. وحتى المنتجات التي يصنعها الشعب بنفسه، ما كان يستطيع بيعها إلّا باسم غربي. وهذا هو التغرب والتبعية الى الغرب، وهذا يعني أنّ أسواقنا متغربة - ايضاً -، ويعني أنّ شعبنا الآن متغرب ايضاً. فإذا لم تتخلصوا من هذا العبء، ولم تنزاح عنكم هذه التبعية العقلية والفكرية، فلن تحققوا تقدماً حقيقياً ولن تنالوا استقلالكم.
الاستقلال الثقافي هو السبيل الوحيد لخلاص الشرق
إذا أردتم الانعتاق من جميع انواع التبعية، يجب عليكم أن تتخلصوا من التبعية العقلية والقلبية. ولا تعتقدوا أنّ كل ما يملكه الغرب حسن وجيد، فالتطور الصناعي - مثلًا - لا يدل بالضرورة على التطور الثقافي، وهنا يكمن الخطأ. ونحن حين نراهم يصنعون الطائرات مثلًا، نظن أنّ جميع أمورهم متطورة وحسنة. لكنّ الأمر ليس كذلك. فثقافتهم ليست مثل ثقافتنا. وتشريعاتهم ليست كتشريعاتنا، وعلومهم لا تصل إلى علومنا، وفلسفتهم ليست مثل فلسفتنا، وعلم الطب أخذوه ابتداء من الشرق. ولقد كانت بعض كتب الشرق تدرّس في جامعاتهم إلى وقت متأخر، أو لعلها تدرس لحد الآن. فنحن إذا أردنا أن نتحرر من هذا الشقاء، يجب أن نضع جانباً هذه التبعية العقلية للغرب، ويجب على جامعاتنا أن تعمل بجد متواصل لانتزاع الطلبة من الحالة التي كانوا عليها في النظام الشاهنشاهي، وإعادتهم إلى الحالة السليمة للنظام الإسلامي. ويجب أن يقوم المسؤولون بدورهم في هذا المجال، كما يجب على شبابنا أن يكونوا جادين في هذا المضمار، وأن يستعيدوا شخصيتهم بعد أن فقدوها، وأن لا يأخذهم الفزع والانهيار عند سماع اسم الغرب. وأنتم رأيتم أنكم قد وقفتم بوجه الغرب في الأمور التي كان سبّاقاً فيها، كالمعدات العسكرية والأسلحة. فلقد وقفتم بأيدٍ عزلاء بوجه هؤلاء الطغاة الأقوياء، وتقدمتم الى الأمام. في حين أنّ الأمر سابقاً لم يكن كذلك، إذ لو كان يقال لنا في العهد السابق: إننا نريد أن نتكلم بكلام لا يرضي أميركا، لكنّا نخاف. ولو حدثت مسألة تدفع سفير انجلترا او سفير الاتحاد السوفياتي او سفير اميركا، إلى اصدار تحذير لتراجع الجميع. لكنكم رأيتم أنكم نهضتم، ووقفتم بوجه القوى الاستعمارية الكبرى، وأجبرتموها على التراجع لدى إصراركم على الثبات. ومن هنا علمنا أنّ الوقوف بوجه الغرب وقواه أمر ممكن. ولقد وجدتم شخصيتكم في هذا المجال.
لقد رأيتم أننا استطعنا التقدم الى الأمام بقبضات خالية. فيجب عليكم أن تجدوا شخصيتكم في المجال الثقافي ايضاً.
ضالة شعوب الشرق
إنّ الغربيين يحاولون جادّين اليوم لاعادتكم إلى التبعية لهم، ويبذلون كل سعيهم في سبيل أن يفرضوا عليكم التبعية لهم. ولا يدعون هذه التبعية تنتهي، وأنتم - أيها الطلبة الأعزاء - حاولوا دائماً التخلّص من التغرب والتبعية. وابحثوا عن ضالتكم لتجدوها. إنّ ضالتكم هي انفسكم. إنّ الشرق فقد شخصيته. فيجب عليه أن يجدها ويعتمد عليها. إنّ أولئك يسعون بكل الاساليب ليفرضوا انفسهم علينا، فيجب عليكم أن تقاوموا ذلك. ويجب على جميع فئات الشعب التي تريد الاستقلال والحرية والاعتماد على الذات أن تعمل بنفسها، وأن تشارك في إدارة الأمور. يجب على الفلاحين والمزارعين أن يعملوا بأنفسهم ليستخرجوا رزقهم من الأرض لتصل البلاد الى الاكتفاء الذاتي، كما يجب أن تصل مصانعنا الى الاكتفاء الذاتي، ويجب على أبناء الشعب أن يأخذوا على عاتقهم مهمة تطوير الصناعات. ويجب على الجامعات - ايضاً - ان تصل إلى الاكتفاء الذاتي حتى لا تفتقر إلى علوم الغرب.
إنّ الأصل في بداية كل أمر أنّ الإنسان إذا عزم على انجاز هذا الأمر، فلا يصح تخويفه بنحو لا يستطيع معه أن يتخذ قرار القيام به. ولقد خوّفونا - سابقاً - من السلطة الحاكمة تخويفاً لم نستطع معه أن نتخذ قرار معارضتها. بل لم يكن باستطاعتنا العزم على اتخاذ قرار المعارضة. ولم نكن نحتمل أن بأمكاننا مخالفة السلطة. لكنّ الله - تبارك وتعالى - قد شاء ذلك، وأنتم قد عزمتم عليه، فتمّ وحصل. والأمر الآن كذلك، فلا تخافوا من الغرب، واعزموا، ولايخف علماؤنا وأساتذة جامعاتنا من الغرب، ولا يخف شباننا، وليعزموا، ويصمموا على الوقوف بوجه الغرب، كما يجب على الشرق بأجمعه أن ينهض بوجه الغرب.
أسأل الله أن يحفظكم للإسلام - أيها الشبان - إن شاء الله، وأن يحفظ جميع منتسبي مؤسسة المستضعفين، وجميع الطلاب الأعزاء وطبقات الشعب.
سيروا قُدُماً بقوة واقتدار، وستنتصرون، باذن الله.
روح الله الموسوي
* صحيفة الإمام، ج12، ص:14,11
1- السيد حسن تقي زادة وكان من الذين نادوا بالتغرب، وآخر منصب شغله هو رئاسة مجلس الأعيان.
2- فرانكلين روزفلت، الرئيس الاميريكي خلال الحرب العالمية الثانية.