يتم التحميل...

الموضوع: مكانة القضاء واهميته في الإسلام‏

خطاب

الحاضرون: السيد محمد حسيني بهشتي (رئيس مجلس القضاء الاعلى)- السيد عبد الكريم الموسوي الاردبيلي (المدعي العام للبلاد) - مجموعة من القضاة

عدد الزوار: 34

التاريخ: 10 فروردين 1359 هـ. ش/ 13 جمادى الأولى 1400 هـ. ق‏
المكان: طهران، شميران، دربند
الحاضرون: السيد محمد حسيني بهشتي (رئيس مجلس القضاء الاعلى)- السيد عبد الكريم الموسوي الاردبيلي (المدعي العام للبلاد) - مجموعة من القضاة

‏‏‏بسم الله الرحمن الرحيم

اهمية القضاء في الإسلام‏

ربما كان القضاء في الإسلام في المرتبة الأولى من حيث الاهمية. والتعابير التي جرت على ألسنة الائمة تدل على أهميته البالغة. فقد قال أمير المؤمنين عليه السلام لشريح: يا شريح قد جلست مجلساً لا يجلسه الا نبي أو وصي نبي أو شقي.1 أو قيل مثلًا ان المرء اذا قضى بغير الحق في درهمين فهو كافر. القضاء في الإسلام هو حفظ حقوق الناس. وحقوق الناس وحقوق الله لها صورتان: صورة يكون فيها القاضي مستقلًا في القضاء. أي ان القاضي الذي له استقلال قضائي في الإسلام، شروطه صعبة، وانا في إيران لا اعرف الا القليل ممن يتصفون بهذه الشروط. المجتهد العادل والمحايد. لا فرق عنده بين رئيس الجمهورية وبين عامل بسيط. هذه من الأمور التي يجب ان يتحلى بها القاضي المطلق. وانا لا اعرف الا القلائل، أي اني لا اعرف الا القلائل حتى في الحوزة العلمية.

تعيين القاضي من قبل الفقيه‏


في الشرع ثمة قضاء ليس بقضاء القاضي المستقل، انما يتم تعيين القاضي. في الحالة الأولى يكون القاضي مجتهداً جامعاً للشرائط، ولا يحتاج ان ينصبه أحد. ولكن في الحالة الثانية، في الظروف التي تزداد فيها الحاجة إلى القضاء، ولا يوجد عدد كافي من الاشخاص بحيث يتيسّر تعيين قاضٍ جامع لكل الشرائط في كل مراكز القضاء، ويكون القضاة الجامعون للشرائط قلائل، عندئذ ينصب الفقيه المجتهد العادل، اشخاصاً للقضاء يكونون موثوقين ولكن غير مجتهدين طبعاً. ولكن يستطيعون الإحاطة بمسائل القضاء من الكتب الموضوعة في هذا الباب، وهم موثوقون وعادلون في الظاهر. هذا القضاء موجود أيضاً في الإسلام، فبعد أن يجد هؤلاء السادة، الاشخاص الموثوقين المطلعين على موازين القضاء ولو عن طريق التقليد، عند ذلك يجعلون لهم منصب القضاء، وهم مجازون من قبلي لتنفيذ عملية القضاء ليكون القضاء شرعياً.

ضرورة تحول المحاكم طبقاً للموازين الإسلامية

في الدستور مادة تقول ان هذين المنصبين، منصب المدعي العام ورئيس مجلس القضاء الأعلى في البلاد يجب أن يعينا من قبل القائد بمشورة القضاة. وهي مادة لها موضوعها من جهتين: احدى الجهات هي ان المشورة لا تكون الا حينما تكون هنالك شبهة. فالأمور التي لا شبهة فيها لا تشاور فيها. كل أمر تكون فيه شبهة بين عدة اشخاص يراد ان يكون احدهم مدعياً عاماً مثلًا، وتكون هنالك شبهة في خصائص وكفاءة كل واحد منهم وينبغي التشاور مع القضاة حول هذه الشبهة، ولكنها غير موضوعية هاهنا، لأنها لم تكن شبهة بالنسبة لي. لقد نصبت هذين السيدين في هذين الموقعين الرفيعين بما لهما من تجربة طويلة ولعلمي انهما يحوزان الكفاءة المطلوبة. والكثير من الاشخاص الذين اعرفهم اما لا توجد لديهم الكفاءة المطلوبة، أو انها اذا كانت موجودة فلديهم مشاغل تمنعهم من المجي‏ء ومباشرة العمل.

وقد طلبت من هؤلاء السادة ان ينهضوا بهذا الأمر ويعملوا في مركز هو من الطراز الأول بين المراكز المهمة إدارياً في الإسلام، ويخرجوا هذه الدائرة من وضعها السابق، ويحولوا القضاء إلى قضاء إسلامي. تعلمون ان جمهوريتنا إسلامية، واذا لم يكن قضاؤها - وهو على رأس الأمور تقريباً - إسلامياً، لم نتمكن ان نسمي جمهوريتنا جمهورية إسلامية، وستكون بدورها جمهورية غير إسلامية. الجمهورية الإسلامية يجب ان تكون كل مؤسساتها إسلامية، والأهم من كل شي‏ء هو القضاء الذي ينبغي ان يُرسى على موازين الإسلام. اتمنى ان يمارس السادة هذا العمل وينجزوه بمساعدة كل الشرائح ذات الاطلاع في هذا الشأن.

ليشعر جميع السادة ان العهد الحالي يختلف عن زمن النظام السابق. فاليوم هنالك دولة وليس شخص واحد يتجبر ليفرض ما شاء على الشعب. ليس لدينا مثل هذا الموقع اصلًا. أي ان شعبنا بدوره لم يعد يطيق مثل هذا الموقع. ان واقع الشعب بحيث لو اراد مسؤول فرض شي‏ء يقفون بوجهه ويشدون قبضاتهم ويمنعونه. انها نعمة كبيرة للشعب ان لا يستطيع احد المسؤولين ممارسة الظلم. طبعاً يوقفون الظالم عند حدّه بكل اقتدار. واصحاب المخالفات يوقفهم المسؤولون الكبار عند حدّهم. اما اذا ارادوا ان يفعلوا شيئاً نظير ممارسات العهد السابق حيث كانت كل اعمالهم من هذا القبيل، فليس لدينا مثل هذا المنصب والموقع. واذاً فهو بلدكم انتم، وعليكم - كما تحبون بيوتكم وتريدون ان تكون منظمة وامورها سليمة - ان تكونوا اكثر حباً لبلادكم. لأن بلادكم هي داركم ودار اصدقائكم. ولهذا لا تتهاونوا في هذا الأمر ولا تسمحوا بالأهمال ولا تكونوا مهملين، وتعاضدوا كلكم مع بعض.

الاهواء النفسانية، منشأ الاختلافات‏

لا تكونوا مختلفين في الأمور. الاختلاف وليد الميول النفسية دائماً. لو اجتمع كل الانبياء الآن هنا لما اختلفوا فيما بينهم، لأن النزعات النفسية معدومة لديهم. وانما حين يكون لأحد الاطراف نزعات نفسية، أو يكون للطرفين نزعات نفسية، عندئذ تظهر الاختلافات. حاولوا ان لا تخدعكم تلك النزعات النفسية وتكون مصدر جدل واختلاف بينكم، ثم تنعكس هذه الاختلافات في الصحف أو تطرح في اماكن أخرى. البلد الذي يعاني من مشاكل، عرضة لخطر الاجانب، وينبغي ان يشهد الاستقرار وترسى قواعده بهمم الناس انفسهم، اذا اراد الاشخاص افساد هذا البلد من الداخل بتفرقتهم وتشتتهم، فسيسقط في قبضة الآخرين اكيداً. وكما لاحظتم فإن الناس مجتمعون مع بعضهم وهتفوا كلهم بشعار (الله اكبر) وازاحوا هذه الموانع التي كانت قبالهم.

عجز القوى في مواجهة الشعوب الواعية

وقد غدا الوضع الآن بحيث لا تستطيع أية قدرة فعل شي‏ء. أي لا يمكن اكراه الشعب على شي‏ء، ولكن يمكن ان يأتي متجبر ويُكرِه الشعب على شي‏ء ويدخل وباءً إلى البلاد مثلًا. لكنه يعجز عن فرض ما يريد امام شعب ناهض يعارضه. ما من قوة تستطيع فرض ما تريد، لا أمريكا تستطيع فرض شي‏ء، ولا السوفيت، أي منهم لا يستطيع الاكراه على شي‏ء.

يوم جاءني سفير الاتحاد السوفيتي وقال ان الحكومة الافغانية هي التي طلبت ان يبعث السوفيت قوات عسكرية إلى هناك، قلت له ان هذه غلطة يرتكبها السوفيت. طبعاً تستطيع الحكومة السوفيتية ان تحتل افغانستان لكنها لا تستطيع الاستقرار هناك. اذا تصورتم ان بمستطاعكم احتلال افغانستان وارساء الاستقرار فيها، فهذا وهم باطل. الشعب الافغاني مسلم وواقف في وجه الحكومة الافغانية واذا ذهبتم انتم أو ذهبت أية قوة أخرى إلى هناك، فقد تحتلها لكنها لن تستطيع بسط الاستقرار فيها وستنهزم في آخر المطاف. وهذه هي عقيدتي الآن أيضاً، فالشعب إذا كان متحداً، والحمد لله ان إيران لم تعد فيها حكومة معادية للشعب، فالشعب والحكومة مع بعضهما، فمثل هذا البلد، لا يستطيع احد ان يأتي ليفرض عليه مما يريد. ولهذا ينادون من الخارج اننا سنفعل كيت وكيت. إن كنتم تتذكرون حينما قام هؤلاء الشباب واحتلوا وكر التجسس، قالوا الكثير من الكلام في الخارج. قالوا مثلًا ان في نيتهم انزال مظليين. وفي نيتهم ان ينوّموا الشباب المسلم ثم يدخلوا إلى وكر التجسس ويأخذوا الجواسيس. وهذا كلام فارغ. يعتزمون التدخل عسكرياً أو يهجموا ويقمعوا الجميع، كله كان مجرد كلام، والآن كله مجرد كلام. لا تخافوا من الكلام ابداً. لا عمل في هذا الكلام، كأن يقوموا باحتلال عسكري مثلًا. ونحن لا نخشاه. افغانستان احتلت عسكرياً، وبوسعنا ان نجاهد افضل من جهاد افغانستان.

تآلف الافراد والحرص على وحدة الكلمة

على أي حال، المهم ان ابواقهم الدعائية موجودة للاسف بين الإيرانيين، ويريدون ان يوجدوا الفساد والتآكل من الداخل، وأن تشتبك الشخصيات والمؤسسات الداخلية فيما بينها. اذا استطاعوا زرعوا الخلاف بين رئيس الجمهورية والشورى. وان لم يستطيعوا هذا، اصطنعوا تيارات لزرع الاختلاف واختلاق الفوضى ومن هذه الاعمال التي يقومون بها الآن. ينبغي ان يتنبه الجميع إلى ان البلد الذي كان لخمسين ونيف من السنين، ما عدا تلك الألفين وخمسمائة سنة، حيث شهد كثير من الناس، وشهد الجميع المعاناة التي حلت بالبلاد، وقد خرجت الآن والحمد لله من تلك المعاناة، يجب ان لا يعملوا ما من شأنه ان يعيد عليهم تلك المعاناة. نحن انفسنا يجب ان لا نعمل بطريقة توقعنا ثانية في المصائب التي كنا قد ابتلينا بها سابقاً. واذا اختلفنا فيما بيننا - لا قدّر الله - ونسينا ذلك الجانب الذي امرنا به الله تبارك وتعالى: واعتصموا بحبل الله 2، قد نشهد زوال الرعاية الإلهية، ونعود إلى ما كنا عليه. نحن انفسنا لا نستطيع فعل شي‏ء. علينا ان نحافظ ما استطعنا على البعد الالهي في القضية ونكون مجتمعين وتكون كلمتنا واحدة، وبهذا يمنّ الله تبارك وتعالى بتأييده وتجري الأمور كما ينبغي. وقد طلبت هذا من كل السادة ومن كل شرائح المجتمع كراراً. وانتم ايها السادة الموجودون على رأس القضاء احرصوا على ان تكونوا صوتاً واحداً وقلباً واحداً، ويساعد بعضكم بعضاً، وعليكم ان تطّهروا العدلية التي بايديكم. الاشخاص المفسدون والاشخاص الذين لا يجيدون القضاء ويريدون استغلال هذا العمل أو انهم ليسوا من اهل القضاء، يجب ان يستبعد هؤلاء الاشخاص ويُؤتى باشخاص صالحين. وأنا أسأل الله السلامة لجميع السادة، وسعادة الشعب وكل الشعوب الإسلامية، واشكركم لانكم تفضلتم بالمجي‏ء وتعرفنا على بعضنا عن قرب.

روح الله الموسوي‏

* صحيفة الإمام، ج12، ص:183,180


1- وسائل الشيعة( كتاب القضاء) ج 27، ص 17، باب 3، ح 2.
2- سورة آل عمران، الآية 103.

2011-05-23