الموضوع: التضارب بين توجهات المؤسسات الإسلامية وضرورة النظام
خطاب
الحاضرون: محمد رضا مهدوي كني (المشرف على وزارة الداخلية) ومعاونوه والمحافظون من كافة انحاء البلاد
عدد الزوار: 41
التاريخ: 20 خرداد 1359 هـ. ش/ 26 رجب 1400 هـ. ق
المكان: طهران، حسينية جماران
الحاضرون: محمد رضا مهدوي كني (المشرف على وزارة الداخلية) ومعاونوه والمحافظون من كافة انحاء البلاد
بسم الله الرحمن الرحيم
القلق من التضارب وعدم الانسجام بين المؤسسات الإسلامية
طيلة مدّة هذا النضال ومنذ أحداث 15 خرداد إلى حين انهيار النظام الشاهنشاهي، لم أكن قلقاً في وقت من الأوقات، لأنني كنت ارى اننا نواجه جهازاً متجبراً ظالماً وفضلا عن الأجانب، ونحن مكلفون بالسعي من أجل تغيير هذا الوضع، وإذا لم ننجح لم يكن الأمر مهماً ابداً بالنسبة لي، لأننا كنا قد عملنا بتكليفنا، ولن نكون مسؤولين امام الله. رغم أن بعض السادة كانوا يأتون إلى باريس ويقولون أن هذا الأمر غير ممكن، وعليك مثلًا أن تتفاهم مع بعض هؤلاء، وتسمح لهم بالبقاء وما إلى ذلك. بعد ذهاب الشاه أيضاً كنت اقول لهم إن علينا تكليفاً ونحن نعمل به. ومن يعملون بتكليفهم لا يهمهم هل يَغلِبون ام يُغلَبون. إذا غَلَبنا فبها، وإن غُلِبنا فالإمام علي - سلام الله عليه - غُلِبَ أيضاً في الحرب مع معاوية، والإمام الحسين ايضاً قتل وغُلِب، ولكنهم عملوا بالتكليف، ونحن أيضاً نعمل بالتكليف. انني طوال هذه الفترة لم اكن قلقاً عند مواجهتنا لجهاز الطغيان والكفر، لكنني الآن قلق. لقد كنا نتطلع إلى تحقيق الجمهورية الإسلامية والحمد لله أن الكثير من الأمور قد تحققت، لكن قلقي من الجبهة الداخلية لسببين: أحدهما سبب بسيط والسبب الثاني خطير، السبب الأول هو أن هذه الأعمال والمؤامرات والدسائس التي يقوم بها المعارضون، ليست بالشيء المهم في نظري. وإنّما الشيء المهم هو ما نلاحظه من تضارب بين المؤسسات الإسلامية، حيث إنّك أينما تذهب لا تجدهم متفقين. الكل يدعو إلى الوفاق، ولكنهم أنفسهم غير متوافقين. هذا مدعاة للقلق، لأنه يسبب بقاء البلد في حالة من عدم الاستقرار، وإذا بقي على هذه الحال لمدة من الزمن فستلحقه الاضرار. أي انه سيصاب بالأضرار من الداخل. ولن نحتاج إلى أحد يأتي من الخارج ليلحق بنا الضرر. نحن نتناحر فيما بيننا وندمر أنفسنا. المقلق الآن هو أن أيدينا من ناحية مغلولة، فلو اردنا أن نؤشر على بعض الأفراد ونقول هذا مخرب، فهؤلاء الأفراد لا نستطيع القول عنهم انهم مخرّبون، وإنما هم مخطئون ولا يمكننا الآن الدعوة الى محاربة أشخاص كالمحافظين مثلًا أو الوزراء في الوزارات، أو غيرهم من الأشخاص. انهم منا على كل حال. كنا نناضل في السابق، والنضال اما فيه انكسار أو انتصار، وفي كلاهما كان الفوز لنا، اما الآن فلا نضال امامنا. علينا أن نتصالح الآن، لكي نبني هذا البلد المضطرب والذي يتعرض للهجوم من كل جانب. ولكن للأسف أينما وضع الإنسان يده، يجد اختلافاً بين المحافظ وآخرين، والدرك وآخرين، والجيش، والحرس، وفلان، وفلان، وجميع المؤسسات، المؤسسات مختلفة فيما بينها، وربما كان الكثير منها بسبب اخطاء، بيد أن الخطأ الأكبر هو انهم لا يتلافون هذا الخطأ وهذا هو الأمر المؤكد. إذا بقينا على هذه الحال لن نستطيع إدارة هذا البلد، لن يستطيع أي إنسان أن يفعل ذلك.
النظام والتنسيق لإصلاح الأمور
لن نتقدم إلى الأمام ما لم يكن هنالك نظام وتنسيق بين السلطات والمحافظات، وللأسف فإن هذا المعنى لم يُعرف الى الآن بشكل دقيق بين الناس، وبين السادة، وبين المسؤولين والمدراء. وإذا كان قد عرف فلا يعمل به. هذا ليست قضية تقولون فيها مثلًا أن هنالك خطأ في الوزارة الفلانية. كل وزارة تذهبون لها الآن ترون أفراداً وأشخاصاً غير متوافقين مع بعضهم، وقد يكون الأمر كذلك بين تلك الوزارة ووزارة أخرى، وكل الأجهزة الآن مضطربة تعمها الفوضى، فمتى ينبغي اصلاح هذا؟ ألا ينبغي أن يصلح كل شخص المكان الذي هو فيه؟ انتم الموجودون في المدن مثلًا وفي المحافظات، يجب أن تسعوا لإصلاح المحافظة التي أنتم فيها، لا تركزوا اذهانكم على أن هناك مكاناً آخر بحاجة إلى الإصلاح. لو تشتت ذهن الإنسان، كأن تقولون انتم المحافظون مثلًا أن الوزارة الفلانية فيها كذا من الاشكالات، فلن تستطيعوا القيام حتى بمهماتكم الخاصة بكم. يجب أن يصلِح الوزارات الأشخاص الموجودون فيها. وبعد ذلك حينما يتم تشكيل المجلس ان شاء الله، ينبغي معالجة مثل هذه الأمور من قبل المجلس والأمل هو انها ستعالج إن شاء الله. لكن المهم هو أن كل شخص عليه ان يعالج الاختلافات الموجودة داخل بيته، وإذا لم يأبه لما هنالك، وذهب لبيوت الجيران ليرى طبيعة وضعهم، فلن يستطيع إدارة بيته. الشخص الذي يوجد في بيته اختلاف يجب أن يكرّس كل همّه على إزالة هذا الاختلاف الحاصل في بيته، وبعد ذلك إن كان هناك مكان آخر بحاجة إلى الاصلاح، فلا بأس أن يذهب ليأمر بالمعروف.
أنتم أيها السادة المحافظون، إذا ركزتم كل اهتمامكم على المحافظة التي هي بمثابة بيتكم، ولاحظتم أولًا من هم الأشخاص الموجودون في المحافظة، هل الأفراد كلهم صالحون أم غير صالحين، حسناً بامكانكم على كل حال تغييرهم. ينبغي أن لا تغضوا الطرف عن المهمات التي امامكم الآن في المحافظة بحجة وجود شخص غير صالح في وزارة النفط مثلًا. انتم جميعاً، وكل فرد في أي موقع كان، لاحظوا أولًا المكان الذي انتم فيه الذي يعتبر بمثابة بيتكم، انظروا أولًا داخل محافظتكم، فرتبوا الأمور هناك، ثم الأماكن الأخرى الخاضعة لأشرافكم، كالقائممقامين وغيرهم. هؤلاء أيضاً عليكم دفعهم نحو الاصلاح، وبعد ذلك المسائل الجارية في الوزارة مثلًا. السيد كني 1 في وزارة الداخلية، لينظر وضع هذه الوزارة ويصلحه. والشخص الآخر الذي يعمر في وزارة أخرى مثلًا؛ يجب أن ينظر في أمور وزارته ويصلحها. إذا أصلح كل شخص المكان الذي هو فيه - البلاد عبارة عن هذا المجتمع - إذا كان كل واحد من المجتمع في صدد اصلاح الموضع الذي هو فيه، وقام باصلاحه، فسوف يصلح المجتمع.
الخلافات وسوء التصرفات تقود إلى انهيار الجمهورية الإسلامية
على أية حال، إن ما يبعث على القلق هو انهيار الجمهورية الإسلامية. في السابق كنا نواجه طاغوتاً. إذا هزمنا الطاغوت فلا بأس، لقد انتصر الطاغوت في كثير من المواقع. والآن أيضاً الطاغوت هو الغالب في العالم. ولكن في الجمهورية الإسلامية وما ندعيه من سيادة الاسلام وتطبيق الاحكام الإسلامية، إذا لحقت به الهزيمة على يد اتباعها، لا فرق في ذلك بين علماء الدين في مختلف انحاء البلاد، إذا عمل عالم الدين - لا سمح الله - بطريقة تضر الجمهورية الإسلامية، وإذا عملت المحاكم بطريقة تضر الجمهورية الإسلامية، وهكذا الوزارات وبقية المؤسسات، إذا حصل هذا، نكون قد وجهنا ضربة للإسلام بايدينا. المقلق هو أن نسيء الى الإسلام بايدينا من خلال ممارساتنا. كنا نهتف إلى الآن داعين الى قيام جمهورية إسلامية، وها قد تحققت كل اركان الجمهورية الإسلامية، إذا لم نستطع ان نجعل محتواها إسلامياً، وعملنا على تفتيتها بحيث يسير كل شخص في طريق معين؛ هذا من هنا وذاك من هناك، وكل من يتحدث يتحدث ضد الآخر، سيكون بلدنا بلداً مضطرباً. والكل يلقون الذنب على عاتق غيرهم. كلا، الذنب ذنبنا جميعاً كلنا مسؤولون امام الله، (كلكم راع وكلكم مسؤول) 2. علينا جميعاً ان نراعي وكلنا مسؤولون عما نقوم به. يجب أن لا أقول ان الذنب كله ذنب غيري، وغيري يقول أيضاً أنه ذنب شخص آخر. كلا، يجب أن نعترف كلنا اننا غير راشدين، ليس لنا رشد.
رسالة المسؤولين الخطيرة في حفظ النظام الإسلامي
هذه الجماهير، عموم الجماهير، كانت قد نزلت إلى الساحة وعملت. والآن، يقع على عاتقكم، يقع على عاتقنا الحفاظ على ما تم أنجازه. عموم الجماهير لا تستطيع القيام بإدارة البلاد. الجماهير أدت دورها وسلمت البلد بأيديكم ايها السادة. الذين يتولون ادارة شؤون البلاد رئاسة الأمور الآن هم الذين يجب أن يحفظوها. إنها أمانة إلهية يجب علينا أن نحفظها. إذا اراد كل واحد منا، كل رئيس إذا أراد أن يختلف مع الرئيس الآخر، كل مركز قوة إذا تعامل بهذه الطريقة مع مراكز القوى الأخرى من طهران إلى اقصى الحدود، ستكون البلاد فوضى تحتاج إلى قيّم، وعندها سيضعون لنا قيّماً. إذا لم نكن راشدين في التعامل مع القضايا التي حصلت لحد الآن حتى نستطيع إدارة بلادنا، إذا لم نستطع إدارة بلدنا، إذا لم نستطع حفظ ما أودع امانة في ايدينا، إذا لم يكن لنا مثل هذا الرشد، سنكون اذن بحاجة إلى قيّم، سيقال في العالم أن هؤلاء بحاجة إلى قيّم، وهذه جماعة تحتاج إلى قيّم، يجب أن يأتي شخص ويمارس القيمومة عليهم، إما أمريكا أو السوفيت. علينا أن ننتبه منذ البداية ولا نضيع أنفسنا، لا نتوهم أننا لم نعد مسؤولين، ويجب أن يأتي آخرون ليتولوا إدارتنا. يجب أن تتولوا أنتم الإدارة، انتم في المحافظات وبقية السادة الموجودين في المحافظات. عليكم أنتم أن تدبروا أمر المحافظات وتصلحوها. عليكم أن تصلحوها باقتدار. إذا ظهر نقص ما فيجب عرضه على المجلس ومن واجب المجلس اصلاحه. على كل حال المثير للقلق الكبير هو أن تفشل نهضتنا يوماً. ليس الهزيمة الشخصية بشيء، هزيمة الشخص ليست شيئاً مهماً، اما أن تؤدي ممارساتنا إلى اضطراب النهضة فهذا ما ينبغي معالجته.
التفاهم والاخوة في اصلاح شؤون البلاد
كلكم؛ أي كل من يؤمن بوطنه، كل من يؤمن بدينه، كل من يؤمن بالله، يجب عليه اليوم أن يحفظ هذه الامانة، وأن يترك جانباً الاختلافات الهامشية بين الأفراد، ولا يكون كل همنا أن يتراجع الآخر وأتقدم انا، ويكون هذا على هذه الشاكلة، ويتلوث ذاك، ويكون ذلك هكذا ولا يكون ذاك. لنركز جميعاً اهتمامنا على أنه حتى لو أخطأ أحد، نذهب إليه ونفهمه بأخوة أن عمله هذا لم يكن صحيحاً، وعليه أن يفعل كذا، إذا لم يقتنع ووجدنا أنه ليس إنساناً صالحاً، عندها ينبغي ابلاغ الجهات المعنية لكي يحولوا دونه. في كل الاحوال هذا شيء يقلقني. انني قلق لهذه الأمور منذ فترة، وقد ابديت قلقي هذا لكل السادة وقلت اننا لا نستطيع الآن أيضاً ان نناضل، وان نتعامل بإسلوب ثوري مع أشخاص هم من أبناء الجمهورية الاسلامية. النضال ضد الخارج وضد الطاغوت عمل صحيح، أما أن تناضلوا ضد أنفسكم...!
يجب أن نجلس معاً ونتفاهم، نجلس معاً ونكون أخوة، كلنا ابناء بلد واحد، شعب واحد، كلنا إسلاميون ونحب الإسلام. يجب أن لا يقول كل واحد منا نحن الإسلاميون دون الآخرين، كلا، إذا لم نقم بالأعمال المعهودة إلينا بشكل صحيح فلسنا إسلاميين، وإنّما طواغيت. الطاغوت أيضاً كان عيبه أنه يقوم بالأعمال خلافاً لمصالح بلاده. والآن أيضاً إذا عمل كل واحد منا في موقعه خلافاً لمصلحة بلادنا، سواء من كان في طهران ومن كان في المدن، فسوف تضيع البلاد، علينا أن نضع حداً لهذه الحالة لأن فيها القضاء على نهضتنا. لا ضير أبداً في أن نزول نحن، ولكن يجب أن لا تزول نهضتنا.
على كل حال، اتمنى ان تسعوا بأنفسكم لرفع هذه المشكلات التي لديكم. وحينما يبدأ المجلس أعماله إن شاء الله، ستطرح المشكلات على المجلس، وسوف تتلقى الجهات الأخرى برامجها من المجلس، وتقوم السلطات التنفيذية بما يجب عليها لتعالج كل المشاكل إن شاء الله. أتمنى أن تعالج المشاكل. على كل حال، يجب أن لا أقتصر على قراءة التعازي 3. إنما اطرح هذه الأمور عليكم لأقول أن هذه الجماهير البالغة ثلاثين ونيف مليون قد ثارت وحطمت قوة كبرى ولم تستطع القوى الأخرى فعل شيء أبداً، أن العالم يعجب لانتصاركم، وأمريكا التي تعربد باستمرار، ما انفك الآخرون يصفعونها، فلا تخافوا من أي شيء لأنكم المنتصرون إن شاء الله، واتمنى أن تسيروا قدماً بهذا النصر، ولا يستطيع احد الاعتداء عليكم عندما يكون البلد إسلامياً، يكون محتواه إسلامياً. حاولوا ان تجعلوا محتواه إسلامياً، لا يهمكم أن تكون هناك في موضعٍ ما قضية غير إسلامية. ركزوا على أسلمة الموقع الذي انتم فيه. إذا اصلحنا الاماكن التي نحن فيها، سوف تصلح جميع الأماكن إن شاء الله.
اتمنى أن تتقدموا الى الأمام بقوة واقتدار إن شاء الله. والبلد بلدكم، أصلحوه بأنفسكم. انتم المسؤولون عن فساده أو إصلاحه. لم يعد هنالك سيّد فوق رؤوسكم يفرض عليكم ما يجب أن يكون، البلد بلدكم شأنه شأن بيتكم. بيتكم يجب عليكم إدارته بأنفسكم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
روح الله الموسوي
* صحيفة الإمام، ج12، ص:337,333
1- الشيخ محمد رضا مهدوي كني، المشرف على وزارة الداخلية في الحكومة التي شكلها مجلس قيادة الثورة.
2- بحار الانوار، ج 72، ص 38.
3- كناية عن استعراض الصعوبات والسلبيات.