الموضوع: مبعث الرسول الأكرم (ص) وعظمته-صناديق قرض الحسنة وقيمتها السامية
خطاب
الحاضرون: مدراء صناديق قرض الحسنة
عدد الزوار: 42
التاريخ: 21 خرداد 1359 هـ. ش/ 27 رجب 1400 هـ. ق
المكان: طهران، حسينية جماران
الحاضرون: مدراء صناديق قرض الحسنة
بسم الله الرحمن الرحيم
بعثة الرسول الأكرم أعظم أحداث التاريخ البشري
أبارك هذا العيد السعيد العظيم لكل الشعب الإيراني ولجميع المسلمين ولكم ايها السادة الحاضرون.
الازمنة بذاتها ليست لها أية ميزة على بعضها البعض، الزمان موجود سار متحرك متعين لا يختلف أي مقطع فيه عن المقطع الآخر. انما شرف الازمنة أو شؤمها بسبب ما يقع فيها من احداث. إذا كان شرف الزمان بسبب الحادثة التي وقعت فيه، يجب أن أقول أن يوم بعثة الرسول الأكرم ليس ثمة يوم اشرف منه على طول الدهر (من الازل إلى الأبد)، إذ لم تقع حادثة اعظم من هذه الحادثة. وقعت احداث كبيرة للغاية، بعثة الانبياء العظام، الأنبياء اولي العزم والكثير من الاحداث الكبيرة ولكن لم تكن هناك حادثة اعظم من بعثة الرسول الأكرم. إذ ليس هنالك اعظم من الرسول الأكرم في عالم الوجود سوى الذات المقدسة للحق تعالى، ولا توجد حادثة اعظم من بعثته. فبعثته هي بعثة خاتم الرسل وأكبر شخصيات العالم واعظم القوانين الإلهية. وقد وقعت هذه الحادثة في مثل هذا اليوم فجعلته عظيماً شريفاً، ولن يكون لنا مثل هذا اليوم في الازل والأبد. لذا أبارك هذا اليوم لكل المسلمين ولكل مستضعفي العالم.
الفهم الصحيح للإسلام من قبل الإنسان الكامل
هنالك تصورات مختلفة حول الإسلام وبعثة الرسول الأكرم بحسب العناصر المكونة لصاحب التصور. الناس مختلفون في نظراتهم، واختلافهم في نظراتهم يعزز اختلافهم في تصوراتهم. التصورات حول الرسول الأكرم مختلفة بحسب الرؤى المختلفة التي كانت وستكون في العالم. والتصورات حول الإنسان أيضاً متباينة بحسب تفاوت النظرات والرؤى، وكذلك التصورات حول القرآن مختلفة تبعاً لهذه الاختلافات، وكذا التصورات حول الإسلام واحكام الإسلام. كل رؤية محدودة بحدود صاحب الرؤية. الإنسان موجود محدود لكنه يستطيع التحرك إلى اللانهاية. ورؤية الإنسان محدودة أيضاً، إلا إذا كانت رؤية غير متناهية. الإنسان لامتناهي في الكمال ولامتناهي في الجلال والجمال، وله رؤية غير متناهية يمكنها أن تكون تصورات صحيحة حول الإسلام والإنسان والبعثة والرسول الأكرم والعالم.
وبغض النظر عن الإنسان الكامل، فإن كل الرؤى البشرية محدودة، وليس بوسع البشر تكوين تصورات صحيحة حول الإسلام أو القرآن أو البعثة أو الرسول الأكرم أو الإنسان كما هو. المحدود لا يمكنه الاحاطة بغير المحدود الا إذا أصبح هو أيضاً غير محدود. الإنسان الكامل غير محدود، الإنسان الكامل غير محدود في كل الصفات وهو ظل الذات الالهية المقدسة، بمقدوره تصور الإسلام كما هو، وتصور الإنسان كما هو، والبعثة كما هي، والقرآن كما هو، والعالم كما هو. الاخرون لهم تصوراتهم بحسب مراتب وجودهم وبحسب مراتب كمالهم، لكنها تصورات محدودة. عليهم هم انفسهم أن يسيروا ليبلغوا مراتب الكمال واحدة تلو الأخرى، فتكون لهم تصوراتهم وفهمهم لهذه الحقائق ومنها البعثة في حدود ما يبلغونه من الكمال. رسول الله - صلّى الله عليه وآله وسلم - إنسان كامل على رأس هرم هذا العالم. الذات المقدسة للحق تعالى وهي غيب ولكنها ظاهرة في الوقت ذاته، تجمع كل الكمال بنحو لا نهائي، متجلية في الرسول الأكرم بكل الاسماء والصفات ومتجلية في القرآن بكل الاسماء والصفات.
مهمة الانبياء, تربية الإنسان وتكامله
ويوم البعثة يوم كلّف الله تبارك وتعالى فيه موجوداً كاملًا لا أكمل منه ولا يمكن أن يكون هناك من هو أكمل منه، بأن يكمّل الموجودات، وان يرتقي بالبشر الذين هم ابتداءً موجوداتٌ ضعيفة ناقصة لكنها ذات قابلية للرقي. إن ابعاد الإنسان ابعاد كل العالم، والإسلام جاء لتربية الإنسانية في كل ابعادها. التصورات المختلفة التي تكونت حول الإسلام تعزى إلى الرؤى المختلفة لأصحابها، إنها مختلفة جداً، ولم تصل أي منها إلى حد معرفة الإسلام أو معرفة الإنسان أو معرفة الرسول الأكرم أو معرفة العالم، بقيت كلها في مستوى محدود. قد يكون هنالك الكثيرون ممن يتصورون أن الرسول الأكرم إنّما جاء، وجاء سائر الانبياء الذين بعثهم الله تبارك وتعالى، لانقاذ الناس من هذه المظالم والاجحاف وما شابه ذلك. فمهمتهم هي توفير العدل للمجتمع والافراد، أي أن مهمتهم لا تتجاوز هذا الحد. وقد يكون هنالك من يعتبرون الاقتصاد قضية مهمة ويقصرون عليها مهمة الانبياء، أي يعتبرون إن الأنبياء جاؤوا ليحققوا للناس بطوناً شبعانة وحياة مرفهة، وأن مهمة الأنبياء لا تتعدى هذا الحد. وقد يكون للبعض رؤى عرفانية يرون من خلالها إن بعثة الأنبياء محدودة في بسط المعارف الإلهية ليس الا. وهكذا يفكر الفلاسفة بشكل معيّن. ويفكّر فقهاء الإسلام بشكل آخر،.. والشعوب تفكر بطريقة معينة، والمثقفون يفكرون بنحو خاص، والمؤمنون يفكر كل واحد منهم بشكل معين، وكلهم قاصرون عن الوصول إلى ما هو موجود. إن القول المأثور (من عرف نفسه فقد عرف ربه) 1 يفهمنا أن الإنسان موجود إذا عُرِفَ فسوف يُعرف به الله. وهذا ما لا يصدق على أي موجود آخر. لا يستطيع ان يعرف رب الانسان الا من عرف نفسه، ومعرفة الذات التي تستتبع معرفة الله لا تحصل الا لكمّل اولياء الله. وينبغي عدم تصور أن الإسلام جاء لإدارة هذه الدنيا، أو أنه جاء لمجرد توجيه الناس نحو الآخرة، أو أنه جاء ليعرف الناس بالمعارف الإلهية. الاقتصار على جانب واحد من هذه الجوانب خلاف الحقيقة مهما كان. الإنسان غير محدود ومربي الإنسان غير محدود، ومنهاج تربية الإنسان الذي هو القرآن غير محدود، ليس محدوداً بعالم الطبيعة والمادة، ولا بعالم الغيب، ولا بعالم التجرد، بل هو كل شيء.
ربُّ الرسول، المربّي الكامل للتربية
يقال أن أول سورة نزلت على الرسول (إقرأ باسم ربك) 2 لم تقل (إقرأ باسم الله)، أو (إقرأ باسم الناس)، بل (إقرأ باسم ربك) أي رب الرسول، أي الذي ربى الرسول الأكرم، أي الله تبارك وتعالى بكل الاسماء والصفات. رب الرسول الأكرم الإنسان الكامل، الذاتُ المقدسة للحق تعالى بكل الاسماء والصفات، واسماء الحق تعالى وصفاته محيطة بكل الموجودات، وبعبارة أخرى فإن كل الموجودات هي ظهور للاسماء والصفات الإلهية. والله تبارك وتعالى إذ يأمر (اقرأ باسم ربك) أي اقرأ بهذا الاسم الذي يحتوي كل الاسماء والصفات، والمربي بكل معنى التربية في عالم الطبيعة، وفي عالم ما وراء الطبيعة، التربية المناسبة لعالم المجردات وعالم الجبروت وكل العوالم، هذا هو رب الرسول. والرسول مكلف بان يقرأ، فأول ما أمر به حسب هذه الرواية هو القراءة والتعليم والتربية. وكأنه يريد القول أن هذا الرب الذي هو ربك والمحيط بكل الموجودات، يأمرك ان تقرأ وتربي الناس على هذا الطريق، رب الرسول، رب الرسول الخاتم، الرسول مكلف بدعوة الناس إلى رب الرسول، إلى رب الرسول الأكرم ورب الرسول الخاتم. ولأجل هذا نزل القرآن، ولأجل هذا جاء الإسلام، من أجل أن يتربى الناس، فلولا التربية لكانوا أشد افتراساً وايذاءً من كل الحيوانات. الإنسان موجود إذا لم يخضع للتربية، فلن يجاريه حيوان ولا موجود في العالم خطورةً وايذاءً. كل الأنبياء بعثوا لتربية هذا الموجود الذي لو ترك لحاله لأفسد العالَم. وللأسف فإن الأنبياء بدورهم لم ينجحوا في تحقيق مهمتهم.
(والعصر إن الإنسان لفي خسر) 3 من المحتمل أن يكون العصر في زماننا هذا الامام المهدي - سلام الله عليه - أو الإنسان الكامل ومصداقه الأكبر هو الرسول الأكرم وائمة الهدى والإمام المهدي - سلام الله عليه - في عصرنا هذا. قسم بعصارة موجودات العصر، خلاصة الموجودات، خلاصة كل العوالم، ووصفة هي وصفة كل العالم. العالم كله يتلخص في هذا الموجود، في هذا الإنسان الكامل، والله يقسم بهذه العصارة ويقول: (ان الإنسان لفي خسر) الإنسان خسران، الإنسان شقي (الا الذين آمنوا) 4 أي الا أولئك الذين حظوا بالتربية. ليس الذين اسلموا، بل الذين آمنوا، المؤمنون. ما عدا الذين خضعوا لتربية الأنبياء العظام ولتربية الرسول الأكرم في هذا الزمان، فإن الجميع في خُسر واخفاق. المؤمنون هم المستثنون فقط. وطبعاً فإن المؤمنين هم الذين يتحلون بهذه الصفات أيضاً (وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر) 5 هذا هو الاستثناء، والبقية كلهم في خسران. وقد جاء الإسلام ليَضمَّ كل هؤلاء الخاسرين الناقصين إلى جماعة المؤمنين. لم يأت الإسلام ليحارب. لم يأت الإسلام ليحتل البلدان ويفتحها. جاء الإسلام وسائر الاديان الحقة لاخراج الناس من هذا الخسران وادخالهم في حدود الإيمان ولكن هذه الأديان لم توفق للأسف. بذلت جهودها ولكنها لم توفق الا بمقدار.
الانبياء مصدر كمال الإنسانية
وهذا المقدار من الكمال الموجود لدى البشر في العالم مصدره الأنبياء. لو لم يأت الانبياء، لكان كل الناس، الا القلة منهم، ينهشون بعضهم كحيوانات الغابة بل وأسوأ. والآن أيضاً ترون أن من هم اقرب إلى حدود الإيمان هم الأبعد عن هذه الجرائم. حينما تراجعون عدليات العالم والمحاكم القضائية في كل مكان، لا تجدون للمؤمنين ملفات هناك. الملفات للذين لا إيمان لهم. ملفات القتل والسرقة والفحشاء وما إلى ذلك هي للذين لا يؤمنون بالإسلام أو بالله. حتى هذا المقدار يعد نجاحاً كبيراً حيث استطاعوا تربية جماعات كبيرة من البشر ولو بهذا المقدار من التربية، ولولا هذه التربية لكان الجميع مثل كارتر ومثل هتلر. تربية الانبياء هي التي انقذت هؤلاء الناس من حدود الحيوانية ومن جنون الإنسان في نزعته إلى السلطة والشهوات. حصل نجاح بمقدار كبير، ولكن لا بالمقدار وبالشكل الذي كان يتطلع إليه الأنبياء. لم يحصل الشيء الذي اراده الانبياء. كان النبي يتحسر لأنه يدعو وما من اجابة (فلعلك باخع نفسك) 6 أحد هموم الانبياء هو انهم لم يستطيعوا توظيف كل تعاليمهم بالشكل الذي يقتضيه التعليم. اراد الرسول أن يجعل كل الناس على شاكلة علي بن أبي طالب، لكن هذا لم يحصل.
ولو لم يكن لبعثة النبي من ثمرة الا وجود علي بن ابي طالب، ووجود امام العصر - سلام الله عليه - لكان هذا نجاحاً كبيراً للغاية. لو أن الله تبارك وتعالى بعث الرسول لتربية مثل هؤلاء الناس المتكاملين لكان هذا جديراً، ولكنهم ارادوا للجميع ان يكونوا على هذه الشاكلة، وهذا ما لم يحصل. الإسلام مجموعة أحكام هدفها بناء الإنسان. والقرآن كتاب لبناء الإنسان، هدفه أن يصنع بشراً. والرسول منذ ان بعث وإلى حين رحيله عن الدنيا كان بصدد صناعة الإنسان. كان مهتماً بهذا. كل الحروب التي شهدها في الإسلام كانت من أجل ادخال هؤلاء المتوحشين المفترسين داخل حدود الإيمان، لم يكن في الأمر نزعة إلى التسلّط، ولهذا نرى في سيرة النبي الأكرم وسائر الانبياء والإمام علي - سلام الله عليه - والاولياء العظام، نرى انه لم تكن هناك في سيرتهم نزعة تسلطية أصلًا. ولولا اداء الواجب ولولا الحرص على بناء هؤلاء البشر، لما قبلوا حتى هذه الخلافة الظاهرية، ولتنحّوا جانباً، ولكنه التكليف. فالتكليف الإلهي يجب ان يقبله حتى يستطيع بناء الإنسان على قدر استطاعته. ولكنّه للأسف لم يستطع أن يجعل معاوية انساناً، مثلما لم يستطع الرسول ان يجعل ابا جهل وابا لهب وامثالهم أناساً صالحين. وأمير المؤمنين لم يستطع جعل معاوية واتباعه أناساً صالحين، لكنهم جاؤوا لهذا الغرض.
لا يُظنُّ أن الإسلام امتشق السيف لأجل السلطة كباقي الحكومات. الحكم الإسلامي ليس على هذا الغرار. إذا عمل المسلم لأجل السلطة وشهر سيفه من أجل الاستيلاء على السلطة فهو بعيد عن الإسلام، ولم يدخل في الإسلام، أنه مسلم في الظاهر ولكنه لا يتحلى بالإيمان الذي يجب ان يتحلى به. جاء الانبياء لتحطيم هذه القوى ولأجل كبت هذه القوى الشيطانية، والنبي الأكرم جاء لتحطيم هذه القوى. هذه احدى وظائف الأنبياء، ولكنّها ليست الوظيفة الوحيدة. الوظيفة المهمة للانبياء هي ان يوصلوا الناس إلى نقطة الكمال، اما بقية الأعمال فهي وسائل. الغاية هي الكمال المطلق. يريد الأنبياء أن يكون كل الناس مثل أمير المؤمنين - سلام الله عليه - ولكن هذا لم يحصل ولم ينجحوا فيه. لم يأت الانبياء لاجل الدنيا. الدنيا وسيلة للكمال. واهل الدنيا يستخدمون هذه الوسيلة على الضد من الكمال. حرب علي بن ابي طالب تختلف في ماهيتها عن حرب معاوية، تختلف عنها جوهرياً، احدهما يمتشق السيف وهو ظل الله، والآخر يشهر السيف وهو ظل الشيطان. هذان متفاوتان عن بعضهما في الماهية. الذي يعمل لأجل السلطة والشيطنة يختلف ذاتياً هو وعمله عمّن يعمل لله. لم يتحرك الانبياء خطوة واحدة اطلاقاً لأجل الثروة والسلطة والدنيا والوصول إلى الحكم. ومن يتصور أن الانبياء أو الأولياء العظام ساروا خطوة لأجل المنصب فمعنى ذلك إنه لايعرفهم، انه لا يعرف الانبياء. المناصب كلها تافهة في نظر الانبياء والسلطات كلها فارغة في نظرهم.
اهمية قرض الحسنة وقيمته السامية
في الأعمال التي نقوم بها، وتمثلون انتم ايها السادة مصداقاً صالحاً لها، حيث تتكفلون بصناديق القرض الحسنة، تارة تكون الأعمال صالحة كالصلاة مثلًا، وهي من الأعمال العظيمة جداً، ولكن قد يكون المصلّي غير صالح. الصلاة جيدة، لكن المصلي قد يأتي بها رياءً فيذهب إلى جهنم. صندوق القرض الحسنة جيد، ومهمة صاحب الصندوق صعبة جداً، اجهدوا أن تكونوا اصحاب صناديق امناء، وان تكونوا نافعين لشعبكم وللمعوزين منه، ولا تقصدوا ان تبيعوا لهم شيئاً مثلًا. اعملوا من أجل الله واحفظوا الامانة. هذه الأموال التي يمنحها الناس لصندوق قرض الحسنة، امانات في ايدي اصحاب الصناديق. وأنا لا اعرف أي واحد من السادة العاملين في صناديق القرضة الحسنة، نعم اعرف بعض السادة، ولكن لا ادري هل يجيدون هذه الاعمال، ام جاؤوا من باب الاتفاق، لكنني لا أعرف احداً من حيث هو صاحب صندوق. انتم جميعاً تعرفون انفسكم، كل انسان يعرف نفسه جيداً، لكن لا بمقدار ما يعرف مراتب الكمال. يعرف ما الذي يقوم به ويفعله. انكم تعرفون ما الذي تفعلونه بهذه الامانة، هل تعملون بما يرضي الله؟ وانتم كذلك إن شاء الله. وإذا كان ثمة قصور في هذا الجانب لا سمح الله فستتلافونه. عملكم عمل صالح جداً، ومسؤوليته كبيرة جداً. كلما كان العمل اكبر كانت مسؤوليته كبيرة أيضاً. القرضة الحسنة من الأعمال الصالحة جداً، وهي افضل من منح المال مجاناً، وربما كان احد اهدافه أن قرض الحسنة يستتبع عملًا ونشاطاً. اما الاعطاء المجاني فربما صَنَعَ الشحاذين، بينما القرضة الحسنة تؤدي إلى ايجاد الأعمال. الشخص الذي يقترض ويجب عليه التسديد، سوف يعمل ليستطيع اداء دينه في موعده ويواصل عمله بما زاد لديه. اما ذلك الذي يجلس جانب الزقاق ويستعطي من الناس فهو لا يفكر يوماً بأن يقوم بعمل ما، لأنه غير مدين، وليس هنالك من يطالبه بإعادة ما أخذه. القرض مهم جداً والقرضة الحسنة مهمة جداً. قلما يوجد بين الذنوب ذنباً في القرآن والسنة حظي بالاهتمام كالربا إذ نهي عنه، والسبب هو ان الربا إذا شاع يلهو ويعبث وامواله تتوالد. إذا اراد الإنسان أخذ الربا وفرضه على المسلمين، فهو من ناحية ظلماً بحسب الآية الشريفة التي نعتته بالظلم، ومن ناحية أخرى فإنه يُوجِد البطالة. يجب ان يتحرك هذا المال ويخلق الأعمال ويأتي منه الرزق. وهؤلاء يضعون المال هكذا في يد شخص ويطالبون بان يفرخ لهم من دون عمل، وهذا فساد كبير في المجتمع وقد سماه القرآن الشريف ظلماً (لا تظلِمون ولا تُظلمون). وقال أيضاً (فآذنوا بحرب من الله) 7 وهذا أمر خطير جداً. بمقدار ما يكون القرض بالربا قبيحاً فإن القرض الحسن الخالي من الربا وكذلك الاقراض، امر ممدوح.
التعامل الحسن واللائق مع طالب القرض
لقد تكفلتم أمراً عظيماً جداً، وسيزول الربا عن البلاد الإسلامية ان شاء الله باعمالكم واعمال امثالكم. ولكن عليكم الالتفات إلى انفسكم. على كل شخص محاسبة نفسه. أحد منازل السير والسلوك محاسبة الإنسان لنفسه، أن يراقب الإنسان نفسه، فلا يرتكب مخالفة وهو يعمل، وفي المساء، في آخر الليل حينما يعود إلى بيته يجب أن يحاسب نفسه مثل أي شخص يريدون استجوابه والتحقيق معه. ليحقق هو مع نفسه، ويرى ماذا فعل اليوم.
حققوا مع انفسكم كل ليلة وانظروا ما الذي فعلتموه في الصندوق. هل تعاملتم بازدراء مع هذا المسكين الذي جاء يقترض؟ هذا مهم جداً. قد يعطي الإنسان القرض، وقد يعطي مجاناً، قد يعطي القرض الحسنة، ولكن بوجه مكفهر، أي انه يجرح قلب المقترض، والقلب هو المكان الذي يتجلى فيه الله. إذا اقرضتم فاقرضوا بوجه منشرح، انجزوا حاجته بسرعة، لا تكون القضية كما في الدوائر الحكومية. انجزوا العمل بسرعة وبهشاشة وبشاشة واحترام. الذي يأتي ليقترض يشعر على كل حال بنقص في نفسه. وبسبب هذا النقص قد يخجل كما يظن، والحال أنه لا الفقر فيه خجل ولا القرض فيه خجل، ولكنه ربما شعر بالضعة فارفعوه باعمالكم.
انتم المتكفلون بدفع القرضة الحسنة ارفعوا ببشاشتكم وعملكم الصالح هذه النقيصة التي قد يشعرها الإنسان في نفسه والهوان الذي قد يراه في نفسه، فهذا اهم حتى من القرض نفسه. حسنة القرض اعلى من القرض الحسن. فإن تطييب خواطر المعوزين والضعفاء والمستضعفين ربما كان اعظم بكثير من الاعمال الأخرى. وانتم إذ تمارسون هذه العبادة، وتتكفلون بهذه العبادة حيث تمنحون القرض الحسن وتفتحون صندوقاً للمحتاجين، اضطلعوا بتلك العبادة أيضاً.
انها لعبادة كبيرةٌ تطييبُ خاطر الإنسان الذي ربما يكون أكرم منكم عند الله وانتم لا تعلمون. ربما كان إيمانه بالله ارقى منكم وانتم لا تعرفون. تطييب خاطر هذا الإنسان اسمى من عملكم ذاك، وإذا اعطى شخصٌ صدقة وارفقها بالمنة فهو منبوذ عند الله وصدقته غير مقبولة اصلًا. ينبغي على الإنسان أن يفكر بتهذيب نفسه، عليه ان يهذب نفسه. وأنا أرجو الله تبارك وتعالى أن نكون جميعاً وأن يكون كل أبناء شعبنا ملتزمين بالإسلام ومنزهين عن الصفات السيئة.
حفظ النظام الإسلامي من خلال السعي في سبيل البناء والتطور
وأخيراً، اقول لكم لا تتقاعسوا في نهضتكم هذه. انكم في وسط الطريق وعليكم مواصلة النهضة بقوة وتصميم وارادة وقبضات مشدودة، فمادامت قبضاتكم مشدودة فلن ينالكم مكروه. لا ترخوا قبضاتكم. التفكير في أن فلاناً يعمل جيداً وفلاناً لا يعمل جيداً، وانني لم احصل على ما كنت اريده، كنت اريد بيتاً ولم أحصل عليه، هذه كلها بمثابة ارخاء للقبضات المشدودة. كونوا كما كنتم في بداية النهضة حيث القبضات مشدودة ولا تبالون اطلاقاً بان تنالوا منصباً. جادت النساء بابنائهن الشباب ولم يفكرن أبداً بأن يحصلن على شيء. كان عملهن في سبيل الله وانتم أيضاً جميعاً عملكم من اجل الله فحافظوا على هذه الروح.
هذه القبضة المشدودة حافظوا عليها. ولا تخافوا من هذه القوى الموجودة، فهي ليست بشيء اطلاقاً في مقابل تلك القوة التي تتكلون عليها. وهم لم ينجحوا في كل مساعيهم حيث يجهدون في كل مكان لكي لا تصل الجمهورية الإسلامية إلى محتواها الحقيقي. لقد اتخذ شعبنا قراره. وإذا كانت هنالك فئة قليلة تسير خلاف مسيرة الشعب، فهي ليست ذات أهمية ولا يمكن مقارنتها أصلًا بهذه الهمة التي ابداها شعبنا والحمد لله. إن هذه الإرادة والعزيمة محفوظة، وسنبلغ النصر ان شاء الله بكل حدوده وبكل وجوده. ليكن همكم أن تتقدموا بهذه النهضة إلى الامام. إن التقدم بالنهضة إلى الامام بالنسبة للعاملين في المصانع هو أن يعملوا ولا يقصروا في عملهم، وأن يعمل الذين يتواجدون في البراري وفي الحقول، وعلى الشعب ان يمد يد العون لهؤلاء الفلاحين الذين عملوا بجد، ويقال انهم عملوا بشكل استثنائي هذه السنة، ولكن قد لا يستطيعون جمع محصولهم، أو أن الخبثاء يمنعونهم من جمع محصولهم.
يجب أن تتقدم هذه النهضة إلى الامام بهذه الطريقة. إذا استطعتم اصلاح زراعتكم وصناعتكم وثقافتكم، فانكم قد سرتم بالنهضة قدماً إلى حد ما. وانا اتمنى ان تكون هذه النهضة نهضة معنوية وروحية في الوقت ذاته. فكما يتم انجاز الأعمال الزراعية وسائر الاعمال، يجب مجاهدة النفس أيضاً. وكما حصل تحول كبير لشعبنا في بداية النهضة ارجو أن يبقى هذا التحول سائراً صوب الكمال. لا تخافوا أي بوق دعائي، كل هذه الاشياء التي يقولها السيد كارتر، انما هي بوق دعائي وطبل أجوف. لقد ادانهم العالم. العالم اليوم، العالم الحر اليقظ يقف وراءكم. نهضتكم معجزة في انظار العالم، حافظوا على هذه النهضة ببعدها الاعجازي هذا، وتقدموا إلى الامام بالاتكال على الله ووحدة الكلمة. واتمنى أن نبلغ مرادنا الحقيقي وتتصل هذه النهضة بالنهضة الإسلامية الكبرى وهي نهضة إمام العصر - سلام الله عليه -. وفقكم الله وايدكم جميعاً ومنّ على شعبنا بالتقدم، وأدّب الذين يعارضوننا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
روح الله الموسوي
* صحيفة الإمام، ج12، ص:345,338
1- غرر الحكم، ص 232
2- سورة العلق، الآية 1.
3- سورة العصر، الآيتان 1 و 2.
4- سورة العصر، الآية 3.
5- سورة العصر، الآية 3.
6- الكهف، الآية 6.
7- سورة البقرة، الآية 279( فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلِمون ولاتُظلَمون).