الموضوع: بيان أهداف الثورة الإسلامية ومواضيعها ومشكلاتها- جرائم أمريكا ومؤامراتها
مقابلة
اجرى المقابلة: مراسل إذاعة وتلفزيون المانيا الغربية
عدد الزوار: 108
التاريخ 17 آبان 1358 هـ. ش/ 17 ذي الحجة 1399 هـ. ق
المكان: قم
اجرى المقابلة: مراسل إذاعة وتلفزيون المانيا الغربية
سؤال: سماحة الإمام، انتم تسعون بجد إلى إيجاد مجتمع مثالي كالذي عهدناه في زمن نبيّ الإسلام صلى الله عليه واله وسلم في المدينة، وفي المجتمع الكوفي على عهد أمير المؤمنين عليه السلام .
هل تعتقدون أنّ هذه القيم الإنسانية التي كانت في ذلك المجتمع، تصلح لدنيا القرن العشرين الجديدة أو لا؟ وكيف؟
الجواب: بسم الله الرّحمن الرّحيم، القيم في العالم قسمان
القسم الأول: القيم المعنوية، مثل قيم التوحيد والجهاد، وهذه ترتبط بالإلهيات، ومثل العدالة الاجتماعية وحكومة العدل، والسيرة العادلة للحكومات مع شعوبها، ونشر العدالة الاجتماعية بين الشعوب وما شاكل ذلك مما كان موجوداً في صدر الإسلام، أو قبل ظهور الإسلام منذ ان بعث الأنبياء، فهذه القيم ثابتة ولا تخضع للتغيير، لأن العدالة معنى ثابت لا يتغيّر على مرور الزمن، فلا يكون في زمن حسناً صحيحاً وفي زمن آخر قبيحاً وغير صحيح.
الحق أن القيم المعنوية ثابتة دائماً، كانت كذلك قبل أن تتحول الدول إلى صناعية، وحين تحولت وبعد أن تحولت، وهي الآن كذلك أيضاً، فالعدالة لا علاقة لها بهذه الأمور.
والقسم الثاني هو الأمور المادية التي تخضع لعامل الزمن وتتغير بمروره، كان مفهومها في الماضي مفهوماً معيناً ثم خضع للتطور، حتى وصل إلى ما هو عليه الآن، وسيستمر في التطور والارتقاء.
وما يرتبط بالمجتمع والسياسة وهو معيار الحكم، هو القيم المعنوية إذ تحققت الحكومة الإسلامية الأصيلة بقيمها المعنوية العليا مرتين في صدر الإسلام وفي عصرين.
أحدهما: عصر رسول الله صلى الله عليه واله وسلم .
والآخر: هو العصر الذي حكم فيه علي بن أبي طالب سلام الله عليه في الكوفة.
في هذين الموردين فقط كانت القيم المعنوية العليا هي الحاكمة، يعني أن حكومة العدل كانت قائمة والحاكم لا يخالف القانون ذرة واحدة. فالحكومة في هذين العصرين حكومة القانون، ولعلنا لا نستطيع بعدُ أن نشهد سيادة القانون بهذا النحو. هذه الحكومة ولي أمرها الذي يلقب الآن بالسلطان أو برئيس الجمهورية مساوٍ لأضعف الناس إزاء القانون.
هذا المعنى كان موجوداً في حكومة صدر الإسلام، وفي التاريخ قضية حدثت لأمير المؤمنين علي سلام الله عليه حين كان حاكم زمانه- حكومته قد بسطت نفوذها على الحجاز ومصر وإيران وأقطار أخرى كثيرة- وكان يباشر تعيين القضاة بنفسه، وهذه القضية هي أنّ دعوى حصلت بين أمير المؤمنين عليه السلام ورجل من أهل اليمن الذي كان جزءاً من دولته عليه السلام.
فأرسل القاضي إلى أمير المؤمنين عليه السلام من يحضره في الوقت الذي هو الذي عيّنه في منصب القضاء. ودخل أمير المؤمنين عليه السلام على القاضي، فأراد القاضي احترامه لكن الإمام عليه السلام قال له: لا يجوز للقضاء احترام احد طرفي الدعوى. يجب أن تساوينا في المعاملة، ثم لمّا اصدر القاضي حكمه على أمير المؤمنين عليه السلام استقبل هذا الحكم برحابة صدر 1. هذه الحكومة يتساوى الجميع عندها إزاء القانون لأن قانون الإسلام قانون إلهي. والجميع عند الله تعالى سواء منهم الحاكم والمحكوم، والنبي صلى الله عليه واله وسلم والإمام عليه السلام وسائر الناس.
نحن الآن نتمنّى أن تشبه حكومتنا حكومة صدر الإسلام. ولسنا نملك القدرة الكافية التي نستطيع بها تطبيق جميع مفاهيم الحكومة الإسلامية دفعة واحدة. ولا سيما أننا نعيش في زمن مضى منه أكثر من خمسين عاماً في الأقل تبدلت فيها المفاهيم الإسلامية الأصيلة وإنحط كل شيء وصار غير إسلامي. وإذا أردنا إصلاح تلك العقول الفاسدة، وإعادتها إلى عقول إسلامية صحيحة صالحة نحتاج إلى وقتٍ طويل. فإذا شاء الله تعالى ذلك يتحقق، وإلّا ذهبت هذه الأمنية معنا إلى القبر.
سؤال: أيها الإمام؛ إن العمليات العسكرية في كردستان قد اشتدّت قليلًا، ما الطريق الذي ترونه مناسباً لحل أزمة كردستان؟ وكيف تنظرون إلى هذه المشكلة؟
الجواب: إن مسألة كردستان ليست دعوى بيننا وبين الأكراد. فالأكراد وغيرهم من الأقليات التي تعيش في إيران متساوون أمام القانون، والدولة، ولا فرق بين الكرد والترك واللّر وغيرهم. نحن حكومة إسلامية، والحكومة الإسلامية هي تلك التي كانت في صدر الإسلام وجميع الفئات فيها متساوون أمام القانون.
ونحن الآن نريد ان نحقق مثل هذا المعنى، وهو أن يكون جميع الناس متساوين. ولا اختلاف بيننا وبين الأكراد، ولا اختلاف بين الأكراد وبيننا. هؤلاء الذين أثاروا أزمة كردستان، ما هم إلا عصابة ترتزق من الخارج وتستلهم منه ومن امريكا على الأكثر. وهذا ما تؤيده وثائق تم الحصول عليها أخيراً، وتبيّن أنّ امريكا ضالعة في قضايا خرّمشهر وخوزستان والاحداث التي تشهدها كردستان. فهذه أمور أوجدتها أمريكا وأضرمت نارها. ونحن كنا ولا نزال مبتلين بالأجانب ونعاني منهم.
ولا مشكلة بيننا وبين الأكراد حتى تحتاج إلى حل. وما بيننا وبين الأكراد هو ما بيننا وبين الفرس الذين يريدون منا ان نسمح لهم بأنّ يديروا بأنفسهم أمور مدنهم، ويعينوا هيئة لإدارتها حتى يتم إعمارها ووصلها بشبكات الكهرباء وتبليطها وإصلاح أمورهم كلّها. وهذه الأمور هي نفسها التي يطالب بها الكرد واللر والترك ولا فرق بينهم. ولولا اهتمامنا بالأكراد وأسر المواطنين وأطفالهم لما كانت مشكلة الأكراد عندنا مشكلة مهمة تحتاج إلى حل ولكان الحلّ العسكري هو الحلّ الصحيح لها، ولو لم يتدخل الجيش لحلها لذهب أبناء إيران أنفسهم. ولقد طلبت منا العشائر وغيرهم مراراً الذهاب لإصلاح الأمور في كردستان. لكننا لا نريد قتال الإخوة. ونرجو للهيئة التي ذهبت إلى كردستان حلّ المشكلة بحسن التفاهم وأن يطرد المواطنون الأكراد أولئك المخربين المتآمرين حتى يستتبّ الأمن والإصلاح من جميع الجهات.
سؤال: شوهد أخيراً في أوروبا انبعاث صحوة دينية لم تكن من قبل أوجدها الكاثوليكيون. كيف تقوّمون ذلك؟ وما رأيكم في البابا؟
الجواب: سبب ظهور هذه الصحوة الدينية أنّ الناس في أوروبا يئسوا من التقدم المادي واعتقدوا أنّ هذه التطورات المادية ليست هي التي توفر الحياة المطمئنة الهادئة للبشر. بل إنها السبب في تحطيم حياتهم. فهي مضرّة للبشر لا نافعة لهم. والشيء الذي يريده البشر اليوم هو ما يوفر عليهم السكينة، وما يوفر السكينة هو الدّين. لذلك يمكن أن تكون أماكن أخرى قد أحسّت هذا الشيء مثلما تحسّ بلدا ننا أنّ الاطمئنان لا يكون إلّا في ظلال الدين فقط، لماذا؟ لأنه لا اطمئنان في الأمور المادية. وهناك أفعال منافية للسكينة التي يتوخّاها الإنسان.
سؤال: إنكم تطالبون بإبادة إسرائيل. فإذا انتهى ذلك بإبادتها وانتصر الفلسطينيون، فماذا سيكون مصير اليهود؟
الجواب: اليهود يختلفون عن الصهاينة. وإذا تغلب المسلمون على الصهاينة، فإنهم سيلاقون المصير الذي لقيه الشاه المخلوع، ولا ضير على اليهود، فهم شعب كبقية الشعوب يزاولون حياتهم المعتادة، ولا أحد يسوؤهم في شيء.
سؤال: سماحة الإمام؛ العلاقات بين واشنطن وطهران متوترة جداً، وتمر في حالة صعبة خصوصاً بعد ان احتل الطلبة السفارة الأمريكية. فبالنظر إلى مكانتكم الخاصّة كيف يجب أنّ تكون هذه العلاقات؟
الجواب: رأيي هو أنّ أمريكا هي التي أوجدت جميع هذه الأزمات والصعوبات، والمسلمون وشعبنا الإيراني يرون رأي أوليائهم، فلا يجعلون فرقاً بين الشعوب المختلفة. يعني انهم لا يعاملون أحداً معاملة عادلة، ويعاملون الآخر معاملة غير عادلة، لكن أمريكا لا تسمح لهذا الاستقرار ان يظهر.
أمريكا هي التي أوت واحتضنت ذلك المجرم الذي خان هذا الشعب طيلة خمسين عاماً وأمر بقتل شبّاننا قتلًا جماعياً في الشوارع وزجّ بالعلماء والمفكرين في السجون وقتل وشرّد وأبعد آخرين منهم. فأمريكا هي التي استقبلت هذا المجرم في منزلها وأحترمته وهيأت له ولأسرته جميع وسائل الراحة والاطمئنان.
وقد عاملت أمريكا شبّاننا بالعنف، وثمرة هذه الأعمال هي أن ينزل الشعب إلى الشوارع ويحتلوا السفارة، فأمريكا هي المسؤولة عن ذلك. وهذه السفارة الموجودة في إيران كانت وكراً للمؤامرات، ولم تكشف إلا الآن. ومع وجود هذه الدسائس، لا يجوز أن يؤمر الشعب بأن يقعد متفرّجاً والامريكيون يفعلون ما يريدون، فأمريكا هي منشأ هذه الأمور. والأعمال التي حدثت هي حصيلة تلك الأعمال الباطلة التي ارتكبتها أمريكا علينا ظلماً خلال السنين الماضية.
ونحن لم نعد نستطيع تحمل الأعمال التي تريد أمريكا ارتكابها، من هنا يجب أن تفهم أمريكا أن زمن الظلم مضى وأن تضع ذلك في حساباتها. وإذا رأينا أنها تريد أن تتقدم أكثر من ذلك فإنّ لدينا طرقاً تنتهي بالحاق الضرر بأمريكا.
سؤال: سماحة الإمام، نشكركم شكراً جزيلًا، إن النفط الذي يصدّر في الوقت الحاضر أقل مما كان يصدّر في السنوات الماضية، فهل هذا الوضع سيبقى ثابتاً أو سيقل عما هو عليه الآن أو سيزيد؟
الجواب: هذا تابع لمصلحة البلاد التي تراها الحكومة، فهي ستفعل ما تراه مصلحة للبلاد. فإذا كانت مصلحة البلاد في تخفيض التصدير فإنّ التصدير سيقل وإذا كانت المصلحة في زيادته فإنّ التصدير سيزيد.
*صحيفة الإمام، ج11، ص: 9
1-هذه الحادثة حصلت في خلافة عمر. راجع مناقب الخوارزمي ص 98، وشرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد ج 17 ص 65.