الموضوع: مقارنةالثورة الإسلامية مع الثورات في العالم،ضرورة الهدوء لإصلاح مشاكل البلاد
خطاب
الحاضرون: ممثلو طلاب تبريز، وجهاد البناء في فيروزآباد
عدد الزوار: 68
التاريخ: 6 آبان 1358 هـ. ش/ 6 ذي الحجة 1399 هـ. ق
المكان: قم
الحاضرون: ممثلو طلاب تبريز، وجهاد البناء في فيروزآباد
بسم الله الرحمن الرحيم
مقارنة الثورة الإسلامية الإيرانية مع الثورات الأخرى
في البدء أتقدم بالشكر الجزيل لكافة الأخوة والأخوات الذين قدموا من مناطق نائية للإلتقاء بي وعرض بعض الأمور، وأنا بدوري سأحاول الإشارة إلى بعض الأمور المهمة أيضاً.
أعلم جيداً بوجود الكثير من المشاكل والإضطرابات والفتن، ولكنه أمر طبيعي في ظل ثورة عظيمة كهذه ولا يمكن تجنبه. فكل الثورات في العالم ترافقها بعض الإضطرابات، والحمد الله حجم الإضطرابات في ثورتنا ليس بالكبير الذي يدعو للقلق، ولكنها على كل حال موجودة وتسبب بعض المتاعب للبلاد.
لو أمعنتم النظر في مسيرة الكثير من الثورات لرأيتم إفتقادها للثبات والهدوء حتى بعد مرور سنوات طويلة على حدوثها. ففي بعض الثورات تمنع الفعاليات الحزبية والسياسية وتغلق الصحف وتحظر التجمعات تحت شعار لا يحق لأحد بالتنفس تحت ظل الثورة.
ولكن الأمر مختلف بالنسبة لثورتنا فمنذ اليوم الأول للثورة تم السماح لجميع الفئات والصحف بممارسة نشاطاتها ولم تمض بضعة أشهر حتى ثبت للجميع وتبين للرأي العام معارضة بعض الفئات للثورة ومناهضتهم لها، مما اضطرنا إلى حظر نشاطات البعض لاحقاً.
إن الثورة الإسلامية في إيران هي من أكثر الثورات نجاحاً في العالم. والسبب في ذلك وقوف الشعب المسلم وراء هذه الثورة. إذ لم ترتبط هذه الثورة بحزب ما أو جهة معينة، بل الشعب نفسه هو الذي أشعل نيران الثورة وقاد مسيرتها المظفرة، ولكونها تتمتع بصبغة إسلامية فإنها لم تتعرض لأحد ولم تقتل أحداً ولم تمنع أحداً من ممارسة نشاطاته.
ومن هذه الناحية تعد ثورة هادئة للغاية. طبعاً هنالك بعض المفسدين الذين يعرقلون مسيرة الشعب ويعادون هذه الثورة، ولكن أنشطتهم الهامشية هذه سيتم علاجها وإصلاحها إن شاء الله.
الجامعات في عهد الشاه
إنكم تعلمون جيداً أن حجم الفوضى والتخلف والخراب الذي خلفه النظام البائد يحتاج إلى الكثير من الوقت للإصلاح وإعادة الأمور لطبيعتها. والجامعات أيضاً لم تسلم من عمليات التحريف والتخريب خوفاً من ظهور كوادر مثقفة واعية تواجه النظام، ولذلك أقدم النظام البائد على إدارة الجامعات كما يحلو له ويخدم مصالحه، وبذلك تمت عرقلة عملية النمو الفكري وبناء الإنسان الواعي. ولكي يتم الإصلاح وتعود الأمور الى وضعها المثالي، لا بد من خلق الظروف المناسبة لذلك.
اصلاح الثقافة وشؤون المجتمع بحاجة إلى وقت
إن الخطط والبرامج اللازمة للقيام بالإصلاح الثقافي واستئصال جذور انحراف المسيرة الثقافية تحتاج إلى وقت كاف ويمكن تنفيذها بالتدريج، فالأجواء والظروف التي تنتج عن الثورة لا تسمح عادة بإصلاح الميدان الثقافي بسرعة. إذ أن طبيعة هذا المجال تحتاج إلى عمل تدريجي وخطط متتالية وسيتم ذلك إن شاء الله.
إن عملية الإصلاح هذه مرهونة بتشكيل مجلس للشورى يعبرعن آمال الشعب وتطلعاته، واستقرار الحكومة. طبعاً لابد من تخصيص الوقت الكافي لذلك، فكلنا يعلم أن الإنسان يصاب بالزكام أحياناً لمجرد تعرضه للبرودة ولو لدقائق معدودة، وأحياناً يستغرق علاج هذه الحالة شهراً أو أكثر. فكيف ببلد كبير تعرض ومنذ 2500 عام من تاريخه لظلم الأنظمة المتسلطة. وقد شهدنا نحن أكثر من 50 عاماً من هذا الظلم في ظل نظام عنجهي موجّه من قبل الدول العظمى ويعج بالفتن والإضطرابات. أليس هذا البلد بحاجة لوقت كاف من كل ذلك؟
إن أملنا كبير جداً بإصلاح الأوضاع في أسرع وقت ممكن، لأن شعبنا- والحمد لله- يتمتع برؤية إسلامية واقتناع كامل بأهمية التخلص من الظلم ومن هيمنة الأجانب، وقد تحول ذلك إلى ثقافة عامة يتبناها الجميع. والحمد لله فإن هذه الصحوة واليقظة تبعث على الأمل. فلقد استطعتم بإمكاناتكم المتواضعة من دحر نظام قوي وسلطة استكبارية مدعومة من القوى العظمى ومن قبل حكومات الدول الإسلامية، إذ لم يتمكن هؤلاء من مواجهة شعب مؤمن اتخذ الإسلام نهجاً وطريقاً وتمكن من دك هذه القلعة المحصنة وكسر هذا السد العظيم.
اصلاح البلد مرهون بالهدوء والاستقرار
آمل أن يلتفت الشعب إلى ذلك، والى أهمية القيام به بشكل تدريجي، والتحلي بشيء من التريث والصبر، فالمشاكل كثيرة ولا يمكن حلها بين يوم وليلة.
لا ينبغي أن تطالب كل فئة بإصلاح مشاكلها بشكل فوري، فهذا سيؤثر سلبا على العملية الإصلاحية والقائمين عليها. ولذلك أتوجه إلى كافة الفئات والشرائح الإجتماعية، لا سيما الشباب الجامعيين، بضرورة الالتفاف إلى ذلك جيداً، كما أنه لا يمكن حل كل شيء بالاعتراض والتحصن والنزول إلى الشوارع. اعلموا جيداً أن الهدوء والمناخ السلمي هو الوحيد القادر على الإصلاح، إذ لا يمكن إصلاح الإقتصاد بالخروج إلى الشوارع ومواجهة بعضنا البعض. وكذلك لا يمكن إصلاح الجامعة بهذه الطريقة، بل على كل شريحة من عمال ومعلمين وطلبة وفلاحين، متابعة نشاطها في حدود مجالها حتى يتحقق الهدوء وتتهيء الظروف المناسبة لقيام المسؤولين بإصلاح الأمور بشكل مناسب.
فهل يمكن إصلاح الأوضاع في كردستان وتعبيد الطرق في أجواء من الفوضى والإضطرابات كما يحدث اليوم على أيدي بعض الفاسدين. وهل لتعبيد الطرق معنى وأهمية في جو من الصدام والإقتتال؟ كيف يمكن تشييد المستشفيات في ظل أجواء كهذه؟. إذن فلا بد من الإستقرار والهدوء أولًا حتى يتمكن القائمون على الإصلاح من ممارسة مهامهم. الأخوة في مؤسسة جهاد البناء حفظهم الله ووفقهم كم هو رائع عملهم وعمل هؤلاء الشباب في ظل هذه المؤسسة الفاعلة التي تعمل على بناء الوطن وتشييد أركانه. ولكنها لن تكون قادرة على تنفيذ برامجها ومشاريعها في جو من الإضطرابات والفتن. علينا أن نلفت إنتباه أفراد الشعب إلى أن البلد اليوم هو بلدكم وعليكم أنتم أن تلتزموا بالهدوء حتى يتمكن الأخوة من القيام بمهامهم. فالنجاح بالمهمة الإصلاحية يحتاج إلى هدوء ومناخ مناسب، ولا يمكن تحقيق ذلك بالاضراب وإشاعة الإضطرابات والإمتناع عن الحضور في الصفوف الدراسية. على كل منا أن يبين مطالبه في مناخ هادىء حتى يتم تحقيقها في مناخ هاديء أيضاً.
إياكم أن تظنوا أن الحكومة تعمل على عرقلة الأمور والسير في طريق يؤدي إلى الخيانة. كلا أبداً؛ فأعضاء الحكومة هم أفراد مخلصون ولكن المهمة صعبة جداً وتحتاج إلى وقت كافٍ. ولا يعني هذا بأنهم لا يعيرون ذلك اهتماماً، وأنهم غير قادرين على تحمل المسؤولية. إن طبيعة هذه المهمة تقتضي أن يتحد الجميع في أدائها، إذ لا يمكن لفئة معينة أن تقوم بالمهمة وحدها دون مساندة الآخرين.
أهمية الزراعة ودورها في التخلص من التبعية
إن بإمكان المزارعين القيام بدور فاعل في زيادة إنتاج المحاصيل الزراعية، وهذه هي الطريقة المناسبة للوصول إلى حالة من الأمن الغذائي بدلا من طلب المساعدة من أمريكا التي لا تتوانى أبداً عن إملاء وفرض سياساتها مقابل ما تقدمه لنا، وحينها سنكون مرغمين على الخضوع لمطالبها نظراً للحاجة الماسة للمواد الغذائية.
علينا أن لا نعتمد على أحد في هذه المجالات، وكل هذا مرهون بهمة المزارعين وهم على أبواب زراعة المحصول الخريفي. عليهم مضاعفة نشاطاتهم، وعلى الحكومة أيضاً أن تمد يد العون لهم وتعمل على حل مشاكلهم وتأمين إحتياجاتهم. لقد رأيتم كيف شهدنا نمواً جيدا من هذه الناحية في السنة الماضية، وآمل أن يتابع المزارعون هذا النهج لنتحول في يوم من الأيام إلى دولة مصدرة. فلدينا الأراضي الخصبة والمساحات الشاسعة والمياه الغزيرة. ولا يعقل أن نمد يدنا إلى الآخرين لتأمين القمح وغيره، مع أننا نمتلك كل المقومات اللازمة لنكون مصدرين لذلك.
إن كل هذا يتطلب التكاتف والتضامن لتحقيق الأهداف المرجوة. فالبلاد لن تستقر ولن تصبح بمنأى عن التدخل الأجنبي إلا من خلال تحقيق الأمن الغذائي. أليس من العار أن يتحكم الآخرون بنا؟ علينا أن نؤسس لنهضة زراعية شاملة، من خلال توفير كل المقومات اللازمة وتقديم المساعدات الضرورية من قبل الحكومة. وحينها سنتخلص من التبعية وسنتمكن من مواجهة هؤلاء في كافة الميادين وعلى كل الأصعدة. والحمد الله فنحن قادرون على ذلك اليوم أيضا. على الجميع أن يسعى لحفظ الهدوء وممارسة المهام بفاعلية لنتمكن من ايصال سفينة الشعب إلى بر الأمان.
حركة الجامعات على طريق استقلال البلاد
لجامعاتنا دور كبير في حل مشاكلنا والإستغناء عن الخبرة الأجنبية في المجال الطبي مثلا وعلى كافة الفئات العمل لتحقيق هذا الهدف. فليس من المناسب أن نقف عاجزين عن معالجة المرضى ونقوم بإرسالهم إلى خارج البلاد لتلقي العلاج. وليس من المنطقي أن نقول أنه ليس بإمكاننا حل المشكلة الفلانية. فلنعتمد على أنفسنا ولنقف على أقدامنا. كما أن على الشرق بأسره أن يقوم بذلك أيضاً. فلو بقينا على تبعيتنا الفكرية للغرب، وعلى اعتقادنا بأن كل ما يلزمنا يجب أن نستورده منه، لبقينا على هذه الحال حتى النهاية.
الثقافة الشرقية الإسلامية هي أكثر الثقافات رقياً
يتمتع الشرق بثقافة وفكر اسلاميين هما الأغنى والأكثر رقياً في العالم، ومن خلال هذه الثقافة الغنية عليه أن يسد كافة إحتياجاته ويصلح مشاكله ويمتنع عن طلب العون من الغرب، بل عليه تأمين كل احتياجاته بنفسه. إن الكتب الطبية الإسلامية تم تصديرها سابقاً للغرب وخرّجت الكثير من الأطباء الكبار، ككتاب القانون للشيخ الرئيس والحاوي للرازي. وهكذا فقد استورد الغرب حضارة الشرق. ولكننا إرتكبنا أخطاء فاحشة جعلتنا نعيش في أعماق التخلف وأجبرتنا على طلب العون من الغرب. إن على الشرق أن يجد نفسه ويستعيد مكانته. فقد كان للإعلام المسموم دور هام في ضياعنا وشتاتنا وتخلفنا. فإسم الصيدلية يجب أن يكون غربياً، واسم الشارع يجب أن يحمل إسماً غربياً، وحتى المنتجات التي نقوم بتصنيعها اخذنا نضع عليها عبارات أجنبية ليقول القائل أنها قادمة من بريطانيا مثلًا! لقد تمادينا في ضياعنا أكثر فأكثر.
علينا أن نستيقظ من هذه الغفلة، ولا بد من إزالة هذه الأسماء من شوارعنا ومنتجاتنا، وكذلك كل ما يرتبط بالغرب. علينا أن نلتفت إلى أنفسنا وإمكانياتنا وثقافتنا الغنية. إن من يمتلك ثقافة غنية عار عليه أن يتعلم الثقافة من الآخرين! وهم في الحقيقة لن يمنحونا ثقافة وحضارة بل سيعملون على تكريس تخلفنا، لأنهم ليسوا على إستعداد لمنحنا شيئاً ينفعنا. بل يمنحونا القشور والفضلات التي هم في غنىً عنها. والأمثلة كثيرة على ذلك، فلقد صدروا إلينا كل ما يسبب الفساد ويكرس التخلف والغفلة.
معرفة الشرق الطريق إلى الاستقلال
علينا معرفة ذاتنا أولًا للوصول إلى الإستقلال والحرية والتمكن من إدارة شؤوننا بأنفسنا. علينا أولا أن نثبّت أقدامنا ونتخلص من ضياعنا وتيهنا، ونخرج من دائرة التبيعة الغربية والتخبط في دوّار الغرب. يجب أن لا نتصور أن كل ما نحتاجه يأتي من الغرب ونحن لا نملك شيئاً. لا أبداً فنحن نملك كل شيء، ونتمتع بمقومات كبيرة، وثقافتنا ثقافة غنية، وما ينبغي علينا فعله هو التعرف على ذلك والإلمام به لنجد أنفسنا وحقيقتنا الضائعة.
إن لكل عمل نقطة بداية ونقطة البداية اليوم هي أن نؤمّن كل احتياجاتنا بأيدينا دون الإعتماد على الغرب.
أيدكم الله جميعاً وسدد خطاكم، وأسأله سبحانه أن يحل مشاكلنا بقدرته.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
* صحيفة الإمام، ج10، ص:282,276