الموضوع: ضرورة تحقيق الاستقلال الثقافي - الاقتصادي للبلاد
خطاب
الحاضرون: طلاب كلية العلوم والمعهد العالي للغات الاجنبية
عدد الزوار: 57
التاريخ: 11 آبان 1358 هـ. ش/ 11 ذي الحجة 1399 هـ. ق
المكان: قم
الحاضرون: طلاب كلية العلوم والمعهد العالي للغات الاجنبية
بسم الله الرحمن الرحيم
أهمية الاستقلال الثقافي والاقتصادي
ما أود قوله للسادة، أن علينا السعي لتحقيق الأكتفاء الذاتي على جميع الأصعدة، ومن غير الممكن نيل الاستقلال ما لم نكن مستقلين اقتصادياً، لأن التبعية الاقتصادية تقود للتبعية على أكثر من صعيد، وهكذا الامر على الصعيد الثقافي. لقد كان للحملات الدعائية على مرّ التاريخ، لا سيما تلك التي رافقت دخول الغربيين بلدان الشرق، دور كبير في تكوين هذا التصور الذي يحمله الشرقي عن الغرب بأنه مركز الحضارة والمدنية ومنبع كل ازدهار. كما أنها كانت وراء نشوء هذه الروح الانهزامية أمام الغرب: الانجليز والامريكان وأمام نظيره الشرقي: السوفييت. بحيث أنه أينما قلبت ناظريك، أو طفت في أرجاء الشرق وجدت الكلام عن الغرب، حتى الدواء أو القماش المصنع محلياً في ايران يجب أن يحك عليه اسم أجنبي كي يباع للناس.. انك تجد- اينما تذهب- الغرب وثقافته وان علينا الاستعانة به في كل شيء. وكان من أكثر الدعاة إلى التغريب، رجل توفي الآن، كان عضواً في مجلس الأعيان أو رئيساً له «1»، كان يقول: إذا أردنا التقدم فعلينا أن نكون انجليزيين في كل أمورنا. لقد كان خادماً للانجليز، وكان يروج لمثل هذا الكلام وبشكل واسع في ايران، مما أفقدنا ثقتنا بأنفسنا واستقلالنا الفكري وجعلنا نعتمد على الغرب في كل ما نحتاجه.
بيد أنه إذا أردنا الاستقلال، علينا تحقيق الاكتفاء الذاتي على جميع الأصعدة، ولنبدأ من الآن، حيث البلاد باتت ملكاً لكم بعد أن أبعدت أيادي الاجانب عنها، وفرّ الخونة وبقيت جذورهم النتنة. علينا بخدمة هذه البلاد التي أصبحت ملكاً لنا، مثلما نخدم بيوتنا، وأن نسعى للاستغناء عن الشرق والغرب في كل أمورنا.
السياسة الاستعمارية تجاه العالم الثالث
عليكم أن تعلموا أن الشرق والغرب، لا يقدمان لنا ما ينفعنا وينفع بقية دول الشرق أو الغرب التي تعيش التخلف والتأخر عنهم. إن كل ما يعطونا اياه، إمّا أنه لم يعد ينفعهم، أو أنهم يقدموه لنا بنحو لا يفيدنا. فإذا ما أرادوا اعطاءنا شيئاً من علومهم، أعطونا ذلك الجانب الذي لا يفيدنا. وحتى اذا أراد شبابنا الذهاب إلى هناك للدراسة، فانهم يقبلونهم في جامعات خاصة بدول العالم الثالث تختلف في مستواها العلمي عن جامعاتهم، إنهم يعتبرون العالم الثالث شيئاً آخر، انهم لا يقيمون لدول العالم الثالث وشعوبها وزناً اصلًا بل لا يعتبرونهم شيئاً يذكر. وربما أنهم يعتنون بالحيوانات أكثر من اعتنائهم بالإنسان الذي يعيش في بلداننا. فالدواء الذي يمنعونه في بلادهم يجيزون بيعه واستعماله في بلداننا، ويرسلونه إلى العالم الثالث. والطبيب غير مسموح له بممارسة الطب عندهم، يرسلونه إلينا، والأطباء الذين يدرسون هناك ويتخرجون من جامعاتهم، لا يسمحون للأكثرية منهم بمزاولة الطب عندهم، على الرغم من منحهم شهادات مصدقة من جامعاتهم. إذ يشترطون عليهم الذهاب إلى بلدانهم ليمارسوا مهنتهم. انهم يعطوننا شيئاً آخر غير الموجود عندهم والمفضل لديهم.
وقد ذكرت سابقاً، بأني عندما كنت في باريس جاءني بعض الشباب الذين يدرسون في ألمانيا وشكوا لي وضعهم، قالوا: إن هؤلاء لا يسمحون لنا بالوصول إلى مراحل متقدمة من العلم ويبقونا عند حد معين. والمؤسف أن نفس جامعاتنا هذه لا يسمحون لها بالتطور والتقدم علمياً كما ينبغي، من خلال اساتذة جامعيين يعيشون العمالة لهم مهمتهم عدم السماح لهذه الجامعات ولشبابنا بالتقدم علمياً على النحو الصحيح.
فإذا كنتم تريدون الاستقلال والحرية الحقيقية، لابد لكم من العمل على تحقيق الاكتفاء الذاتي، والاستغناء عن الأخرين في كل شيء. على الفلاح أن يعمل بحيث لا نحتاج إلى استيراد القمح، وعلى الجامعي أن يعمل كي لا نحتاج للمعالجة في خارج البلاد. وهكذا المهندس والعامل.... لقد عمل النظام البائد الجائر على ترسيخ التبعية فينا، من خلال اعتماده على الاجانب في كل شيء، حتى شق الطرقات وتعبيدها أو تشييد الأبنية، كان يتم تحت إشراف متخصصين أجانب، ومن خلال توقيع عقود مع شركات أجنبية، وأمّا خبراؤنا فعليهم الجلوس جانباً. أو أن يعملوا تحت إمرة هؤلاء وبرواتب زهيدة بالمقارنة مع ما يتقاضاه هؤلاء من رواتب عالية.
ضرورة تحقيق الاكتفاء الذاتي
لقد كان وضع بلادنا في الماضي لاسيما الخمسين سنة الأخيرة، على هذا النحو وعلينا أن نتخلص من هذا الوضع. فإذا أردنا لبلادنا الاستقلال، علينا أن نجدّ في تحقيق الاكتفاء الذاتي على جميع الأصعدة، بحيث لا يحتاج معها مرضانا للذهاب إلى خارج البلد للعلاج. وان نصنع كل ما نستطيع تصنيعه بأنفسنا، فالإنسان اذا جدّ وثابر يمكنه تحقيق المعجزات. إن الوضع الذي خلفه هؤلاء كان بدرجة جعلنا نصدق بأننا لسنا بشيء، ولا نعرف شيأً، وكل ما نحتاجه يجب أن نأتي به من الخارج. ولئن كان هذا صحيحاً فتلك مصيبة، وان لم يكن صحيحاً وكان وليد التربية الانهزامية التي ربونا عليها، فتلك مصيبة أخرى.
السعي لإعداد الطاقات
على جامعاتنا العمل بجدية بما يؤهلها لتخريج أفرادٍ أكفاء وفي مختلف الاختصاصات يغنوننا عن الحاجة إلى الغرب والذهاب إليه. لقد كانوا يستدعون أطباء من أوروبا لإجراء جراحة استئصال اللوزتين- كما فعل ذلك الشاه لأجل استئصال لوزتي أحد أبنائه أو أقربائه- هذا ما كانوا يريدونه لنا، أن يظهرونا أمام العالم بأننا لا نملك حتى طبيباً يجري جراحة اللوزتين مع أننا نملك ذلك. لقد كانت مهمتهم أن يظهرونا على أننا أناس لا نفقه شيئاً ولا نحسن صنع شيء، لا نحسن شق طريق ولا تعبيده، ولا نحسن حتى تشييد بناية. مع أن فن العمارة الشرقية بزخارفها ونقوشها أذهلت عقول الغربيين. ففي نفس المدرسة الفيضية، وفي الباب التي تفضي إلى الصحن، وفي القسم العلوي منها، توجد حاشية مزخزفة بالكاشان- كنت قد رأيتها في السابق، أمّا الآن فمن مدة طويلة لم أعد أراها- هذا الكلام قبل ثلاثين أو أربعين سنة حينها كنت في قم، قبل مرحلة النفي والاحداث التي سبقته نقلوا لي أن خبراء أجانب جاؤوا إلى هناك، وعندما رأوا هذه القطعة الزخرفية ذهلوا من امكانية وجود هكذا قطعة وقالوا: من غير الممكن لإنسان أن يصنع واحدة كهذه، لأن الألوان التي استخدمت في طلائها كان كل واحد منها يتطلب درجة حرارة معينة، ان زادت عليها تعرض للتلف، وان قلت عنها لم تعط اللون المطلوب، وصانعوها صنعوا هذه الألوان إلى جنب بعض، فلا يمكننا أن نصنع مثيلًا لها أبداً. نعم، علماؤنا ومعماريونا وفنانونا كانوا هكذا بحيث يعترف هؤلاء بأنهم عاجزون عن الإتيان بما أتوا. وربما لا يزال طب ابن سينا والرازي يدرّس حتى الآن في اوروبا. ومن المؤسف أننا تركنا كل هذا، وتركنا مفاخرنا، ولجأنا إلى الغرب.
فما لم نتحرر من هذه التبعية، لا نأمل أبداً بالاستقلال الحقيقي، أو ببلدٍ يمكن أن نقول عنه بأنه يتمتع بالاستقلالية.
اهتمام الشباب بالمفاخر الثقافية
أيها العاملون على تربية جيل الشباب وتنشئته، ليكن جل اهتمامكم غسل أدمغة وعقول هؤلاء الشباب مما علق فيها من الغرب وحضارته المزيفة. أفهموهم بأنكم أنفسكم أصحاب مفاخر، أصحاب حضارة، ولديكم كل شيء. أفهموهم بأن عليهم أن يعتمدوا على أنفسهم في صنع كل شيء، فالذي نصنعه بأيدينا وان كان قليل الجودة، فهو أفضل من أن نمد يدنا إلى أعدائنا لنحصل على الكامل.
فلو كانت حاجتنا لدول صديقة، لقلنا حسناً، هناك علاقات صداقة بيننا وبينهم، ولكنها لدولٍ قدمت الدعم والحماية لأعدائنا، ففرنسا هي من آوت بختيار، وتقدم له الدعم والحماية على أراضيها، وتسمح له بالكتابة وعقد الندوات والتحدث ضد ايران. واذا ما أراد شبابنا هناك الاعتراض ولو بالكلام، منعتهم الشرطة من ذلك. أمّا أمريكا فقد آوت عدونا الأول- الشاه- بحجة أنه مريض ويحتاج إلى المعالجة، أخذوه عندهم لإحاكة المؤامرات من هناك، ثم علينا أن نمد يدنا إلى أمريكا ونقول لها أعطنا قمحاً. أو إلى الانجليز لنقول لهم اعطونا كذا وكذا؟! إني لآسف حقاً من هكذا وضع يجب أن نأسف جميعاً لحاجتنا إلى اعدائنا.
الاكتفاء الذاتي والتصدير في مجال الزراعة
علينا أن نعمل جميعاً ويداً بيد الحكومة والفلاحين، على تنشيط حركة الزراعة وتنميتها بحيث نحقق الاكتفاء الذاتي للبلد في هذا المجال، والانتقال به إلى مرحلة التصدير. لقد كانت بلادنا من البلدان المصدرة والآن بتنا من المستهلكين، فلو أن واحدة من محافظات بلادنا الكبرى، مثل آذربيجان أو خراسان تمت زراعتها بنحو صحيح لغطت حاجة البلاد، وصدرنا الباقي. ولكن للأسف وتحت اسم (الاصلاح الزراعي)، أوصلونا إلى ما نحن عليه الآن وترونه بأنفسكم. والحال نفسه بالنسبة لأمورنا الأخرى، اذ يجب علينا أن نكون مستقلين في كل شيء، فالاستقلال والتبعية لا يجتمعان أبداً، وما دمنا نعيش التبعية الثقافية والاقتصادية فلسنا بمستقلين، فلا يمكن أن نطلق على أنفسنا بأننا أصحاب بلد مستقل، إلا اذا حققنا الإنجاز الاهم وهو الاستقلال الاقتصادي.
الاعتماد على ثقافتنا وأصالتنا
كلي أمل بأن يستيقظ شبابنا واساتذة الجامعات وكتابنا ومفكرونا، ونعوض عما فاتنا. لقد استغفلنا الاجانب وغيّروا عقولنا، لذا علينا أن نعمل معاً على نصرة هذه الثورة، الكتّاب بما يكتبون، والخطباء بما يتحدثون، والصحف والمجلات بنشرها مواضيع تنفع الشعب والبلاد، لا كما نجده في بعض الصحف- التي أطالع بعضها أحياناً- فإنك تجدها من أولها إلى آخرها مليئة بالمواضيع المسيئة لتطلعات الشعب. ان ثمة جماعة لا تريد للثورة أن تواصل مسيرتها وتحقق أهدافها، لأن منافعهم ومصالحهم مرتبطة بهيمنة الغرب وادارة البلاد على يد جماعة من الخونة والأوغاد.
أمّا بالنسبة لمجموعة الكتاب والمفكرين واساتذة الجامعات والمعلمين وكل من يشاطرهم الرأي، لا سيما شريحة الشباب، ممن يحرصون على مستقبل هذا البلد واستقلاله، فلا بد لهم أن يستحضروا في أذهانهم هذا المعنى، وهو أننا بشر، ولنا ثقافتنا وحضارتنا، وأننا قادرون على أن نربي ونعلّم، ونبني ونصنع ونعمل. والآن وقد قطعت أيدي هؤلاء الخونة وأسيادهم من المستعمرين الطامعين، فقد آن الأوان لأن نصلح أنفسنا، ونربي ونعد شبابنا لأنهم عماد هذه البلاد ومن سيحفظونها ويديرون شؤونها في المستقبل. يجب تربيتهم وإعدادهم جيداً، وفقنا الله وإياكم أيها الأخوة والأخوات، لخدمة هذه البلاد، سلمكم الله وعافاكم.
* صحيفة الإمام، ج10، ص:320,316
1- السيد حسين تقي زاده: سياسي ايراني معروف، كان قد عين من قبل الشاه عضواً في مجلس الأعيان، وقد وصل إلى رئاسة المجلس في احدى المراحل، وكان مشهوراً بتحيزه للانجليز.