يتم التحميل...

الموضوع: أساليب الاستعمار في القمع والتضليل‏

خطاب

الحاضرون: منتسبو الاتحاد الرياضي في مدينة أصفهان‏

عدد الزوار: 69

التاريخ: 23 تير 1358 هـ. ش/ 19 شعبان 1399 هـ. ق
المكان: قم
الحاضرون: منتسبو الاتحاد الرياضي في مدينة أصفهان

‏‏بسم الله الرحمن الرحيم

مخطط المستعمرين في قمع المقاومة أو انحرافها

إن المخطط كان يهدف الى تعطيل أو تضليل طاقات الشعب. فأينما شعروا ثمة خطر محتمل يهددهم من قوة ما، بادروا الى قمعها او انحرافها.. كان هذا مخططهم، وعن طريق هذا المخطط وصل رضا خان الى السلطة وواصل جرائمه. وبهذا المخطط جاء محمد رضا لمواصلة نهج أبيه وخدمة الأجانب.

فالانكليز هم من جاء برضا خان إلى السلطة آنذاك لأن نفوذهم كان أكبر. وعندما بدأت الحرب العالمية الثانية، أعلن الانكليز من خلال راديو (نيودلهي) أنهم هم من جاء برضا خان إلى السلطة ولكنهم الآن عزلوه بسبب خيانته. وعين الحلفاء محمد رضا مكانه، وكما يقول هو نفسه في مذكراته- وقد حذفت هذه العبارات فيما بعد (عندما جاء الحلفاء ارتأوا أن أكون في السلطة). وكان ذلك مخططاً وضعه الأجانب للقضاء على الدول الإسلامية. فقد كانت خططهم تقتضي القضاء على المقاومة في كل مكان أو حرفها عن مسيرها. وكما رأينا- وأكثركم لايتذكر هذا- أن مخطط رضا خان كان يتضمن القضاء على علماء الدين والتحركات الدينية بشدة، ومنع تشكيل مجالس الوعظ والخطابة والعزاء، حتى أنه في كل إيران لم يكن هناك مجلس واحد، وإذا كان هناك مجلس ما فكان يعقد بشكل سري، وكنت أذهب إلى أحد هذه المجالس في قم، كان ينتهي قبل بزوغ الشمس. وكل هذا كان لأنهم أدركوا أن قوة علماء الدين قوة كامنة، وإن مجالس الوعظ والخطابة ومجالس عزاء الشهداء (سلام الله عليه) تختزن طاقات هائلة من الممكن أن يتم استغلالها في يوم ما للتصدي لنهبهم.

لقد كانوا يرصدون الثروات المدفونة تحت الأرض في البلدان الشرقية لاسيما إيران بدقة. كانوا يتتبعون أخبار المقاومة التي من الممكن أن تعطل مخططاتهم أو قد تسبب لهم المشاكل فيما بعد ويحاولون إخمادها، وقد فعلوا ذلك هنا أيضاً على يدي رضا خان وشرطته ومخابراته، غير أن المخطط تغير فيما بعد حيث تم اللجوء الى الدعاية والإعلام. وقد مارسوا هذه الدعاية كثيراً في زمن رضا شاه، حتى أن الكثير من الناس- ممن يفتقرون الى الوعي- ابتعدوا عن علماء الدين والنشاطات الدينية.

دعاية الشاه ضد علماء الدين‏

لقد ازدادت حدة الدعاية في عهد الابن- الذي كان أسوأ من الأب في بعض النواحي- حتى أنها وصلت إلى الجامعة وأثّرت في عقول الشباب- الشباب الطيبين-، حتى أصبح من الصعب ذكر اسم أحد المعممين علناً! ووصلت الأمور إلى درجة أن بعضهم كانوا يكتبون بعض آيات القرآن الكريم على جدران الجامعة بقصد المسخرة والاستهزاء، لقد كان هدفهم تضليل هؤلاء الشباب وإبعادهم عن طريق الحق لأنهم كانوا يخشون أن يأتي اليوم الذي يصبح فيه الإسلام قوياً، ويمتلك علماء الإسلام القوة اللازمة للأخذ بالمجتمع الى معارضة الأجانب ورفض هيمنتهم. لقد حاولوا النفوذ إلى كل الفئات التي من المحتمل أن تشكل خطراً عليهم لتضليل مسيرها أو للقضاء عليها. حتى أنتم أيها الأبطال لم يستثنوكم، لم يستثنوا الرياضيين أيضاً لأنهم كانوا من المتدينين الأقوياء والمحبين للإسلام. لقد حاولوا أن يشغلوا بال هؤلاء الرياضيين بمسائل أخرى بعيدة عن مسائل البلاد الرئيسية ولكنهم لم ينجحوا في ذلك. وحاولوا أن يبعدوهم عن الإسلام ولكنهم فشلوا.

فعلوا ذلك مع كل الفئات، في محاولة لإخماد مقاومتهم وإذا لم ينجحوا كانوا يسعون إلى تضليلهم وإبعادهم عن أهدافهم، وإذا رأوا حرفهم عن مسيرهم أفضل من القضاء عليهم كانوا يوجهون ضدهم دعايتهم، وإن لم ينجحوا في أي من هذه الأساليب، عملوا على لفت انتباههم إلى مواضيع أخرى.

لقد قام رضا شاه باضطهاد طبقة علماء الدين وبحجج واهية- طبعاً معظمكم لايتذكر ذلك-. ولما ظهرت الجامعة كقوة واقعية تستطيع أن تهدد أمنهم سعوا إلى سحقها أيضاً ووجهوا دعايتهم المضللة ضدها، لقد عملوا على تضليل عقول الشباب الطيبين، فدعايتهم كانت تطال كل شي‏ء ابتداءً من المذهب وانتهاءً بالإسلام. وبعد هذا قاموا بالفصل بين الجامعة والحوزة، وضيعوها الواحدة تلوالآخرى. وأن بعض الذين لم ينحرفوا في هاتين الفئتين لم يكونوا يستطيعون فعل أي شي‏ء لأن زمام الأمور لم تكن بأيديهم، وإنما كانت في أيدي أولئك الذين أدركوا أن اتحاد الجامعة والحوزة يشكل خطراً عليهم، فقاموا بخلق العداوة بين هاتين الفئتين.

الأساليب المختلفة للاستعمار في تضليل الشعوب وقمعها

وهكذا كان لديهم مخطط اضافي يقضي بسحق كل ما لا يمكن تغييره، كانوا يقتادون‏ الناس إلى السجون، ويعذبوهم بذرائع مختلفة. وكانت تلك الحالات التي ابتلينا بها في عهد رضا شاه أسوأ من الآن، وفي عهد هذا- محمد رضا- استمر الوضع على هذا المنوال. كانوا يضللون كل من يستطيعون تضليله، وإذا عجزوا عن ذلك كانوا يشغلون تفكيرهم بالعديد من الأمور الثانوية، وكانوا يسعون إلى خلق مناخ لكم يجعلكم بعيدين عن الأجواء السياسية، أو منقطعين عنها تماماً. وفي سبيل أهدافهم، قاموا بتضليل الكثير من الشباب عن طريق جرهم إلى مراكز الفساد والفحشاء. لقد قاموا بنشر مراكز الفساد في كل مكان في المدن وخاصة في طهران والمدن الكبيرة، وفعلوا كل مابوسعهم لتسهيل استدراج الشباب إلى هذه المراكز وانشغالهم بشهواتهم وملذاتهم، حتى الراديو والتلفزيون بات وسيلة لإفساد الشباب بدلًا من أن يكرس الى تربية الشباب، دور السينما والمسرح تحولت أيضاً من وسائل تثقيفية للمجتمع إلى وسائل لتدمير المجتمع.

لقد بذلوا قصارى جهدهم لتشتيت هذا الشعب أولًا، وللقضاء على فئاته الواحدة تلوالأخرى ثانياً، كل فئة على حدى، فالجامعيين في طرف، وعلماء الدين في طرف، والرياضيين والتجار كل في طرف، ثم فعلوا ما بوسعهم لتدمير الشباب واستنفاذ طاقاتهم.

تبعات التغرب‏

والأمر الآخر يتعلق بالدعاية المكثفة للغرب وما لديه، من أجل جعل شبابنا مقلدين للغرب، وسلبهم ثقتهم بوطنهم واعتمادهم على أنفسهم. فكل من يتحدث كان يتحدث عن الغرب وكل شي‏ء بات غربياً، فالشوارع والساحات سموها بأسماء غربية وكذلك المراكز العلمية، لقد حاولوا أن يقنعوا الشعب بأنه لاشي‏ء، وأن يفقد ثقته بنفسه، وحولوا الانسان المسلم الشرقي الذي من المفترض أن يكون معتمداً على نفسه ودينه، إلى انسان غربي، وأخضعوه إلى غسيل مخ، وقاموا بصناعة انسان مقلّد للغرب من هذا الانسان الشرقي، كل أحاديثه تتعلق بالغرب وما يفعله، حتى إن المدافعين عن انكلترا والناطقين باسمها كانوا يقولون أن كل شي‏ء نصنعه يجب أن يشبه مافي انكلترا وإذا أردنا أن نصل إلى الحضارة فيجب أن يكون كل شي‏ء فينا انجليزياً. هكذا كان يقول مذيعهم المعروف، الذي هو الآن في رحمة الله!.
وكما تلاحظون جميعكم، ما أن يمرض أحدهم حتى يذهب إلى أوروبا، ألايوجد لدينا أطباء؟! لدينا أطباء، ولكنهم تربوا على أن يفقدوا ثقتهم بأنفسهم، حتى عندما يذهب أحدهم إلى الطبيب فإنه يقول له: لقد فات الأوان وعليك أن تتعالج في مكان آخر. وعندما يذهب إلى ذلك المكان فإن نتيجة العلاج غير مضمونة أيضاً. لقد فصلونا عن أنفسنا، وجردونا حتى من الاعتقاد بأنفسنا وقدراتنا. فنحن لا نشك أنهم متقدمون من الناحية المادية، ونحن لانعترض على هذا، ولكن اعتراضنا على أنهم يريدون أن يفرضوا علينا عاداتهم وتقاليدهم، حتى قانوننا يريدون أن يكون من عندهم، قانونهم الذي أخذوه من بلجيكا وبعض الأماكن الأخرى. إنهم يريدوننا أن نعتقد بأننا لاشي‏ء وهم كل شي‏ء، في حين أنهم لايملكون حضارة متطورة بل إن حضارتهم متخلفة، وأما ماهم متطورون فيه فهو صناعة الأسلحة الفتاكة! إنهم يريدون أن يحرقوا العالم!، ولقد أعلنوا مؤخراً أنهم صنعوا قنبلة تعادل قوتها خمسة أضعاف قوة القنبلة التي ألقوها على تلك المدينة- هيروشيما- وأدت إلى مقتل مئتي ألف شخص. هذه هي الأشياء التي يتفاخرون بها، يتفاخرون بأنهم حولوا العالم إلى مجتمع للقتلة وأكلة لحوم البشر. فإذا كانت الحضارة هي هذه فإن العالم بأسره يكره هذه الحضارة. نعم لقد صنعوا الطائرة وهذا يعتبر تطوراً من الناحية المادية ونحن لا ننكر هذا الشي‏ء، ولكن التطور من الناحية الانسانية يعني الوصول إلى ما يؤمّن راحة واستقرار البشرية، وهو يعني تحضر الانسان. ولكن في الغرب لا يوجد شي‏ء من هذا القبيل وإذا كان موجودا فهو في الشرق لا في الغرب.

المذاهب التوحيدية الانسانية تهدف لتحقيق الحضارة

إن ما يكفل لبلد ما أن يكون بلداً متحضراً هو تحرره واستقلاله بمعناه الحقيقي. والمذهب الانساني ولاشي‏ء غيره يستطيع أن يضمن للشعب حريته، أما الحرية الموجودة في الغرب فهي ليست إلا نوعاً من الفساد، فهم يمارسون شهواتهم كما يشاؤون دون قيد أو شرط. الحرية عندهم. تعني أن يكونوا أحراراً في ملذاتهم يفعلون ما يشاؤون.

لقد خدعونا بعض الشي‏ء بقولهم أنهم سيمنحونا الحرية! وفي عهد النظام البائد كانوا يقولون أنهم منحونا الكثير من الحرية. كان كارتر يقول: لقد منحوا هذا الشعب حرية زائدة عن اللازم! فهل هذه الصرخات التي تنطلق من الشعب هي بسبب الحرية الزائدة؟! وما هذه السجون والتعذيب الموجود في إيران؟! لقد كانت إيران كلها سجناً يضم (35) مليون نسمة! الصحافة لم تكن حرة ولم تستطع أن تكتب كلمة حرة واحدة. الراديو لم يكن يستطيع أن ينطق بكلمة واحدة مخالفة لهم. كل ما كان يذاع كان يتم املائه من قبل المخابرات، كانت تمسك بكل شي‏ء. ومن هم فوق مديرية المخابرات كانوا يقدمون مايريدون إليها لتقدمه هي بدورها إلى الراديو.

الشعب لم يكن بوسعه تعيين نائباً واحداً، وإذا أصرّ البعض على أنهم كانوا أحراراً، فإنهم يقولون هذا تنفيذاً لرغبة المحاكم وليسلموا من ملاحقتها، وليس لأنهم كانوا أحراراً كما يدعون! فلم يكن هناك شيئاً يسمى اختياراً، فالحرية تعني أن يكون الشعب حراً في اختياره لممثليه، وحراً في أن يقول ما يشاء، وأن يعترض على ما يشاء، ولكن هذا لم يتحقق أبداً.

والمذاهب التوحيدية وعلى رأسها الإسلام، هي وحدها التي تستطيع أن تمنح الشعب حريته بحيث لا تتحول إلى فساد أو إلى نقيض للشخصية الانسانية. فإذا كنتم تبحثون عن السعادة والهناء، اعملوا على أن يجد هذا الدين الحنيف طريقه الى واقع الحياة.

معطيات الجمهورية الإسلامية على المدى القصير

الجمهورية الاسلامية الآن مجرد اسم، ولكن هذا الإسم المجرد أفضل من كل الرسميات السابقة، والسبب هو أننا في الماضي لم نكن نستطيع أن نجلس مع بعضنا أو أن نجتمع في مكان واحد، وإذا حدث واجتمعنا فإننا كنا سنذهب إلى السجن بعد خروجنا. أما الآن فإنكم تجلسون هنا بكامل إرادتكم، الأقلام حرة، وحتى أولئك المعارضين لهذه النهضة لايتعرض أحد لهم، إنهم يكتبون ويقولون مايشاؤون ويخلقون الخزعبلات دون أن يتعرض عليهم أحد. ومع أن هذه الجمهورية جمهورية إسلامية بدون قانون أساسي أو رئيس جمهورية، أو مجلس شورى، ولا توجد فيها إلا حكومة انتقالية ليس أكثر، وبالرغم من كل هذا، فإنني أقول أن الخدمات التي قدمتها هذه الحكومة الانتقالية خلال الخمسة أشهر الماضية، ومع أنها ليست ذا أهمية تذكر، إلا أنها في مضمونها شي‏ء عظيم للغاية. ولكن الأقلام السامة هي التي تصرخ دائماً، ما الذي تحقق؟ ماذا تريدون أن يتحقق؟! لقد قضت هذه الثورة على النظام الذي كان متسلطاً على رقابكم، وإذا لم يحدث شي‏ء غير هذا، يكفيها فخراً. أما الباقي فعلى عاتقكم تقع مسؤولية إصلاحه. لقد قطعنا أيدي المتطفلين الممتدة إلى نفطنا، ففي السابق بدلًا من أن يعطوا النفط لنا كانوا يعطونه للآخرين، وكانوا يشيدون لهم القواعد، والمال الذي كان يجب أن يصب في جيوب الشعب كان يصب في جيوب أولئك، وإذا نظرتم إلى حساباتهم فستجدون أنهم ينهبون نفطنا دون استثناء. لم يمض على تشكيل الحكومة الانتقالية أكثر من أربعة أو خمسة أشهر، ولازلنا بحاجة إلى حكومة مستقرة، والجمهورية الإسلامية أيضاً لم يمض عليها أكثر من أربع أو خمسة أشهر، ولازالت دون المستوى المطلوب، والطريق أمامنا لازال طويلًا، غير أن ما تحقق لا يمكن مقارنته بالدول الأخرى. إذ أن هذه البلدان لازالت تحت هيمنة القوى العظمى، أما في إيران فقد قامت هذه الثورة بإزالة آخر موطئ قدم للدول العظمى من ترابها، أما تلك البلدان فلا زالت تتعرض للقتل والتعذيب والتشريد من قبل الدول العظمى.

واليوم جاء إلي رجل يقول أنهم كانوا قد وضعوه هو وزوجته وأطفاله وطفله الرضيع في السجن- وكان قادماً من دولة أخرى- أما الآن فقد انتهى كل هذا، وأصبح الجناة هم من يجب أن يخافوا. فممّ يخاف الناس العاديون الآن؟ فلم يعد وجود للظلم أو للتسلط على رقاب الشعب. لا يوجد اليوم مَن يقول أنه تعرض للنهب أو الظلم من قبل الحكومة خلال الخمسة أشهر الماضية. نعم هناك بعض أصحاب القلم يريدون أن ينتقدوا الأوضاع، فلينتقدوا ولكن انتقاداتهم لها منحىً آخر، فهم لا يقولون مثلًا أن الحكومة سرقت، إنهم يقولون أشياء أخرى. كما ان قطعنا لأيدي سارقي خزينة الدولة، سيمهد الطريق لتحسن اقتصادنا بعد فترة قصيرة، وعندها سنخرج من طوق التبعية الاقتصادية للدول الأخرى إن شاء الله. سنكون دولة معتمدة على نفسها، قادرة على إدارة مواردها. لقد قاموا بتخريب بيوت الناس تحت اسم (قانون إصلاح الأراضي) وقضوا على محاصيلنا الزراعية بأكملها، وحولوا بلادنا إلى سوق للأجانب.

أيها الأخوة عليكم بالإسلام، تمسكوا به، ولاتنسوا وحدة الكلمة، وابتعدوا عن التفرق، الإسلام ووحدة الكلمة هما سرّ النصر، فحافظوا عليهما بكل ما استطعتم من قوة. اللهم مد الأبطال ببطولة أكبر، ومدنا نحن رجال الدين بعلم أكثر.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته‏


* صحيفة الإمام، ج‏9، ص: 73,68

2011-05-10