يتم التحميل...

الموضوع: أفضلية تزكية النفس على التعليم‏

خطاب

الحاضرون: أعضاء الرابطة الإسلامية في مؤسسة البيئة والصحة

عدد الزوار: 98

التاريخ 26 تير 1358 هـ. ش/ 22 شعبان 1399 هـ. ق‏
المكان: قم‏
الحاضرون: أعضاء الرابطة الإسلامية في مؤسسة البيئة والصحة

بسم الله الرحمن الرحيم‏

أفضلية تزكية النفس على العلم والحكمة
إن الآيتين الكريمتين اللتين ورد ذكرهما على لسان السيد والسيدة، هما من الآيات التي يطول شرحها لو أردنا بيانها بالتفصيل، ولكنني سأتعرض الى أحد جوانبها نظراً لضيق الوقت. تقول الآية الكريمة: ﴿لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ 1 لقد ذكر الله التزكية في المقدمة وهذا دليل على استحواذ التزكية على أهمية أكبر من العلم والحكمة، وهي كذلك بالفعل. فالأمة التي تزكى أبناؤها وتم تربيتهم، أمة متقدمة.

النفوس غير المزكاة مصدر المتاعب‏
إن كل المتاعب التي تتعرض لها الأمم منشأها عدم التزكية. فلو كان قادة وحكّام هذا الشعب، أولئك الذي يديرون البلاد، قد تمت تربيتهم وتزكية نفوسهم لما وجدت كل هذه المتاعب والمعاناة لشعبنا ولا لأنفسهم. إن منشأ كل هذه المعاناة والآلام في كل مكان، هو أن القائمين على أمور الشعوب لم يزكوا أنفسهم. فإن وجود شخص واحد على رأس السلطة لايملك نفسا زكية أوجد كل هذه المتاعب لهذا الشعب على مدى خمسين عاماً. فإذا كان مثل هذا الشخص مزكياً لنفسه وعادلًا ومتبنياً للعدالة، سيكون جهازه الحاكم متبنياً ومربياً للعدالة في المجتمع وسوف تتبعه كافة الفئات إلى العدالة، بما في ذلك دوائر الدولة التي سوف لا تجد لنفسها مخرجاً إلا بالعدالة. فإذا زكيت أنفس أبناء الشعب، فسوف يعيش هذا الشعب في جنة من النعيم وسوف تزول كل العقبات من طريقهم للوصول إلى السعادة. ومن هذا المنطلق ونظراً الى أن الشاه كان يفتقر الى النفس الزكية والأخلاق المزكاة أو العقائد المزكاة، فقد عمل على تضييع شعب بأكمله. وقد رأيتم كيف أنه كان يقتدي‏
بأبيه حيث جمع من حوله مَنْ هم على شاكلته. وعندما كنا في باريس قال لي أحد الأشخاص- ولا أتذكر اسمه الآن- نقلًا عن آخر، بأن محمد رضا إذا وجد خمس أشخاص فاسدين في إيران لجلبهم وأعطاهم الصلاحيات والمسؤوليات. فالذين لم يزكوا أنفسهم لا يقتربوا من الأفراد المخلصين الصادقين. فالشخص الفاسد وغير الأمين يبحث عمن هم على شاكلته. وهكذا الصالحون يختارون من أمثالهم ليكونوا شركاءهم في بناء الأمة. ولهذا نرى أن الفساد منبعه الحكومة، فإذا كانت الحكومة عادلة فإنها تحرص على تأمين مصالح البلد، والحكومة الظالمة تجلب الفقر وسوء الحال لأبناء شعبها، لذلك ذكرت الآية الشريفة التزكية قبل التعليم والحكمة، ولا يخفى أن تعليم الكتاب والحكمة هما مقدمة للتزكية على أي حال.

عمل الأمهات من عمل الأنبياء
جاء الأنبياء ليصلحوا الناس، ليزكوا نفوس الناس ويطهروها .. هذا هو عمل الأنبياء وكذلك يجب أن يكون عمل الأمهات بالنسبة لأطفالهن منذ نعومة أظفارهم حين يكون الأطفال في أحضان أمهاتهم يمكن تربيتهم وتعليمهم الأخلاق الكريمة أفضل بكثير مما يستطيع الأستاذ أن يعلمهم. فالحب الكامن في الطفل تجاه أمه لايضاهيه حب آخر، فما يسمعه الطفل أو يراه من أمه في طفولته يسكن قلبه ويرافقه طوال مسيرة حياته، لذا يجب على الأمهات الانتباه الى ذلك وأن يربوا أطفالهم خير تربية ولتكن أحضانهن خير مدرسة يتعلمون فيها العلم والإيمان. وهذه مهمة عظيمة تقع على عاتق الأمهات ولاأحد غيرهن يستطيع تحملها، إذ أن الطفل يتأثر بوالدته أكثر بكثير من والده وإذا كان ماتعلمه من والدته خيراً فهي خير بداية له وإذا كان شراً كان شر بداية أيضاً.

تأثير تربية الأم‏
من الممكن إذا ربت الأمّ ابنها خير تربية أن يكون ذلك الابن خير منجي لأمته وإذا أساءت تربيته أن يكون سبب هلاك أمته بكاملها. مع الأسف أنهم حاولوا خلال الحكم الشاهنشاهي أن يفصلوا بين الأمهات وأبناءهم، لقد زرعوا في عقول الأمهات بأن حضانة الأبناء لا قيمة لها، شجعوهم على العمل في الإدارات وفصلوا بين الأطفال الأبرياء وأمهاتهم. الأطفال الذين يجب أن ينشأوا في أحضان أمهاتهم، نقلوهم إلى دور الحضانة وأعطوا مسؤوليات تربيتهم إلى الغرباء والأجانب ليربوهم تربية فاسدة، ذلك أن الطفل حينما يفصل عن أمه سوف تنشأ في نفسه العقد وتكون بداية لحياة فاسدة، إذ أن الكثير من الأعمال الإجرامية التي يقوم بها الأفراد تعود في بداياتها وأسبابها الى العقد النفسية الناتجة عن التربية الخاطئة، ومعظم هذه‏ العقد ناشئة عن فصل الأولاد عن أمهاتهم بأن يكون كل منهم في مكان بعيداً عن الآخر، والطفل لا يستغني عن أمّه. ومن هذا المنطلق يعتبر عمل الأمهات من عمل الأنبياء، فلو قارنا بين عمل الاثنين لوجدنا بأن رسالة الأمهات هي صورة مصغرة لرسالة الأنبياء، فالأنبياء جاؤوا ليزكوا نفوس البشر ويربوهم تربية صالحة، أما رسالة كل أمّ فهي ذاتها ولكنها منحصرة في طفلها، وكذلك رسالة المعلم وكذلك الجامعة حيث تبدأ التربية من حضن الأم إلى المدرسة إلى الجامعة كل منهم يكمل الآخر، وإذا ما قام الجميع بمهامهم على خير ما يرام سنجد لدينا جيلًا كاملًا من الشباب يستطيعون أن يديروا شؤون البلاد وأن يقودوها إلى أعلى المراتب.

ضرورة الانتقال من التربية الشيطانية إلى التربية الإسلامية الإنسانية
ومن هنا نجد أن هذا النظام الخائن السابق حاول بكل قواه وقدراته أن يحول دون تزكية نفوس شبابنا وكان مانعاً لنضوج هؤلاء الشباب، إذ يقال أن في طهران وحدها كانت حوانيت الخمور أكثر من المكتبات، وأنتم تعلمون كم من مراكز فساد كانوا قد أوجدوها، المراكز التي كان يجب أن تكون معاهد تعليمية كالسينما والراديو والصحافة، حاولوا بكل إمكاناتهم أن يمنعوا رشد ونضج وعي الإنسان. غير أنه يجب على شبابنا الآن أن يكونوا جيل التغيير نحو الأفضل. يجب أن تتحول تلك التربية الشيطانية إلى تربية إنسانية إسلامية. والأمل هو أن تبدأ من أحضان الأمهات وأن تنتهي في الجامعات وما فوقها. فسعادة الشعوب تكمن في أيدي أولئك الحكّام الذي يملكون نفوس زكية.
هداكم الله جميعاً إلى طريقه ووفقنا الى خدمة الإسلام والمسلمين إن شاءالله.
والسلام عليكم ورحمة الله‏

*صحيفة الإمام، ج‏9، ص: 111


1- آل عمران: 164.

2011-05-10