الموضوع: الخصائص التي تميز دين التوحيد، دور المعلم والأم في المجتمع وتربية الأبناء
خطاب
الحاضرون: المشاركون في المؤتمر التعليمي للاتحادات الاسلامية للمعلمين في الجمهورية الإسلامية
عدد الزوار: 58
التاريخ: 27 مرداد 1358 هـ. ش/ 24 رمضان 1399 هـ. ق
المكان: قم
الحاضرون: المشاركون في المؤتمر التعليمي للاتحادات الاسلامية للمعلمين في الجمهورية الإسلامية
بسم الله الرحمن الرحيم
دين التوحيد: إرشاد الناس للخروج من الظلمة
من الأمور التي يمتاز بها دين التوحيد عن الأديان الأخرى في العالم، هو أن دين التوحيد يربي الناس ويخرجهم من الظلمات إلى النور. أما الأديان الأخرى فهي ذات أهداف مادية وتحرف الناس وتضللهم عن طريق النور لتعود بهم إلى الظلمات. إن جميع الأديان غير التوحيدية سواء تلك التي تعمل ضد الأديان التوحيدية أو التي لاشأن لها بها، ذات محتوى مادي وتوجّه الناس باتجاه الأمور المادية لينغمسوا في الظلمات ويبتعدوا عن النور.
الفرق بين الأديان التوحيدية والمذاهب المادية
إن الأديان التوحيدية وفي طليعتها الدين الإسلامي، وفي الوقت ذاته الذي تعنى بالشؤون المادية، إلّا أنها تهدف الى تربية الإنسان بشكل يعي معه أن الماديات يجب أن لا تشكل حاجباً يحول دون المعنويات، بل ينبغي أن تكون في خدمة المعنويات. فإذا ما اقتصر الاهتمام على الماديات وحدها، فإن ذلك سيقود الى الظلمات مثلما نرى في المذاهب المادية، التي تجر الناس إلى الحروب وهدر الدماء كما هو الحال في الشيوعية حيث إراقة الدماء والكبت والاضطهاد. ولقد شاهدنا كيف أن رؤساءهم عندما كانوا يصلون إلى سدة الحكم فإن أول ما يفعلوه هو قتل آلاف الناس الأبرياء، بل وحتى مئات الآلاف. وكذلك الحال بالنسبة للمادية في أمريكا و البلدان الغربية غير الشيوعية، فإن كل اهتمامهم ونزعاتهم منصبة حول المادة والأمور المادية ومن أجلها قتلوا الناس. ولابد أنكم لاحظتم كيف إن هذين المذهبين الماديين اراقا دماء الملايين في بلدان العالم، فأحدهما فعل ما فعل في أفغانستان والآخر في أماكن أخرى. الأديان غير توحيدية، فالأديان التوحيدية لا تحتل البلدان ولا تتعامل مع الناس بخشونه، وإنها تريد إخراج الناس من الظلمات إلى النور، والتركيز على عبودية الله. فنحن نرى في الأديان التوحيدية السلوك الحسن والدعوة إلى الله، وتحاول قدر الإمكان إعادة الناس إلى الطريق الصحيح وتستخدم لذلك كل الوسائل السلمية، بعيداً عن سفك الدماء، إلا إذا أحست بالمؤامرة تحاك ضدها، عند ذلك تعمل وفقاً لأوامر القرآن وتضرب بيد من حديد، وفيما عدا ذلك فالناس أحرار فيما يشاءون.
استغلال المجموعات المفسدة للحرية
بعد أن تحقق الفتح العظيم في هذه البلاد على أيديكم أنتم رجالًا ونساء، بات المجال مفتوحا للجميع، وانطلقت الدعايات كل على هواه، وشهدنا تأسيس الأحزاب والمذاهب على اختلاف توجهاتها وأهدافها، حتى أن ما ظهر في الساحة خلال الأشهر الأخيرة زاد على المائتي تنظيم، حتى الشيوعيين المفسدين نزلوا الى الساحة. ولكننا أحسسنا فيما بعد أن هذا الظهور ليس من أجل الدعاية أو محاولة إثبات وجود فقط بل ثمة مخططات تآمرين خبيثة دلت عليها عملية إحراق البيادر والإخلال بأمن واستقرار الجامعات وإشغال الطلاب عن دراستهم، وكذلك تخريب المعامل ومنعها من الإنتاج، ومنع الناس عن الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات، وحرق صناديق الاقتراع أو حتى منع الناس من الإدلاء بأصواتهم باستخدام قوة السلاح، أو التحضير للاشتباكات خلال المظاهرات، وجرح العديد من الشباب. والآن كما ترون ونحن نقترب من انتخابات مجلس الخبراء بدأوا يثيرون الفوضى ونحن لازلنا نتحلى بضبط النفس ليراهم الناس ويدركون حقيقة تلك الفئات التي لا تريد التفاهم أو المناقشة، بل معاداة الآخرين لاسيما الدين الإسلامي، فهم يخشون الإسلام وأحكامه، ولا يريدون وجوده مهما كلفهم الأمر، فلهذا علينا التصدي لهم. فنحن لا نستطيع أن نتحمل أكثر من هذا ولا نستطيع القبول بذلك لأن الأمر يتعلق بالإسلام ومصالح المسلمين. وحسب قوانين القرآن فإننا لانستطيع التساهل بالأمر، وقد أعلنت بأنه لو أصرت تلك الفئات على ممارساتها فسوف نعبئ جميع طاقاتنا، رجالنا ونساءنا لاقتلاع جذورهم، وعليهم العودة إلى أحضان الشعب لأنهم لا يمثلون حزباً بل يمثلون مجموعة من الأشرار ولهذا علينا ردعهم واتباع سياسة الخشونة معهم، ولكني سأمهلهم فرصة أخيرة ليعودوا إلى رشدهم وإلى أحضان شعبهم.
دور المعلم في المجتمع
أما عن دور المعلم فهو كدور الأنبياء، إذ أن الأنبياء كانوا معلمين للبشرية جمعاء، ودورهم حساس ومهم وتقع على عاتقهم مسؤولية جسيمة، وهي مسؤولية التربية (الاخراج من الظلمات إلى النور)، (الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور) 2، فالأنبياء يخرجون الناس من الظلمات إلى النور ويدعونهم إلى الكمال والمحبة، وهم يمثلون الدين الإلهي في الأرض وعملهم التعليم، فهم معلمون للبشرية يربونهم ويعلمونهم كيف يترفعوا عن المراتب الحيوانية ليرتقوا إلى المراتب الإنسانية، فالإنسان له مقامات عديدة أولها مقام الحيوانية. فالإنسان من غير تربية لا يختلف عن الحيوان، بل هو اخطر منه. فالإنسان يرتكب بحق أبناء نوعه من الجرائم مالا يرتكبها أي حوان وحشي.
هدف الأنبياء تربية الإنسان
لقد بعث الأنبياء لينقذوا الإنسان الذي تدنى إلى مرحلة خطيرة تهدده وتهدد البشرية جمعاء، وتربيته والسمو به إلى مستوى الإنسانية بعد أن تدنى إلى مستوى الحيوانية. ومن بعد الأنبياء أنتم أيها المعلمون يقع على عاتقكم الدور نفسه، وفقكم الله تعالى، فعملكم هو إخراج الأطفال من الظلمات إلى النور والتعليم والتربية الإنسانية- الإسلامية، فعليكم أن تنقذوهم من الأخلاق الفاسدة وتلك الأحلام والأوهام التي تجرهم إلى الفساد، وتربيتهم تربية صالحة.
مسؤولية المعلمين الجسيمة
أنتم أيها المعلمون تؤدون عملًا نبيلًا للغاية وهو عمل الله تعالى، وعمل الأنبياء.. تأخذون على عاتقكم مسؤولية جسيمة والتي هي مسؤولية الأنبياء، ولكن الأنبياء نجحوا بعملهم وعملوا بما بعثوا من أجله، والآن جاء دورنا لنعمل برسالتنا، فلو خرج (لاسمح الله) هؤلاء الأطفال من مدارسهم ولم يتلقوا التربية الإسلامية الإنسانية. فإن تبعة ذلك تقع على عاتقكم، فإنسان واحد صالح ربما يستطيع تربية العالم، وشخص فاسد يجر العالم معه إلى الفساد، فالفساد والصلاح يخرجان من أحضان مدارسكم والتربية التي تقدمونها لتلامذتكم.
وجوب الحذر في تربية الأبناء
وتقع على عاتق النساء وظيفة سامية وهي تربية الأبناء، لاتظنوا أبداً أنها وظيفة بسيطة أو قليلة الأهمية، ولكنهم حاولوا الحط من شأن هذا الواجب الإنساني والتقليل من أهميته وحاولوا أيضاً إبعاد هؤلاء الأطفال عن أحضان أمهاتهم وإناطة مهمة تربيتهم الى الغرباء والأجانب، لأنه ليس من مصلحتهم أن ينشأ إنساناً صالحاً ولذلك ابتدعوا أسلوب حضانات الأطفال، تلك الأماكن التي يفصل فيها الأطفال عن أمهاتهم فتنشأ لديهم العقد النفسية والتي تعتبر بداية للمفاسد التي تحصل للبشر، فهذه الحروب التي نشهدها ناشئة عن العقد النفسية لدى الأفراد، وكذلك السرقات والخيانات. تلك كانت مهمتهم، إبعاد أطفالكم عنكم لجرهم إلى الفساد وذلك بأسلوب عدم السماح لهم بالنشوء في أحضان أهاليهم وتكليف الغرباء بتربيتهم ومن ثم إدخالهم الجامعات التي أسسوها هم والتي تسعى الى تحقيق أهدافهم الفاسدة (إخراج لمن النور إلى الظلمات)، وفي النهاية منعهم من الحصول على تربية إنسانية.
أحضان الأمهات أفضل مكان لتربية الأطفال
يعتبر حضن الأم خير مدرسة يمكن للطفل أن يتربى فيها، فما يسمعه الطفل من أمّه غير الذي يسمعه من معلمه، فهو يتقبل من أمه أكثر مما يتقبله من أبيه أو معلمه، ولذلك فإن وظيفة الأم وظيفة إلهية إنسانية نبيلة ألا وهي تربية الإنسان.
خوف الأنظمة الطاغوتية من الإنسان الحقيقي
إن هؤلاء الذين لا يروق أن يوجد إنسان، لأنهم يخشون من الإنسان. فهذه الأنظمة تخشى من الإنسان. فإذا وجد الإنسان بوسعه أن يحدث تغييراً في هذه الأنظمة. إن رضا شاه كان يخاف مدرس «46» أكثر بكثير مما كان يخاف من اللصوص أو قطاع الطرق أو حتى المحاربين، لأن مدرس كان يقف في وجه أعماله الشنيعة، ولذلك حاول التخلص منه في النهاية وقتله. إنهم يخشون علماء الدين لأنهم يعملون على تربية الإنسان السليم وهم لايريدون ذلك، ولهذا حاولوا الحط من شأن تربية الأطفال في أحضان أمهاتهم، وأطلقوا الدعايات بهذا الشأن لدرجة أن الأمهات أنفسهن صدقن ذلك، فأرسلن أطفالنا الأعزاء إلى الحضانات وأبعدوهم عن أحضانهن وهناك تلقوا التربية الشيطانية. ولذلك فإن واجبنا، تربية الإنسان الذي يتصدى للفساد، ويدعم المستضعفين ويتأثر لحالهم. إذ كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكذلك أمير المؤمنين عليه السلام مع المستضعفين المعذبين. كل هذه الأنظمة تقهر المستضعفين وتستغلهم ولا تفكر في خدمة هؤلاء الضعفاء، وقد رأينا طوال الخمسين سنة الماضية كيف أنهم لم يقوموا بأي شيء لخدمة هؤلاء المستضعفين الذين يقيمون في البيوت القديمة المهترئة والتي تنتشر كثيراً في ضواحي طهران وفي جميع أرجاء البلاد. ونحن الآن نريد تعويضهم عن كل ذلك، ولكن ليس بهذه السرعة فتلك الفئات المتمردة تكيد المكائد وتضع العقبات أمامنا ولكن لابد في النهاية أن تتاح لنا الفرصة المناسبة لخدمة جميع أبناء شعبنا. وأنا أطلب من تلك الفئات الكف عن خلق المشاكل والابتعاد عن شبابنا وعن محاولة جرهم إلى الفساد، كما أني متفائل بعدم نجاحهم في ذلك، وأطلب منهم التعقل والعودة الى أحضان الشعب والمجتمع الإنساني.
وأتذر لمعاناتكم في هذا الطقس الحار وضيق المكان. وإنني أحد خَدَمتكم وأرجو أن يتقبل الله سبحانه وتعالى منا هذه الخدمة. والسلام عليكم.
* صحيفة الإمام، ج9، ص: 233,230
1- سورة البقرة، الآية 257.
2- الشهيد حسن المدرس.