الموضوع: مؤامرات الغرب ضد الاسلام، بنهضة الانبياء ضد المستكبرين، ريادة علماء الدين
خطاب
الحاضرون: أسرة الشهيد محمد قراشاهي(قائد كتيبة سقز) والسيد آراسته( مندوب القوة البرية في الجيش) وسيدات( مكتب ولي عصر)
عدد الزوار: 69
التاريخ: 10 شهريور 1358 هـ. ش/ 9 شوال 1399 هـ. ق
الحاضرون: أعضاء الاتحاد الإسلامي للقوة الجوية
بسم الله الرحمن الرحيم
سعي الغرب لمحو هوية الشعوب الشرقية
من المهم لكل شعب أن يشخص آلامه، ويسعى الى معالجتها. وقد عانى شعبنا الكثير على مرّ التاريخ لاسيما منذ أن شق الغرب طريقه نحو الشرق، وخاصة في الخمسين سنة الأخيرة من حكم الأسرة البهلوية المظلم، ومع الأسف إن أغلب فئات الشعب غافلة عن ذلك، فيما يتمادى بعض الخونة في ظلمهم.. على أية حال، إن المرض المستفحل الذي يعاني منه شعبنا يكمن في أن الغرب سعى لجعلنا نشك في قدراتنا، وحاول أن يفرغ شخصياتنا من محتواها، وأن يفهمننا أننا لسنا بشيء، وكل ما في الوجود هو الغرب ويجب أن نستسلم لهم. أتاتورك- لقد رأيت تمثاله في تركيا- كانت يده مرفوعة في الهواء هكذا. قالوا لي أن يده مرفوعة باتجاه الغرب، بمعنى أنه يجب أن تصبح جميع أمورنا غربية! إن أحد الذين كانوا في عهد رضا شاه، وبعده أيضا، وهو شخص معروف لا أريد أن أذكر اسمه، في البداية كان معمماً ( 1) ثم نزع العمامة، وكان عضواً في مجلس الشورى، كان يقول علينا أن نكون بريطانيين في كل شيء! هكذا كان المخطط، بأن يجردوننا من أنفسنا ويمسخوا شخصيتنا لتصبح هويتنا غربية، لدرجة أن نسمي المدارس بالأسماء التي يسمونها هم. وأسماء الشوارع بأسماء غربية، وكذلك صيدلياتنا ومؤسساتنا، فهم يعتبرون هذه الأشياء نوعا من التعظيم. حتى الكتب التي أُلفت في النصف من القرن كان أصحابها يستشهدون بأقوال الغرب فحسب. وإذا أرادوا أن يقولوا شيئاً، فإنهم يتبعون كلامهم بأن فلان قال كذا، ويذكرون اسم أحد الفلاسفة الغربيين. لقد أضاع الكتّاب أنفسهم، وجردونا من ذاتنا، وبدلًا من أن نكون شخصية شرقية إسلامية، أصبحنا شخصية غربية، لقد أضعنا أنفسنا، وبدلًا من العقل الشرقي، أصبح لدينا عقلًا غربياً. وإن لم يستشهد الكتّاب بالمقولات الغربية، لن يلقى الكتاب رواجاً في السوق. حتى الصيدليات، فإن الناس يتجهون إلى الصيدليات التي تحمل أسماء غربية. لقد تحول هذا الأمر إلى مرض في الشرق. وما دام هذا المرض قائماً لن يصلح الشرق وسيبقى متطفلًا، تابعاً. فإذا مرض أحدنا يذهب إلى انكلترا أو فرنسا أو أمريكا اللوزتين، فكانوا في عهد محمد رضا، كانن أحدهم- لا أذكر بالضبط- كان يحتاج إلى عملية اللوزتين، فكانوا يقولون يجب أن يحضروا له طبيباً من الخارج. ليس لأنه لا يوجد هنا أطباء، وإنما الأطباء أنفسهم والمحتاجين إلى الأطباء كانوا تائهين، لا يعرفون أنفسهم، كل ما يعرفونه هو الغرب. الآن أيضاً كل من يمرض، وعلى الرغم من وجود أطباء ماهرين، نفس الطبيب المتخصص الذي يستطيع أن يقوم بالعمل، ولأن عقله أصبح غربياً، يقول سأذهب إلى إنكلترا.
قبل أيام، جاء إلى هنا عدد من الأطباء، وقد تحدثت معهم حول هذا الموضوع، فكانوا يقولون: لا، نحن نستطيع القيام بكل هذه الأعمال، غير أن هؤلاء يفضلون الذهاب إلى الخارج، وهناك أيضاً يوجد أطباء إيرانيون كثيرون، والكثيرين من هؤلاء يعالجون على أيدي الأطباء الإيرانيين أنفسهم! قلت، حسناً، فهذا أسوأ! لأنكم أصبحتم لا تستطيعون أن تفهموا أنفسكم، لقد أضعتم أنفسكم، وتبدلتم إلى أشخاص غربيين. في حين أن الفلاسفة الغربيين أنفسهم محتاجون إلى أن يتعلموا من الفلاسفة الشرقيين. وإن مؤلفات ابن سينا، أظن أنها كانت مرجعا للأطباء الغربيين طوال فترة من الزمن، فكان كتاب القانون ( 2) يدرّس هناك بشكل رسمي إلى وقت ليس ببعيد. إن هذه التحفة الشرقية ذهبت إلى الغرب، الغرب يستفيد منها ونحن نبحث عن أنفسنا ولا نعرف من هو ابن سينا. كل هذا بسبب أنه منذ أن وجد هؤلاء الطريق إلى بلاد الشرق، منذ ثلاثمائة سنة تقريباً- لا أعلم بالضبط لكنه منذ وقت طويل- درسوا كل شيء عن الشرق. جاء متخصصون، من الغرب وبحثوا وحققوا في جميع أماكن إيران وجميع دول الشرق، ويذكر التاريخ الحديث أنهم كانوا يطوون الصحارى على الجمال، هذه الصحارى التي لا يوجد فيها لا ماء ولا نبات يركبون الجمال ويطوفون في تلك المناطق. وإن جانباً من تحقيقاتهم كان من أجل أن يتعرفوا على موارد الشرق، النفط والكبريت والنحاس والحديد، وكيف يمكن الحصول عليها، كانوا يستكشفونها.
دراسات وبحوث المستعمرين في إيران
كنت يوماً في همدان فأطلعني أحد معارفي من ذوي الخبرة- إن ما أقوله الآن ربما حدث منذ عشرين سنة أو أكثر- على خريطة، خريطة همدان وقراها وريفها، عندما فتحها رأيت فيها علامات كثيرة ملونة بألوان مختلفة قلت: ماهذه؟ قال: هذه خريطة للأجانب، هذه العلامات تشير الى الأماكن التي وجدوا فيها شيئا ما، لقد بحثوا في كل الأماكن ومن جملتها إيران، حتى إنهم كانوا يتنقلون مع القوافل على الجمال- لأنه لم تكن السيارات موجودة آنذاك- ويذهبون لدراسة أحوال العشائر بفئاتها المختلفة البختياريون، والبلوش والأكراد. بعضهم كان يذهب إلى هناك ليحقق في أحوال هؤلاء الناس، وكيف يمكن استدراجهم إلى خيمة الاستعمار، والبعض الآخر كان منشغلًا بالبحث في وضع أهالي تلك المدن.
مؤامرات الغرب لإضعاف الإسلام
وكانت حصيلة دراساتهم ككل، أن المجتمع الشرقي يؤمن بالإسلام، وأنه يشكل- هو وأتباعه- عقبة أمام نهب ثرواته. فهم لا يخشون الشرائح التي لا تعتقد بالإسلام، فهي خاوية، وإنما الذي كان يخيفهم هو تلك الشرائح التي تؤمن بالإسلام. ولكن هؤلاء الذين يؤمنون بالإسلام، كيف تعرفوا على هذه العقيدة؟ عن طريق علماء الدين، فهم الذين عززوا لديهم هذا الاعتقاد. كما أن دراساتهم أرشدتهم الى ان هؤلاء الشيوخ في القرى والأرياف بإمكانهم أن يحركوا الشعب متى ما أرادوا.. ماذا يفعلون حتى لا يحدث ذلك؟ كان يلزمهم أن ينفذوا خطتين، وقد تم تنفيذهما في عهد رضا شاه بصعوبة، وبعد أن رأوا أنهم لا يستطيعوا تنفيذها، لجأوا إلى أساليب شيطانية، وهي أن يحطوا من منزلة الإسلام بين شرائح الشعب. فأخذ كتّابهم المأجورون ودعاياتهم المكثفة، تروج الى أن الإسلام انتهى منذ ألف وأربعمائة سنة، قد رأيتم ذلك في الفترة الأخيرة ايضاً، ففي بعض الأحيان لا يتجرأون على الكلام، لكنهم بين الحين والآخر يطلقون بعض الدعايات. لقد كانت هذه إحدى الطرق التي حاولوا من خلالها، تشويه صورة الإسلام في أنظار الناس، فهم يدعون أن الإسلام أصبح قديماً، والآن نعيش عصر التجديد والصواريخ، وفي عصر الصواريخ لا يجب أن تطرح مسائل الإسلام!
مؤامرة الغرب لتضعيف علماء الدين
والمخطط الآخر يدور حول سلب منزلة علماء الدين من قلوب الناس، فهم يدعون أن هؤلاء وعاظ السلاطين، وعملاء لبريطانيا! البريطانيون أنفسهم كانوا يوحون للناس بأن هؤلاء بريطانيين، إنهم بريطانيون منحرفون! هكذا كان يقول هؤلاء المستفيدون. حسناً، في الماضي منذ عشرة أو عشرين سنة، أو أكثر بقليل، كانت بريطانيا معروفة على الساحة، وبعدها أتت أمريكا، وكانوا يعلنون كل فترة أن هؤلاء، وعاظ السلاطين وبريطانيين، وقد جاءوا بهم ليخدروا الناس! لأن الدين أفيون الشعوب كما يزعمون. كالمخدرات، يخدر الناس حتى يسرقوهم علماء الدين فهم أيضاً عملاء بريطانيون!
لقد استهدف هذان المخططان تشويه صورة الإسلام في عيون الناس، وليصبحوا غيرمكترثين بالإسلام، وكانوا يخشون كذلك من أولئك الذين يروجون للإسلام- أي علماء الدين- ولهذا كانوا يسعون للحط من قدرهم، فعندما تسلب هاتين القدرتين (الإسلام وعلماء الدين) من الناس سيعجزوا عن درك واستيعاب أبعاد القضايا والأحداث.
ملامة الكتاب والشعراء الذين سخروا أنفسهم لخدمة الغرب
من ناحية أخرى كان كتّابهم، الذين هم في الحقيقة أسوأ منهم، يمهدون لهم الطريق الى ذلك. وإن أحد شعاراتهم في ذلك العهد يقول، مادام (الشيوخ) و (القاجار) في هذه البلاد، فأين ستتجه البلاد بهذا العار! لقد كانوا يرون وجود علماء دين عاراً. علماء الدين الذين يدافعون عن الإسلام عار لهم. لقد صوروا الأمر بأن العرب جاءوا لإحتلال ايران، وأن الإسلام انتصر على إيران، وعندها أخرجوا مناديلهم وشرعوا بالبكاء! لماذا؟ لأن الإسلام أتى وسيطر على إيران!! لقد بكوا في مجلس عام، وهيأوا الأمور لدرجة أن جعلوا الناس يبكون على إيران، لأن الإسلام دخل إيران! وقد فعلوا كل ذلك حتى يخيفيوا الناس من الإسلام. والآن ايضاً وحيث أنا جالس هنا وصلتني رسائل تقول أن الإيرانيين ثاروا على الأكراد بأمرٍ مني، كل هذا لأن (الحزب الديمقراطي) قام بإثارة الفتنة بيننا وبين الأكراد، لأنه رأى أن مهاباد تذهب من يده، ولأنهم رأوا هزيمتهم قر قربت ووصل الأمر بهم الى اصدار منشور وأرسلوا نسخ منه للعديد من الصحف، يذكرون فيه بأن الإيرانيين يسعون للقضاء على الأكراد. في حين أن الجميع يعلم بأن القوات المسلحة الإيرانية جاءت لتخليص الأكراد من أعدائهم ممن لا يريدون الخير للشعب الكردي. لأننا نعلم دائماً أن الأكراد هم إخواننا. ورغم كل هذا يزعمون بأننا علينا أن لا نعامل الأكراد بهذه الطريقة ويبعثون للمهندس بازركان البرقيات بذلك. إنهم يريدون أن يؤججوا الأوضاع بما يخدم منافهم. إنهم أنفسهم الذين كانوا يروجون الى أن الإسلام أفيون الشعوب، أفيون الطبقة المستضعفة، حتى يستطيع المستثمرون أن ينهبوا هذه الطبقة دون أن تعلم، متناسين أن التاريخ جلياً أمام الجميع، والجميع يعرفون تاريخ الإسلام ( 3)، فكلامهم هذا يدل أنهم ضد فكرة الدين بالأصل وليسوا ضد الإسلام فحسب.
الأنبياء جميعاً كانوا من الطبقة المستضعفة
إن جميع الأنبياء- كما تعرفون- كانوا من الطبقة المستضعفة وحرضوا الطبقة المستضعفة على القيام ضد المستكبرين. حيث نرى أن النبي ابراهيم وأتباعه من الطبقة المستضعفة، وقد ثاروا ضد نمرود ( 4) وحطموا معابدهم وأصنامهم التي كانوا يفتخرون بها. كما أن النبي موسى كان راعياً وكانت أداته عصاة، وهو من هذه الطبقة المستضعفة. وقد حضها على القيام ضد فرعون وحاشيته، ولم يخدر هذه الطبقة لينهبها من يشاء كما فعل فرعون وأتباعه، بل أيقظهم حتى يقاتلوا من ينهبهم. وكل هذا يفند مزاعم كتابنا الخونة والكتاب الأجانب الأكثر خيانة، بأن الدين أفيون الشعوب وأن الأنبياء أتوا ليخدروا الشعوب بهذا الأفيون، وينهبوا الطبقة المستضعفة النائمة. ولكن إذا ما عدتم إلى تاريخ الأنبياء، فسترون عكس ذلك، بمعنى أن زمام الأمور كانت بيد المستكبرين، وقد بعث الله في كل عصر نبياً من الطبقة المستضعفة، الرعاة أو غيرهم، ليثور ضد المستكبرين ويهزمهم كما حصل بين موسى وفرعون.
دفاع نبي الإسلام عن المستضعفين
وأما بالنسبة للإسلام حيث إن تاريخه ليس ببعيد عنا، فإن سيرة النبي الأكرم معروفة لدى الجميع، ومعروف من هم أعداؤه وماهي حروبه ومع من حارب، إن النبي الأكرم كان في مكة المكرمة من الطبقة المستضعفة، طبعاً كان صلى الله عليه وآله وسلم من الأشراف بمعنى من (سادات) ذلك الوقت، وكلمة أشراف لا تعني أنه كان من الأغنياء، بل كان فقيراً. من طبقة الفقراء. وعاش عمره كله فقيراً، ومع ذلك انجز كل هذه الأعمال. وقد عارضه أشراف مكة وأغنياؤها وأصحاب القوافل وغيرهم، إلى درجة أنه لم يعد بمقدوره أن يواجه الناس، فذهب إلى الغار، وحبس نفسه هناك وتفرغ للعبادة. كما اصطحب معه آخرين، وحينما رأى أنه ليس بوسعه مواجهة قوتهم قرر الهجرة الى المدينة بعد أن بايعه أهلها. وهناك لم يجلس عند أحد من طبقة الأغنياء بل بقي مع الفقراء. ولم يكن مسجد الرسول مثل مساجدكم هذه، كان سقف مسجده المبارك من سعف النخيل، وجدار من طين لئلا تدخل الحيوانات إليه، وفي هذا المسجد تم بناء صرح الإسلام، لقد كان متواضعاً ولم يكن ذا قبة عالية وبناء فاخر، ولكنه في الوقت نفسه كان مركزاً لانتصار المسلمين على الفرس والروم مع أن ذلك لم يكن بالأمر السهل. كان رسول الإسلام من الطبقة المستضعفة، وفي المدينة لم يكن أصحالبه يملكون بيوتاً، كانوا ينامون في المسجد ويقال عنهم، أصحاب الصفة. وعندما كانوا يتوجهون إلى الحرب كانت مجموعة منهم تملك سيفاً واحداً وأخرى تملك جملًا واحداً، هكذا كان وضعهم، ومقابل من..؟! مع من كانت حروب الرسول..؟! هل أتى الرسول ليخدر الطبقة المستضعفة..؟! أم أنه أتى ليحرضها على النهوض ضد مستعبديها؟ لقد كانت حروب الرسول جميعها ضد طبقة المستكبرين والاقطاعيين والأغنياء وأصحاب النفوذ.
لقد بعث الرسول رسائل إلى ملوك إيران والروم والاقباط ( 5)، وهي رسائل معروفة، دعاهم فيها الى اعتناق الإسلام، وليس الى تخدير الناس وتغييب وعيهم. فهل قراءة القرآن تخدير؟ رغم كل ذلك، ومع وجود القرآن في بيوت جميع المسلمين وعلى مرآهم ورغم أنه مليء بالآيات التي تحض على الجهاد ضد المستكبرين وتحريض الطبقة المستضعفة ضدهم، ورغم كل ذلك يقولون بأن الإسلام أتى ليخدر الناس والطبقة المستضعفة، ويدافع عن المستكبرين لينهبوا كما يحلو لهم!.
العلماء سباقون في النضال ضد المستكبرين
لنتطرق قليلًا إلى علماء الدين، حيث يقول البعض عنهم وعاظ السلاطين. إنكم تذكرون- فنحن من عمر واحد- أنه ومنذ أن جاء رضا خان وحتى اليوم، كم من الانتفاضات حدثت؟ ومن الذي قام بها؟ من الذي قاد تحرك الجماهير ضد الظلم والاستبداد، من بين كل هذه الفئات بدءً بالمثقفين وانتهاءً بالكتّاب والاحزاب؟ من الذي قاد انتفاضة آذربيجان؟ ومن هم علماء آذربيجان: المرحوم الميرزا صادق آغا ( 6)، والمرحوم انكجي ( 7)، وآخرون. ومن قاد انتفاضة أصفهان؟ المرحوم الحاج آغا نور الله ( 8). لا بد أنكم لاحظتم أن علماء الإسلام أتوا إلى هنا وحرضوا العلماء الآخرين ضد رضا خان. فمن قام بثورة خراسان؟ علماء خراسان. المرحوم يونس ( 9)، المرحوم آغا زاده ( 10)، وأمثالهم. وبعد ذلك ثارالسيد قمي ( 11) بشكل منفرد حيث أتى إلى مرقد السيد عبدالعظيم الحسني ونحن كنا هناك في ذلك الوقت، ولكن السلطة قمعت هذه الانتفاضات لأنها كانت تتمتع بالسطوة والجبروت. لقد أخذوا علماء آذربيجان ونفوهم إلى سقّز، وبعد ذلك- بعد مدة من الزمن- سمحوا للمرحوم ميرزا صادق آغا أن يأتي إلى قم حيث توفي فيها. كما ألقوا القبض على علماء مشهد جميعهم، وسجنوهم في طهران. وكان المرحوم آغا زاده من العلماء المبرزين هناك. كنت أرى منزله المتواضع، حيث كان وحيداً وقد وضع تحت المراقبة، ولذلك لم يكن أحد يستطيع أن يتصل به، كانوا يأخذونه إلى المحاكم.. وفضلًا عن ذلك، من الذي كان اكثر نشاطاً داخل مجلس الشورى الوطني؟ إنه السيد حسن المدرس. هؤلاء هم علماء الدين على خلاف ما كان يقال عنهم بأنهم من صنع البلاط الملكي. من الذي كان يحرض الشعب خلال الخمس عشرة سنة الأخيرة؟ إنهم هؤلاء العلماء. واليوم ايضاً حيث نحيا تحت ظلال الجمهورية الاسلامية، فإن علماء الدين هم الذين يحرصون على قطع دابر هؤلاء الخونة ولا يسمحوا لهم بنهب خيرات هذا البلد والنفوذ الى مؤسساته. علماء الدين الذين يعرفون الحلال والحرام ويحافظون على بيت المال. حتى أنه عندما خصص للعلماء مبلغاً من المال في مجلس الخبراء، رفضوا ذلك وقالوا ماذا نفعل بهذا المال، لدينا ما يكسينا ويطعمنا، فلا حاجة لنا به، هكذا قال العلماء. إن نفس هؤلاء العلماء الذين تقولون عنهم كذا وكذا، عندما خصص لهم مبلغ عشر ملايين، اعترضوا وقالوا ماذا نفعل بهذا المال. وعندما أرادوا أن يهيئوا لهم مكانا جيداً ومجهزاً بالأسرّة و...، قالوا، ما حاجتنا إلى هذا؟ إن بإمكاننا أن نعمل في المجلس وإذا حان وقت النوم نتغطى بعباءتنا وننام. أما الشاه وأعوانه فلم يرضوا بذلك، بل يسعون الى ملء جيوبهم بالمال إلى درجة يحتارون ماذا يفعلون به! وينقلوا ثروات البلد إلى الخارج، ليس فقط المال بل الثروات الثمينة أيضاً، لكي يترفهوا بها هناك. ومن الأشياء التي سمعتها في باريس، وبقيت عالقة في ذهني، قول أحدهم، أن أحد أفراد أسرة الشاه محمد رضا- لا أذكر أيهم الآن- كان يملك قصراً لا أعلم كم سعره ولكن الذي أعلمه أنه دفع ستة ملايين دولار لتزيينه بالزهور.. ستة ملايين دولار من أجل الزهور!! هكذا كان يعيش هؤلاء، كما أن المقربين منهم في كردستان كانوا كذلك، وقد استغفلوا إخواننا الأكراد. إنهم يريدون أن تسير الأمور بهذا الشكل، ينهبون ثرواتكم ليشتروا به قصوراً، ويدفعوا خمسة ملايين دولار من أجل الزهور. إنني لا أذكر كم كان ثمن البيت نفسه، ولكنني أذكر كم من المال انفق على تزيينه بالزهور. ولا تنسوا أن كل سنة، كانت هذه المسألة تتجدد.
مؤامرة الغرب، تضعيف الإسلام ورجاله
على كل حال، خططوا لكل ذلك وجردونا من ذواتنا، ومن قوة الإسلام، وعلمائه لقد سلبونا أنفسنا. وسائل الإعلام، التعليمات، كلها صارت استعمارية، وتعمل على مسخنا.
كانوا يريدون أن يسيطروا على شيئين، ولكن بحمد الله، لم ينجحوا، الأول: الإسلام الذي كان يخيفهم، والثاني: خَدَمة الإسلام وهم علماء الدين، ففي عهد رضا شاه، قمعوهم على نطاق واسع إلى درجة أن الشعب نفسه ثار ضد طبقة العلماء، فئات كثيرة من الشعب ثارت ضدهم، لقد استخدموا شتى الوسائل، لتضليل الناس واقناعهم، وعندما رأوا أنه لا فائدة من ذلك، لجأوا إلى الدعايات الكاذبة ضدهم هذه كانت أساليبهم.
العودة إلى الهوية الإنسانية والقيم
وبحمد الله جاءت الثورة الإسلامية في إيران لتقضي على كل ذلك.. وأنا متفاءل للغاية، ليس لأننا انتصرنا على محمد رضا، وهذا ليس بقليل طبعاً، بل عظيم جداً، وليس لأننا انتصرنا على الغرب والشرق، بل لأن ثورتنا ثورة إنسانية، ففي هذه الثورة عرف الناس أنفسهم، نساءنا عرفن أنفسهن.. ماذا يعني ذلك؟ يعني أنهن فهمن قدرهن، فقد عمل النظام البائد على مسخ النساء وتغيير وظائفهن الحقيقية.. لقد عملوا على تحويلكن إلى شخصيات غربية، أدوات التجميل يجب أن تأتي من الغرب، الأزياء، يجب أن تأتي من الغرب. كل يوم يأتي زي جديد وأنتم لا محال ستشترون الجديد وتنزعون القديم. كانت جميع احتياجاتكم تأتي من الغرب. والإعلانات تروج لذلك، والجميع وقف مكتوف الأيدي أمامه. كلما صدر زي جديد في بريطانيا، كان الجميع هنا يخلعون الزي القديم ليحضروا ذلك الزي الجديد. كثيراً ما كان مصممو الأزياء يأتون من دول أخرى لي يخيطوا قميصاً ل- (فرح) ( 12)، أو صنع تاج لها، أموال طائلة كانت تدفع لحياكة قميص! والمدهش أن فرح ذكرت في إحدى لقاءاتها: إننا نعطي لباس أولادنا الكبار للصغار عندما يكبرون! وقد نشر ذلك في الصحف المحلية. إن الذي يبعث ليأتي بمصمم كي يصمم له زياً وينفق مائة وخمسون ألف تومان- لا أعلم بالضبط كم كان المبلغ- من أجل قميص، كيف سيكون تعامله مع شعبه؟!. حتماً إنه يعمل على تخديره، وليس علماء الدين الذين يفعلون ذلك.
إن هؤلاء يخافون من علماء الدين، لأن علماء الدين يعملون على إيقاظ الناس. وهؤلاء يخافون اليقظة، والإنسان الواعي. ولو أن علماء الدين كانوا يريدون تخدير الناس، وتعطيل عقولهم، لكان رضا شاه أول من يجللهم، لا أن يحط من قدرهم، لدرجة أن لا يسمح لهم سائقو سيارات الأجرة بركوب سياراتهم، فالسائقون لا يقبلون أن نركب سيارات الأجرة، وقد قال أحد السواق: إنني عاهدت الله على ألا أحمل فئتين من الناس، المومسات وعلماء الدين.
* صحيفة الإمام، ج9، ص: 316,309
1- حسن تقي زادة.
2-( القانون في الطب)، تأليف ابو علي سينا.
3- إشارة إلى تاريخ الإسلام العظيم الذي نصر المستضعفين على المستكبرين.
4- ملك بابل الذي ادعى الإلوهية، وألقى بإبراهيم الخليل في النار.
5- مصر.
6- الميرزا صادق تبريزي، من مراجع التقليد لأهالي محافظة اذربيجان، قاد انتفاضة علماء آذربيجان ضد رضا خان، وبعدها تم نفيه الى قم وقضى عمره هناك.
7- الميرزا ابو الحسن انكجي، من قادة انتفاضة علماء آذربيجان ضد رضا خان وقد تم نفيه الى سنندج ثم قم وتوفي في تبريز.
8- من المجتهدين المعروفين في أصفهان، تزعم عام 1306 هجري نحو مئة شخص من علماء أصفهان ومجموعة أخرى من بية أنحاء البلاد، احتجاجاً ضد القوانين والأحكام غير الإسلامية في عهد رضا خان. توفي في عام 1306 هـ. ش في ظروف غامضة، وعندها تفرق المنتفضون بعد أن مات قائدهم.
9- السيد يونس اردبيلي، أحد كبار مراجع الدين، توجّه الى مشهد سنة 1303 هـ. ش للنضال ضد استبداد رضا خان، وقد قبض عليه بعد واقعة مسجد كوهر شاد. وعاد ثانية الى مشهد في سنة 1361 هجري قمري وتوفي فيها.
10- الميرزا محمد( آغازادة) نجفي خراساني، نجل الشيخ الخراساني، شارك في عدد من الانتفاضات ضد رضا خان، وبعد ذلك قيل أنه قتل على يد أعوان السلطة.
11- آغا حسين قمي من العلماء البارزين.
12- فرح ديبا، زوج محمد رضا بهلوي.