الموضوع: التحرر من التبعية للغرب، التعريف بأيام الله
خطاب
الحاضرون: مختلف فئات الشعب
عدد الزوار: 47
التاريخ 17 شهريور 1358 هـ. ش/ 16 شوال 1399 هـ. ق
المكان: قم، المدرسة الفيضية
المناسبة: ذكرى مذبحة 17 شهريور
الحاضرون: مختلف فئات الشعب
بسم الله الرحمن الرحيم
هدف بعثة الأنبياء
يقول الله تعالى في كتابه العزيز أننا أرسلنا موسى إلى قومه (أن أخرج قومك من الظلمات إلى النور وذكرهم بأيام الله) ( 1) فالله تعالى أمر موسى بأمرين الأول: أن يخرج الناس من الظلمات إلى النور، والثاني: (ذكرهم بأيام الله). كل الأنبياء مبعوثون ليخرجوا الناس من الظلمات إلى النور، يقول الله جل وعلا في موضع آخر: (الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور، والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات). ( 2) إن الله وضع الطاغوت في الموضع المقابل له وبين عمله، وهو إخراج الناس من النور إلى الظلمات، في حين أن الله تبارك وتعالى ولي المؤمنين يخرجهم من الظلمات إلى النور، ظلمات الضياع والبعد عن الله، هذان موضوعان متقابلان: إخراج من الظلمات إلى النور، إخراج الشعب من الظلمات وأنواع الجهالات إلى النور، وفي المقابل العمل على إخماد ذلك النور وجعل الناس في الظلام، هذا عمل الطاغوت وذلك أمر الله.
التغرب والظلام
كل الأمور الباطلة مثل الخداع والخيانة والمكر ظلمة، وكل أنواع التخلف، وكل التوجهات إلى عالم الطبيعة وأنواع التبعية للغرب، ظلمة، وأولئك الذين يتوجهون للغرب ويجعلونه قبلة آمالهم هم غارقون في الظلمات ووليهم الطاغوت. الشعوب الشرقية بوساطة وسائل الإعلام الداخلية والخارجية وبمساعدة العملاء المحليين والأجانب أصبح الغرب بالنسبة لهم قبلة الآمال وأضاعوا بذلك أنفسهم وجهلوها، أضاعوا مفاخرهم ومآثرهم وخسروا أنفسهم وضيّعوها ووضعوا عوضاً عنها أدمغة غربية. الطاغوت ولي هؤلاء يخرجهم من النور إلى الظلمات. وكل مآسي الشعوب الشرقية، كل آلامنا ومشاكلنا هي لأننا ضيعنا أنفسنا وأجلسنا شخصاً آخر مكانها. ولهذا ترون في إيران أن الأشياء إذا لم تتسمى بأسماء غربية فإنها لا تلاقى رواجاً، الصيدليات والمعامل التي تحيك النسيج يجب أن تعطي للأقمشة أسماء غربية وتزينها بكلمات وأحرف لاتينية، شوارعنا يجب أن تسمى بأسماء غربية، كل مالدينا ينبغي أن يكون ذو طابع غربي. هؤلاء الكتّاب والمتنورون عندما يريد أحدهم أن يكتب كتاباً يجعل عنوانه غربياً أو أنهم يستشهدون بأقوالهم، ولكن العيب هو أنهم متغربون ونحن أيضاً وافقناهم على ذلك. فإذا لم نر ذلك الاسم الغربي على الكتاب أو الصيدلية أو الأقمشة فإننا لا نهتم بها، وأول كتاب نلتفت إليه ويثير انتباهنا عندما ندخل المكتبة مثلًا هو ذلك الذي يحمل اسماً غربياً ويحتوي على ألفاظ غربية. نسينا ألفاظنا ولغتنا ومفاخرنا دفناها واستعرنا بديلًا عنها من الغرب. هذه كلها ظلمات بعضها فوق بعض والطاغوت هو الذي أدخلنا فيها.
النظام البهلوي وراء نشر الثقافة الغربية
طاغوت زماننا نشر التغرب بيننا بشكل كبير، ونسب للغرب كل شيء. أخذ كل شيء من الغرب وحملنا إياه. كل المفاخر والمآثر أخذها من الغرب، جامعاتنا في ذلك الزمان كانت جامعات غربية وكذلك اقتصادنا وثقافتنا، نسينا أصالتنا ونسينا أنفسنا بالمرة ووضعنا عوضاً عنها موجودات غربية، فمجرد أن يمرض أحدنا يقول يجب أن أذهب إلى بريطانيا، إلى أوروبا، على الرغم من وجود الأطباء ووفرتهم عندنا.
وتحضر في ذهني الآن هذه الواقعة، وهي أن أحد أفراد أسرة محمد رضا المخلوع الملعون أصابه مرض في لوزتيه فأرسل إلى أوروبا يطلب طبيبا لإجراء العملية له، في حين أن عملية اللوزتين بالنسبة لأطباء إيران عملية سهلة للغاية، فماذا يفهم العالم من عمل كهذا؟ أن أحد الأشخاص على رأس إحدى الدول وصل إلى سدة الحكم قهراً ويطلق على نفسه بأنه (ملك الملوك) لا يعتقد أو لايثق بوجود طبيب لوزتين في إيران. أية لطمة يوجهها لطب إيران وأطبائها بعمله هذا، أية خيانة لهذا الشعب تلك التي يروج لها في العالم بأنه لايوجد طبيب لوزتين في إيران، أية معونة يقدمها للاستعمار والغرب وأية كرامة تمتهن لشعبنا بهذا العمل، الناس أيضاً في ذلك الوقت كانت عيونهم على ذلك، وكانوا ينظرون إلى هذا الرجل ماذا يفعل؟! وصار أحدهم بمجرد أن يمرض يفكر بالذهاب إلى مشافي الغرب في الوقت الذي لا ينقصنا الأطباء. في أيام الشباب أتذكر أنه كانت عيني ضعيفة- والآن أيضاً ضعيفة- وفي ذلك الوقت كان أمين الملك رحمه الله طبيب عيون، ذهبت إلى طهران لمعالجة عيني وفي طهران كان أحد الأشخاص يعرف أمين الملك ويعرفني أيضاً فقال لي: لنذهب عند أمين الملك ونقل لي- أن ذلك السيد نقل له- أن المسؤول الفلاني كانت عينه ضعيفة فذهب إلى أوروبا للعلاج عند بعض الأطباء، فسأله الطبيب الأوروبي: من أين أنت؟ فأجاب: من إيران ومن طهران، فقال له: أليس أمين الملك هناك؟ فقال بلى، فقال له: أمين الملك في مثل هذه العمليات أفضل منا. أجل، عندنا أطباء جيدون ولكن عقولنا أصبحت عقولًا غربية. أطباؤنا أنفسهم أصبحوا هكذا عندما تذهب إليهم يقولون لك: يجب أن تذهب إلى أوروبا. لقد أضاعوا أنفسهم وبدلوا عقولهم بأخرى غربية. أضاعوا قدرهم واعتبارهم وهويتهم، وأضعنا نحن أنفسنا أيضا.
الاستقلال مرتهن بالتحرر من التبعية
إذا لم يتخلص هذا الشعب من التبعية للغرب لن يحقق استقلاله، إذا لم يغيّر كتّابنا انتماءهم للغرب، فكتبهم مشحونة بالتغرب، وحتى في مسائلنا الوطنية عندما يريدون أن يبينوها نجدهم يستشهدون بقول فلان الأوروبي وفلان الأجنبي. إذا لم تغيروا انحيازكم للغرب فإنكم لن تجدوا استقلالكم، إذا لم تقطع هؤلاء النسوة تعلقهمن بالغرب- لاأقول أنتم، أنتم العامة من الناس- بل أقصد النساء اللواتي يتطلعن لسريان الحياة الغربية في بلادنا، الأزياء يجب أن تأتي من الغرب وكذلك الأثاث الفلاني والأدوات المنزلية الأخرى، كل شيء يرونه هناك يقلدوه هنا. إذا لم تتخلصوا من هذا التقليد فلن تصبحوا مستقلين ولن تكونوا شعباً محترماً، وإذا أردتم أن تصبحوا شعباً مستقلًا له سيادته وكرامته، عليكم أن تكفوا عن تقليد الغرب. وطالما أنكم غارقين في التقليد فلا تتمنوا الاستقلال، وطالما أن كلام كتّابنا كله غربي ولم يحاولوا أن يخرجوا أنفسهم من ذلك الهوس، فلا تطمعوا بالاستقلال، وكذلك الشوارع والصيدليات والكتب والأقمشة وكل ما لديكم يحمل أسماء غربية، اللهم إلا المساجد وذلك لأن رجال الدين بحسب شخصيتهم لا يناسبهم هذا الشيء وإلّا فإن كل شيء كان سيحمل اسماً غربياً. أولئك الذين يكتبون يجعلون اسم كتابهم غربياً وأنتم أيضاً الذين تريدون أن تقرأوا وأولئك الذين يريدون أن يقرأوا، إذا لم يكن الاسم غربياً لن تقبلوا على اقتنائه. (والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت) هؤلاء الكفار يكفرون بنعم الله، الواقع مستور أمامهم وهم في الظلمة والكدورة أولياؤهم الطاغوت.. ما هو عمل الطاغوت (يخرجهم من النور إلى الظلمات) يخرجهم من النور المطلق من الهداية من الاستقلال من الهوية من الإسلام، ويدخلهم في الظلمات تلك الظلمات التي تكلمنا عنها.
الشرق يجب أن يستعيد ذاته
نحن الآن أضعنا أنفسنا، أضعنا مآثرنا ومفاخرنا، إذا لم تلتفتوا إلى هذا الضياع فلن تتمتعوا بالاستقلال. ارجعوا وابحثوا عن ذلك الضائع، ابحثوا عن الشرق. وطالما أننا هكذا، طالما أن كتّابنا على هذه الشاكلة والمتنورين عندنا يفكرون بهذا الشكل، وطالما أن طلاب الحرية يريدون حرية مستوردة على النمط الغربي وهي موجودة هنا، فإننا لن نجد استقلالنا. يصيحون: الاختناق! الكبت! لا توجد حرية!! ماذا حصل حتى فقدت الحرية؟ إنهم يقولون: (رجال الدين لا يسمحون أن يذهب الرجال والنساء معاً إلى البحر ويلهوا ويسبحوا مع بعضهم، ولا يسمحون أن يذهب شبابنا إلى الحانات ويتمتعون بحريتهم ولا إلى دور القمار، لا توجد حرية!! إنهم لايسمحون أن تظهر النساء عاريات على التلفزيون بذلك الوجه الوقح والفاضح وينشغل بهم أطفالنا وشبابنا).
الحرية الواردة من الغرب مخدرة لأفكار الشباب
هذه الحرية التي أتتنا من الغرب (حرية استعمارية) أي أملتها الدول الاستعمارية على الخونة الذين يروجون لها هنا، أولئك الذين ينادون بها ويدعون للتحرر ويتعاطون المخدرات ويرتادون دور القمار ومراكز الفحشاء وصالات السينما، والنتيجة هي زرع اللامبالاة في نفوس الشباب تجاه أمتهم وشعبهم، بدلا من أن يكون لهم الدور الأكبر في تقرير مصير بلادهم والمساهمة في رقيه. لقد أصبح كل همّهم أنه متى يأتي الليل ونذهب للسينما، أو متى يأتي الصيف ونقصد البحر هذا كل ما يتطلعون إليه. إن إنساناً مخدراً لا يمكن أن يكون تفكيره من أجل مصلحة البلد، وإنساناً تعوّد على استماع الغناء لا يستطيع أن يكون مفيداً لبلده. وأولئك الذين يروجون للغناء والفحشاء وسائر الأعمال التي تؤدي بشبابنا للتهلكة هم عملاء للأجانب سواء علموا بذلك أو لم يعلموا. وسواء كانوا دمية بيد الغرب أو لم يكونوا، فإن نتيجة عملهم، إلهاء الشباب عن التفكير بما يهمهم ويهم بلدهم، فالتفكير بما يجري لهذا البلد، أو ماذا تخطط الدول لهذا البلد، أو ماذا عمل محمد رضا بهذا البلد، خارج عن نطاق اهتمامهم، فعقلهم برمته أصبح عقلًا غنائياً لهوياً، حل محل العقل الموضوعي الذي يزن الأمور بجدية. ينبغي على المرء أن يلتفت إلى نفسه قليلًا وينظر إلى مآله ولكن هذا التفكير سلبوه من عقل الشباب، يجب أن نعترف أن هذه الحرية" حرية استعمارية" وهي غير الحرية التي ينبغي أن تكون لدينا. هذه الحرية هي التي جذبتنا نحو الغرب، وجعلتنا على ما نحن عليه الآن وجعلت شبابنا هكذا. لقد عودوا الشباب على اللهو والفسق الذي يمارسونه في صالات السينما والمسارح، وسلبوا منهم التفكير في نفطنا وغازنا وثرواتنا، أين تذهب. ماذا سأعمل؟ دعني ألهو وألعب، ألست عاطلًا عن العمل؟! فلأصرف وقتي في هذه الأمور التي أحبها. عملوا على نشأتنا بهذا الشكل، أولئك الكتّاب عديمي الإنصاف، لا يريدون لشبابنا أن يستقيموا ويهتدوا للصواب، ولا يريدون أن يروجوا للحرية الحقيقية الصالحة لمجتمعنا، وبالوقت نفسه يعملون جاهدين على كافة المستويات من أجل نشر الحرية الفاسدة.
أُمر موسى عليه السلام (أن أخرج قومك من الظلمات إلى النور)، لقد كانت هذه مسؤوليته ومسؤولية كل الأنبياء، وهي إخراج قومهم من الظلمات، ومن تلك الأمور المخالفة لمسيرة الإنسانية ومخالفة لهوية الأمة، إلى النور، نور الوحي وجعلهم نورانيين، فالقلب النوراني لا يستطيع أن يرى مآثره ومفاخره تطأها الأقدام ويبقيساكتاً، القلب النوراني لا يستطيع أن يرى شعبه يرضخ بالذل والناس في أطراف طهران يعيشون حياة البؤس والتشرد ولاينبس ببنت شفة.
وأولئك يريدون أن يوجهوكم حسب أهوائهم بحيث لا تسألون عما يفعلون ولا تتساءلون عن بؤس البؤساء، ولا عن نفطنا ومن يحرمنا إياه، ومن يستفيد منه، ولاتفكرون بهذه المعاناة التي يعيشها شعبنا. أنتم الآن لا تلاحظون النور الذي دخل قلبكم، ولكن يجب أن تلاحظوا أنه قبل خمس عشرة أو عشرين سنة لم تكن هناك مقاومة بالمرة في وجه أولئك الذين كانوا ينهبون ثرواتنا، وإذا كان هناك بعض الاحتجاج أحياناً، فإنه لم يكن لا في مجالسنا ولا في مساجدنا ولا في جامعاتنا ولا في أي مكان.
كلام حول أيام الله
الأمر الثاني الذي أمر به الله تبارك وتعالى النبي موسى عليه السلام: (وذكرهم بأيام الله) كل الأيام لله ولكن لبعض الأيام خصوصية معينة ولهذا دعيت ب- (أيام الله)، مثل اليوم الذي هاجر فيه النبي الأكرم إلى المدينة، ويوم فتح مكة. ومن أيام الله أيضاً اليوم الذي تجلت فيه قدرة الله على ذلك اليتيم، حيث رفضه الجميع ولم يستطع أن يعيش في وطنه أو بيته وبعد مدة كان فتح مكة على يده. وكل أولئك الجبارين الظلمة والأغنياء وأصحاب النفوذ أصبحوا تحت سلطته، وقال لهم قولته المشهورة: (اذهبوا فأنتم الطلقاء) ( «3). ومن أيام الله أيضاً اليوم الذي سل أمير المؤمنين سيفه في وجه الخوارج المفسدين في الأرض، الذين كانوا بمثابة الغدة السرطانية في المجتمع، وفرق جمعهم. ومظاهر القداسة التي كانت تجللهم والثفنات على جباههم من أثر السجود، لم تحل دون ضلالهم وتخبطهم في الغي. وبعد أن كانوا في جيش أمير المؤمنين قاموا ضده وأقدموا على قتله عليه السلام. ومن أجل تلك الوقائع التي حدثت في صفين، رأى أمير المؤمنين عليه السلام أنه إذا بقي هؤلاء، فإنهم سيفسدون على الناس رأيهم لذا قام بقتلهم جميعاً، إلا من لاذ بالفرار. الأيام التي ينزل الله فيها عقابه على الأمم لتنبيهها، كأن يصيبهم بالزلزلة أويبعث عليهم السيل أو يفرقهم بالطوفان، يريد بذلك أن يسوقهم لطريق الإنسانية، هي من أيام الله، ومرتبطة به سبحانه وتعالى.
أيام الله: 15 خرداد و 17 شهريور
15 خرداد كان من أيام الله، حيث استطاع الشعب الإيراني الأعزل أن يواجه قوة الشاه ويضطرها لإعلان الأحكام العرفية لمدة خمسة أشهر. إن الشعب الذي لم يملك أي قدرة ولم يكن منظماً ولا واعياً بعد. انهزم في هذا اليوم، ولكن الهزيمة كانت ظاهرية فحسب، وإلّا فإن هذا اليوم شكل الانطلاقة لانتصار هذا الشعب. وفي مثل هذا اليوم- 17 شهريور- من السنة الماضية خرج الشعب بنسائه ورجاله بشبابه وشيبه من أجل إحقاق الحق. قاوم وضحى بدمه. لقد كان هذا اليوم- 17 شهريور- من أيام الله أيضاً، فلتتذكروا هذه الأيام ولا تغب عن ذهنكم، فهذه الأيام هي التي صنعت الرجال، وأخرجت شبابنا من بيوت الدعارة والفحشاء إلى ميدان القتال. هذه الأيام الإلهية نبهت شعبنا وأنذرته بالخطر المحدق به، فاستيقظ ووعى ما يجري حوله. يأمر الله تعالى: (ذكرهم بأيام الله) اذكروا هذه الأيام ولا تنسوها. هذه الأيام الكبيرة التي مرت على شعبنا، (أيام الله) مثل 15 خرداد و 17 شهريور. وذلك اليوم الذي فرّ فيه الخبيث ( 4) كان من أيام الله أيضا، اليوم الذي هزم فيه الشعب الأعزل قوة مدججة بالسلاح، ولم تقم لها بعد ذلك قائمة. لم تكن قوة الشاه وحدها وإنما قوة الدنيا كلها وقفت معه ضدكم- وأنا كنت عارفاً بذلك- لقد وقفت قوى الاستكبار كله لتسانده أولًا، ومن ثم تقف الى جانب وريثه بختيار، حيث وقفوا معه وعملوا على حراسته. لقد عملت أمريكا كل ما بوسعها لتحفظ الشاه، ولما فرّ من البلاد قدمت دعمها لبختيار. وقد قامت بإرساله الينا بحجة أنه منا ومن أبناء هذا الشعب، ولكنه في الحقيقة كان عميلًا لهم، ولا تستبعدوا أن يولوا الرعاية لأحدهم مدة عشر أو خمس عشرة سنة، عشرين سنة بحجة الوطنية، وكلها وطنية كاذبة، يحفظونه سنوات طوال ليأتي اليوم الذي يستفيدون منه. ومن الممكن أن يبقى أحد في المسجد منقطعاً للصلاة والعبادة عشرين سنة حتى يأتي يوم يعمل فيه لمصلحتهم. ومن الممكن أيضاً أن يدعي أحدهم الصداقة والوطنية ويسب الأجانب ويكتب المقالات ضدهم، حتى يتمكن من الدخول في قلوب الناس ومن ثم يأتي يوم ويظهر فيه على حقيقته وأنه جاء لرعاية المصالح الأجنبية، لاتستبعدوا ذلك أبداً. بل هذا ما حدث ووقع فعلًا ورأيتم بأنفسكم، قالوا لنا لا تذهبوا الآن إلى إيران فما زال أمامكم متسع من الوقت، يريدون بذلك أن يعيدوا ترتيب قواهم ويخمدوا شعلة المقاومة، حتى يستحيل الذهاب إلى إيران، كان ذلك أيضاً من أيام الله. وأحد أيام الله الكبار تلك الليلة التي انقلبوا فيها على الحكم. كنا وقتئذ في طهران وأعلن حظر التجوال وأصدرت الأحكام العرفية ولم يخرج أحد من بيته، وفي تلك الليلة خطط المسؤولون الكبار- كما اعترفوا لاحقاً- أن يقتلوا كل من يثور عليهم، حتى ينزجر الشعب ويرتدع عن الشغب- لا سمح الله- ولكن تلك الانتفاضة الشعبية والنهضة النورانية، أدت إلى أن تلتحق قوى النظام بصفوفنا، لقد كانت المسألة مسألة إلهية ومن أيام الله. ويجب أن لا يغيب عن بالكم أنهم جمعوا كل ماعندهم وكادوا كيدهم من أجل أن يقوموا بانقلاب ويقتلوا كل من يشكون في نواياه تجاههم، ويرجع الشعب إلى ما كان عليه- لا سمح الله-. ولكنكم أنتم الشعب الشريف الذي نور الله قلبه وملأه بالإيمان، نزلتم إلى الشوارع على الرغم من إصدار الأحكام العرفية وأحبطتم ما كانوا يخططون له من إخلاء الشوارع، وزرع الرعب في كل مكان بنشر قواهم ودباباتهم هنا وهناك طوال الليل- يحكم الله بيننا وبينهم-. إن هذا اليوم أيضاً كان من أيام الله. كل القوى كانت تقف معهم وليس القوى العظمى وحدها. كلهم كانوا يساندونهم في ذلك اليوم، ولكن على الرغم من كل ذلك، فقد شملتكم عناية الله ونصركم على القوى العظمى وقطع أيدي الأجانب من بلدكم، وستبقى دائماً مقطوعة بإذن الله. اذكروا هذه الأيام ولا تجعلوها طي النسيان، فلتبق هذه الأيام الإلهية الكبيرة في ذاكرتكم. ولا تنسوا أن يوم 15 خرداد هو بداية النهضة الإسلامية الإيرانية، ولا تنسوا أن 17 شهريور من أيام الله أيضا. ويجب أن نتذكر دائماً أننا قدمنا قوافل الشهداء وضحينا بأرواحنا في ذلك اليوم في مواجهة الأجانب والمرتبطين بهم، حيث ثار شعبنا وبذل دمه رخيصاً كي ننتصر. والأيام الأخرى كثيرة لا تحصى، الأيام التي هجموا فيها علينا بقسوة بالغة ولكنكم قاومتم بكل شجاعة نساءاً ورجالًا. وقد نقل لي أحدهم أنه شاهد صبياً لا يتجاوز الثانية عشرة من العمر راكباً دراجة ومتجهاً نحو الدبابة التي سرعان ما سحقته تحت عجلاتها، أن مثل هذه المعنويات لم تكن موجودة من قبل، والآن أنتم، بأيديكم الخالية قوضتم حكم 2500 سنة ومجرمي 2500 سنة، وإذا اطلع أحد على التاريخ فإنه من النادر أن يرى أياً من هؤلاء لم يكن مجرماً، ومع ذلك فإنهم يدعون أنهم مأهواهم الجنة! هذا الذي ( 5) فقأ عين ابنه الشاب لئلا ينافسه على السلطان. هكذا كانوا. ولكن المجرم الحقيقي كان ذلك الذي ورث الجريمة عن أبيه، فأصبح متمرساً فيها، لأنه كان مجرماً من جهة ووارثاً للجريمة من جهة ثانية. هذا الأصيل في ارتكاب الجرائم جعل كل ما لدينا متخلفاً تحت عنوان الحضارة العظيمة، أراد أن يمحي الإسلام العزيز باسم الإسلام وأن يقضي على مفاخرنا، وكذلك شرع في تشويه تاريخنا العريق. إن هذا المتمترس في ارتكاب الجريمة أكثر من الجميع، لا يعلم أحد أن سيحط به المقام.
لا تنسوا مفاخركم
لا تنسوا مفاخركم، وليهتم كتّابنا ومتنورونا وكل الطبقات المثقفة بمفاخرهم، ولا تسجدوا للغرب وتحرصوا على كتابة ما يرضيه. أنت لديك موضوعات للمناقشة واهتمامات خاصة بك فلماذا تستشهد بقول الأجنبي في كل ما تريد أن تعرضه، إنك بذلك تزرع اليأس والخيبة في نفوس شبابنا وتسلبهم هويتهم.
ضرورة الإعراض عن أعمال المتغربين
وبناء على ذلك، ينبغي لكم مقاطعة هؤلاء المتغربين. فلا تشتروا من الصيدليات حتى تغير اسمها. وعلى جامعينا الأعزاء الإلتفات الى ذلك والحرص على مقاطعة الكتب التي تستشهد بأقوال الأجانب، أولئك يريدون تسويق كتبهم والدعاية لها، وإذا تم مقاطعتها فإن صفقتهم ستخسر، ولن يعودوا لمثلها. أعرضوا عن تلك الأشياء التي تجركم نحو الغرب، وتضع مفاخركم تحت الأقدام لتحل محلها مفاخر أخرى، أعرضوا عن الكاتب الذي يكون على هذه الشاكلة وعن كتبه. تلك الكتب التي تستشهد بأقوال لينين وستالين وسم الأفاعي، مهما كان الموضوع الذي تريد أن تناقشه فلا تقتنوها. إن الوقت الآن يمضي، والمسألة تحتاج إلى تفصيل أكثر، ونحن مبتلين بهذه القضية في الجامعات أكثر من غيرها، وكذلك المؤامرات التي يحيكونها في الجامعات. ولكن ينبغي على شبابنا أن يكونوا أكثر التزاماً، وإذا كان الشعب ذو روح وطنية وعقائد راسخة بدينه بالفعل، فلماذا يسمح لعدة أشخاص أن يأتوا ويثيروا الشغب، ويتآمروا على البلاد؟! أعرضوا عنهم، ولا تقرأوا كتبهم، أنا لا أقول: أحرقوا هذه الكتب، فالحرق غير صحيح وإنما أعرضوا عنها، فذلك أفضل، لأنكم إذا أحرقتموها فإن الناس سيتخيلون أن شيئاً ما بداخلها، إنما حل هذه المشاكل بالإعراض عنها فقط، لا تولوها أي أهمية ولا تشتروها، لا تسمحوا لهم أن يجعلوكم مستهلكين لهذا المتاع الذي يأتون به من الأجانب، وعندئذ سيضطرون لإلقائه، إنهم سيحضرون الكثير من الكتب، فلا تلقوها في النار، ولا تمزقوها، ولكن لا تشتروها ولا تقرأوها، وعندها ستجدون بعد أيام قلائل أنه لا وجود لهذه الكتب، لقد أحضروا هذه الكتب لتكون وسيلة لتوجههكم من شرقيتكم إلى الغرب، وبذلك يمارسون عليكم أبشع أنواع الدكتاتورية، لا تشتروا هذه الكتب. وإذا سنحت الفرصة فسأوضح لكم في وقت لاحق هذا الموضوع، أما الآن فلا أستطيع أن أوفيه حقه. أسأل الله تبارك وتعالى، كما نظر لهذا الشعب بعين العطف والرحمة وأنقذه من شر الأجانب وعملائهم، أن يديم هذه الرحمة حتى لايتسلل الأجانب لهذا البلد مرة أخرى.
منّ الله تعالى عليكم بالسعادة والسلامة والعزة والقدرة والجد، وأنقذكم من الحريات الاستعمارية التي وفدت علينا من الغرب.
* صحيفة الإمام، ج9، ص: 362,355
1- سورة إبراهيم، الآية 5.
2- سورة البقرة، الآية 257.
3- بحار الأنوار، ج 97، ص 59.
4- محمد رضا بهلوي.
5- شاه عباس الأول الصفوي.