الموضوع: التآمر على الإسلام وعلمائه، دور العلماء في النهضات الإسلامية
خطاب
الحاضرون: جمع من أبناء البحرين وباكستان
عدد الزوار: 78
التاريخ: 30 أرديبهشت 1358 هـ. ش/ 23 جمادى الثانية 1399 هـ. ق
المكان: قم
الحاضرون: جمع من أبناء البحرين وباكستان
بسم الله الرحمن الرحيم
بحوث ودراسات خبراء الإستعمار
إن احدى أكبر النتائج التي حصلنا عليها من هذه الثورة هي التقاؤنا الإخوة الذين لم نلتقِ بهم طوال الفترة الماضية. فها نحن الآن نجلس الى الإخوة الإيرانيين والبحرينيين والباكستانيين لتدارس مشاكلنا. إنه وعلى مدى أكثر من ثلاثمائة عام ومنذ أن قدم الأجانب إلى الشرق، قاموا بدراسات وبحوث دقيقة حول شعوب المنطقة وأخلاقيات أبنائها واهتماماتهم المادية والمعنوية واكتشفوا أنه توجد في الشرق دول غنية بالثروات المعدنية وغير ذلك من قبيل المراتع الكثيرة والغابات الواسعة، ولديها ثروة نفطية كبيرة، فلديها الكثير من الثروات التي لعل بعض الشرقيين أنفسهم غير مطلعين عليها، ولكن الأجانب جاؤوا وبحثوا ودرسوا وتعرفوا على كل شيء.
لقد كانوا يتجولون آنذاك بواسطة الجمال، إذ لم تكن السيارة موجودة، وباسم السياحة كانوا يتنقلون من بلد إلى بلد ويلتقطون الصور ويبحثون فتعرفوا على ثرواتنا وقاموا بتحقيقات حول نفسيات شعوب المنطقة، وعرفوا ماذا ينبغي عليهم عمله إذا أرادوا السيطرة على هذه الثروات. عرفوا أنه إذا بقيت هذه الشعوب والدول الشرقية متحدة ومجتمعة مع بعضها فإنه لا يمكنهم الاستيلاء على هذه الثروات. فلابد من إيقاع الفرقة بين الناس.
إثارة الأجواء ضد الإسلام والزعماء الإسلاميين
إن احدى المسائل المهمة بالنسبة لنا، وكانت مهمة لهم أيضاً، هي أنه إذا عرف المسلمون الإسلام واطلعوا عليه كما هو في واقعه وحقيقته فإن مصالح الأجانب سوف تكون في خطر.
لقد عمل خبراؤهم عبر الدعايات المختلفة، على تشويه صورة الأديان في أعين الناس، وخصوصاً الإسلام. لقد روَّجوا الدعايات التي تقول بأن الإسلام أفيون المجتمع، وأن الأديان قد جاءت لتخدير الناس وجرّهم إلى السبات والنوم ليستطيع الأقوياء والحكّام نهب ثرواتهم. كذلك عمل الأجانب على إضعاف مكانة علماء الدين بين الناس فروّجوا لدعايات تقول إن العلماء رجعيون ومتعصبون ومتخلفون، إنهم وعاظ السلاطين، يعملون من أجل الحكّام! لقد نشروا هذه الدعايات بشكل واسع. ومع الأسف كانوا موفقين الى حد ما في كلا هذين النوعين من الدعايات. إن فئة الشباب وحيث إنهم لا يملكون المعرفة الواسعة بالأمور ولم يكونوا يدركون عمق القضايا، فقد تأثروا ببعض هذه الدعايات التي تروج الى أن الأديان أفيون المجتمعات ولذلك قاموا هم أيضاً بترويج هذه الدعايات تبعاً لأولئك. مع أن واقع الأديان حسب ما ينقله التاريخ، وحقيقة دين الإسلام الذي تاريخه قريب منّا، هو على النقيض من ذلك تماماً. كانوا يقولون بأن الحكّام هم الذين أوجدوا الأديان لاستغفال الناس ونهب ثروات بلدانهم دون ان يعترضوا على ذلك.
رغم أن كل من يقرأ التاريخ يرى بأن الأديان هي التي كانت تحرك الناس المستضعفين ليثوروا ضد السلاطين والحكام. لقد نهض موسى- سلام الله عليه- وكان راعياً ومعه عصاه ووقف في وجه فرعون وهزمه، وكان معه المستضعفون، وليس فرعون الذي أعدَّ موسى لتخدير الناس، إن موسى هو الذي أيقظ الناس وحثهم على القيام ضد فرعون.
حرب الإسلام ضد الأثرياء وأصحاب النفوذ
إن تاريخ الإسلام قريب منا، فكل من اطلع عليه يعلم أن نبي الإسلام كان في مكة أحد هؤلاء المستضعفين وهذه الطبقة المُعدمة ... بينما كان يعارضه تجار قريش والأقوياء وأصحاب النفوذ. وليس الأقوياء قد أعدّوه لتخدير الناس. لقد كان النبي وطوال فترة وجوده في مكة لا يستطيع العمل علانية، كان يعمل بشكل سري، ويعمل على تشكيل المجموعات. وعندما رأى أن العمل لم يعد ممكناً هناك هاجر إلى المدينة، وعندما دخل المدينة نزل عند شخص من الطبقة الثالثة- باصطلاح أولئك- وكان الذين التفوا من حوله هم الفقراء. إن جميع حروب النبي كانت ضد أصحاب النفوذ والأثرياء وعلى عكس ما يروجه أولئك بدعاياتهم، وقد تبعهم فيه أيضاً شبابنا الجاهلون لم يكن الأمر أن فرعون هو الذي أعدّ موسى لتخدير الناس، بل إن موسى هو الذي أيقظ الناس للقيام ضد فرعون،، ليس الأمر أن قريش والأثرياء قد أعدّوا النبي لتخدير الناس، بل إن النبي هو الذي نهض بالفقراء وحثّهم على الثورة لمواجهة الأغنياء والتصدي لهم. ثم وبعد أن انتشر الإسلام واشتد عوده فإن أبناء الطبقة الضعيفة المستضعفة هم الذين هاجموا الإمبراطوريتين العظميين في ذلك الوقت وهما الروم وإيران، وانتصروا عليهما.
أسرة بهلوي أكثر خيانة من جميع الملوك
وهكذا نرى أن الدعايات استهدفت علماء الدين متهميهم بأنهم علماء البلاد وان بريطانيا هي التي جاءت بهم لتخدير الناس! لمنع الناس من العمل ضد مصالح بريطانيا! رغم أن كل مطلع على التاريخ يعلم بأن الذين نهضوا ضد الحكومات على مدى التاريخ هم علماء الدين، وليس الحكومات التي قامت بإيجادهم. علماء الدين هم الذين دفعوا الناس للنهوض ضد الحكومات. ونحن في إيران خلال هذه الفترة القريبة التي نذكرها- وأنا أذكرها أكثر منكم جميعاً- فإنه ومنذ مجيء رضا خان إلى إيران عبر الإنقلاب وإلى الآن حيث انتصرنا والحمد لله، فإن هذه الخمسين عاماً، لعلها أسوأ أيام مرت على الشعب الإيراني، فهذان إن لم يكونا أكثر إجراماً من جميع الملوك السابقين فهما أشد خيانة.
يمكن لأحد أن يقول بأن (محمد قجر) ( "1") كان مجرماً مثل هؤلاء، ولكنه لم يكن خائناً مثل هؤلاء، فليس في التاريخ أن محمدخان قجر قد سلّم ثروات بلده لدولة أخرى. كان مجرماً ولكنه لم يكن خائناً. كذلك الملوك السابقون كانوا مجرمين جميعهم، جميعهم كانوا سيئين، ولكن لم يكن أحد منهم خائناً مثل خيانة هذا العنصر الفاسد. إن هذا الأب وابنه قد قاما بخيانات كبيرة في هذا البلد لا نستطيع الاطلاع عليها بهذه العجالة.
إن الاتفاقيات التي تم عقدها مع الدول الكبرى تثير الحيرة والدهشة. فأية اتفاقيات هذه! يقول بعض مسؤولينا بأن هذه الاتفاقيات قد دونت بشكل نتضرر منها كيفما حاولنا التعامل معها! إن جميع أعمال هذين الاثنين كانت خيانة لبلدهما وشعبهما. لم يرتكب الملوك السابقين خيانة بهذا الشكل إلّا القليل، لعله كان يوجد عند القاجاريين بمقدار ولكنه كان قليلًا، وأما قبل ذلك فإنه لم تكن هناك خيانة بهذه المعنى. إن هذين الإثنين قاما بخيانات لا يستطيع التاريخ أن يكشفها عن قريب، ولعل بعضها لا يمكن اكتشافه أصلًا.
إن المقدار الذي تم كشفه كان مثيراً لحيرة ودهشة الذين يدرسون ويبحثون في هذه الأمور، لقد وجدت الوزارات الآن المجال لدراسة الاتفاقيات التي أبرمها هذان الإثنان مع الدول الأخرى. أية اتفاقيات فاسدة هذه التي أقدم عليها هذان الإثنان! إن من المشاكل الكبيرة التي تواجه حكومتنا الآن هي كيفية التعامل مع هذه الاتفاقيات. يقولون إن أي خيار يأخذون به فيه ضرر، فقد نظمت الاتفاقيات بشكل تكون مضرة على أي حال.
نصف قرن من النضال والمقاومة
على كل حال، وعلى مدى التاريخ الذي نذكره، إن الذين كانوا قد ثاروا ضد هذه القوى هم علماء الدين، فقد نهضوا خلال فترة الخمسين سنة الأخيرة مرات عديدة. ولكن القوة التي وقفوا بوجهها كانت قوة كبيرة فهزمتهم. فقد ثارت (آذربايجان) ومشهد، وفي أصفهان حصلت انتفاضة كادت تكون عامة، شارك فيها علماء الدين من جميع المناطق، ولكن القوة المواجهة لهم كانت كبيرة، فهزمتهم، وقامت بسجنهم. ونفيهم. لقد تم سجن ونفي علماء الطبقة الأولى.
لقد قبضوا على علماء (آذربايجان) الذين كانوا من الطبقة الأولى وقاموا بنفيهم إلى (سقز) أو (سنقر) وبقوا هناك مدة من الزمن. وألقوا القبض على جميع علماء مشهد وأودعوهم سجون طهران. وقضوا على الحركة التي قام بها علماء أصفهان فلم يستطيعوا عمل شيء. إن الذين ثاروا طيلة الخمسين عاماً هم العلماء فقط ولا غير. وكان الشعب مسانداً للعلماء بالمقدار الذي تمكن منه.
وطبعاً في ذلك الوقت لم يكن بالإمكان القيام بثورة كهذه الثورة التي تحققت الآن، ولكن العلماء كانوا يتحركون ويثورون وقد تعرضوا للهزيمة والقتل والسجن والنفي.
فما يقال عنهم إذاً من أن علماء الدين هم علماء البلاط ليس صحيحاً، إنهم ليسوا من أتباع الحكّام، بل هم ضد الحكّام. لقد صوروا للناس أن المعارضيين للسلطة هم من أتباعها وذلك لتشويه صورتهم في أعين الناس.
ومع الأسف فإن هذا النوع من الدعاية كان له أثر أكبر من النوع الأول للدعايات لدرجة أن الكثير من الناس في عهد رضاخان قد ابتعدوا عن العلماء، كثير من الشباب تركوا العلماء .. كان هذا أيضاً أحد الأعمال التي ارتكبوها.
تجزئة الأراضي الإسلامية الواسعة
من الأعمال الأخرى التي ارتكبوها هي أنهم كانوا يلقون الاختلاف بين الفئات والطوائف حتى لا تجتمع مع بعضها. لقد خافوا أن يكون الإسلام مطروحاً في البين فيتحد الجميع فحاولوا توجيه ضربة إليه. لقد شعروا أنه إذا كان علماء الدين ذوي نفوذ فإن الناس سوف تلتف تحت راية واحدة فحاولوا القضاء على العلماء. ثم إنهم لم يكتفوا بهذا المقدار بل عملوا على إيقاع الفرقة بين الناس من خلال الدعايات فهذه كردستان وتلك بلوجستان، وهذا بختياري، وذاك خراساني الى غير ذلك داخل إيران. وفي خارج إيران فهنا باكستان وهناك البحرين وتلك غيرها وكذا وكذا وكذا، فقد فصلوا المناطق بعضها عن بعض وعزلوا المسلمين عن بعضهم، قطَّعوهم إرباً إرباً. لقد قسموا الدولة العثمانية التي كانت دولة كبيرة جداً تشمل مصروالحجاز ومناطق أخرى كثيرة بعد أن تغلبوا عليها في الحرب العالمية وجزأوها ووضعوا على كل منطقة منها عميلًا وخادماً للأجانب ليدير تلك المنطقة. وجعلوا تلك الحكومات مختلفة وأوقعوا العداوة بينها فهذا سلطان كذا وذاك سلطان كذا، هذا رئيس الجمهورية الفلاني وذاك رئيس الجمهورية الفلاني، هذا عدو ذاك وذاك عدو هذا، وتفرغ الأجانب ينهبون كل ما عندنا، أما هؤلاء فقد اشتدت العداوة بينهم واختلفوا فيما بينهم! وقاموا بتشكيل الأحزاب المتعددة في كل دولة، وكانت أحزاباً مختلفة متعادية فيما بينها، هذا يطعن في ذاك وذاك يطعن في هذا. فكانت هناك الجبهات والأحزاب المختلفة. وقد وقع المسلمون ومع الأسف تحت تأثير هذه الأمور بسبب عدم التفاتهم لعمق المسائل، دولة العراق في جهة ودولة إيران في جهة أخرى مع أنهما دولتان مسلمتان ولكنه وقعت بينهما العداوة والحرب. دولة باكستان في طرف والدولة الفلانية في طرف آخر وكلاهما دولتان مسلمتان ولكنهما متعاديتان وبينهما حرب.
على أمل يقظة الشعوب المسلمة
كانت هذه مخططات قاموا برسمها وتنفيذها فجعلوا المسلمين متنازعين فيما بينهم. ولا أدري متى سيستيقظ المسلمون، وفي أي وقت تريد حكوماتنا والشعوب الإسلامية أن تفتح أعينها. ألا يعوون؟ أم يعوون ولكنهم لا يريدون؟ إذا كانوا لايعوون، عليهم الدقة والتأمل لمعرفة من أين تبدأ مصائب المسلمين، وأي مرض هذا الذي نزل بالمسلمين بحيث جعلهم يبقون جائعين وثرواتهم ينهبها الآخرون. لقد نهبوا نفطنا على كثرته وبقي شعبنا جائعاً. كذلك بقية البلدان. متى يريد المسلمون لاسيما الحكومات الإسلامية أن تستيقظ؟ متى يضعون جانباً اهتماماتهم الخاصة وأطماعهم الشخصية ويعملون لخدمة الشعوب؟ إن تعداد المسلمين يقارب المليار مسلم، وعندهم كل شيء، بلاد غنية وأرض واسعة. يقولون إن تعداد سكان إيران حالياً 35 مليون نسمة. ويمكن لأرضها الشاسعة أن تتسع لمائة وخمسين مليون نسمة أو مائتي مليون نسمة، أي أنه إذا كان تعداد سكان إيران مائتي مليون نسمة فإنهم سيعيشون في رفاهية. وكذلك بقية البلدان فإنها كبيرة. العراق أرضه واسعة ونفوسه قليلة. متى ستستيقظ هذه الحكومات وتترك اهتماماتها الخاصة جانباً؟ ومتى سيلتفت المسلمون إلى مصالحهم ومشاكلهم ومعاناتهم؟ ومتى سيعالجون هذه الأمراض؟
المجتمع الإسلامي والإسلام ذو البعد الواحد
إن من الأعمال المهمة التي حصلت، وأظن أن أولئك الشياطين هم الذين فعلوا ذلك، هو أنهم لم يدعونا نفهم الإسلام والقرآن على حقيقتهما. لم يدعوا المسلمين يعوا حقيقة الإسلام. لقد نفذت الدعايات حتى إلى عمق الحوزات الدينية في النجف وقم! وطرح جانب من الإسلام، قسم منه فقط طرح بين علماء الإسلام، وبقي القسم الآخر خافياً ومدفوناً. لم يدعونا نعي الإسلام كما هو في حقيقته. وذلك لأنهم كانوا يرون أن الخطر سيحدق بهم إذا وعى المسلمون الإسلام على حقيقته، لأن المسلمين سيلتفون حوله حينئذ ولن يبقى لهم مكان بعد ذلك. إنهم لم يريدوا أن يتم الأمر للمسلمين، لقد اطلعوا على تعاليم الإسلام. عندما دخل البريطانيون العراق سمع أحد ضباطهم المؤذن وهو ينادي بالأذان، فقال: ما هذا؟ قالوا له: إنه أذان، فقال: هل يضر الإمبراطورية البريطانية؟ قالوا: لا. فقال: فليؤذن ما شاء! إن هذه البحوث والمناقشات الدراسية التي نقوم بها لا تضر بريطانيا ولا أمريكا ولا روسيا. إنهم يحثّون عليها كثيراً لتزداد وتتسع! وأما الأمور التي تضرهم فإنهم لا يفسحون لها المجال. متى سيلتفت المسلمون إلى تعاليم الإسلام؟ متى سيلتفتون إلى وضع المسلمين في صدر الإسلام؟ متى سيلتفتون إلى كيف كان وضع الرسول الأكرم ووضع أئمتنا ووضع الخلفاء؟ كيف كانوا يعيشون، وكيف انتصروا ...؟ كيف استطاعت مجموعة صغيرة لا تملك شيئاً القضاء على إمبراطوريتين عظيمتين.
مقارنة الشعب الإيراني بمسلمي صدر الإسلام
لقد شاهدنا نظير ذلك في إيران. إذ حصل في إيران نظير ما كان في صدر الإسلام، حيث إن جماعة لا تملك شيئاً- وهذه البنادق التي تشاهدونها على أكتاف بعضهم، غنموها من أولئك وإلّا فإنهم لم يكونوا يملكون البنادق وقد قيل لي ان كل شخص عندما يستيقظ صباحاً ويريد الخروج من منزله كان يأخذ معه عصاً أو سكيناً أو بضعة أحجار أو قطعاً من الآجر، ثم يخرج للقتال! والخصم ماذا كان يملك؟ كان لديه الدبابات والمدافع والرشاشات، كان مدججاً بالسلاح من رأسه إلى أخمص قدميه. ولكن هذه الجماعة كانت تملك الإيمان سنداً والله هدفاً. كانت تملك الإسلام، كانت إيران من أولها إلى آخرها يعلو فيها نداء (الموت للشاه) و (المطالبة بالجمهورية الإسلامية). ليس فقط الناس العاديون، بل الأطفال الصغار والصغار جداً حديثي النطق، أطفال المدارس الابتدائية، والشيوخ الكبار المقعدين في المشافي. وليس فقط فئة معينة بل علماء الدين وطلبة العلوم الدينية والجامعيون والموظفون، فالجميع كانوا يطالبون بشيء واحد وهو الجمهورية الإسلامية، إننا نريد الجمهورية الإسلامية، وهذا هو سر الإنتصار، لقد تحقق في شعبنا ذلك المعنى الذي كان يردّده جنود الإسلام في صدر الإسلام وهو إننا إذا قَتَلْنا فهي الجنة وإذا قُتِلْنا فهي الجنة أيضاً، فكانوا يعتبرون الشهادة فوزاً لأنفسهم، لقد تحقق هذا في شعبنا أيضاً، بيد مَن؟ بيد الله. وإلا فهل يمكن لإنسان أو مجموعة أن تقوم بهذا العمل. لا يمكن لها أن تحدث هذا التغيير، إن الله هو الذي فعل ذلك. فمتى يريد المسلمون أن يتسلحوا بمثل هذه المعنويات فيرون الشهادة فوزاً لأنفسهم، ويقفوا في وجه الخونة ويقمعوهم؟!
انهيار القوة الخاوية للشاه
كانوا يقولون بأن القوة التي كانت موجودة في إيران لا يوجد لها مثيل في الشرق. فليس في الشرق قوة عسكرية كالتي كانت موجودة في إيران. هكذا كانوا يقولون وكان السند الذي يعتمد عليه هؤلاء هو القوى الكبرى، القوى العظمى وجميع القوى. حتى أنه لم تدعمنا طوال فترة النضال ضد الشاه أية دولة إسلامية ولعل أحداً يقول ربما كانت إحدى الدول تدعمنا، الجميع كان يؤيد الشاه، جميعهم. لقد كان الشاه وبتلك القوة التي كانوا يقولون بأنه لامثيل لها في الشرق ويدعمه جميع المسلمين وغير المسلمين، من القوى العظمى إلى القوى الصغرى، وحتى أن أمراءكم في دول الخليج كانوا مؤيدين له. وكانوا قد خدعوا إخواننا، فقد كان إخواننا من المسلمين في بعض مناطق الخليج يتصورون أنه إذا ذهب الشاه سيذهب الإسلام أيضاً! إذا سقط الشاه فإن الشيعة أيضاً سينتهي أمرهم من أساسهم! لقد روجوا لمثل هذه الدعايات حتى سيطر على الإخوة المؤمنين المتدينين هذا الشعور وهو أنه إذا لم يبق هذا (الشاه) فإنه لن يبقى هناك شيء.
عندما كنت في باريس كانوا يكررون القول أنه ماذا سيحدث لو ذهب الشاه. قلت لهم لن يحدث شيء، مجرد ذهاب لص! وقد حدث هذا بالفعل. ولانأسف الآن على ذلك أبداً. لقد طردنا اللص، لقد قطعت يد اللص، لقد قطعت يد الخونة الأجانب.
الحرية أغلى مكاسب الثورة
إن المشاكل التي نعاني منها الآن تعتبر مشاكل أسرية، فلا حاجة للنزاع حولها إذ ليست مستعصية ... إن مشاكلنا الآن عائلية، لم يعد لدينا مشكلة أجهزة المخابرات، لم يعد لدينا مشكلة الأجنبي الفلاني، لم يعد لدينا خوف، ها نحن نجلس معاً ونتحدث. إن مشاكلنا الآن هي من قبيل أن أخينا فلان يملك أقل وفلان يملك أكثر، ذاك لا يملك منزلًا و ... وهذه ليست بشيء، كما أنها قد كانت موجودة في السابق، إن هذه المشاكل كانت من قبل أيضاً، غاية الأمر أن الشياطين انتشروا الآن بين الناس يبثون التساؤلات: ماذا حصل؟ أين المساكن؟ أين المعيشة؟ وكنت أقول لبعضهم إن هذه الاحتياجات ليست وليدة الوضع الحالي بل كانت من قبل. هل الثورة هي التي أنتجتها؟ هل فرار الشاه هو الذي ولّد هذه الاحتياجات؟ لو أن هذه الاحتياجات تقع على عاتقنا، لو أن فرار الشاه هو الذي جعلكم بلا كهرباء ولا إسفلت ولا مشفى وغير ذلك، لو كان كذلك لكنا حينذاك مجرمين وكان يجب علينا تعويض ذلك. وأما إذا كانت هذه الأمور موجودة في السابق وإنما جئنا نحن إلى حيث لا كهرباء هناك ولا ماء ولا إسفلت، حتى إن طهران نفسها وفي بعض أحياء طهران تشكو من ذلك، فماذا تقولون؟ إن العمل الذي كان ينبغي علينا إنجازه وقد فعلناه هو أننا حررناكم. إنكم الآن أحرار لتعملوا لأنفسكم. لقد كنتم آنذاك في الأسر، كنتم في السجن، فكان يأتيكم كل يوم مَنْ يتسلط عليكم وإذا ما اعترضتم بكلمة كان مصيركم السجن. لقد تحررتم الآن من هذا وأصبحتم في أمان. فأي إشكال لكم علينا الآن؟ وهل نحن الذين جعلناكم بلا إسفلت لتطالبونا بذلك؟ هل نحن الذين جعلناكم بلا كهرباء؟ إن هذه المشاكل والنواقص الموجودة في جميع أنحاء إيران، كانت موجودة في السابق، وجئنا نحن وكانت هذه المشاكل موجودة، جاءت الحكومة وكانت هذه المشاكل موجودة، نعم، لا بد من إزالة هذه المشاكل. غير أن ثمة من يتساءل: (ماذا فعلوا بتلك المشاكل؟) ..
ماذا يعني (ماذا فعلوا)؟ وأي شيء أفضل من أن الشعب حطم السد، لم يكن بالإمكان تحطيمه إلّا بإرادة الله. أي شيء أفضل من ذلك تريدونه أن يحصل؟ أية نعمة لدينا الآن أفضل من الحرية؟ أما الفقر فلقد كنا فقراء من قبل، وعلينا السعي الآن للخروج من هذا الفقر. لابد أن نعمل حتى نقضي على فقرنا. لقد منعونا من الزراعة باسم (إصلاح الأراضي). لم يكونوا يسمحون لزراعتنا أن تتقدم وتزدهر. إنكم الآن أحرار، فتوجهوا إلى الزراعة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
* صحيفة الإمام، ج7، ص: 288,282
1- مؤسس السلالة القاجارية.