يتم التحميل...

الموضوع: الألطاف الإلهية في انتصار الثورة الإسلامية

خطاب

الحاضرون: موظفو دائرة السجلّ المدني‏

عدد الزوار: 70

التاريخ 30 أرديبهشت 1358 هـ. ش/ 23 جمادى الثانية 1399 هـ. ق‏
المكان: قم‏
الحاضرون: موظفو دائرة السجلّ المدني‏

بسم الله الرحمن الرحيم

الانتصار هبة إلهية

لابد لي من القول أن هذا الانتصار ليس مرتبطاً بي، إنني مجرد طالب للعلوم الدينية فلا ينبغي لكم أن تربطوا هذا الانتصار بي. إن الانتصار لا يرتبط بالشعب أيضاً، بل هو من عند الله. إنني ومنذ أن كنت في باريس جاء بعضهم وقال: إن شخصاً كان يقول لقد ذهبت إلى قرى عديدة وقد رأيت أن عالم الدين الموجود في القرية يخرج صباحاً ويخرج الناس وراءه متظاهرين. حتى أن هناك قلعة وقد شاهدتها وهي في الضواحي القريبة منا وتسمى قلعة (حسن فلك) وهي تتسع تقريباً لعشر عوائل أو خمس عشرة عائلة تأخذ كل عائلة غرفة منها وتقع في أرض قفراء بجانب جبل ولا يوجد حولها شي‏ء، لقد ذهب إلى تلك القلعة ورأى أن الكلام فيها هو نفس الكلام الذي ينادي به الناس في طهران. لما سمعت هذا الكلام أيقنت بأن المسألة ليست مسألة بشرية. ذلك ان دائرة فعالية الإنسان محدودة رغم اختلافها من شخص لآخر، إذ يستطيع شخص أن يدير حياً أو مسجداً، بينما يستطيع آخر أن يحرك ويعبى‏ء مدينة، ويستطيع آخر أن يعبى‏ء محافظة، ولكن ليس هناك من يستطيع تعبئة كل إيران، هذه الخمسة والثلاثين مليون نسمة وتوجيهها في طريق واحد بحيث إن هؤلاء الأطفال الصغار وهم في المرحلة الابتدائية عندما كانوا يتكلمون كانوا يتكلمون بالكلام نفسه الذي يتكلمه طلاب الثانويات، وأولئك أيضاً كانوا يتكلمون بما كان يتكلمه الأكبر منهم. فالشيوخ والصغار والنساء والبنات جميعهم كانوا يهتفون برحيل هذه الأسرة، والمطالبة بالجمهورية الإسلامية، مع أنه لم يكن مطروحاً مثل هذا الكلام آنذاك. وحينها شعرت بأننا سوف ننتصر لأن هذه القضية لم تعد مرتبطة بنا، بل هي مرتبطة بأمر آخر. وربما أني قد قلت هذا مراراً في باريس بأن المسألة قد أصبحت مسألة إلهية حيث قد شهد المجتمع تغيراً جذرياً وخلال فترة قصيرة. تغيراً معنوياً مدهشاً.

الحسابات الخاطئة لمنظمات التجسّس‏

لا حظوا هذا التغير الروحي الذي ظهر لدى الشعب، الشعب الذي كان إذا جاء شرطي إلى السوق فإنه يستطيع إغلاقه ولا يرى الناس لأنفسهم الحق في الاعتراض عليه! إن هذا الشعب نفسه وخلال فترة قصيرة أصبح يتدفق إلى الشوارع وينادي (الموت للشاه)! وملأ الجدران بشعار (الموت للشاه) والذي مازالت آثاره باقيه لحد الآن. إن هذا التغير المتمثل في تبدل ذلك الخوف إلى تلك الشجاعة التي جعلتهم يقفون بوجه المدافع والدبابات التي كانت تقتل الناس في الشوارع، فكان الناس يهجمون على المدافع والدبابات ويقولون إنه لم يعد لها أثر بعد الآن ( "1")، مع أنها كانت تضرب الناس وتقتلهم ولكن روحية الناس كانت بدرجة من القوة جعلت الدبابات والمدافع تفقد أثرها. إن تلك الروحية العالية للناس كانت بسبب التبعية للإسلام، والتوجه الى الإسلام. لقد توجه شعب مسلم إلى نقطة واحدة وهي إننا نريد الجمهورية الإسلامية، إننا لانريد أسرة بهلوي. إن هذه الوحدة للكلمة واجتماع الناس على مطلب واحد والالتفات إلى أننا نريد أمراً واحداً وهو الإسلام، هي التي جعلتنا ننتصر. وأي انتصار! انتصار فنّد جميع الحسابات، أبطل جميع الحسابات المادية. إنه أحد الأدلة الكبرى على التوحيد. فطبق الحسابات المادية لأجهزة التجسس الأمريكية وغيرها، إن هذا الأمر لم يكن ممكناً، وقد اعترفوا قائلين بأنه كان مخالفاً للحسابات التي كنا نبني عليها. وكانوا صادقين فيما يقولون ... لأنه طبق الحساب المادي، هناك قوة شيطانية مدججة بأنواع الأجهزة والأسلحة وتدعمها قوى عظمى، تقف في مقابل جماعة لا تملك شيئاً. لقد نزل الرجال والنساء، نزلوا إلى الشوارع بقبضات خالية ووقفوا في وجه أولئك. هؤلاء لا يملكون شيئاً وأولئك يملكون كل شي‏ء، وكان النصر حليفنا.

انتصار المعنويات على الماديات‏

ما الذي حصل؟ إنه تغيّر ظهر لدى القوات العسكرية، فإما انها فقدت معنوياتها، وإما أنها تغيرت والتحقت بهذا الشعب، وطبعاً كانوا متفاوتين. في الأيام الأخيرة كنت قد نصحت هذا الإنسان القليل العقل، (بختيار) القليل العقل جداً، ولو كان سمع نصيحتي لكان رئيساً للوزراء الآن. لقد نصحته عندما كنت في باريس: لقد رحل الشاه الآن وقد حصلت على فرصة، فتعال وقل إنني كنت أريد أن أقدم خدمة للشعب، وأنا الآن تحت اختيار الشعب. فلو فعل ذلك لكان أصبح بطلًا، لم يفهم ماذا عليه أن يعمل.

على كل حال، إن اجتماع الناس على هذا الأمر ووحدة الكلمة التي تحققت لشعبنا وتوجههم إلى الإسلام، كان وراء تحقق هذا الانتصار وإبطال جميع تلك الحسابات. كانوا يقولون إن كل هذه الإمكانيات بحوزة النظام وكانت تدعمه أمريكا والإتحاد السوفيتي أيضاً وبريطانيا كذلك. غاية الأمر أن الإتحاد السوفيتي كان قليلًا ما يعلو صوته ولكنه كان يدعمه، وهو الآن يعمل على الإفساد والتخريب، أما أمريكا وبريطانيا فكانتا تقولان سراحة ها نحن ندعمه. ولكن الشعب لم يُصغ لهذا الكلام. لقد منح الله الشعب قوة جعلته لا يصغي لهذا الكلام، وبطلت جميع الحسابات. وانتصر (اللاشي‏ء) على (كل شي‏ء). لا شي‏ء وفقاً للحسابات المادية وإلا فهو كل شي‏ء بحساب المعنويات. لقد انتصرت المعنويات على الماديات بواسطه الله الذي هو فوق كل شي‏ء. وهو الذي جعلنا ننتصر.

العالم مظهر لله‏

إن هذه الأشعار التي أنشدتموها اشعار جيدة، ولكنها لا تنطبق علي. عليكم الثناء على الله حيث جعل هذا التوفيق نصيبنا. نحن لا شي‏ء. كل العالم لا شي‏ء، العالم من أوله إلى آخره هو مظهر لله تبارك وتعالى. فهو كل ما في الوجود. والحمد لله بسبب هذا التوجه لله الذي عمّ الجميع بأسره، إذ ان الطفل الصغير كان يقول (الجمهورية الإسلامية) والشيخ الكبير في سريره كان يقول الكلام عينه، وكذلك عندما أرادوا الإدلاء بأصواتهم للجمهورية الإسلامية اثناء الاستفتاء، فإنهم كانوا يأتون بالشيخ الكبير الذي لا يستطيع المشي على كرسي متحرك ليدلي بصوته، وبعضهم توفي في المكان الذي جاء إليه ليدلي برأيه! في نفس المكان. لقد أخبروني أن رجلًا في مدينتنا أراد الإدلاء بصوته وهو لا يستطيع المشي‏ء فأعانوه على الوصول ووضع رأيه في الصندوق ثم توفي في نفس المكان. الأطفال الذين لم يدلوا بأصواتهم كانوا من- زعجين! الأطفال الذين كانوا بالقرب منا كانوا متألمين: لماذا لا يحق لنا الإدلاء برأينا!

إن الله هو الذي أوجد هذا التحول في الناس، وأوجد فيهم هذا الشوق، هذا الشوق والحماس الشديدين. لقد خلق فيهم تضحية وإقداماً لدرجة أنهم كانوا يأتون ويقولون: ادع لنا بالشهادة. ادع لولدي حتى يستشهد. إن هذا التغير الروحي الذي ظهر في الناس وأدى إلى انتصار شعبنا، كان تغيراً منَّ الله تبارك وتعالى به علينا بفضل عنايته. وعلينا أن نحافظ عليه. إنه هدية من عند الله وعليكم المحافظة عليها. إننا إذا فقدنا وحدة الكلمة التي حصلنا عليها بتوجهنا للإسلام سنكون حينئذ أولئك الضعفاء العاجزين عن فعل شي‏ء. إن عدة بنادق بيد هؤلاء الحرس والجنود لا تستطيع أن تواجه تلك الأسلحة التي يملكها الآخرون. إن الله هو الذي هزمهم وأبطل كيدهم. اشكروا الله على هذا الأمر، وحافظوا عليه، حافظوا على هذه النهضة.

السعادة والرخاء تحت ظلال الإسلام الأصيل‏

إننا وبالحفاظ على هذه الثورة سوف نخطو جميعاً إلى الأمام. وسيتجلى الإسلام إن شاء الله عياناً على حقيقته لاكما صوَّره لنا الأجانب وصدَّقنا نحن ذلك أيضاً، بل سيتحقق بالشكل الذي كان عليه في صدر الإسلام. وستعم السعادة والسلامة والرخاء الجميع. ليس هناك أي تعدٍّ وظلم في الدولة الإسلامية. ولا يخاف أحد من الحكومة. لأن الحكومة لا شغل لها بالناس. ولا تريد ذلك، وإنما على الجميع أن يخافوا من أنفسهم أن يذنبوا، لأنهم إذا أذنبوا فإن الحكومة ستأخذهم بذنوبهم. ولن يكون هناك وجود لرجل مخابرات يعتقل الناس بحجج واهية، ثم بعد اعتقالهم يقوم بتعذيبهم. لن يكون ذلك إن شاء الله. إنكم الآن بحمد الله قد حصلتم على الحرية وهي أفضل النعم الإلهية، إنكم الآن تشعرون بالاطمئنان، فعندما تخرجون من هنا لن يعتقلكم أحد بحجة أنه لماذا جئتم واجتمعتم هنا. لو أن مثل هذا الاجتماع حصل في العهد البائد، لداهم رجال مخابرات الشاه المكان واعتقلوكم بأجمعكم، ونحن أيضاً، ولفعلوا معنا ما فعلوا.

ولكن والحمد لله لا وجود لهم الآن. الحمد لله إن اليد التي كانت تنهبنا قد قطعت. لقد قُطِعت يد أولئك أيضاً. وعلى هذا، فإن ما أنجزناه لحد الآن هو أننا قطعنا يد هؤلاء الناهبين، وكما أننا حصلنا على الحرية. فلدينا الآن الاستقلال والحرية. لقد تحقق الآن ما كنا نطالب به. وهذه البقايا القليلة المتعفنة التي تعمل على الإفساد ليس بالشي‏ء الذي يذكره. وسيتم القضاء عليها. لقد ذهبت القوة الكبيرة وهذه البقايا ليست بشي‏ء.

ولكن المهم هو أن نشكر هذه النعمة التي أعطيت لنا والشكر يتمثل في المحافظة على هذا الذي أُعطي لنا. إنها هدية منَّ الله تبارك وتعالى بها على شعبنا. ومادام شعبنا محافظاً على هذه الهدية فإنه سيبقى منتصراً. وأما إذا فقدها- لا سمح الله- فإنه سيعود حينئذ ثانية ذاك الضعيف المسكين الذي يتسلط عليه عميل صغير.

حفظكم الله جميعاً، وجعلكم مفيدين لبلدكم، إن هذا البلد من الآن فصاعداً بلداً إسلامياً وجميعنا مكلفون بخدمته مثلما تقومون بخدمة منازلكم.

* صحيفة الإمام، ج‏7، ص: 292,289


1- فحوى احد الشعارات التي كانت ترفع في المظاهرات.

2011-04-30