الموضوع: جذور الثورة الإيرانية، المسؤولية الجسيمة للجامعة والحوزة، ألاعيب مخابرات الشاه
خطاب
الحاضرون: طلاب كلية الحقوق في جامعة طهران
عدد الزوار: 60
التاريخ: 31 ارديبهشت 1358 هـ. ش/ 24 جمادى الثانية 1399 هـ. ق
المكان: قم
الحاضرون: طلاب كلية الحقوق في جامعة طهران
بسم الله الرحمن الرحيم
الثورة الإسلامية ثورة فكرية وعقائدية
إن لدينا مسائل أساسية مطروحة الآن وهناك مجموعة من المسائل الفرعية لابد أن تطرح بعد أن ننتهي من تلك المسائل الأساسية.. إننا اذا طرحنا المسائل الفرعية الآن فمن الممكن ان يعيقنا ذلك عن الانشغال بالمسائل الأساسية أو ربما يؤدي طرح المسائل الفرعية وبسبب ما يترتب عليها من اختلافات، إلى خسارتنا لهذه الثورة. انكم تعلمون ان الذي أدى إلى نجاحنا في هذه الثورة أمران: أحدهما كان الأساس والثاني قد تحقق بواسطة ذلك الاساس.
أما الذي كان هو الأساس ان الناس دخلوا هذا الصراع باسم الإسلام وباسم الإيمان والعقيدة. ولأنهم دخلوا من اجل الإيمان والإسلام فقد اتحدت جميع الفئات مع بعضها وهذا السر الحقيقي-، اتحاد الجميع في مسير واحد هو الذي أدى إلى نجاحنا حتى هذه المرحلة فقد تحقق في إيران ما كان يراه الجميع صعب المنال. كانوا يرون أن من المحال ان شعباً لا يملك أسلحة ولا يملك تنظيماً سياسياً ليتم توجيه الناس عن طريقه.. كانت أيديهم خالية من الأسلحة العصرية بل من جميع الأسلحة. كانت أسلحتهم، فضلًا عن بعض البنادق التي حصلوا عليها، عبارة عن سكين المطبخ والعصا المنزلية، والبقية كانوا بأيد خالية وكانت النساء يحملن أطفالهن على صدورهن ويخرجن للمشاركة في المظاهرات.
الانتصار في ظل الإسلام
كان السر يكمن في اتحادهم مع بعضهم، وكان نداؤهم جميعاً هو: يجب أن يرحل هذا النظام الفاسد، وإقامة الجمهورية الإسلامية. لقد أدى هذا إلى أن نحقق ما كان يراه العالَم ممتنعاً وهو غلبة اللاشيء على كل شيء طبعاً وفق الحسابات المادية. لقد خطا الشعب الإيراني في ضوء المعنويات والتوجه لله تبارك وتعالى والإيمان، وأوقع بهذه القوة الشيطانية، التي كانت تدعمها القوى العظمى، هزيمة كبرى لدرجة لم يستطع أولئك الذين كانوا يريدون إبقاء هذا (الشاه) من تحقيق رغبتهم. وعندما كنا في باريس كانوا يتصلون بنا من قِبَل أمريكا فكانوا يقولون في أول الأمر (إننا ندعمه)، (اننا كذا وكذا) ثم بعد ذلك كانوا يقولون (اصبر قليلا الآن ما زال الوقت مبكراً للعودة)!
إننا (اللاشيء) تغلبنا على (كل شيء) وقد تحقق ذلك لاننا كنا متحدين مع بعضنا في كل ناحية من نواحي ايران. ولم يتسن ذلك إلا في ظل الإسلام، فليس بوسع أية قدرة أخرى ايجاد مثل هذا التوافق والالتئام بين الجميع. إن الذي حقق لكم النصر في هذا الصراع هو وحدة الكلمة وقوة الإيمان.
المرحلة الحساسة للثورة
إننا لم نحقق بعد النصر النهائي، وفي تصوري إن إيران اليوم أشد حساسية من ذلك اليوم الذي كنا نُعِدّ فيه الناس ونعبئهم للنهوض والثورة، وذلك لان كل اهتمامهم آنذاك كان يتمحور حول تحطيم السد الكبير المانع من تقدمنا، ان كل اهتمامهم كان منصباً على تحطيم هذا السد، ولم يكونوا ملتفتين إلى قضاياهم الشخصية، كان كل همهم تحطيم هذا السد دون ان يلتفتوا إلى انهم اليوم مثلًا أكلوا أم لا، عليهم قروض أم لا، لم يكن ثمة اهتمام بهذه الامور، لقد انطلقوا جميعاً وحطموا هذا السد. وفي كل ثورة وعندما تصل إلى نقطة معينة ويتحقق لها النصر، تمر في مرحلة حساسة، إذ يرى الناس أنفسهم وقد انتصروا فيبدؤون بالالتفات إلى قضاياهم الشخصية مثل: كيف وضعنا الآن كيف هي معيشتنا وإن علينا قروضاً وديوناًن وكيف حال السوق الآن؟ وبما إن أمريكا لن تكف عنا بهذه السرعة، وقد قام خبراؤها قبل اكثر من مائة عام ببحوث نفسية في إيران ويعلمون ما ينبغي لهم عمله، لذا انتشر أجراؤهم الآن بين أفراد الشعب يحرضونهم متساءلين: ها قد ذهب الشاه وها قد تحققت الحكومة الجمهورية، فما الذي تحقق؟ إن أُجَراءهم يسعون الى ادخال اليأس إلى قلوب الناس والانحراف بهذه النهضة مما يؤدي إلى انطفاء جذوتها وهزيمتنا.
قاعدة في إيران مقابل نهب النفط
لو أردنا أن نعرف ما الذي تحقق حتى الآن وما نريد ان نفعله في المستقبل، لتبين لنا ان ما تحقق إلى الآن كان معجزة.. فماذا يعني (ما الذي تحقق؟) لقد كنتم إلى الآن أسرى قيود وأغلال منظمة المخابرات التي كانت منتشرة في كل مكان وكانت تؤذي الجميع وتعذبهم. ماذا فعلوا مع الناس في هذه السجون والأقبية التي يشعر الانسان بالخوف عندما يشاهد بعض صورها التي يعرضونها، فهل كان هذا عملا ضئيلًا الذي حققته الثورة؟ ان التساؤل عما تحقق يعني ان هذا كان عملًا ضئيلا! هذا العمل الذي حيّر العالم، حيّر المفكرين في العالم، كيف حصل هذا وكيف تحطم هذا السد، وكيف قطعت يد الأجانب التي كانت ممتدة إلى ثرواتنا حيث كانوا ينهبون نفطنا كله ويشيدون عوضاً عنه قاعدة عسكرية لهم، ويرسلون المعدات والاسلحة للايرانيين معرفة بها أصلًا وبكيفية استخدامها كانوا يرسلونها تحت عنوان اننا نأخذ النفط ونعطي هذه المعدات لهم، وهي في الحقيقة لهم وليست لنا نحن لأنه لم يكن لدينا اطلاع عليها. لقد كانوا يرسلون هذه المعدات لتشييد قاعدة لهم هنا حتى اذا ما وقع نزاع بينهم وبين الاتحاد السوفييتي يكون لهم قاعدة هنا! فكانوا من جهة يأخذون النفط ومن جهة اخرى يشيدون لانفسهم قاعدة هنا مقابل النفط تحت عنوان انهم يسددون ثمن النفط حتى لا تعلوا أصوات الاعتراض!
قطع يد القوى العظمى
إذن فقد وقع أمر كبير آخر محير للعقول وهو قطع يد أمريكا وبريطانيا والاتحاد السوفييتي عن ثرواتنا، فالنفط الآن ملكنا وحدنا، ونتولى إدارة شؤوننا بأنفسنا.
إن الذين يريدون القضاء على هذه الثورة هم الذين يطرحون مثل هذه التشكيكات (مالذي تحقق إلى الان؟) إنهم يذهبون إلى المصانع ويطرحون مع العاملين هناك والمساكين لا إطلاع لهم على القضايا هذه المسائل: (لابأس، ما الذي تحقق الان؟) ومن جهة اخرى يذهبون إلى مناطق الزراعة فيعيقون المزارعين عن القيام بعملهم ويبثون بينهم الدعايات. والحال انهم لو فسحوا المجال لأمكن تنفيذ البرامج المستقبلية بوتيرة أسرع.
معارضة إرادة الشعب
لاحظوا قضية الاستفتاء، لقد كان أمراً يتطلع اليه جميع أبناء الشعب، وقد شاركوا فيه بشوق وحماس. فهل ان هجوم هؤلاء على صناديق الاقتراع واحراقها ومنع الناس من المشاركة في الاستفتاء بقوة السلاح، من أجل الشعب؟ كما أنهم أنفسهم قاطعوا الاستفتاء، فهل ذلك تعبير عن حبهم للشعب؟ أم أنهم يسعون لئلا يشارك أبناء الشعب في الاستفتاء، لإثارة الفتنة والاضطرابات وعودة الأوضاع الى سابق عهدها! وإلا فإن الاستفتاء كان أمراً وطنياً يريده الشعب بأسره، وقد شاهدنا كيف ان تسعاً وتسعين ونصفاً في المائة من الشعب صوتوا له، فيما عارضه أقل من نصف في المئة تقريباً رغم ان كل فئاتهم لو اجتمعت وعارضت الاستفتاء لما بلغت أصواتها 5. 0%! فلماذا كانوا يعرقلون أمراً يريده جميع أفراد الشعب؟ كذلك ثمة موضوع آخر وهو اننا نريد الآن بناء مساكن للمستضعفين، ويريد الناس المشاركة في بناء هذه المساكن، فقد قدمت النساء حليهن ومجوهراتهن، وجاءت مجموعات كثيرة ومختلفة من النساء وقدمن ما ادخرنه طوال حياتهن من أجل بناء مساكن للمستضعفين غير أن هؤلاء انتشروا بين الناس للحيلولة دون تنفيذ هذا المشروع بمختلف السبل.
لم لا يراد لهذا العمل أن يتم؟ هل هو مضر بحال الناس؟! أليست هذه خدمة لأولئك الذين تقولون عنهم: إننا نريد العمل من أجلهم؟!
مؤامرة على طريق عودة الاستعمار
لا، ليست هذه حقيقة الأمر، بل أنهم لا يريدون للاستقرار أن يجد طريقه إلى إيران وأن لا يتم إنجاز شيء يذكر. وعندما لا يكون هناك استقرار ولم ينجز شيء للناس، تقع البلبة حينئذ وإذا وقعت البلبلة ربما يحققون حينئذ أهدافهم. وإلا فهل بناء المساكن للمستضعفين والعمال والموظفين وسائر الناس أمر سيء، أو يتعارض مثلًا مع مصلحة الشعب؟ كما أنهم لا يدعون الزراعة تسير على ما يرام. هل الزراعة أمر مضر لبلدنا حتى يقفوا حائلًا دونها؟ وهكذا العمل في المصانع، هل ادارة عجلة المصانع تضر بحال الشعب؟! إنهم يريدون إثارة الاضطرابات والفتن، ولعلهم يخططون أنه إذا وقعت الاضطرابات هنا، فإن الدول الأجنبية التي تريد نهبنا تعكس أوضاع إيران للرأي العام بصورة وكأن ايران لا تستطيع ادارة شؤونها. فلا بد من إرسال من يدير شؤون إيران. يقومون بانقلاب وتعود تلك الأوضاع وبشكل أسوأ من السابق، ونرجع ثانية لسنوات طويلة يعلم الله مداها إلى تلك الظروف والأحوال التي كانت في السابق.
ان ما أريد قوله لكم أيها السادة هو اننا مازلنا في وسط الطريق ولم نصل بعد إلى برّ الأمان. لقد كان هناك هدف وهو قطع يد اللصوص والناهبين وقد حققنا جانباً كبيراً منه، لقد جمعوا ثروات الشعب وحملوها وفرّوا بها ولكن يدهم قد قطعت الآن وسوف نسترجع منهم ما أخذوه ان شاء الله. فما تحقق لحد الآن هو أننا أزلنا العقبات. أزلنا العقبات التي كانت تعيق النمو الإنساني والنمو الوطني والنمو الطبيعي، ولكن إلى الآن لم يتم إزالة جميع العقبات، بل مازالت هناك بقايا للنظام المباد تعمل على الإفساد، وتريد إيقاع الاختلاف والتفرقة بأية وسيلة وحيلة ممكنة.
العمل من أجل إيران عامرة
ولكن المهم هو أن يكون هذا البلد، الذي أصبح بأيدينا الآن، بلداً مستقلًا ويعمل على تحقيق اكتفاءه الذاتي، وإرساء أسس اقتصاده السليم وزراعته الصحيحة وجامعاته الجيدة وقضاؤه السليم. ان جميع هذه الأمور غير مستقرة وما زالت كما هي عليه في عهد الطاغوت، إنها لم تتغير بعد لأن الحكومة الآن حكومة انتقالية ولذلك فإن الأمر المهم لنا الآن هو أن نصب كل اهتمامنا على حفظ هذه النهضة، ان يكون كل اهتمامنا منصباً لتحقيق الاتحاد بين طلاب الجامعات وطلاب العلوم الدينية.. إن من الأعمال التي قام بها هؤلاء على مدى سنوات متمادية هو عزل الجامعيين، وهم عناصر مهمة في كل بلد، عن علماء الدين الذين هم عناصر مهمة أيضاً في بلدنا، فأصبح هذا يعادي ذاك، وذاك يعادي هذا لقد استطاعوا القيام بذلك من خلال الإعلام والدعايات المغرضة وكانت دعاياتهم قد أثرت فينا مع الأسف فأصبحت كل فئة من هاتين الفئتين ترفض الأخرى بل تلعنها أحياناً، وكان الآخرون يستغلون هذا الاختلاف لصالحهم. نحن نعيش الصراع فيما بيننا بينما يغنم الآخرون النتائج. والشيء نفسه ينطبق على الشرائح الأخرى، فكانوا يعملون دائماً على فصلها عن بعضها: الكسبة عن العمال، العمال عن الآخرين. كانوا يسعون لإبقاء الجميع في حالة فوضى وبلبلة، وكانت هذه النهضة عاملًا في اقترابنا من بعضنا الى حدّ ما. أي أن الجامعي كان يقول الكلام نفسه الذي يقوله الكاسب في السوق، والبائع في السوق كان يردد ما يقوله علماء الدين والجميع يقول ما كان يقوله المزارعون.
من بركات الثورة الإسلامية
إننا إذا لم نواصل السير قدماً والحيلولة دون أن يدب الضعف أو الانحراف في مسيرة هذه النهضة، فمن الممكن أن تعود الأوضاع الى سابق عهدها، ذلك أن هؤلاء الأجانب لم يذوقوا طعم الهزيمة من قبل في ايران، وقد لقنتهم هذه الثورة درساً لن ينسوه. فقد أدركوا الآن كيف أن إذا اتحدت الفئات المختلفة لشعب ما فإنه لا تستطيع أية قوة الوقوف بوجهها، ولا تستطيع أية قوة التغلب عليها. لقد أدركوا هذا الأمر عملياً وقد استنفروا قواهم ليفصلونا عن بعضنا. إن من بركات هذه الثورة انكم قد جلستم أيها السادة الجامعيون معنا الآن- ولم تكونوا تلتقون بنا سابقاً أبداً- جلسنا معاً نتحدث ونفضي بهمومنا لبعض، انهم لم يكونوا يسمحون بذلك من قبل. إن الذين- مثلًا- يعملون في المصانع لم يكن لهم أية علاقة بنا سابقاً، وقد نشأت الآن هذه العلاقة. إننا نرى عندما نذهب يومي الخميس والجمعة إلى المدرسة الفيضية، مختلف الفئات مجتمعة هناك، الجامعي والعامل والعسكري وغيرهم من الفئات المختلفة يجتمعون كلهم هناك، يجتمع الرجال والنساء هناك بقلوب مطمئنة، لا العسكري يشعر بالنفور من الناس ويخاف منهم، ولا الناس يشعرون تجاهه ذلك الشعور. علينا المحافظة على هذا التوجه. إنهم الآن بصدد إيقاع الاختلاف بيننا بشتى السبل وإن كان بعضها يبدو مقبولًا.
أساليب مخابرات الشاه لإيقاع الاختلاف
كما ان هذه القضايا كانت موجودة في عهد النظام السابق، وكنت دائماً أقدم النصائح حول هذه الأمور، ولكنهم كانوا ينجحون في تحقيق بعض أهدافهم مع الأسف. فمثلًا كانوا قبل شهر رمضان- وكانوا يخافون من شهر رمضان لأن الناس يجتمعون وتقام مجالس الخطابة والوعظ والعبادة- يطرحون مسألة ما ويثيرون الخلاف حولها. قبل شهر محرم يفعلون الشيء نفسه، يطرحون مسألة فرعية لنغفل عن المسائل الأساسية. كانوا يطرحون قبل شهر رمضان مثلًا قضية كتاب (الشهيد الخالد) ( "1") خلال كل شهر رمضان تقريباً كانت مجموعة تطرح الإشكالات ومجموعة أخرى ترد على الإشكالات وكل مجموعة تقوم بشتم الأخرى. ويجلس أولئك جانباً يضحكون على ذقوننا، فيمضي شهر رمضان بأكمله إيران كلها في نزاع حول كتاب يطرح مسألة هامشية ليست ذات أهمية. كانوا يتلفون أوقاتنا، ويشغلوننا عن التحدث عنهم بكلمة، فكنا ننشغل بالحديث عن أنفسنا وعندما تهدأ الأجواء قليلًا، ويرون انه قد اقترب وقت اجتماع آخر فيأتون ويطرحون قضية (شمس آبادي) ( "2") وأنا أحتمل- وبعضهم يحتمل أيضاً- انهم هم الذين كانوا وراء قتل المرحوم شمس آبادي، وذلك بغرض إثارة الفتنة وأمضى الخطباء وغيرهم وقتاً طويلًا حول هذا الموضوع وانشغلوا عن الموضوع الأصلي المرتبط بالنظام وبعد مدة يرى الجميع ان هذا الموضوع أمر هامشي فينتهي الكلام حوله! ويسكن الضجيج، ويبدأون يبحثون عن اختلافات أخرى لطرحها في شهر رمضان القادم، وفي شهر محرم التالي، فينشطون للعمل ثانية، ويطرحون قضية (الدكتور شريعتي) فيرتقي الخطباء المنابر ويتكلمون دون أن يلتفتوا إلى عمق القضية، وفي الجانب الآخر يتحرك الشباب المتحمسون أيضاً دون التفات إلى واقع القضية، فكانوا يضعون هاتين الفئتين في مواجهة بعضهما لتنشغل هاتان الفئتان عنهم.
أمريكا عدونا الأول
إننا في هذه المرحلة الحساسة بأمس الحاجة الى التضامن والتكاتف والاتحاد، أكثر من حاجتنا لأي شيء اخر، فإنه يجب علينا وضع هذه القضايا الفرعية جانباً والتوجه إلى القضايا الأساسية. ان امريكا عدوة لنا وعلينا الاهتمام بذلك. وكذلك الدول الأجنبية الأخرى- اليسار واليمين جميعهم- انهم يتطلعون الى نهبنا ونهب الشرق عموماً وليس ايران وحدها. فإيران جزء من الشرق إنهم يريدون سرقة ثرواتنا، ويقفون في وجه نمو شبابنا، ويعرقلون حركة الجامعات، فإذا كان وقت الاختبارات مثلًا، وقت الدراسة، فإنهم يتوجهون الى المدارس ويفتعلون فتنة ما، ويثيرون الشغب والبلبلة. علينا الالتفات الى ذلك لئلا تكون في البين أيد غريبة وهي موجودة لنحذر من أن يجعلونا لعبة بأيديهم ثانية فنتنازع فيما بيننا ويكسبون هم نتائج هذا النزاع. فليحذر الجامعيون، وليتنبه طلاب مدارسنا أيضاً للأيادي التي تريد إيقاع صراع فيما بيننا فيقضون بذلك على ثورتنا، وتعود الأوضاع إلى حالها الأول ويسحقوننا جميعاً.
جميعنا مسؤولون
علينا الالتفات إلى القضايا الأساسية، لدينا الآن الكثير من مشاكل. توجد مشاكل في مختلف المجالات. ليس الجامعي فقط لديه مشاكل، الجميع لديهم مشاكل، غير أن الظروف الآن لا تسمح بطرح مشاكلنا الخاصة، بل لابد من تكريس الجهود للقضايا الأساسية، بأن نعمل على ايجاد حكومة دائمة منبثقة من أوساط الشعب، وتشكيل مجلس ينتمي الى الشعب وحينذاك ننشغل بهذه القضايا التي تأتي في المرتبة التالية. إنكم الآن- أنتم وأنا- جميعنا مسؤولون، مسؤولون أمام الشعب، مسؤولون أمام الأجيال القادمة، إننا بوسعنا الآن ان نحقق ما نريد، فقد كان من المستحيل سابقاً تحطيم هذا السد، ولكنه قد تحطم. إننا الآن في وضع نستطيع بوحدة الكلمة تشكيل المجلس التأسيسي وتشكيل مجلس الشورى، وتشكيل حكومة دائمة، إننا نستطيع الآن القيام بذلك، وسوف يتحقق هذا الأمر إن شاء الله.
كلمة الى الجامعي وعالم الدين
ينبغي على الجميع في هذا الظرف الالتفات إلى ضرورة اتحادنا وتكاتف طاقاتنا، فعلى الجامعيين، والذين هم عضو مؤثر في المجتمع، الالتفات إلى ضرورة الاتحاد مع علماء الدين والذين هم عضو مؤثر في المجتمع أيضاً. فلا يستهين السادة الجامعيون بأهمية التكاتف والتضامن مع علماء الدين. إنكم ترون ان الشعب معهم، فالشعب الذي تودون العمل من أجله، ينضوي تحت لواء علماء الدين. إنهم إذا أرادوا يوماً دفع الشعب للتحرك فسوف يستجيب لهم وذلك لأنه يراهم نواباً للإمام ( "3") فيتبعهم. لا تفرطوا بهم فإنهم قوة كبيرة، لا تضيعوا هذه القوة من أيديكم انني لا أقول هذا الآن، بل كنت أقوله منذ أن كنت في النجف وحتى قبل ذلك أيضاً، كنت أقول بأننا إذا فقدنا هذه الطبقة العلمائية فإننا سوف ننهزم لأننا لا نستطيع عمل شيء، بل هؤلاء هم الذين يستطيعون العمل، لا ينبغي لنا ان نفقد هذه الطبقة. وعلى علماء الدين ايضاً أن لا يتوهموا قائلين: من هو الجامعي؟ إن مقدرات بلدنا بيد الجامعيين، ان مقدرات بلدنا ستكون بيدهم غداً فعلى هاتين الفئتين التفاهم فيما بينها، إن كلتا هاتين الفئتين هما من مستنيري الفكر ولكن مع الأسف أنتم تتصورون إنهم رجعيون متعصبون، وهم يتخيلون انكم متحللون لا تهتمون بالدين. كانوا يتخيلون ذلك ولكن الوضع الآن اختلف، فعلى هاتين الفئتين الاتحاد معاً والتحلي بالوعي السياسي وليعوا ويحذروا إلقاءات الأجانب. إن مسألة تنحية العلماء جانباً و (إسلام من دون علماء)، مسألة يقف وراءها الأجانب يطرحونها ليستغفلوكم.
ومن جهة اخرى فإن الجامعي عضو مؤثر في المجتمع، وسيمسك بيده غداً مقدرات البلد. وإذا أرادت إيران أن تخطو على طريق الرخاء والسعادة فإن ذلك يتحقق على يد هؤلاء. وإذا أريد لها أن تدمر فإنها تدمر بيد هؤلاء ايضاً. فعلى هاتين الفئتين الاتحاد مع بعضهما، عليهما الالتفات للأيادي التي تحاول استغلال الفوضى والاختلاف للايقاع بينهما. ينبغي لكم جميعاً التكاتف والتضامن والسير قدماً بهذه النهضة.
إذا هزمت الثورة لن ترى ايران بعدها السعادة أبداً
يعلم الله بأن هذه الثورة اذا هزمت فإن إيران لن تجد بعدها طعم السعادة ابداً، إنكم جميعا مسؤولون لافرق بيني أنا طالب العلوم الدينية وبينكم انتم طلاب الجامعة، كلانا مسؤول ولابد لنا من العمل، أنا أعمل ما بوسعي وأنتم أيضاً تعملون ما بوسعكم، والتفتوا جميعاً إلى أن قضايانا الأساسية لم تحل بعد، وعلينا الانشغال بها، أما القضايا الفرعية فإنها ستطرح فيما بعد، فلا تضعوا القضايا الفرعية ضمن برامجكم الآن بل التفتوا إلى قضاياكم الأساسية وواصلوا تقدمكم حتى تشكيل حكومة دائمة تقوم- ان شاء الله- باجتثاث هذه الجذور المتعفنة، وبعد ذلك يحين الوقت ليطرح الجامعي مشاكله ويطرح طالب العلوم الدينية مشاكله، وتطرح عشائر (بختياري) مشاكلهم.
الحرمان الشامل
إن فئات الشعب المختلفة تأتي إلى هنا وتطرح همومها وكل ما يقولونه صحيح. يأتي أهل (بختياري) فيقولون ليس هناك من منطقة خَرِبة كمنطقتنا فليس لدينا ماء ولا كهرباء ولا أي شيء آخر.. يأتي البلوش ويقولون الكلام نفسه ويأتون من كردستان ويقولون الكلام ذاته، يأتون من خوزستان أيضاً ويذكرون نفس الكلام. والجميع صادقون فيما يقولون، كل ما يقولونه صحيح وذلك لأنه لم تنجز أي أعمال لأجلهم، إذ ان النظام السابق لم يفكر بخدمة الناس، بل كانت كل جهوده مكرسة للنهب ولم يكن يفكر بالعمل والخدمة! حتى في ضواحي طهران حيث يوجد اكثر من ثلاثين حياً من أحيائها يسكنها المستضعفون، سكنة الخيام والكهوف. إنهم لم يؤدوا لهم أية خدمة ولم يفعلوا من اجلهم شيئاً، فهؤلاء أيضاً ليس لديهم ماء ولا كهرباء ولا أي شيء آخر فلم يكن هناك نية لخدمة هؤلاء أصلًا وإنما كانت كل جهودهم مكرسة لخدمة الطبقة التي ترتبط مصالحها بهم وترتبط مصالحهم بها. وأما بالنسبة للآخرين فلم تكن هناك نية للعمل.
إن الجميع صادقون فيما يقولون، لكن ليس الآن وقت أن يقول أهل (بختياري): (يالله، يجب ان تنجزوا الآن جميع الأعمال)!، إن هذا معناه أن يقع الن زاع بين أهل (بختياري) وبين أناس آخرين، ويسيئوا الظن بالحكومة ويسيئوا الظن بالثورة وتفشل الثورة وتعود الأمور إلى سابق عهدها ويبقى حينئذ أهل (بختياري) مادام العمر في الذل والحرمان، وكذلك أهل (خوزستان). لذا علينا جميعاً إرشاد الناس، أنتم الجامعيون قوموا بإرشاد أصدقائكم، أرشدوا الجامعيين للحذر حتى لا تكون هناك أيادي خبيثة في البين تدفعكم لارتكاب أفعال تسبب الاختلافات بينكم.
الحكومة الإسلامية والحكومات المادية
... أسأل الله تبارك وتعالى ان يعرفنا وظائفنا وان يجعلنا ننظر إلى الأمور برؤية واقعية إسلامية، ويجنِّبنا الوقوع في هذه الأخطاء التي تحصل أحياناً، وأن يجعلنا نتحد بعضنا مع بعض ونكون صوتاً واحداً وأن لا نسمح لهذه الثورة أن تخفت جذوتها، وأن نؤسس أ ان شاء الله- حكومة إسلامية تكون حكومة نموذجية.. إن الإسلام يختلف عن بقية الحكومات، فجميع حكومات العالم عدا حكومات الأنبياء-، حكومات العالم الجيدة لايهمها اكثر من ادارة نظام الطبيعة بأن لا يكون هناك سرقة ولا يكون هناك تخريب، وان يكون الوضع المادي جيداً، ولا شغل لتلك الحكومات بالمعنويات فلا يهمّها ان كنت مهذباً أو لا، ان كنت رجلا سليماً أو لا، بل حتى لو أنك سرقت خفية بحيث لا يعرف أحد بذلك، فإنه لا شغل لها بذلك لا شغل لها بما في داخل منزلك: (لا تخرج إلى الشارع معربداً وافعل في منزلك ما شئت) فلو كان الفرد يرتكب فرضاً الفحشاء في منزله فإنه لا علاقه للحاكم بذلك. لا تخرج من منزلك ولا تفعل ما يخل بالنظام.
ان الجيد من تلك الحكومات هو هكذا، وأما السيء منها وأكثرها فإنهم منشغلون بالتفكير بأنفسهم وأطماعهم.
اهتمام الإسلام بجميع أبعاد الإنسان
إن الإسلام يهتم بكل الأبعاد. فالإسلام وقبل أن تتزوج يخطط لذلك الطفل الذي سيولد منك بعد زواجك، بل يخططله قبل زواجك: أية امرأة تختار أي رجل تختار المرأة، وكيف ينبغي ان يكون الرجل، وكيف ينبغي ان تكون المرأة، وذلك لأن هذا الإنسان مثل النبات الذي يرادله أن ينمو، فالمزارع عندما يريد ان يبذر البذور فإنه يجب عليه ان يتأكد من طبيعة الأرض وخصوتها، ويعرف متى تحتاج إلى الماء وبأي مقدار. إن الإنسان هو موجود من هذا القبيل أيضاً فلا بد من التدقيق في الارض التي سينمو فيها قبل أن يُزرع، وأنها أي أرض ينبغي ان تكون، والذي يريد أن يزرع كيف ينبغي ان يكون. ثم بعد الزواج متى يكون الوقت المناسب للتلقيح. إنه يهتم بجميع الأبعاد، إنه يريد إنشاء إنسان، القرآن هوكتاب تربية الانسان، فإذا تم إعداد انسان مطابق للتعاليم القرآنية فإنكم قد ترون أحياناً بروز شخص مثل (المدرس) ( "4")، ومدرّس واحد يعدل جماعة، لقد وقف وحده في وجه سلطة رضا شاه، تلك القوة الشيطانية، وقف وحده رغم سنّه الكبير في وجه رضا شاه وفي وجه الاتحاد السوفييتي الذي كان يريد الهجوم على إيران....
إن هؤلاء الأجانب يخافون من الإنسان، ولذلك فإنهم لا يريدون للجامعيين أن يظهر بينهم انسان، وكذلك لا يريدون لمدارسنا... لقد كانوا يسعون الى إثارة البلبلة في كل مكان والقضاء على المساجد، وعلى كل شيء.
على طريق تطبيق الإسلام الأصيل
إننا مكلفون الآن بتركيز اهتمامنا وتوجيه كل طاقاتنا من اجل المحافظة على هذه النهضة حتى تحقق كامل أهدافها ونستطيع ترجمة الإسلام كما يجب وينبغي ليكون نموذجاً في العالم، ليروا ماذا تعني الديمقراطية التي ينادون بها، وماذا تعني الحرية وحرية الانسان وحقوق الانسان التي ينادي بها هؤلاء الحقوقيون الذين يعلو صراخهم عندما نريد معاقبة اللصوص والمجرمين، بينما لاينبسون ببنت شفة عندما يقتل الشهيد مطهري.
إننا نريد تطبيق الإسلام، ليتعرف العالم حقيقة حقوق الإنسان، وحقوق المرأة والرجل، وحقوق المزارع والعامل. بيد أن هؤلاء الشياطين، الذين هم صنائع الشياطين الكبار، لا يروق لهم ذلك. ولكن سنبذل كل ما في وسعنا لإقامة الحكومة الإسلامية حينها تتضح نظرة الإسلام للعامل، نظرة الإسلام للأقليات الدينية، ولجميع فئات المجتمع.
أسأل الله تبارك وتعالى السلامة والسعادة لكم جميعاً ولجميع فئات الشعب.
السلام عليكم ورحمة الله
* صحيفة الإمام، ج7، ص: 301,293
1- تأليف نعمت الله صالحي نجف آبادي.
2- السيد أبو الحسن شمس آبادي الذي اغتيل في عام 1976.
3- الإمام الحجة الغائب عجل الله تعالى فرجه.
4- الشهيد حسن المدرس.