يتم التحميل...

الموضوع: تبيين مقام المعلم ومنزلته في الإسلام والقرآن‏

خطاب

الحاضرون: جمع من العاملين في حقل التعليم في أصفهان‏

عدد الزوار: 60

التاريخ: 1 خرداد 1358 هـ. ش/ 25 جمادى الثانية 1399 هـ. ق‏
المكان: قم‏
الحاضرون: جمع من العاملين في حقل التعليم في أصفهان‏

بسم الله الرحمن الرحيم

أشرف الأعمال وأعضمها مسؤولية

إن ما كان في النظام السابق وشاهدتموه فقد ولى. وإنما بقي العار لعملاء الاستعمار. وما تحمَّله شعبنا من آلام طوال هذه الفترة ولى أيضاً وبقي الأجر. وما أثبتته أمتنا للعالم من أنه يمكن التغلب على القوى الشيطانية بالإيمان والإرادة والعزم الراسخ مضى أيضاً. ما كان في الماضي انتهى. ويجب علينا الآن أن ننظر إلى المستقبل. ما هو تكليفنا في الوقت الحاضر؟ وما هو تكليفنا في المستقبل؟ إن المعلمين يقفون في صف واحد مع معلمي العلوم القديمة، أي إن عمل علماء الإسلام، وهم معلمو العلوم الإسلامية، هو نفس عمل المعلمين الآن. وهذا العمل أشرف الأعمال وأعظمها مسؤولية. أشرف الأعمال لأنه عبارة عن تربية الإنسان، وهو العمل الذي جاء لأجله جميع الأنبياء. إن القرآن كتاب تربية الإنسان وقد نزل من أجل إعداد الإنسان. وهذا العمل الذي يقوم به المعلمون سواء معلمو العلوم القديمة أم سائر العلوم عبارة عن بناء الإنسان أيضاً. إننا إذا أعددنا الإنسان فإن هذا يؤدي إلى نجاة بلدنا. إن الذين يمسكون بمقدّرات الدول هم دائماً أناسٌ. غاية الأمر أن بعضهم يكون ظاهرهم إنساني ولكنهم شياطين في واقع الأمر. وبعضهم يكونون أناساً حقيقيين، وهؤلاء العظماء يظهرون دائماً من بين أهل العلم. إن الذين يستطيعون إنقاذ الشعوب وإحياء البلاد وإعمار الدنيا والآخره للأمم هم المعلمون، فالتعليم هو مصنع لصنع الإنسان، كما أن الأنبياء بعثوا لهذا الأمر وهو تربية الإنسان.

التعليم عمل الأنبياء

إن (التعليم) هو أهم ما كُلّف به الأنبياء الذين أرسلهم الله تبارك وتعالى، فوظيفة الأنبياء التي كلفهم الله بها هي تربية الإنسان. والذين هم أقرب إلى مقام الإنسانية هم الأقرب إلى الأنبياء. عندما تساءلت الملائكة عن سبب خلق الإنسان مع أنه سيكون مفسداً في الأرض، أجابهم الله تعالى إني أعلم ما لا تعلمون. ثم علّم الله آدم الأسماء كلها. وعندما عرضت على الملائكة عرفوا أنهم لا يستطيعون إدراك الحقائق كما يدركها آدم، إنهم لا يستطيعون.

فمنذ البداية عندما جاء آدم جاء مع التعليم الإلهي وكان معلماً للبشر. الأنبياء كانوا معلمين للبشر. إن عمل التعليم عمل عام يشمل الأنبياء والأولياء والفلاسفة والأئمة والعلماء والأساتذة والمعلمين، ونحن منهم إن شاء الله. فهذا العمل إذاً عمل عظيم للغاية. إنه عمل بناء الإنسان‏ وإعداده، ولا ترقى إليه بقية الأعمال، ذلك لأنها مرتبطة بجوانب أخرى. إنه لا يوجد في العالم موجود يصل إلى مقام الإنسان، وليس هناك من عمل يوازي عمل بناء الإنسان. إذاً هو عمل عظيم جداً، شريف للغاية.

سعادة الأمم وشقاؤها

ولكن هناك مسؤولية كبيرة تقع على عاتق المعلمين. كلما كان العمل عظيماً كانت المسؤولية عظيمة أيضاً. إنهم مسؤولون عن جميع المقدّرات والحوادث التي ترد على البلد. مسؤولون عن جميع الناس الذين يجب أن يصبحوا أناساً. مسؤولون عن جميع الشباب الذين ينبغي أن تتم تربيتهم على أيديهم. يجب أن تتم تربية الإنسان على يد المعلمين. إن مقدّرات أية دولة تقع في يد هؤلاء الذين يتخرجون من التعليم. كما أن تطور أيّ بلد وتقدمه أو تخلّفه إنما يكون بيد المعلمين. فالمعلم بإعداده لنفسه يجعل الآخرين يتقدمون إلى الأمام ويجعل البلد يتحرك نحو الأفضل. كذلك فإنه هو الذي يؤدي إلى خراب البلد إذا ما انحرف لا سمح الله. إن المعلم هو الذي ينشى‏ء أناساً مهذبين، ملتزمين يشعرون بالمسؤولية. أو ينشى‏ء أناساً طفيليين مرتبطين بالغير. إن كل هذا ينشأ من المدرسة. إن جميع أنواع السعادة وجميع ألوان الشقاء تبدأ من المدارس. ومفتاحها بيد المعلمين.

التعليم ظل للنبوة

يجب على المعلمين أن يلتفتوا أولًا إلى أن عملهم هو عمل الأنبياء، وثانياً إلى أن مسؤوليتهم هي مسؤولية الأنبياء. إن الأنبياء كانوا مسؤولين ولكنهم كانوا يقومون بمسؤولياتهم بشكل صحيح، ويؤدون ما عليهم من مسؤولية بشكل تام، وينجحون في الامتحان .. كانوا مكلَّفين بالتربية، وقد قاموا بها وعملوا على قدر استطاعتهم. وأنتم أيضاً تتحملون أعباء هذه المسؤولية، ولكم الشرف ذاته.

كأن التعليم ظل للنبوة، والمعلمين ظل للنبي، فيجب على الظل أن يعمل بنفس الكيفية التي عمل بها ذو الظل. وإنما أقول (ظل) لأن الظل لا ينبغي أن يكون عنده شي‏ء من نفسه، فكما أنه عندما يقع ظل شي‏ء على الأرض فإنَّ الحركة تكون حركة ذلك الشي‏ء، وإنما يتحرك الظل بحركة ذلك الشي‏ء. وما يقولونه من أن السلطان هو (ظل الله) فهو أفضل تمثيل ولو أننا تصورناه لا ستطعنا تمييز الحق عن الباطل. ظل الله إنما يكون (ظل الله) عندما تكون حركته حركة الله، وليس له من نفسه شي‏ء. إن النبي الأكرم هو (ظل الله) لأنه ... (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى) ( "1")، وأولئك الذين بايعوك (يبايعون الله) ( "2")، إن البيعة مع النبي هي بيعة مع الله، لماذا؟ لأن كل ما كان عند النبي كان من عند الله، وكل ما كان يراه فهو الله. كل حركة يقوم بها الأنبياء تكون مطابقة لرضا الله، فهم يتحركون بحركته، يتحركون بتحريكه. ليس لهم حركة من عند أنفسهم وإنما يتحركون بتحريكه. وأنتم أيضاً أيها المعلمون يجب أن تكونوا ظل الأنبياء.

المسؤولية الجسيمة للمعلمين‏

إن جميع الذين يعملون عمل الأنبياء تقع على عاتقهم مسؤولية جسيمة. فمسؤولية المعلمين مسؤولية عظيمة، كما إن مسؤوليه علماء الدين مسؤولية عظيمة. أي إن هناك مسؤولية واحدة تقع على عاتق الجميع. لدى الجميع المسؤولية ذاتها أمام الله. فأنتم مسؤولون عن الذين يحضرون في صفوفكم ويقعون تحت تربيتكم وإشرافكم لتنشئتهم تنشئة إنسانية. ومعلمو العلوم القديمة أيضاً مسؤولون عن الذين يحضرون عندهم لإعدادهم إعداداً إنسانياً. فإذا أنجزوا هذا العمل بشكل صحيح يمنحهم شرفاً كبيراً، ويكونون قد هيؤوا لبلدهم وشعبهم بواعث الفخر والاعتزاز. لأنه لا يمكن لبلد يتم تربية أبنائه تربية سليمة أن يقبل بالخضوع للاستعمار، ولهذا فإن الذين يريدون أن يبقى هذا البلد تحت نفوذهم بل لابد من القول بلاد الشرق عموماً- الذين يريدون نهب دول الشرق، قاموا بالهجوم على هذين الفئتين: فئة علماء العلوم القديمة، وفئة العاملين في حقل التعليم. غاية الأمر أن الهجوم كان صريحاً مكشوفاً حيناً. وخفياً مستوراً حيناً آخر.

أما الهجوم المكشوف فقد تمثل بمهاجمة علماء الإسلام في عهد رضاشاه، ولعل أكثركم أو جميعكم لا يتذكر ما فعلوه مع علماء الإسلام. لقد قاموا بأعمال جعلت طلاب العلوم الدينية في مدارس قم، في المدرسة الفيضية، لا يستطيعون البقاء نهاراً في مدارسهم، فكانوا يذهبون صباحاً إلى البساتين ويرجعون آخر الليل. لم يكن باستطاعتهم تشكيل جلسة درس واحدة أو إقامة مجلس واحد للوعظ. وما هو أسوأ من هذه الهجمة، الهجمة الخفيَّة بحيث لم يسمحوا للتعليم والثقافة بالنمو، وعملوا على إبقاء التخلف في هذا المجال، لم يفسحوا للتربية أن تتم كما ينبغي ... جعلوا التعليم ينمو بشكل غير إسلامي.
الفرق بين الإنسان المادي والإنسان الملتزم‏

ليس من باب الصدفة أن تنمو مدارسنا بشكل غير إسلامي في عهد هؤلاء. بل المسألة مدروسة وقد خططوا لها. فقد أدركوا أن الذي يمكنه إنقاذ البلد من أيديهم هو الإنسان المسلم الملتزم الذي يشعر بالمسؤولية. إن الذين لا ينشؤون نشأة اسلامية، وكل همهم هذا العالم المادي، فإن سعيهم يكون من أجل امتلاك سيارة! ولا فرق عندهم بين أن تصلهم بواسطة الشيطان أم الله! إنه يريد سيارة، يريد بستاناً، يريد حياة مرفهة، ولا فرق عنده بين أن يهي‏ء له هذه الحياة لصٌّ أو نبي، لأنه لا شأن له بالمعطي. إن الإنسان الملتزم الذي يعيش المسؤولية هو الذي يرفض البساتين إذا أتته عن طريق إنسان منحرف، بينما يشعر بالامتنان والتقدير للشي‏ء القليل إذا وصله عن طريق إنسان صالح. فهذا هو شأن الإنسان الحقيقي. إن الذي يستطيع المحافظة على منافع البلاد ومصالحها هو الذي يجعل فرقاً بين الحياة التي تصله عن طريق (كارتر) والحياة التي تصله عن طريق فرد مسلم. يجعل فرقاً بين الاثنين. فمثل هذا لا يسعى وراء ما يقدّمه الشاه بعنوان أنه الأفضل، ولو كان من قِبل مجرم! بل يسعى للبحث عن مصدره ولا يكون بحثه حول طبيعته. أما الإنسان المادي فإن كل همّه فيما يصل إليه، ولا شأن له بمصدره وعن أي طريق وصل إليه. إن الإنسان الملتزم الذى يعيش المسؤولية يهمه البحث عما حصل عليه، هل وصل من طريق حلال؟ هل إن ما يقدّمونه له هو من مال الناس؟ هل ما يقدّم إليه هو مال مسروق؟ هل ما يقدّم إليه هو مال حلال؟ إن هاتين الفئتين تفترقان عن بعضهما البعض. إن الذي يستطيع المحافظة على منافع ومصالح البلد هو الذي يهمه معرفة السبل السليمة لتحقيق رغباته وتطلعاته. يريد سيارة، فتقدِّم له شركة النفط سيارة. شركة النفط التي قاموا هم بتأسيسها تقدِّم له سيارة. يريد الأفضل، تقدم له الأفضل، فيعمل لهم. تقدم له إحدى السفارات ما يريد، فيعمل لها، لأنه يرى منفعته هنا ولا شغل له بمن يقدم له هذا ومن أين جاء به. ولكن الإنسان الملتزم الذي يعيش المسؤولية فإنه حتى لو قدمت له سفارة ما مئات الملايين فإنه لا يقبل ذلك، لأنه يرى ذلك قد جاء من مصدر يريد حرفه عن طريقه. إذ هو يقدم شيئاً ليأخذ عوضاً عنه، فهو لا يعطي مجاناً. إن سفارة أمريكا إذا قدمت شيئاً لأحد، أو إذا قدَّمت سفارة بريطانيا شيئاً لأحد، فإنهما لا تعطيان هكذا مجاناً، بل تقدمان شيئاً لتأخذا منه عملا ما.

استقلال البلد في ظل الأفراد الملتزمين‏

إن التعليم يستطيع حلّ العُقد. إذا أصبح التعليم بشكل يربي إنساناً، ينشى‏ء ملتزماً، مؤمناً بما وراء هذه الطبيعة، بما وراء هذا العالم، هو الذي يستطيع المحافظة على البلد، وهو الذي لايرضى القيام بخيانة ولو قدَّموا له كل ما يريد. يكون مثل أمير المؤمنين (سلام الله عليه) إذ أقسم- حسب رواية موجودة في نهج البلاغة- بأنني لو أُعطيت جميع أقاليم الدينا على أن أظلم نملة أسلبها قوتها لا أفعل. وطبعاً فلا أحد يستطيع أن يصبح مثله، ولكن مقدرات البلد بيدكم. إن الذين هاجموا التعليم عندنا، هاجموا المدارس القديمة، هاجموا الجامعات سراً وعلانية كانوا يهدفون من وراء ذلك أن لا يخرج من الجامعة إنسان، أن لا يخرج من المدارس القديمة إنسان، ولهذا فقد وقفوا بقوة أمام التعليم والثقافة عندنا حتى لا نخطو إلى الأمام. ذلك أن الذين سيمسكون بمقدرات البلد في المستقبل، إذا نشؤوا أثناء التعليم بشكل كانوا أناساً ملتزمين يشعرون بالمسؤولية صالحين، سوف يعيق تنفيذ مخططاتهم. وأما إذا كانوا لا يشعرون بالمسؤولية ولا يبالون بشي‏ء، ولا يفهمون شيئاً غير ما يأكلونه، فإن الذين يقومون باصطيادهم سوف يقدمون لهم ما يريدونه بشكل أفضل من الآخرين. فيقدمون لهم مناصب أفضل، وأموال أكثر، ليستدرجوهم إلى الاستعمار والاستغلال.

مفتاح سعادة الشعب وشقائه‏

إذن، فعملنا جميعاً، عملي وعملكم، عمل ورثناه من الأنبياء. فإذا قمنا بخيانة هذا العمل فقد قمنا بخيانة الأنبياء، قمنا بخيانة الله تبارك وتعالى. وخيانتنا هي أن نقوم بالتربية المنحرفة للشباب الذين تقع علينا مسؤولية تربيتهم. إذا كان يهمكم أن يبقى بلدكم مصوناً وأن يبقى دينكم محفوظاً، فاعملوا على تنشئة الشباب تنشئة سليمة، على تنشئة الإنسان. إن مفتاح المحافظة على بلدكم ودينكم بأيدكم. إن مفتاح سعادة وشقاء أي بلد بيد المعلم. إذا كان المعلم صالحاً يصلح البلد. وأما إذا كان المعلم منحرفاً سوف يفسد البلد. إذاً، أنتم الذين تستطيعون أن تسيروا بالبلاد قدماً، سواء معنوياتها أو مادياتها. وأنتم الذين تستطيعون أن تسيروا بالبلاد نحو القهقرى- لا سمح الله- سواء معنوياتها أو مادياتها. فالعمل إذاً نبيل. والمسؤولية جسيمة. فهذا العمل الذي تحملتموه هو عمل نبيل. ونحن معكم أيضاً تبع لكم إن شاء الله لا تخونوا هذه الأمانة، الأمانة التي منحكم الله إياها. وإن شاء الله لن نخونها.

إحساس الشياطين بالخطر

حفظكم الله تعالى. وآمل أن يتغير التعليم عندما تسنح الفرصة لذلك. إنكم ترون الآن أن الفرص قليلة، فالشياطين يعملون بكل ما في وسعهم ولا يروق لهم نجاحنا في مسيرتنا. فقد أدركوا بأنه إذا استيقظ شعب ما وفاق من رقدته واتحد أبناؤه وكان هدفه إلهياً فإنه يستطيع تحقيق أهدافه. لقد أدركوا ذلك ولمسوا هزيمتهم. إن مؤامراتهم الآن كثيرة بعد أن أدركوا ذلك. فليس عبثاً أن يتحدث أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي بذلك، فهم يدركون ما ضاع من أيديهم. إن مجلس الشيوخ الأمريكي لا يحترم الإنسان ولا يجعل له قيمة. إنهم يقتلون الناس. إنهم يقومون بقتل الناس أفواجاً إذا كانوا مانعاً في طريقهم. إن كل ضجيجهم ونهيقهم لما ضاع من أيديهم، لقد فقدوا بلداً، ويخشون أن يفقدوا بلدان إسلامية أخرى سيفقدونها إن شاء الله. وسوف يستيقظ الشرق إن شاء الله ...

* صحيفة الإمام، ج‏7, ص: 314،310


1- سورة الأنفال، الآية 17.
2- سورة الفتح، الآية 10.

2011-04-30