الموضوع: ضرورة مواجهة مؤامرات الأعداء، وأهمية تطهير وزارة العدل والمؤسسات الإدارية
خطاب
الحاضرون: جمع من حرس الثورة الإسلامية ومنتسبي وزارة العدل
عدد الزوار: 72
التاريخ 3 خرداد 1358 هـ. ش/ 27 جمادى الثانية 1399 هـ. ق
المكان: قم
الحاضرون: جمع من حرس الثورة الإسلامية ومنتسبي وزارة العدل
بسم الله الرحمن الرحيم
انتصار الثورة على يد الطبقات المحرومة
إن هذه فرصة سنحت لنا ولكم ببركة هذه النهضة... حرّاس الثورة المحترمون يجلسون إلى جانبنا، ومنتسبو وزاره العدل أيضاً يجلسون إلى جانبنا، نتدارس القضايا لعلنا نجد حلًا لها إن شاء الله. أتحدث أولا ببضع كلمات فيما يخص حرس الثورة، إذ يجب علينا أن نشكر هؤلاء الجنود، هؤلاء الشباب النجباء، هؤلاء الشباب العاملين، نشكرهم على ما فعلوه، إذ كانوا سابقاً من المحرومين، ثم قاموا بأداء تلك الخدمة للبلد حيث قد نهضوا وثاروا، وبجهودهم استطاعت هذه الثورة تحقيق ما هي عليه الآن. فلا يخفى على أحد بأن الذين حققوا النصر لهذه الثورة هم أبناء هذه الطبقة المحرومة من النساء والرجال، فهؤلاء هم الذين نزلوا إلى الشوارع بنداء (الله أكبر) وبقبضات محكمة وإيمان قوي ولم يعبأوا بالقوى الشيطانية. إن هؤلاء النساء المحترمات والرجال الأعزاء المحترمين، أبناء الطبقة المحرومة هم الذين استطاعوا هزيمة القوة الشيطانية وتحطيم هذا السد. وهؤلاء هم الذين يتحملون أعباء المسؤولية في المستقبل.
جذور الطاغوت في إيران
إننا لم نصل بعد إلى ما نريده ويريده شعبنا ألا وهو إقامة حكومة العدل. لقد استطعنا لحد الآن إزالة الموانع إلى حدّ ما، فقد قمنا بطرد الناهبين ولكن ما زالت هناك بقايا لهم، فإذا أعطينا هذه الجذور المتبقية فرصة فمن الممكن أن تنمو تدريجباً. إنهم الآن ليسوا بشيء ولكنه لا ينبغي لنا استصغار العدو، بل لا بد من الحذر، فأينما ذهبنا في أرجاء البلد نرى مخططات تآمرية للحيلولة دون تحقيق هذه النهضة أهدافها الحقيقية. ولهذا فنحن نمر الآن في ظرف حساس وهو في اعتقادي من أكثر المراحل التاريخية حساسية، ونحن جميعناً مسؤولون. طالب العلوم الدينية مسؤول، السادة العلماء الموجودون هنا مسؤولون، أنتم حرس الثورة مسؤولون، كل فرد منكم مسؤول، السادة في وزارة العدل أيضاً كل واحد منهم مسؤول، جميع فئات الشعب مسؤولة، إذ إننا نمر الآن في ظرف إذا أردنا التساهل فيه بحيث أسعى أنا للوقوف جانباً قائلًا ليعمل الآخرون، وأنتم أيضاً تتنحون جانباً قائلين ليعمل الآخرون. فإن مثل هذا يؤدي إلى عجزنا عن تحقيق أهداف هذه النهضة، إننا جميعاً، كل فرد منا يستطيع إنجاز عمل على قدر استطاعته، فالجندي يستطيع العمل بمقدار رجل واحد شجاع، والجماعة تستطيع القيام بعمل بما يتناسب وتعداد أفرادها، لأن الجماعة تتشكل من هؤلاء الأفراد. فإذا لم يعتبر الفرد نفسه مسؤولا فإن الجماعة بالتالي لن ترى نفسها مسؤولة لأنها تتشكل من هؤلاء الأفراد.
السعي من أجل الوصول إلى الهدف النهائي
إن علينا جميعاً في الوقت الحاضر، مثلما كنا قبل تحقيق هذا النصر المؤزر وقبل تحطيم ذلك السد الكبير، حيث كنا لا نهتم ولا نتلفت إلى أننا إذا رجعنا في المساء إلى المنزل فما هو عشاؤنا، عندما نرجع ظهراً ما هو غداؤنا، ما هي مشاكلنا الخاصة. إننا جميعاً نعرف أنه لم يكن أحد يهتم بهذه القضايا في تلك الأيام، وأنكم عندما كنتم تهتفون (الله أكبر) لم يكن هناك من همّ غير تقدم الإسلام وانتصاره. لم يكن لديكم همّ آخر ولم يكن هناك التفات للمشاكل الشخصية أبداً. إنني أعلم عندما كان الجميع في أجواء النضال حيث كانوا يقفون بوجه الدبابات، لم يكونوا يلتفتون أصلا للمسائل المرتبطة بهم واحتياجاتهم الشخصية، بل كانوا يعيشون هماً واحداً وهو تقدمهم والسير بالإسلام إلى الأمام وإنقاذ البلد. كانوا كذلك لأنهم كانوا في وسط الطريق، نظير القافلة التي تتحرك من مكان باتجاه مكان آخر فإنها مادامت في الطريق لا تشعر بالتعب لأنها منشغلة بالسير، ولكنها عندما تصل إلى مقصدها فإنها حينذاك تشعر بالتعب، وتدريجياً تشعر بالكسل.
فلا ينبغي لنا وقد انتصرت هذه الثورة ووصلت إلى هذه المرحلة بسبب وحدة كلمة جميع فئات الشعب والإيمان والتوكل على الله تبارك وتعالى، أن نتوهم أن عملنا قد انتهى لأننا انتصرنا. إن توهم الانتصار هذا يؤدي بنا إلى الضعف. فعندما يعتقد الإنسان أن العمل قدتم وانتهى فإن حاله تكون مثل حال القافلة التي وصلت إلى مقصدها، إذ لا تستطيع بعد ذلك أن تنهض وتسير حتى نصف فرسخ آخر، لا تشعر بأن لها القوه على ذلك.
إن علينا الالتفات إلى أننا مازلنا في وسط الطريق، وما زالت توجد أمامنا مراحل لابد من طيها. وأهمها استئصال هذه الجذور المتعفنة الموجودة الآن في بلدنا، وتلك المؤامرات التي تحاك وراء الكواليس.
المسؤولية الجسيمة الملقاة على عاتق أفراد الشعب
إنهم الآن لا يستطيعون عمل شيء، فالشعب متحد ومتكاتف، ولكن إذا كان منا الضعف ومنهم التجمع، إذا خطونا على طريق الضعف وساروا هم باتجاه التآمر، فإن عددهم سوف يزداد تدريجياً بينما يتناقص عددنا. ومن الممكن في وقت ما، أن تصاب- لا سمح الله- نهضتنا بالهزيمة. وإنني أقول لكم بأنه إذا فشلت هذه الثورة فإن إيران ستعاني من الذل والمصائب الى آخر عمرها. إن مثل هذه النهضة تقع على مر التاريخ مرة واحدة. فإنكم لا تستطيعون العثور على شبيه لها في تاريخ إيران، لم يحدثنا التاريخ عن نهضة كهذه التي حصلت في إيران خلال عام أوعامين. فإذا انطفأت- لا سمح الله- جذوة هذه النهضة وظهر الضعف والوهن ولم تحقق أهدافها، سيعاني الشعب الإيراني الى ما لا نهاية... أن أجيالكم القادمة سوف تعاني من الإرهاب والعذاب والآلام والتبعية للدول العظمى. ولهذا فإنّه يقع عليكم الآن أيها الشباب الشجعان الأعزاء، ويقع علينا نحن الشيوخ العجزة مسؤولية جسيمة. يقع علينا الآن عبء ثقيل. يجب علينا بهمتكم الرجولية ودعائنا أن نوصل هذه الثورة الى برّ الأمان، وأن نقضي على هذه الفوضى، ونمنع هذه الجذور المتعفنة التي تسعى للنمو ثانية من النمو وسوف لا نسمح لها بذلك إن شاء الله.
ضرورة تنمية القوى المعنوية
إن الذي أتوقعه منكم أيها الحرس، أنتم وبقية أصدقائكم وجميع حرس الثورة في إيران، هو أن تحافظوا على الأبعاد المعنوية الإسلامية. إن الإنسان إذا حافظ على البعد المعنوي، والروحي للإسلام، فإن الفرد الواحد يصبح مائة، الفرد الواحد يصبح ألفاً. إن مالك الأشتر ( "1") لم يكن شخصاً واحداً، بل كان جيشاً وأكثر. إن أمير المؤمنين (سلام الله عليه) لم يكن شخصاً واحداً، بل كان كل العالم، بسبب تلك الأبعاد المعنوية والواقعية التي كان يتحلى بها، فمادام الأنسان ملتفتاً إلى هذه الماديات الدنيوية والجهات المتدنية فهو فرد واحد، فرد واحد حيوان أيضاً! إننا نشارك الحيوانات في أننا جميعنا نأكل وننام، نقوم بهذه الأفعال الحيوانية. أما الذي يميزكم ويميزنا جميعاً عن الحيوانات هو الأبعاد الموجودة في الإنسان، إنها موجودة فيه بالقوة ولابد أن تصبح بالفعل. لابد من تنمية البعد الإلهي والمعنوي الموجود في الإنسان. إنكم إذا قمتم بتنمية البعد المعنوي فإن واحدكم يصبح فوجاً. لا يبقى فرداً واحداً. القطرة الواحدة تصبح بحراً.
مراعاة النظم والقانون
إن ما أريد قوله لكم وعن طريقكم لجميع حرس الثورة- وإنني أدعو لهم وأنا خادم لهم- هو أن عليكم الانتباه لئلا تتصرفوا في وقت ما خلافاً للضوابط الإسلامية مع إخوانكم ومع الآخرين. فلابد أن يكون هناك نظام. فمثلا إذا تخلى العسكريون عن نظامهم العسكري فإنهم لا يستطيعون حينئذ القيام بشيء. إذا لم يطع الأدنى الأعلى فإن الوضع سيضطرب، ولا يبقى هناك نظام وانسجام، إذا تخلى مثلا جنود حرس الثورة عن طاعة قيادتهم التي ينبغي عليهم إطاعتهم، أو أنهم لم يطيعوا المركز الذي يجب عليهم إطاعته، وأصبحوا يفعلون ما يشاؤون، فإن هذا يؤدي الى التفرقة إن هذا الأمر هو الذي يؤدي بحرس الثورة وبجميع القوى الاجتماعية إلى التفرقة. إن المجتمع إذا تحرك وفق نظام معين فإنه سينجح في أعماله. ولكنه عندما يتفرق أفراده وكل منهم يريد الحركة والسير في اتجاه فإنه سيحصل تشتت وفرقة، وإذا وقعت الفُرقة في المجتمع فإنه لا يمكن حينئذ إنجاز شيء من الأعمال. إنكم قدخطوتم من أجل الله ووصلتم بالثورة إلى هذه المرحلة، فكونوا في المستقبل أيضاً بعضكم مع بعض من أجل الله. لابد أن يكون هناك نظام، طاعة. والذين ينبغي طاعتهم هم مثلًا الأكبر أو الذين تم تعيينهم قادة لكم. لابد من الطاعة ليتحقق النظام.
ومن الأمور التي أريد التنبيه إليها هو أنه لا يصح أن يكون الوضع بشكل إنكم إذا شخصتم بأن شخصاً معيناً في الشرطة أو في الجندرمة أو في الجيش، كان مجرماً فتذهبون بأنفسكم وتأخذونه. إن هذا يؤدي إلى إضعاف الشرطة وإضعاف الجندرمة وإضعاف الجيش ويفقدهم معنوياتهم. إن هذا مضر لكم ومضر لبلدكم ومضر للإسلام. فإذا شخصتم بأن الشخص الفلاني مجرم فالمفترض أن ترجعوا إلى المسؤولين وتطلبوا منهم تسليمه إلى الجهات المختصة. أما أن تذهبوا بأنفسكم وتلقوا القبض عليه وتأخذوه من وراء مكتبه فإن هذا يؤدي إلى الفوضى، وهو مخالف لأحكام الإسلام، فلابد من الانتباه لذلك. ولهذا، فإن هذه القضايا لابد أن تجري طبق نظام حتى يتم اجتثاث هذه الجذور- إن شاء الله- وتحققون أهدافكم ويتحقق الإسلام وأحكامه بالشكل الذي ينبغي أن يتحقق.
ضرورة التغيير في وزارة العدل والمؤسسات الإدارية
وفيما يتعلق بالكلام الذي تحدث به السيد في وزارة العدل، فإن لدينا الآن قضايا أساسية موجودة بالفعل وهناك قضايا تأتي في المرتقة التالية. إن القضية الأصلية المطروحة أمامنا الآن هي أن نقوم بتجميع قوانا للقضاء على هذه المفاسد وهي في بداياتها، والتصدي للمؤامرات التي يعمل المتآمرون في الخارج والداخل معاً على تكثيفها وتعميقها. ففي الوقت الحاضر ينبغي أن تتعاون جميع القوى مع بضعها سواء قوات حرس الثورة أو قوات الجندرمة والجيش والشرطة أو قوى الشعب الأخرى. يجب على الجميع وضع أيديهم في أيدي بعض والتوجه لأمر واحد. فكما كانت كل الجهود في السابق مكرسة لتحقيق هدف واحد وهو أنه لا ينبغي لهذه الأسرة أن تبقى، وتم القضاء عليها، فإن على الجميع الآن أن يتوجهوا نحو أمر واحد وهو أنه لا ينبغي لهذه الحشائش الضارة أن تبقى، وإذا تم القضاء عليها فحينئذ يبدأ إعمارالبلد. لا تتخيلوا أنه يجب التغيير في وزارة العدل فقط. إن الثقافة أيضاً ينبغي تغييرها فيها. إن جميع الأمور مضطربة ولابد من إجراء التغيير فيها. إن وزراة العدل اليوم طاغوتية، ثقافتنا كذلك أيضاً. المجلات كذلك، إن هذه الأمور لابد من الالتفات إليها جميعها ولكن بعد أن نكون قد فرغنا وانتهينا من القضية الأصلية. إننا إذا غفلنا عن هذه القضية الأساسية والتفتنا إلى هذه الفروع وإلى الحاجات والمتطلبات الأخرى، فإن هذا يؤدي إلى نمو تلك الجذور لا سمح الله في وقت ما، وسيقومون بإعادتنا إلى الأوضاع السابقة حيث لا نستطيع حينها الاجتماع في مثل هذه المكان والتحدث معاً. إن هذه النعمة قد حصلنا عليها الآن حيث يتسنى لنا أنا طالب العلوم الدينية وأنتم الذين لم نجتمع معكم في أي وقت من الأوقات، الاجتماع والتحدث معاً. أصبح العسكري الذي في الجيش يجتمع مع الجندي في حرس الثورة ومع الشرطي وعالم الدين، يجتمعون معاً في مجلس واحد ويتدارسون همومهم.
المسؤولية الأساسية تتمثل في القضاء على عملاء الطاغوت
إن الحرية التي حصلنا عليها الآن نعمة يجب علينا معرفة قيمتها، وأن نعمل جميعاً على المحافظة عليها. إنها نعمة منَّ الله بها علينا فيجب علينا شكر هذه النعمة والمحافظة عليها، والسير معاً للأخذ بهذه النهضة الى برّ الأمان. وعندما يتم تشكيل حكومة مستقلة وتأسيس مجلس نيابي حينها يمكن الالتفات للمسائل الأخرى، لجميع المسائل الذي ذكرها هذا السيد ( «148»)، وما قاله صحيح. كما إن الجميع يذكرون نظير ذلك وما يقوله الجميع صحيح أيضاً، لا تتصوروا أن وزارة العدل فقط هي التي وضعها بهذا الشكل، بل في جميع الأماكن توجد مثل هذه المسائل. ولكن الوضع الآن شبيه بما يعقب وقوع زلزلة، فأريد أنا مثلًا أن أجلس وأقرأ، والآخر يريد أن يجلس ويتفرج أو يذهب ويصلي، وأنتم تريدون مثلا أن تجلسوا للكسب والبيع والشراء. إن هذا غير صحيح، بل يجب على الجميع العمل لإنقاذ المصابين نتيجة الزلزال. فليس لي أن أذهب وراء عمل آخر وليس لكم ذلك، ليس لأي منا الالتفات إلى حاجاتنا الفعلية. وإنما علينا الانشغال بما يحتاج إليه المجتمع في الوقت الحاضر، بما يحتاج إليه البلد الآن، بما يأمرنا به الإسلام. وبعد الانتهاء من هذه المرحلة يأتي دور المراحل الأخرى. ولا شك أن زراعتنا الآن تعاني من النواقص، ودوائرنا أيضاً تعاني من النواقص، وزراة العدل أيضاً كذلك، مجالنا الثقافي أيضاً كذلك.
إن جميع هذه الأمور من الواضح أنها تحتاج إلى إصلاح وتطهير، ولكنها تحتمل التأجيل، فالظرف حالياً هو ظرف وقوع زلزال. يجب علينا اجتثاث هذه الجذور ورميها بعيداً لئلا تجتمع مع بعضها وتقوم بالتآمر علينا. وإنني آمل أن نستطيع استئصال هذه الجذور بمعونة القدرة الإلهية التي كانت سنداً لنا وحطمت هذا السد.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
* صحيفة الإمام، ج7، ص: 345,341
1- أحد قادة وأصحاب الإمام علي بن أبي طالب.