الموضوع: الجزاء الكامل لأعمال الخير والشر في الآخرة
خطاب
الحاضرون: أخصائيو الأجهزة الطبية للإسعاف في طهران
عدد الزوار: 76
التاريخ 5 خرداد 1358 هـ. ش/ 29 جمادى الثانية 1399 هـ. ق
المكان: قم
الحاضرون: أخصائيو الأجهزة الطبية للإسعاف في طهران
بسم الله الرحمن الرحيم
الاحساس بالخطر من مؤامرات الاطاحة بالثورة
طبعاً هناك فرق بين السماع والرؤية. وفي هذه الجنابات الأخيرة كنا نسمع بالمصائب التي وقعت على شبابنا وعلى أطفالنا. كنا نسمع عن بعد بينما كنتم أنتم تشاهدون عن قرب، وهناك فارق كبير. لقد كنا نقوم خارج البلاد بخدماتنا عبر الكلام، بينما قمتم أنتم بخدمات عملية، لقد كنتم في الساحة، وكنتم تقومون في ساحة الجهاد بأعمالكم ومسؤولياتكم، وعملكم أفضل من عملنا.
طبعا نحن أيضاً رأينا بعض الاشياء عياناً في عهد الشاه السابق حيث كنا شباباً. ولكنكم رأيتم أخيراً ماذا جرى على هذا الشعب، وتشعرون أكثر منا بالنفور من هؤلاء الذين يريدون إثارة الاضطرابات ليعود النظام المنحوس بصورة أخرى- لا النظام الملكي بل بصورة أخرى وتعود القضايا ذاتها السابقة ويتعرض شعبنا ثانية للمآسي التي شاهدتموها.
إنكم تشعرون أكثر منا بالغضب من خيانات هذه الجماعات التي تريد إثارة الفوضى باستمرار وبمساعدة من الخارج، من الآخرين الذين نهبونا، أولئك الذين قُتل شبابنا بسبب مؤامراتهم لعلهم يتمكنون من العودة ثانية. وذلك لأنكم قد رأيتم ماذا فعلوا، ونحن قد سمعنا ماذا فعلوا، لقد فعلوا كل ما يستطيعون فعله وذهبوا. وسوف ينالون جزاءهم ان شاء الله هنا وكذلك يوم الجزاء.
ضئالة الجزاء الدنيوي للشاه الظالم
هناك أعمال لا يمكن أن يكون جزاؤها في هذه الدنيا، فكل مجرم هو شخص واحد، مثل بقية الناس، له نفس واحدة وحياة واحدة، فإذا قتل هذا المجرم عشرة آلاف شخص وأردنا عقابه من أجل كل هذا التعداد فكيف نعاقبه؟ مجرم واحد قام بتعذيب مائة شخص وبذلك الشكل الذي تعرفونه، بذلك الشكل الذي سمعتم به، فإذا أردنا الآن أن نعاقبه فكيف نعاقبه؟ لا يمكن ذلك. فإنله نفساً واحدة، وغاية ما نفعله هو أن نقتله. لا، بل غاية الأمر أن نقتله تعذيباً فرضاً، ولكنه لم يعذب شخصا واحداً فقط، ولم يقتل شخصاً واحداً فقط، حتى يكون قتلًا مقابل قتل، وتعذيباً مقابل تعذيب. إن الذين كانوا يقومون بالتعذيب، وكانوا يتلقون دروس التعذيب من خارج البلاد، كانوا يقومون بتعذيب الناس جماعات جماعات! إن هؤلاء الذين قتلوا شبابنا، وبعضهم قتل أعداداً كبيرة من شبابنا، لو أردنا تعذيبهم وإيقاع العقوبة بهم، فلن يكون ذلك إلّا شيئا ضئيلًا بحقهم.
صور الأعمال في ما وراء الطبيعة
لكن هناك مكاناً آخر فيه من التعذيب ما لا نستطيع فهمه، وهو ينشأ من نفس الأعمال وليس شبيهاً بما يجري هنا حيث يأتي مأمور من الخارج ويقوم بالتعذيب، بل إن نفس عمل الإنسان يواجه الإنسان هناك سواء كان صالحا أم طالحاً. (ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) ومن جهة أخرى أيضاً (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره) ( "1") يعني يرى نفس العمل. فكل ذرة يعملها الإنسان لها صورة في ما وراء الطبيعة. هنا يترك العنان للسانه، فيشتم مسلماً أو مؤمناً، أو يغتابه، وافرضوا أن ذلك المؤمن هو في أمريكا. فأنتم تشتمونه أو تغتابونه من هنا، فهنا حيث امتد لسان الإنسان بهذا الحد الكبير، تكون صورته هناك أن يمتد هذا اللسان إلى هناك ويعبرون من فوقه! ففي الرواية أن استطالة اللسان وترك العنان له هنا تكون له صورة هناك. إن لكل واحد من هذا التعذيب الشنيع الذي فعلوه بشبابنا صورة هناك. كل حرق فعلوه فإنهم يحرقون بمثله. إن نفس هذا العمل تكونله صورة هناك. إن نفس هذا العمل يكون عذاباً هناك.
إن أعمالكم الإنسانية التي قمتم بها، وفي وقت كان الجميع تحت التعذيب وفي صلب المعاناة، وقمتم أنتم بمثل هذا العمل الإنساني وأخذتم المعذبين لعلاجهم، فإن هذا له صورة هناك، إن نفس عملكم هذا له صورة في ما وراء الطبيعة، ونحن الآن لا نستطيع أن نفهم ما وراء الطبيعة، الأنبياء كانوا يفهمون هذا وقد أطلعهم الله تبارك وتعالى عليه، فأي عمل تقومون به وأي عمل نقوم به سواء كان حسناً أم سيئا، فإننا سوف نراه هناك. ولا يمكن أن يخفى على أحد. إن نفس العمل الذي نعمله يتحقق ويكونله وجود هناك. وكذلك ملكات الانسان، فواحد عنده ملكة جيدة، وآخر عنده ملكة قبيحة، ملكة سيئة، إن نفس هذه الملكات لها تجسم هناك، لها تحقق في ذلك العالم... إن الإنسان عندما يأتي إلى هذه الدنيا تكون الأشياء موجودة فيه بشكل استعداد، أي ليس لها تحقق، وإنما يمتلكها بالفطرة.
الفضائل والرذائل الأخلاقية في الإنسان
إن الطفل عندما يأتي إلى الدنيا يكون مهيأ لقبول الملكات الصالحة، وكذلك الملكات الرذيلة. فإذا سعى باتجاه الملكات الرذيلة، فإنها تتحقق تدريجياً، ويصبح باطن ذات الإنسان موجوداً رذيلًا. إن الإنسان يقوم أحياناً بأعمال تناسب أعمال بعض الحيوانات، كأن يكون مفترساً، ولو افتراسا لفظياً حيث يتعرض للناس ويعتدي على كرامتهم بالسبّ وأمثال ذلك، وهذا افتراس. أو أن يكون لديه أنواع أخرى من الافتراس، فتظهر في الإنسان ملكة الافتراس. وعندما ينتقل الإنسان من هنا إلى العالم الآخر فإن نفس ملكة الافتراس هذه تصبح صورة حيوانية مطابقة لصورة مناسبة لها! تتحول إلى صورة حيوان من الحيوانات المفترسة بحسب تناسبها معه، ويقولون إنه قد يكون للإنسان هناك أحياناً عدة صور مختلفة. وفي الأعمال الصالحة يكون الأمر كذلك أيضاً.
إن الأعمال الصالحة هي التي تكون منسجمة مع نفس الإنسان، إن نفس الإنسان خلقت سعيدة، أي أن استعداد السعادة موجود فيها، وفطرة الإنسان فطرة سعيدة. والعمل الصالح هو المنسجم مع هذه الفطرة. (صالح) يعني سالم، مسالم مع هذه الفطرة. العمل غير الصالح هو الذي لا يكون منسجماً مع فطرة الإنسان. إن هذه الأعمال التي قمتم بها من أجل إخوانكم مسالمة مع الفطرة ومنسجمة معها. إن فطرة الإنسان فطرة الحب لإخوانه، والعداوة فطرة ثانوية توجد في الإنسان. الحب فطرة أولية للإنسان. فعندما يولد الطفل تكون الرحمة والمحبة ظاهرة فيه. وتدريجياً ووفقاً للعوامل المحيطة فإما أن تتلاشى وتنتهي وإما أن تشتد قوةً بعمله الصالح. لا تتصوروا أن هذه الأعمال التي قمتم بها خدمة لإخوانكم قد ذهبت سدىً! لا، بل هي مكاسب لكم، إنها الأعمال التي سترون صورها غدا، وأية صور جميلة! وسوف ترون آثارها، وأية آثار جميلة هي! سوف ترون يومئذ كيف هي حال أولئك الذين قاموا بالتعذيب. ويشير القرآن الى أن هؤلاء يرون أولئك، حيث تكون لهم أحياناً إحاطة فيرونهم، وأولئك أيضاً يرون هؤلاء. فيقول أولئك لهؤلاء: أعطونا قليلا من الماء أو الطعام ( "2"). إنهم الذين ربما تركوا شبابنا عطاشى- لابد أنهم فعلوا ذلك- هؤلاء أيضاً سوف يرون عملهم. إن جهنم تُصنع من أعمالنا، وكذلك الجنة تُصنع من أعمالنا أيضاً. كله من عملنا. اسعوا أن يكون عملًا صالحاً منسجماً مع الطبيعة والفطرة.
المحبة الروحية والعلاج البدني
إن الأعمال التي قمتم بها لا يمكننا أن نحدد قيمتها. ففي ساحة الحرب حيث الرصاص يئزّ، والعدو قد هجم بدباباته ومدافعه، أن يلقي الإنسان بنفسه وسط الخطر لإنقاذ شخص، فإننا لا نستطيع هنا أن نقدّر قيمة هذا العمل. فليست القضية مسألة إنقاذ إنسان. بل هي الحاله الروحية التي يتحلى بها هذا الإنسان، حيث يذهب وهو بهذه الحالة الروحية ويقدم على هذا العمل إن لعملكم هذا قدراً عند الله، فاستمروا عليه. وإن شاء الله لن تقع تلك الأمور، ولكن على أية حال الحوادث موجودة، والابتلاءات موجودة، والأمراض موجودة، كل هذا موجود.
إن عملكم عمل شريف وله قيمة عظيمة، ونظراً الى أنكم على صلة مباشرة مع الإخوة المصابين، فالتفتوا إلى العمل بشكل جيد، وتعاملوا معهم بشكل جيد. إن الإنسان إذا كان مصاباً، دهسته سيارة مثلًا أو جرح أو تعرض لزلزلة أو شي آخر، فإنه يحتاج إلى الرفق به أكثر مما يحتاج إلى المداواة. فالذي يذهب لإنقاذه أو إسعافه ومعالجته أو يحضر طبيباً، لابد أن يعلم أن هذا الإنسان يحتاج الآن إلى أن الرأفة والرحمة أكثر مما يحتاج إلى المداواة. هذا لطف روحي وتلك مصيبة بدنية. يجب الانتباه جيدا إلى أن تكون معاملتكم لهؤلاء المصابين معاملة تخفف عنهم آلامهم. وإنما يكون التعامل معهم جيدا عندما تكونون كالأب الذي يريد إنقاذ أولاده، إن الأم التي أصيب ولدها وتريد إنقاذه، فإن ولدها يسكن ويهدأ بحنان أمه ورفقها به أكثر مما تؤثر فيه المعالجة، إنه يحتاج إلى أن تسكن روحه، والأم تمنح السكينة لروحه، والأب يمنح السكينة لروحه. فتعاملوا مع هؤلاء المصابين كما يتعامل الأب مع أولاده المصابين، كما تتعامل الأم مع ولدها المصاب. وهذا له قيمة كبيرة، وذاك أيضاً له قيمة، ولكن هذا له وضع آخر.
منّ الله عليكم جميعاً بالسلامة والسعادة، ووفقنا وإياكم للقيام بوظائفنا، وظائفنا الإنسانية، ووظائفنا الإسلامية، إن شاء الله.
* صحيفة الإمام، ج7، ص: 358,356
1- سورة الزلزال، الآيتان 7 و 8.
2- إشارة الى معنى الآية 50 من سورة الأعراف.