الموضوع: دوافع انتفاضة الشعب- تغيير النظام السياسي من خلال استفتاء عام
مقابلة
أجرى المقابلة: مراسل مجلة اشبيغل الألمانية
عدد الزوار: 67
التاريخ 16 آبان 1357 هـ ش/ 6 ذي الحجة 1398 هـ ق
المكان: باريس، نوفل لوشاتو
أجرى المقابلة: مراسل مجلة اشبيغل الألمانية
سؤال: (منذ بداية العام، خرج مئات الآلاف من أبناء الشعب باسمك إلى الشوارع وتظاهروا ضد الشاه. وفقد أكثر من ألف شخص حياتهم في المواجهة مع الجيش والشرطة. هل خططتم لمثل هذا التمرد الشعبي؟ وما هي اهدافه؟)
الإمام الخميني: إن الدافع الأساس لانتفاضة الشعب هو الشاه ونظامه. فعلى مدى خمسة وخمسين عاماً شن الأب والإبن اولًا حقداً دفيناً ضد الإسلام وعملا على هدمه وتدميره باعتباره العامل الأساس في حفظ وصيانة حرية البلد واستقلاله. وثانياً صادرا كافة الحريات وحقوق الشعب المنصوص عليها في الدستور، وثالثاً قضيا على استقلال البلد بشكل تام. لقد تم القضاء على جميع البنى الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية لهذا الشعب التي أعدها لحياته المستقلة خلال قرون، على يد هذا النظام. والأنكأ من ذلك، القضاء على البنية الاقتصادية للبلد من خلال تنفيذ البرامج الاقتصادية التي وضعها الامريكان وحرص النظام على اجرائها رغم الفساد الكبير الذي رافقها. واليوم يمضي الشعب امرار معاشه بتصدير النفط واستيراد السلع. غير أن هذه المعيشة ستؤدي إلى تدمير اقتصاد البلد في السنوات القادمة لأن النفط في طريقه إلى النفاد وعوائده في تدني مستمر. لقد انتفض شعبنا وبدأ نهضته. إنني أتحدث بلسان الشعب. إننا جميعاً صفاً واحداً ونتحدث بلغة واحدة. نحن نتطلع لرحيل الشاه ونظامه. أي نتطلع للحرية والاستقلال.. الإسلام هو الضامن لوحدة البلد في ظل الحرية والاستقلال، وقد ثار الشعب لتحقيق هذا الهدف.
سؤال: (منذ أن أرغمكم الشاه عام 1963 ( «75») على مغادرة إيران، كنتم ترددون دوماً بأن عودتكم إلى إيران مرهونة بسقوط الشاه. هل مازال هذا الشرط قائماً؟)
الإمام الخميني: بأمر من الشاه، كنت أعيش في المنفى في العراق منذ عام 1964 وحتى خروجي من هذا البلد، وفي الوقت الحاضر لا أفكر بالعودة إلى إيران.
سؤال: (ثمة أنباء غير مؤكدة تتردد في طهران مفادها بأنكم على استعداد للقبول برحيل الشاه، والعمل مع نجله سيروس ذو التسعة عشر عاماً في ظل ظروف خاصة. ما مدى صحة هذه الأنباء؟ وما هي حقيقة هذه الظروف الخاصة؟)
الإمام الخميني: كلا، إن هذه الأخبار غير صحيحة، ونحن نعارض استمرار الملكية وحكم هذه الأسرة.
سؤال: (إن جام غضب رجال الدين والمتظاهرين يصب في الغالب على الأماكن العامة إذ تم اضرام النيران في العديد من المصارف وودور السينما، ونهبت المتاجر الكبيرة).
الإمام الخميني: لم يكن احراق السينمات والمصارف بطلب منا. إن نظام الشاه بالغ في استخدام هذه المؤسسات لتدمير اقتصاد البلد وثقافته، فكانت موضع معارضة الشعب.. فالشعب ليس عصبياً بل واعياً. ليس لدى الغرب اطلاع كاف على الدور المخرب لهذه المؤسسات. إنه يجهل الاستغلال المجحف الذي تمارسه المصارف بحق الناس. فهذه المؤسسات تعمل على تدمير الوحدات الانتاجية للشعب الكادح لصالح الشركات العالمية وترويج سوق المنتجات الاجنبية.. إن دور السينما كان يتلخص في القضاء على روحية المقاومة لدى جيل الشباب. لقد أخذ يعترف بذلك اليوم مدراء الاجهزة الإعلامية للنظام أنفسهم. وبطبيعة الحال الشعب يتبع تعاليمنا الصادقة والمخلصة.
سؤال: (إن ما يفهم من قولكم هو إن هدفكم لا يقتصر على اسقاط الشاه، بل القضاء على النظام الملكي. ولكن ما الذي سيحل محله في تصوركم؟ نظام ديمقراطي برلماني أم نظام ديمقراطي شعبي على الطريقة الماركسية؟ أو حكومة دينية كما أمر بها النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم؟)
الإمام الخميني: إن تحديد نوع النظام السياسي، سيتم طبقاً لآراء الشعب. نحن سنطرح الجمهورية الإسلامية على الرأي العام. إن البلد يقف على مفترق طرق: الموت أو الحياة، الحرية أو الأسر، الاستقلال أو الاستعمار، العدالة الاقتصادية أو الاستغلال. وعلى الحكومة الجديدة انقاذ الحياة الوطنية، واعادة الحرية إلى الشعب، والاستقلال إلى البلد، وارساء أسس العدالة الاقتصادية بدلًا من النظام الاستغلالي.
سؤال: (من الذي ينبغي له ترجمة مطالب الشعب إلى قوة سياسية في إيران البلد النامي الذي يسعى إلى امتلاك صناعة متقدمة؟ وما هو مصير الأقليات الدينية في مثل هذا المجتمع ذي الأكثرية الشيعية؟)
الإمام الخميني: إن المسؤولين المنتخبين من قبل الشعب، هم الذين يترجمون ارادة الشعب إلى رؤية وفعل وقرار سياسي بعيداً عن أي فساد. وستتمتع الاقليات الدينية بكافة حقوقها وعلى أفضل نحو.
سؤال: (فيما عدا المجموعة الصغيرة للساسة الحاليين والمنتفعين من هذا النظام، ما هو وجه التمايز بين الأوضاع الحالية وما ستكون عليه إيران في المستقبل؟)
الإمام الخميني: لقد تحدثت عن وجه التمايز بين إيران الغد وإيران اليوم لدى اجابتي على سؤال سابق. وسأضيف هنا بعض النقاط:
1- تخلص القيادة السياسية من الهيمنة الاجنبية، ونزاهتها من الفساد المالي والسياسي.
2- تحرر اقتصاد البلد من الهيمنة الاجنبية، ولم تعد البرامج الاقتصادية تعمل على تنفيذ أهداف الشركات العالمية في إيران.
3- إن مجتمعنا القادم سيكون مجتمعاً حراً، وسيتم القضاء على كلّ مراكز القمع والكبت وكذلك الاستغلال.
4- ستتوفر للإنسان الذي حرم في ظل النظام البوليسي من النشاط الفكري وحرية العمل، كلّ وسائل الرقي الحقيقي والابداع.
إن مجتمع الغد، سيكون مجتمعاً ناقداً يساهم كلّ أبناء الشعب في تقرير مصيره.
سؤال: (لقد ظهرت موجة عارمة من التضامن الإسلامي في كثير من بلدان الشرق الأوسط وآسيا خلال السنين الماضية. ومما لا شك فيه أن الدين احتل موقعاً متنامياً في الحياة السياسية لهذه البلدان. إلى أي مدى متأثرة اوضاع إيران الراهنة بهذا التوجه الإسلامي؟)
الإمام الخميني: هذه ظاهرة عالمية. في الحقيقة إن البشرية اليوم بصدد وضع حد لمرحلة فصل الماديات عن المعنويات. إن الماديات بدأت تفقد مواقعها لصالح سمو الإنسان المعنوي في كلّ مكان. إن المادية التي تعني اكتساب الاقتدار المادي بمختلف الوسائل والسبل، جعلت البشرية تواجه مأزقاً. لقد آن الأوان لأن تسخّر النشاطات المادية لرفعة الإنسان وسموه المعنوي. وإن هذا الفهم هو الذي يدفع البشرية اليوم وفي الغد للرجوع إلى الدين. إن الإسلام دين يفتح الطريق لسمو الإنسان المعنوي عبر تنظيم النشاطات المادية. إن الرقي الحقيقي يكمن في أن يكون رشد الإنسان وتكامله هدفاً للنشاطات المادية، والإسلام دين الرقي.
سؤال: (في أول مؤتمر للاتحاد الإسلامي في افغانستان الذي عقد ربيع هذا العام، شارك الاتحاد السوفيتي بحضور مكثف. باعتقادكم هل ثمة قضايا مشتركة بين الدول الاشتراكية والحركة الإسلامية الجديدة؟)
الإمام الخميني: إن أمثال هذه المؤتمرات تعقد باسم الإسلام ولكن ليس لديها هدفاً إسلامياً، وان الذين يشاركون في هذه المؤتمرات باسم المسلمين، كممثلين عن المسلمين، يفتقدون إلى التمثيل الشعبي. إن الاتحاد السوفيتي يمارس دور النعامة. فمن ناحية يعادي الدين الإسلامي ويصادر الحريات الدينية من الشعوب الإسلامية التي ترزح تحت سلطته. ومن ناحية أخرى يقوم بتمثيل هذه الشعوب المسلمة!! إن الاتحاد السوفيتي وبالاسلوب الذي يتصرف به وفرض هيمنته على الشعوب الإسلامية، لم تعد لديه الأهلية حتّى الإدعاء بنصرته المظلومين ومعارضته الاستغلال.
سؤال: (في إيران ايضاً، جرت مباحثات بين المعارضة الدينية والماركسيين، انطلاقاً من وجود عدو مشترك- الشاه- على أقل تقدير. فما هو الهدف من ذلك؟)
الإمام الخميني: لم تكن هنالك أية مباحثات.
سؤال: (ذكرت الصحف الفرنسية بأنكم ستغادرون عن قريب محل اقامتكم في احدى ضواحي باريس، وستنتقلون إلى افغانستان لمواصلة النضال من هناك. فمع تغيير محل اقامتكم، ما الذي تفكرون به؟)
الإمام الخميني: لم أفكر في الوقت الحاضر بمغادرة فرنسا.
* صحيفة الإمام، ج4، ص: 252,251,250,249
1- كان نفي الامام في 13 آبان 1343 ه- ش( الموافق 4/ 11/ 1964)، وقد تم تصحيح خطأ المراسل، أثناء اجابة الإمام الخميني.