الموضوع: الواجب الملقى على عاتق زعماء الدول الاسلامية ومسؤولية العلماء بالتعريف ...
خطاب
الحاضرون: العلماء والفضلاء وطلبة الحوزة العلمية
عدد الزوار: 151
التاريخ: 23 آبان 1344 هـ. ش/ 20 رجب 1385 هـ. ق
المكان: النجف الأشرف، مسجد الشيخ الانصاري
المناسبة: شروع محاضرات الامام الخميني في الحوزة العلمية في النجف
الحاضرون: العلماء والفضلاء وطلبة الحوزة العلمية
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم احفظ ألسنتنا من اللغو، ولا تكلنا الى غيرك. وأخرج حب الدنيا من قلوبنا، واغرس فينا الخلق الرفيع، واحفظنا في كنف أمير المؤمنين (عليه السلام) من كل سوء، واجعلنا خداماً للاسلام والمسلمين، اللهم واحفظ علماء المسلمين أينما كانوا، وألهمنا معرفة قدرهم. واجعل اللهم دين الاسلام مناراً، وقدّمه على جميع الكلمات" اللهم اعلِ كلمة الاسلام".
تعلمون أيها الاخوة أن رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- نهض وحيداً في بيئة كانت تقف ضده بأسرها، وقد عانى الكثير وتحمل من الاذى الكثير، واعتصرته آلام كثيرة في سبيل تبليغ الاسلام للناس، فدعا الناس الى الهدى والتوحيد، وتحمل- صلى الله عليه وآله وسلم- من المشاق في هذا السبيل مالا أعتقد أن أحداً يقوى على تحملها.
وبعد الرسول الاكرم- صلى الله عليه وآله وسلم- عمد المسلمون إلى أداء مسؤولياتهم الى حدٍ ما، وتقوية الاسلام، فانطلقوا يوسعون سلطة الاسلام، حتى تأسست في العالم دولة اسلامية عظيمة فاقت جميع الدول الاخرى قوة وسعة.
وقد كتب الرسول الاكرم- صلى الله عليه وآله- كما في صحيح البخاري الذي اورد كتابه نصاً- كتابا الى هرقل. وكما تذكر كتب التاريخ، فإن الرسول صلى الله عليه وآله كتب أربعة كتب الى أربعة أباطرة، أمبراطور ايران، وامبراطور الروم، وامبراطور مصر، وامبراطور الحبشة، وان هذه الكتب محفوظة. وعلى ما أذكر رأيت هذه الكتب في المتحف التركي عند زيارتي له.
هذه الكتب الاربعة كانت كلها بمضمون واحد، أرسلها (صلى الله عليه وآله) الى هؤلاء الاباطرة يدعوهم فيها الى الاسلام والتوحيد، ويعد هذا العمل من قبل الرسول الاكرم صلى الله عليه وآله مقدمة وحجر الأساس في عملية ابلاغ حقائق الاسلام الى جميع أرجاء المعمورة، والى جميع الامبراطوريات في الدنيا، وتعريف الاسلام الحقيقي للناس. غير أن هؤلاء الملوك- عدا ملك الحبشة- لم يستجيبوا وللاسف، لذا فقد توقفت تلك الدعوة التي أراد الرسول الاكرم صلى الله عليه وآله أن يقوم من خلالها بنشر الاسلام.
على أية حال، قويت شوكة الاسلام بفضل الجهود المضنية والمعاناة التي تجرع مرارتها الرسول الاكرم صلى الله عليه وآله، ومن جاء من بعده ممن تصدوا لزعامة الدولة الاسلامية، وراح ينتقل من يد الى يد حتى وصل اليوم الى أيدينا، أيدي هذه الفئة الموجودة حالياً، وهي المسؤولة عن الاسلام وعن احكامه في عصرنا هذا، وتختلف مسؤوليتهم باختلاف مواقعهم، فالبعض منهم يتحمل مسؤولية جسيمة، في حين يتحمل البعض الآخر مسؤولية تقل أهمية عما يتحمله أولئك.
فالذين يتحملون المسؤولية الجسيمة هم الحكومات، وزعماء الدول الاسلامية، وزعماء المسلمين. هؤلاء مسؤوليتهم خطيرة جداً، ولعلها أشد خطراً من مسؤولية جميع الفئات الاخرى. فقد اقتضت ارادة الله التكوينية أن يصل الاسلام الى أيدي هذه الفئة، فيصبحوا بذلك مسؤولين عن حفظ الاسلام، وحفظ وحدة كلمة المسلمين، وحفظ الاحكام الاسلامية، ونشر الاسلام الى مختلف أرجاء هذا العالم المتمدن.
ولا يتوهمن أحد بأن الاسلام كالمسيحية لا يعدو العلاقة بين الافراد وبين الله تبارك وتعالى. إن الاسلام ينطوي على منهج متكامل للحياة، ونظام للحكم، وقد مارس دوره في الحكم ما يزيد على الخمسة قرون حينما كان يحكم بلداناً مترامية الاطراف، ورغم عدم تطبيق أحكام الاسلام حينها كما ينبغي، إلا انه- بهذا المقدار الذي طبق منه- حكم تلك البلدان بعزة ومنعة من جميع النواحي وفي جميع الاحوال.
فالاسلام يختلف عن باقي الأديان المعروفة حالياً (لعلها كانت كالاسلام وقت ظهورها إلا أن الموجود حالياً منها- وخصوصاً المسيحية- لا تملك سوى بضع كلمات وعظية دون أن يكون لديها برامج فيما يتعلق بالسياسة أو إدارة المدن والاقاليم). فلا يتوهم بأن الاسلام كتلك الأديان لا نظام فيه. فالاسلام قد وضع برنامجاً دقيقاً ومفصلًا لحياة الانسان الفردية بدءاً من الفترة السابقة لولادته، ومروراً بجميع المراحل التي يمضيها ضمن العائلة. كما وضع البرامج لمجتمع العائلة، وعين الاحكام والقوانين لكل جوانبها ومراحلها، ثم يتابع الانسان بعد خروجه من العائلة للدخول في مجال التعليم، وحتى دخوله المجتمع الكبير، ووضع القوانين التي تنظم حياة المجتمع المسلم، بل وحتى القوانين والبرامج التي تنظم علاقة الدولة الاسلامية مع سائر الدول والشعوب. كل ذلك له أحكام في الشريعة المطهرة. فأحكام الاسلام لا تقتصر على مراسم الدعاء والزيارة أو الصلاة والزيارة وحسب، فهذه الامور ليست إلا جانباً من جوانب الاحكام الاسلامية.
الدعاء والزيارة جانب من جوانب الاسلام، وإلا ففي الاسلام سياسة، ونظام لادارة بلاد بأسرها. الاسلام ينظم ويدير شؤون بلدان واسعة، وعلى قادة المسلمين وملوكهم، وعلى الحكومات الاسلامية عموماً أن يعرّفوا الإسلام للعالم أجمع.
ولا يتوهم النصارى بأن المسجد كالكنيسة، فحينما كانت الصلاة تقام في المسجد كان المسلمون يفهمون تكليفهم من خلالها، وكانت خطط الحروب توضح في المسجد، ويتم فيه الاعداد والتخطيط لادارة شؤون البلدان. فالمسجد يختلف عن الكنيسة التي تمثل رابطة فردية بين الانسان وبين الله تبارك وتعالى (على حد زعمهم). فالمسجد كان مركزاً لسياسة الاسلام في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وفي زمن الخلفاء. وفي يوم الجمعة كانت تطرح مختلف الموضوعات السياسية والعسكرية، وما يتعلق بإدارة البلاد وذلك من خلال خطبة الجمعة. فكان ذلك في زمن الرسول صلى الله عليه وآله وفي زمن الآخرين وفي عهد أمير المؤمنين (عليه السلام).
إن على هؤلاء الزعماء أن ينشروا الاسلام الحقيقي، وهي مسؤولية تفرضها عليهم المراتب التي قيّضها الله تعالى لهم. عليهم أن ينشروا الاسلام الحقيقي، أن يعدوا برنامجاً إذاعياً لنشر الاسلام، عليهم أن يراجعوا علماء الاسلام لكي يشرحوا لهم حقائق الاسلام، فيقوموا بنشرها عبر المحطات الاذاعية والمطبوعات.
فلقد سعى رسول الله صلى الله عليه وآله إلى إيجاد وحدة الكلمة في كافة أرجاء المعمورة، سعى لانضمام دول العالم أجمع تحت لواء التوحيد، أراد أن يجعل الربع المعمور من الكرة الارضية يحيا تحت ظلال" كلمة التوحيد" غير أن أغراض السلاطين ورغباتهم من جانب، ورغبات علماء النصارى واليهود وأمثالهم من جانب آخر، حالت دون أن يتسنى للرسول الاكرم صلى الله عليه وآله تحقيق ذلك. وهم ذاتهم الذين يحولون اليوم دون تحقيق الهدف ذاته. فكل مشاكلنا بسببهم. فالذين يحولون اليوم دون نشر الاسلام الحقيقي هم اليهود والنصارى.
إن حكّام المسلمين وملوكهم وزعمائهم يتحملون اليوم مسؤولية تجاوز الخلافات الجانبية التي تطرأ بينهم أحياناً، فليس في الاسلام عرب وعجم أو ترك وفرس، إنها كلمة الاسلام فقط. فعليهم أن يتبعوا اسلوب الرسول الاكرم صلى الله عليه وآله في الجهاد في سبيل الله، وأن يتبعوا الاسلام. فإنهم إن تمكنوا من توحيد كلمتهم، وتجاوزوا الاختلافات الجزئية الطارئة، وصاروا جميعاً يداً واحدة، فإنهم سيكونوا مؤثرين فعلًا، وإلا فإن تعداد المسلمين يناهز السبعمائة مليون نسمة، غير أن هذه السبعمائة مليون نسمة المتفرقة لا تعادل في تأثيرها حتى مليوناً من النسمات.
سبعمائة مليون نسمة متفرقين لا نفع منهم، وحتى لو بلغ عددهم الآف الملايين فإنهم لن ينفعوا شيئاً ما داموا متفرقين، في حين لو مد مائتا مليون أو أربعمائة مليون من هذه السبعمائة يد الاخوة لبعضهم البعض- مع احتفاظهم بحدودهم وثغورهم- لو وحدوا كلمتهم فيما يشتركون فيه، كمفهوم الامة الاسلامية الواحدة، وكلمة التوحيد، والمصالح الاسلامية المشتركة، لو وحدوا كلمتهم في ذلك، لما طمع اليهود في فلسطين، ولما طمع (الهندوس) في (كشمير). ولهذا فإن هؤلاء لا يسمحون بتحقيق اتحادكم!. وليعلم هؤلاء الزعماء- وهم يعلمون- بأن أولئك الذين يريدون نهب ثرواتكم، إنما يهدفون الى تحقيق ذلك بالمجان، يريدون الاستيلاء على ثرواتكم الدفينة تحت الارض والتي على ظهرها، وبذا فهم لا يسمحون للعراق وايران أن يتحدا معاً، ولا يسمحون باتحاد ايران ومصر، أو تركيا وايران، لا يسمحون لهم بتوحيد كلمتهم، ولن يسمحوا بذلك. غير أن مسؤوليتكم أنتم أيها الزعماء تختلف، إن على الزعماء مسوؤلية الاجتماع مع بعضهم والتفاهم، وليحافظ كل منهم على حدوده وثغوره، ليحتفظ كل واحد منهم بحدوده، ولكن على الاقل وحّدوا كلمتكم. حفنة من اللصوص الصهاينة شردوا أكثر من مليون مسلم من فلسطين منذ عشر سنوات أو أكثر دون أن تحسن البلدان الاسلامية غير الاجتماع الى بعضها وندب حظها العاثر! فلو كانت كلمتكم واحدة، كيف تتمكن تلك الحفنة من اللصوص اليهود أخذ فلسطينكم من ايديكم، وتشريد المسلمين منها، ثم لا تستطيعون أنتم تحريك ساكن!؟ لو وحدتم كلمتكم، كيف يتمكن (الهندوس) المتخلفون من الاستيلاء على (كشمير) العزيزة وأخذها من المسلمين دون أن يصدر عنهم أي رد فعل!؟ إن هذه الامور من الواضحات، غير أنه لا بد من التذكير بها. وهؤلاء يدركون هذه الامور، إلا أنهم ينبغي أن يفكّروا، أن يجتمعوا ويفكروا، وأن ينبذوا هذه الاختلافات الجانبية. إن الاسلام الآن بين أيديكم. فليعلم زعماء المسلمين، وملوكهم، وزعماء جمهورياتهم، وشيوخهم وجميع الممسكين بزمام السلطة في بلاد المسلمين، بأن ما قيضه الله تبارك وتعالى لهم من الترؤس تنطوي على مسؤولية عظيمة، فرئاسة قوم أو شعب تستتبع المسؤولية أمام هؤلاء القوم أو الشعب، المسؤولية عن حياتهم، والمسؤولية إزاء الحوادث والملمات التي تواجههم، فهم مسؤولون، والآخرون هم الذين يحتاجونهم! وعجيب ما يحصل، الثروة بيد الشرق، فالنفط هذه الثروة الحيوية بيد الشرق، بيد المسلمين، وفي البلدان الاسلامية تتكدس تلك المعادن البالغة الاهمية التي كانت دوماً السبب في تقدم الدول وتفوقها في الحروب، فالتفوق الذي يحققه أي بلد إنما كان بسبب تلك السيول الهادرة من البترول، وهذا كله بأيديكم، فالعراق- بحمد الله- بلد نفطي، وإيران- بحمد الله- بلد نفطي، والكويت فيها نفط. الحجاز فيها نفط .... النفط بيد المسلمين! وهؤلاء هم الذين عليهم أن يأتوا اليكم ويتملقوا اليكم، ويقبلوا أيديكم وأقدامكم لتبيعوهم هذه الثروات بأسعار عالية، لا ينبغي أن تتملقوا لهم أنتم- وإن شاء الله لن تفعلوا- هم الذين يجب أن يتملقوا، ولكن رغم ذلك ترى أن الأمر معكوساً.
لقد رتب المستعمرون الأمور بطريقة جعلت بعض البلدان تتوهم أن الأمر على العكس من ذلك، فاعتقدوا أن عليهم هم أن يتملقوا لهؤلاء، وأن يجاملوهم بتقديم شيء ما اليهم لحملهم على القبول بأخذ هذه الثروة منهم! ... وهذا ما يدعو الى الاسف حقاً.
إن لم تتوحد الكلمة، إن لم يوحد زعماء المسلمين كلمتهم، ويتفكروا في المآسي التي تعاني منها الشعوب الاسلامية، وإن لم يفكروا بما حل بالاسلام وبأحكام الاسلام، ان لم يفكروا في الغربة التي صار عليها الاسلام والقرآن الكريم، فإنهم لن يتمكنوا من الاستمرار والسيادة. فيجب أن يفكروا وأن يعملوا بجد حتى يسودوا. ولو فعلوا لسادوا العالم أجمع، فلو أنهم عملوا على نشر الاسلام الحقيقي، والتزموا بتعاليم الاسلام، فإن السيادة ستكون من نصيبهم، وستكون العزة نصيبكم (ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين).
هذا فيما يخص رؤساءنا السياسيين، أما الفئة الثانية وأعني بهم علماء الاسلام ومراجعه العظام، فإن مسؤوليتهم بالغة الخطورة أيضاً، ولعل مسؤوليتهم أخطر من الجميع إذا نظرنا اليها من زاوية معينة، فعليهم نشر الاسلام كما يعرفونه للعالم. طبيعي أننا لا نمتلك الوسائل التي تيسر لنا ذلك، وإن كان هذا بسبب عدم لياقتنا أيضاً، فنحن محرومون من وسائل الاعلام، وجميع الوسائل بأيدي الآخرين. يتوالى المسلمون بعد المسلمون، والعلماء بعد العلماء دون أن يمتلكوا وسيلة لنشر الاسلام للعالم، وسيلة يقولون خلالها للعالم" هذا هو الاسلام".
إن لديكم بضاعة بهذه الجودة لا تقدرون على عرضها للعالم قائلين: هذا ما لدينا! في حين أن أولئك أوصلوا إنجيلهم الذي يحوي ما تعلمون من الامور (والكل مطلع على هذا الانجيل المزيف، فهو ليس بالانجيل الصحيح) لقد وصلوا بهذا الانجيل المزيف الى اقصى البقاع، ولقد انتشر مبشروهم في كل مكان، وفي الآونة الاخيرة أعلنوا أن الدول الاسلامية التي كانت تحت الاسر حصلت على استقلالها الواحدة تلو الاخرى ولم يكن ذلك ما يهمهم، فهم يرون أن (البابا) قد ذهب ونصرهم جميعاً.
أما نحن فعاجزون عن عرض أحكام الاسلام الحقيقية، حتى في بيئتنا. دراستنا نحن لا تتعدى البحث في موضوع الطهارة وكذا وكذا فلا تتعرض مثلًا لبحث موضوع السياسة في الاسلام، أو الحدود الاسلامية الأخرى. عدم تطبيق الاحكام يختلف عن عدم نشرها وتعريفها للعالم، ينبغي أن نقوم بتعريفها للعالم، ينبغي أن نقوم بتعريفها يا إخوة! وينبغي أن يدرك العالم أجمع أن الاسلام يشتمل على نظام كامل للحياة، وأن فيه نظاماً لكل جوانب الحياة، لكل شيء! ومن الذي عليه القيام بنشر ذلك سوى علماء الاسلام؟
إن علماء الاسلام- كثّر الله أمثالهم- يتحملون مسؤولية أخطر وأشد رغم ما يبذلونه من جهود، ورغم المتاعب التي يتحملونها. لقد أعزهم الله تبارك وتعالى، وعظّم شأنهم، وجعل الآخرين أتباعاً لهم، جعل الناس أتباعاً لهم، هذا مما يترتب عليه المسؤولية. لذا يجب أداء هذه المسؤولية، والنهوض بها تماماً كما حمل الرسول الاكرم صلى الله عليه وآله المسؤولية ونهض بها.
ينبغي طرح الاسلام الحقيقي، ليس كما هو متعارف حالياً، بضعة أمور شكلية وكتاب مفاتيح الجنان1 وما شابه، كلا، ينبغي طرح الاحكام الاسلامية الحقيقية، ينبغي إخبار العالم أجمع بما لدينا من بضاعة قيمة، وما لدينا من قوانين رفيعة، فلسنا بحاجة الى الرجوع الى أحد فيما يتعلق بالقوانين، لدينا قوانين تخص كل جانب من جوانب الحياة وقد حدد الاسلام التكليف في كل شيء، ووضع القوانين لكل شيء، ولا حاجة بالمسلمين لتقليد أحد أو اتباعه في قوانينه.
إن شبابنا الجامعيين، سواء الموجودون هنا، أو في إيران أو في سائر البلدان، يجهلون اليوم حقيقة الاسلام، فهم لا يعلمون أصلًا ما هو الاسلام! إنهم لم يعرفوا عن الاسلام سوى أنه صلاة أو طهارة أو ما شابه، ودليلهم على عدم الالتزام بالاسلام هو قلوبهم" إننا إذا أردنا أن نعمل بالاسلام، فليس في الاسلام ما نطبقه" يقولون هذا، لان الاسلام لم يوضح لهم. يقولون: أي نظام في الاسلام كي نعمل به؟ الطائفة الفلانية لديها نظام! الطريقة الفلانية فيها نظام، فيها نظام حياة، ونحن نريد الحياة، والاسلام ليس سوى شأن فردي يخص الانسان كفرد، وعليه فليس في الاسلام نظام نطبقه.
يقولون هذا، لأنهم يجهلون الاسلام، ليس لديهم اطلاع على أحكام الاسلام، لذا فهم يتوهمون عدم وجود نظام في الاسلام، ومسؤولية تحقيق ذلك تقع على علماء الاسلام. طبيعي أن علماء الاسلام لم يتمكنوا من علاج هذا الامر لما يعانونه من مشاكل، غير أن ايجاد هذه المعرفة لدى الشبان تقع على عاتقهم، عليهم أن يكتبوا جميع احكام الاسلام، وان يشرحوا فنونه، وجميع شؤونه ويوضحوها ويعرضوها للعالم. عليهم أن يكتبوا قوانين الاسلام على حقيقتها في كل جانب من جوانب الحياة وينشروها، وإذا امكنهم، فليقوموا بتأسيس محطة إذاعية للتبليغ ونشر الاسلام الحقيقي لكل العالم، وليفهموا بذلك العالم (ما لدينا) وليفهموا العالم أننا نعيش هذا الوضع رغم (ما لدينا)! إنها مسؤولية عظيمة تقع على عواتق العلماء الاعلام- أعلى الله كلمتهم- تقع على عواتقهم وعلى عواتقكم أنتم أيها المحترمون. فأنتم أيها الفضلاء الاعلام والعلماء الشبان مسؤولون أيضا، وفي المستقبل ستقع مسؤولية الاسلام على عاتقكم، كما أنكم الآن مسؤولون ايضاً، وهي مسؤولية عظيمة.
لذا فإن على الشبان اليافعين ذوي الستة عشر عاماً أو العشرين، الموجودين في المدارس العلمية، أن يبدأوا من الآن بتعويد أنفسهم على أن يكونوا كما أرادهم الله تعالى، وكما حثت عليه الأوامر الألهية، وأن يخطوا خطوة في سبيل تهذيب النفس وتحصيل الاخلاق الحميدة مع كل خطوة يخطونها في سبيل تحصيل العلم. فإن الواحد منكم إذا أصبح عالماً ولم يكن مهذباً كما أراد له الاسلام- لا سمح الله- فإن ضرره سيكون أكثر من نفعه. فجميع مبتدعي الأديان والمذاهب الباطلة كانوا في الاساس اشخاصاً متعلمين، تعلموا في حوزات علمية دينية إلا أنهم لم يكونوا مهذبين. وتأملوا في أرباب المذاهب الباطلة، ستجدون أنهم جميعاً كانوا اشخاصاً متعلمين، وطلبة علوم دينية، غير أنهم لم يكونوا مهذبين.
إن وجودكم أيها المحترمون في كنف أمير المؤمنين (عليه السلام) في أرض النجف المقدسة يضفي عليكم التزاماً آخر، فالوجود في النجف يختلف عن الوجود في الكويت مثلا أو طهران أو بغداد، الوجود في النجف بحد ذاته مسألة لها ابعادها الخاصة، وتترتب عليها مسؤولية أخرى. ولينظر الانسان كيف كانت حياة أمير المؤمنين (عليه السلام) وأية حياة بسيطة كان يعيشها سواء على المستوى الفردي أو الاجتماعي. ليتفكر الانسان في أحوال أمير المؤمنين (سلام الله عليه) وليلاحظ كم من الآلام تحملها (عليه السلام) في سبيل الاسلام، وكم من الطعنات والضربات تلقى، كم من المرارات تجرع، وكم من الحروب خاض، ليلاحظ الإنسان كل ذلك.
إن الاسلام الذي سُلِّم بأيدينا وصلنا بعد تحمل كل ذلك، سلّم بأيديكم أنتم أيها السادة المحترمون، وإنكم لمسؤولون. فإذا انصب اهتمامكم- لا سمح الله- خلال الدارسة على فهم دقائق الامور العلمية دون الاهتمام بالتهذيب، ودون الاهتمام بتهذيب أنفسكم وتأديبها بآداب الله ونبيه، إذا كان الامر كذلك، فلن تنتفعوا من العلم، فإنكم إن لم تكونوا مهذبين فإنكم لن تحصلوا على ذلك النور الذي" يقذفه الله في قلب من يشاء" إنه من فن ذلك العلم الذي يستتبع النورانية، ذلك العلم الذي هو نور يهبه الباري تبارك وتعالى، لن يشمل كل القلوب، ولا يليق به كل قلب. فإن لم يهذب ذلك القلب، وإن لم يفرغ من الخلق السيئ ومن العمل السيئ، وإن لم يتوجه الى الله ويسلم الى الله سبحانه وتعالى بالكامل، فإنه جلّ وعلا لن يقذف ذلك النور فيه، فهذا الامر لا يتم عبثاً، ولن يتم بالحرص على المعرفة بدقائق العلوم، فالغزالي مثلًا كان عالماً جيداً، وكذا كان أبو حنيفة والكثير غيرهم، كانوا علماء، كما أن هناك الكثير ممن يحيطون بدقائق العلوم أفضل من الجميع، لكن الباري تبارك وتعالى لم يتلطف عليهم بذلك النور الذي يقذفه تعالى في قلب من يشاء. فذلك النور يحتاج الى التهذيب. ويسلتزم بذل الجهد والرياضة. فعليكم ايها الاخوة التريض وبذل الجهد ما دمتم قد جئتم والتحقتم بهذه المجموعة، وعليكم مراعات بعض الامور، على كل واحد فيكم أن يحاكم نفسه، حينما تنتهي مطالعتك مساءاً، إبدأ بمحاسبة نفسك وانظر عدد المعاصي التي ارتكبتها في ذلك اليوم (نعوذ بالله)- إن شاء الله لن يكون هناك معاص-. أنظر كم شخصاً اغتبت في ذلك اليوم- نعوذ بالله- وعلى كم عالم تجاسرت؟ تعلمون أن كلمة واحدة، كلمة واحدة إذا وجهت الى أحد مراجع الاسلام، وكانت إهانة! فماذا سيكون الموقف أمام الله؟ (فقد بارز الله بالمحاربة). إن الإنسان سيكون مبارزاً لله، فهؤلاء أولياء الله.
مع كل خطوة تخطوها في سبيل تحصيل العلم، يجب أن تخطو خطوة واحدة على الاقل- إن لم نقل خطوتين- في سبيل تهذيب الاخلاق، وتحكيم العقائد، وترسيخ الايمان في القلب. وذلك يحتاج الى التفكير والمحاسبة والمراقبة.
على الاخوة المحترمين أن يراقبوا أنفسهم. يراقبوا أنفسهم من الصباح الى المساء، فإن نفس الانسان منفلتة بطبيعتها، وإذا غفلنا عنها- نعوذ بالله- فإنها تجرنا الى الكفر وليس الى الفسق فقط! هذا إذا غفل الانسان! والشيطان لن يقنع منا بالفسق وحده، إنه يريد أن ينتهي بنا الامر الى الكفر، إنه يريد للجميع أن ينتهي بهم الامر الى الكفر، وغاية ما في الأمر أنه يدفع الانسان نحو ارتكاب المعاصي الصغيرة، ويلج به نحو الاكبر والاكبر والاشد، حتى يصل به- لا سمح الله- الى الإنحراف التام عن الاسلام.
عليكم ان تراقبوا أنفسكم أيها الإخوة. يجب أن تراقبوا أنفسكم من أول الصباح، حينما تنهضون من النوم .. بل من أول أذان الفجر، وحتى الليل، أو من قبل أذان الفجر حينما تنهضون. يجب أن تراقبوا أنفسكم. يجب مراقبة النفس في التجمعات، في التجمعات الثنائية والرباعية أو حتى المئوية، يجب مراقبة النفس والحرص على احترام الكبار واحترام الرفقاء، احترام المؤمنين بصورة عامة. على الانسان تحاشي الدخول في المناقشات العميقة، والكلام غير المجدي، فلو فرضنا أن أحداً قام بعمل أو امتنع عن عمل، وكان بذلك مسيئاً في نظركم، فليحمل على الصواب، فينبغي بالانسان عدم التجاسر هكذا وبدون تدبر على أحد المؤمنين أو أحد المسلمين، أو أحد طلبة العلوم الدينية، أو أحد أهل العلم، فضلًا عن أن يكون أحد العلماء أو أحد المراجع.
هذه أمور يجب مراعاتها، على الانسان أن يراقب النفس، وأن يحفظ هذه الحدود حتى ينال التوفيق.
إنكم ستحملون مسؤولية خطيرة، فإن أصبح أحدكم عالم مدينة ما، فسيكون مسؤولًا عن تلك المدينة، وقد يصبح أحدكم عالم بلاد بأسرها، فيتحمل بذلك مسؤولية تلك البلاد، وقد يصبح مرجعاً لامة بكاملها، فيكون بذلك مسؤولًا عن تلك الامة. عليكم إذن وضع الاساس لذلك من الآن كي تستطيعوا أداء دوركم في تحمل تلك المسؤولية بالشكل المشّرف أمام أنفسكم، وأمام دينكم. عليكم الاهتمام بهذا الامر منذ الآن.
أما أن تقولوا" دعنا نقرأ دروسنا الآن، وبعدما نبلغ سن المشيب نهتم حينها بتهذيب أخلاقنا إن شاء الله!" فهذا لا يمكن، لن تستطيعوا ذلك، حينها لن يتحقق للانسان إلا ذلك القدر من التهذيب الذي حصل عليه في سن الشباب، وإذا لم يهذب نفسه في أيام شبابه- لا سمح الله- فمن الصعب جداً أن يستطيع ذلك حينما يصبح شيخاً عجوزاً، فحينها ستضعف الارادة ويقوى العدو. ففي زمن المشيب تضعف إرادة الانسان، ويقوى جنود ابليس في داخل النفس، ولن يمكن حينها من تحقق التهذيب، وإن أمكن فإنه سيكون أمراً صعباً جداً.
اهتموا بهذا الامر من الآن، اهتموا به منذ الشباب، إن كل قدم تخطونها الآن تقودكم نحو القبر، فلا مجال للتأخير أبداً، وليس هناك ما يمنعكم من ذلك ابداً، كل دقيقة تمر من أعماركم الشريفة تقربكم من القبر ومن المكان الذي ستتعرضون فيه الى المساءلة، وكلكم ستسألون، وأنتم تقتربون تدريجياً، فكّروا في أن القضية هي الاقتراب من الموت، وأن أحداً لم يضمن لكم أن تعمروا مائة وعشرين سنة، فليس متعارفاً بيننا أن يعمر أحدنا مائة وعشرين سنة، فالانسان قد يموت وهو في الخامسة والعشرين من عمره أو في الخمسين أو الستين، ليس هناك من ضمان، لعل الأجل يحل بنا الآن- لا سمح الله- فلا ضمان، ويجب أن تفكروا وتتأملوا في هذه الامور. هذّبوا أخلاقكم، هذبوها أكثر- إن شاء الله- ولتكن أعمالكم مطابقة للاسلام، مطابقة لأحكام الاسلام، لكي توفقوا- إن شاء الله- وانتم تحت القبة المطهرة للمولى- سلام الله عليه- بالتنعم بأنوار العلم الذي يرضي الله تعالى، العلم الذي هو نور، العلم الذي يقربكم من الله تبارك وتعالى، وهذا يحتاج الى التريض، فأنتم تمارسون بتحصيل العلم نوعاً من الرياضة، فلتكن هذه الرياضة متزامنة مع اكتساب العلم.
أسال الله تعالى التوفيق لجميع الاخوة المحترمين، وأسأله تعالى المجد والعظمة للاسلام والمسلمين ... اسأله تعالى عزة وعظمة مراجع الاسلام.
* صحيفة الإمام، ج2، ص:30-37
1- كتاب دعاء يضم نصوص الأدعية المرووثة عن أئمة البيت( عليهم السلام).
2011-03-08