الموضوع: ضرورة المحافظة على الحوزات العلمية
خطاب
الحاضرون: العلماء وطلبة العلوم الدينية وجمع من الايرانيين المقيمين في العراق
عدد الزوار: 175
التاريخ: 10 دي 1350 هـ. ش/ 12 ذي القعدة 1391 هـ. ق
المكان: النجف الأشرف، مسجد الشيخ الانصاري
الحاضرون: العلماء وطلبة العلوم الدينية وجمع من الايرانيين المقيمين في العراق
بسم الله الرحمن الرحيم
كان برنامج الرسول الاكرم (صلى الله عليه وآله) محصوراً قبل هجرته من مكة الى المدينة في التبليغ الى الله، والتعريف بصفات الذات المقدسة للحق تعالى، والتعريف بالاسلام. فلم يكن لديه من الأتباع ما يمكنه بمساعدتهم القضاء على المشركين، وتوسيع رقعة الاسلام. وكما تلاحظون في القرآن الكريم فإن السور المكية تتميز بالنصح والموعظة والتعريف بمفاهيم الاسلام فقط. ولم تتعرض الى الحرب والنزاع، كما لم ترد فيها الاحكام إلا نادراً.
وحينما غادر الرسول الاكرم (صلى الله عليه وآله) مكة متوجهاً الى المدينة- بذلك الوضع السيء المتدهور- لم يخطر ببال العوام من الناس وذوي التفكير السطحي حجم المصلحة التي ستترتب على تلك الهجرة، ولكن عندما وصل الى المدنية، اتضحت النتائج التي ترتبت على الهجرة، واتضح كيف أنه (صلى الله عليه وآله) استطاع من توسيع رقعة الاسلام في المدينة وكسب الاتباع، ثم العودة الى مكة بالفتح والظفر آخر الامر، بحيث خضع كبار قريش له- صلى الله عليه وآله- وقام هو (صلى الله عليه وآله) بدوره بتركهم احراراً ...
والآن، وإن دفع الكثير من الايرانيين- نتيجة الخلاف بين الحكومات- ضريبة هذا الخلاف، وهجروا بهذا الشكل المأساوي من هذه البلاد، إلا أن من الممكن أن تكون هناك مصلحة عظيمة في ما حصل، وهي خافية علينا. وكما أعاد الله تعالى رسوله الاكرم (صلى الله عليه وآله) الى مكة فاتحاً منتصراً، فسوف يعيدكم الى هذه الحوزات وتصبح النجف ذات يوم أقوى من الآن.إننا على ثقة بأن الحوزة العلمية ستعود إما عاجلًا أو آجلًا إلى سابق عهدها، وسوف نعود الى النجف الأشرف- إن شاء الله- إذا عملتم بتكاليفكم الدينية والعلمية.
إن العلم مسؤولية ثقيلة، وهي تقع على عاتقكم، إلا إن مسؤوليتكم ليست في تعلم حفنة من الالفاظ والمفاهيم، بل إن المسؤولية التي أوكلت اليكم تتمثل في حفظ الاسلام وأحكامه، فأنتم الأمناء على الوحي، وعليكم أن تعكفوا على تهذيب أنفسكم خلال فترة انشغالكم في تحصيل العلوم، وكما تقومون بنصح غيركم فإن عليكم إصلاح أنفسكم أيضاً. لا تنسوا مسؤولياتكم، كونوا متآخين متصالحين فيما بينكم. اجتنبوا الفئوية والاختلافات، كونوا إخوة مع بعضكم، واعملوا للاسلام بسرائر نقية، وبروح واحدة.
أنتم أهل علم وجميعكم من جذر واحد، وكلكم ورق في شجر واحد، وإذا وفيتم بعهدكم فإن الله موف بعهده، وسيعيدكم الى الحوزات مرة ثانية، ونلتقي بعضنا مرة أخرى هنا- إن شاء الله-. وحتى إذا لم أكن موجوداً حينها بينكم- حيث أني أقضي الأيام الاخيرة من عمري- فأنتم موجودون وسوف تجتمعون هنا مرة أخرى.
على أية حال، ليس متوقعاً زوال الحوزة، الحوزة باقية على حالها، وبغض النظر عن الجوانب المعنوية والالهية فإن زوال الحوزات العلمية غير ممكن في الحقيقة حتى بالحسابات الطبيعية، لأنها محط اهتمام جميع المسلمين، وخصوصاً الشيعة منهم. وظهيرها الشعوب، والذي تكن الشعوب ظهيراً له، لن تستطيع الحكومات القضاء عليه. الحكومات اعمارها قصيرة، وظهير النجف هو الشعوب العظيمة، لذا فستبقى محفوظة.
يدرس حالياً في الحوزات طلبة من الأفاغنة والباكستانيين والهنود والعراقيين وبعض أبناء الدول الأخرى. فلا قدرة لهذه الحكومة- التي لا يمكن وصفها بالحكومة- على الوقوف بوجه كل تلك الشعوب، وإن استطاعت الوقوف بوجهنا أنا وأنتم.
إذا أُبعد الايرانيون المحترمون فإن على باقي الأخوة من البلدان الاخرى البقاء، ومواصلة أداء مسؤولياتهم الدينية. إن مثلكم مثل الأفواج العسكرية التي تخوض حرباً، فإذا هاجمها العدو وحقق انتصاراً على فوج منها، ينبغي على بقية الأفواج الثبات في مواقعها، وملء خنادق الفوج المنكسر، وإلا فإن العدو يتمنى فرار الافواج العسكرية الاخرى بانكسار أحدها، وترك الميدان خالياً.
إن على الإخوة من باقي البلدان- والمتواجدين هنا- المرابطة في خنادقهم، ومواصلة التحصيل العلمي، وتهذيب النفس، وحتى لو ذهب المراجع من هنا، وذهبت أنا- باعتباري أحد الطلبة- فإن على سائر الاخوة البقاء هنا، وأداء مسؤولياتهم.
طبيعي أن ذهابي يتم بناءاً على مصالح لعلها تخفى على الكثيرين، إلا أنه ينبغي على بقية الاخوة البقاء، وعدم إخلاء مواقعهم. فقد رأينا كيف اضطربت الحوزة العلمية في قم أيما اضطراب قبل مدة، ثم رأينا كيف استقامت الأمور لعدة معدودة ممن كانوا عرضة للاضطهاد والكبت والعناء دوماً، ولم يمر وقت طويل حتى عادت الامور الى نصابها، فهزم الظالم واصبحت الحوزة المضطربة في ذلك الوقت حوزة الخمسة أو الستة الآف نفر.
انتم غالبون ولستم مغلوبين، ولو طالعتم تاريخ الظلمة والظالمين في العالم، سترون أن الغلبة كانت للمظلومين دوماً، فمع القدرة والطغيان اللذين كان عليهما" معاوية" والنفوذ الذي كان يتمتع به، إلا أنه أضحى اليوم لا يعرف له حتى قبر في الشام نفسها التي كانت مركزاً لحكومته.
إن وضع أولئك الكسبة المساكين الذين عاشوا في العراق سنين طويلة يبعث على الأسف حقاً، فليس لهم ما يربطهم بإيران، لا أصدقاء ولا معارف ولا أقارب. وأنني آمل أن يحسن أبناء الشعب الايراني معاملتهم وضيافتهم، وإني لعلى ثقة من أن الشعب الايراني المسلم النبيل سيكون عطوفاً مع ضيوفه وإخوانه. فليأووا هؤلاء التعساء، وليوفروا لهم السكن والطعام والملبس، وليسدوا حاجاتهم، والأهم من ذلك كله، فليرشدوهم، فمنهم من لا يعرفون شيئاً عن أوضاع ايران.
وأنتم أيها الإخوة المحترمون العازمون على الذهاب الى ايران أبلغوا الاخوة من أبناء الشعب الايراني سلامي، وانقلوا لهم رجائي اياهم اللطف في معاملة الاخوة المهجرين من العراق الذين يناهز عددهم المائة ألف نسمة، والذين سيتوزعون على مختلف أنحاء ايران، ومساعدتهم.
والسلام
صحيفة الإمام، ج2، ص: 375-376
2011-03-08