مسجد قباء أول مسجد بني في الإسلام
أسبوع المسجد
من الملاحظ: أن أول عمل بدأ به صلى الله عليه واله في المدينة هو بناء المسجد. وهو عمل له دلالته وأهميته البالغة، وذلك لأن المسلمين كانوا فئتين: مهاجرين وأنصارا. وتختلف ظروف كل من الفئتين، وأوضاعها النفسية، والمعنوية، والمعيشية، وغير ذلك عن الفئة الأخرى.
عدد الزوار: 167
من الملاحظ: أن أول عمل بدأ به صلى الله عليه واله في المدينة هو بناء المسجد. وهو عمل له دلالته وأهميته البالغة، وذلك لأن المسلمين كانوا فئتين: مهاجرين وأنصارا. وتختلف ظروف كل من الفئتين، وأوضاعها النفسية، والمعنوية، والمعيشية، وغير ذلك عن الفئة الأخرى. والمهاجرون أيضا كانوا من قبائل شتّى، ومستويات مختلفة: فكريا، واجتماعيا، ماديا، ومعنويا، كما ويختلفون في طموحاتهم، وتطلعاتهم، وفي مشاعرهم، وفي علاقاتهم، ثم في نظرة الناس إليهم، ومواقفهم منهم، وتعاملهم معهم، إلى غير ذلك من وجوه التباين والاختلاف.
وقد ترك الجميع أوطانهم وأصبحوا بلا أموال، وبلا مسكن، إلى غير ذلك مما هو معلوم. وكذلك الأنصار، فأنهم أيضا كانوا فئتين متنافستين، لم تزل الحرب بينهما قائمة على ساق وقدم إلى عهد قريب. وقد أراد الاسلام أن ينصهر الجميع في بوتقة الاسلام ليصبحوا كالجسد الواحد، في توادهم وفي تراحمهم وتعاونهم، وغير ذلك، وأن تتوحد جهودهم وأهدافهم، وحركتهم، ومواقفهم، الأمر الذي يؤكد الحاجة إلى إعداد وتربية نفسية، وخلقية، وفكرية لكل هذه الفئات، لتستطيع أن تتعايش مع بعضها البعض، ولتكون في مستوى المسؤولية، التي يؤهلها لها في عملية بناء للمجتمع المتكافل المتماسك الذي هو نواة الأمة الواحدة التي لها رب واحد وهدف واحد، ومصير واحد. وليصبح هذا المجتمع قادرا على تحمل مسؤولية حماية الرسالة، والدفاع عنها، حينما يفرض عليه أن يواجه تحدي اليهود في المدينة، والعرب والمشركين، بل والعالم بأسره، لابد أن تنصهر كل الطاقات والقدرات الفكرية والمادية وغيرها لهذا المجتمع في سبيل خدمة الهدف الرسالة . والمسجد هو الذي يمكن فيه تحقيق كل ذلك، إذ لم يكن مجرد محل للعبادة فقط ولا غير. بل كان هو الوسيلة الفضلي للتثقيف الفكري، إن لم نقل: إنه لا يزال حتى الآن أفضل وسيلة لوحدة الثقافة والفكر والرأي، حينما يفترض فيها أن تكون من مصدر واحد، وتخدم هدفا واحدا في جميع مراحل الحياة، مع الشعور بالقدسية، والارتباط بالله تعالى.
وهكذا فإن ذلك من شأنه أن يبعد المجتمع المسلم عن الصراعات الفكرية، التي تنشأ عن عدم وجود وحدة موضوعية للثقافة التي يتلقاها أفراده كل على حدة، فتتخالف المفاهيم والأفكار والمستويات، وتزيد الفجوات إتساعا باستمرار، حتى يظهر نتيجة لذلك عدم الانسجام في وضوح الهدف، وفي المشاعر، وفي الاندفاع نحوه، مما يؤثر تأثيرا كبيرا على مسيرة الوصول إليه، والحصول عليه. وبهذا يتضح: أن المدرسة التي نعرفها اليوم إذا كانت لا تعطي إلا المفاهيم الجافة، والأفكار البعيدة عن واقع الانسان، والتي لا تنسجم مع احتياجاته، ولا مع تكوينه النفسي والفكري وغير ذلك، بالإضافة إلى عدم الشعور فيها بالله سبحانه وتعالى، أو الخضوع له. فإن هذه المدرسة لن تكون هي الوسيلة المنشودة، بل يكون المسجد هو الأفضل والأمثل حسبما أوضحناه، لا سيما وأنها لن تكون قادرة على ملء الفراغ العقائدي والفكري له، حيث يبقى عرضة للتيارات والأهواء، وفي متناول أيدي المتاجرين بالشعوب عن طريق وسائل الاعلام الهدامة التي يملكونها. فالنبي صلى الله عليه واله قد أسس المسجد ليكون بمثابة مركز للقيادة والريادة، ففيه كان صلى الله عليه واله يستقبل الوفود، ويبت في أمور الحرب والسلم، ويفصل الخصومات. وفيه كان يتم البحث عن كل ما يهم الدولة وشؤونها، والناس، ومعاملاتهم وارتباطاتهم، وليهب المسجد الناس نفحة روحية، وارتباطا بالله جل وعلا،وببعضهم البعض في كل مجالات الحياة، ومنطلقاتها، بعيدا عن النوازع الذاتية، وعن الحساسيات القبلية والعرقية، وعن تأثيرات الفوارق الاجتماعية، وفيه كان يجد الضيف قوته، والمهموم المغموم سلوته، والذي لا عشيرة له ينسى بل يجد فيه عشيرته، والمحروم من العطف والحنان يجد فيه من ذلك بغيته. والخلاصة، لقد كان المسجد موضع عبادة وتعلم وتفهم لما يفيد في أمور الدين والدنيا، وتربية نفسية وخلقية، ومحلا للبحث في كل المشاكل التي تهم الفرد والمجتمع، ومكانا مناسبا للتعارف والتآلف بين المسلمين إلى غير ذلك مما تقدم. ويجب ان يبقى المسجد كذللك في زماننا لأن الأهداف منه لا تنحصر في زمان دون أخر،ولبعد الناس عن المساجد نوعا ما وللأسف تسبب في عدم تنمية الثقافة الإسلامية بالشكل المطلوب في مجتمعاتنا،وفي بعد الناس بعضها عن بعض لذا علينا ان نقوّي ثقافتنا الإسلامية من خلال إحيائنا للمساجد بالحضور فيها للصلاة وسماع الوعظ والإرشاد،وانتخاب من ذوي الكفاءة الدينية ليكونوا أئمّة للمساجد1.
مسجد قباء وفضله
وبعد نزول رسول الله صلى الة عليه واله وسلم في قباء وخلال اقامته صلى الله عليه وآله وسلمفيها أسس مسجد قباء المعروف، ويبدو أن صاحب الفكرة، والمباشر أولا في وضع المسجد هو عمار بن ياسر ومسجد قباء هو المسجد الذي نزل فيه قوله تعالى: ﴿لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ﴾.و هو أول مسجد بني في الاسلام، ويبدو أن بعض النساء قد شاركن في بناء مسجد قباء، فعن ابن أبي أوفى لما توفيت امرأته جعل يقول: احملوها وارغبوا في حملها، فإنها كانت تحمل - ومواليها - بالليل حجارة المسجد الذي أسس على التقوى، وكنا نحمل بالنهار حجرين حجرين و قد ورد: أنه صلى الله عليه وآله وسلم قد أمر أبا بكر بان يركب الناقة، ويسير بها ليخط المسجد على ما تدور عليه، فلم تنبعث به، فأمر عمر فكذلك، فامر عليا، فانبعثت به، ودارت به، فأسس المسجد على حسب ما دارت عليه، وقال صلى الله عليه وآله وسلم : إنها مأمورة 2.
وعن رسول الله صلى الله عليه وآله : الصلاة في مسجد قباء كعمرة.وعنه صلى الله عليه وآله : من خرج حتى يأتي هذا المسجد - مسجد قباء - فصلى فيه كان له عدل عمرة.و عنه صلى الله عليه وآله : من توضأ فأسبغ الوضوء، ثم عمد إلى مسجد قباء لا يريد غيره ولم يحمله على الغدو إلا الصلاة في مسجد قباء فصلى فيه أربع ركعات يقرأ في كل ركعة بأم القرآن كان له مثل أجر المعتمر إلى بيت الله.
عن عقبة بن خالد: سألت أبا عبد الله عليه السلام : إنّا نأتي المساجد التي حول المدينة فبأيها أبدأ ؟ فقال: ابدأ بقباء فصلّ فيه وأكثر، فإنه أول مسجد صلّى فيه رسول الله صلى الله عليه وآله في هذه العرصة3.
1- الصحيح من سيرة النبي الأعظم /السيد جعفر مرتضى/ج4ص119
2- الصحيح من سيرة النبي الأعظم / السيد جعفر مرتضى/ج4ص229-231
3- الحج والعمرة في الكتاب والسنة /الشيخ محمد الريشهري /ص309