عشق الشهادة
الجهاد
عن الإمام زين العابدين عليه السلام:"ما من قطرة أحب إلى الله عز وجل من قطرتين:قطرة دم في سبيل الله وقطرة دمعة في سواد الليل لا يريد بها العبد إلا الله عز وجل".
عدد الزوار: 103
فضل الشهيد
عن الإمام زين العابدين عليه السلام:"ما من قطرة أحب إلى الله عز وجل من قطرتين:قطرة دم في سبيل الله وقطرة دمعة في سواد الليل لا يريد بها العبد إلا الله عز وجل".
إن قطرة الدماء تلك ربما تكون قطرة من جهة الحجم، ولكنها ليست كباقي القطرات، إنها تختصر كل شيء، إنها التوحيد الحقيقي الذي نطق به لسان العمل مع كل ما يتفرع عنه، هي إثبات الإخلاص حيث يرفع الإنسان يديه عن كل شيء ليتوجه نحو خالق كل شيء، هي تكبيرة الإحرام العملية التي يرفع فيها المؤمن يده تعبيراً عن نفض يديه من كل شيء، من الدنيا وما فيها من مال وجاه وفتن ويتوجه إلى الحق سبحانه وتعالى:﴿قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِين﴾1.
وقد ورد عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم:"فوق كل ذي بر بر حق يُقتل الرجل في سبيل الله".
لعل تلك القطرة حصلت في شهادة حصلت في لحظة من الزمن، ولكنها لحظة أشرف من سنين طويلة، وكأنها ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، تنزل فيها الملائكة لتبشر الشهيد وتحتضنه وترفعه إلى جوار الأنبياء والأولياء والشهداء، ترفعه إلى ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر!
لا تقولوا أمواتاً
يعلمنا الله سبحانه وتعالى كيف نتأدب أمام عظمة تلك الدماء، ففي الوقت الذي نجد فيه أن الموت حق وأنه أمر لا بد منه، وأنه أمر طبيعي لكل الناس وليس هو نقص، ﴿إنك ميت وإنهم ميتون﴾2، رغم ذلك كله نجده سبحانه وتعالى يأمرنا بالتأدب أمام عظمة الشهداء﴿وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أَمْوَات بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ﴾3.
ومن اللفظ يتعمق الفارق حتى يكون حاجزاً نفسياً وحالة معنوية خاصة تخيّم بظلالها على ذكر الشهداء والتعاطي معهم ﴿وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُون﴾4، في حالة ترقٍ قرآني من الحالة اللفظية إلى الحالة النفسية.
لقاء المحبوب
إن لقاء الله سبحانه وتعالى هي حلم الأنبياء وأمنية الأولياء والشهداء، كل أمر يصبح بمقارنتها أمراً تافهاً وصغيراً ولا قيمة له، هذه الأمنية هي من أهم الأمور التي يحصل عليها الشهيد بالإضافة إلى مجاورة الأنبياء والشهداء، لذلك نجد الآية الكريمة تؤكد على اللقاء الذي سيتفرع عنه كل رزق ونعمة ﴿فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْف عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُون﴾5.
العناية الإلهية
نعم، إن الشهيد من خاصة أولياء الله سبحانه وتعالى، ترافقه العناية الإلهية وتحيط به في كل المسيرة التي يطويها الإنسان في جميع مراحله:
1 -الشهيد في البرزخ:من المواطن الصعبة التي تنتظر الإنسان سؤال القبر، أو كما تعبّر عنه الروايات "فتنة القبر" حيث يأتي الملكان الشديدان ليسألا الإنسان عن ربه ودينه..قد يتصور البعض أن الجواب سهل، فما أسهل أن تقول "الله ربي والإسلام ديني..".ولكن الحقيقة على خلاف ذلك، لأن عليه أن يجيب بلسان الصدق، حيث لا خداع ولا كذب في هذا اليوم العصيب.والصادق تطابق أقواله أعماله، لذلك سيكون الجواب صعباً جداً!هل كان محور حياته الله تعالى، هل كان خطه في هذه الدنيا ما رسمه الإسلام والحكم الشرعي؟ أم أن محور حياته كان الدنيا والأهواء ﴿أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاه﴾6.
في هذا اليوم الذي يقف فيه الإنسان خائفاً ذليلاً ينتظر من يعينه وينطِق لسان الصدق فيه، أمام هول عذاب القبر الذي بدأ يقرع بابه، يكون فم الشهيد الصادق جراحه المفتوحة التي تشهد له بالعبودية والإخلاص!
هذا الفم الذي لا يحتاج إلى النطق أصلاً، لأن الملائكة تستحي من سؤال الشهيد!نعم إنها تستحي حتى من سؤاله!
فعن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم:"من لقي العدو فصبر حتى يُقتل أو يغلب لم يفتن 7 في قبره".
ولما سُئل عن ذلك قال صلى الله عليه وآله وسلم :"كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة".
2 -الشهيد في الحساب:الحساب هو ذلك الموقف الصعب الذي يقف فيه الإنسان ليسأل عن كل كبيرة وصغيرة ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾8.
وهو من الأيام العصيبة والطويلة والشاقة حتى يقول فيه البعض "يا ليتني كنت تراباً"9 في هذا اليوم الذي تشخص في الأبصار وترى الناس سكارى، وتذهل كل مرضعة عما أرضعت، وتضع كل ذات حمل حملها إنه موقف مخيف وصعب جداً للناس.
ولكن هناك أشخاص استثنائيون لهم وضعهم الخاص في كل شيء حتى في هذا اليوم الصعب.لا يمسهم من هذا اليوم سوء لا تعب! إنهم الشهداء، فهم الذين تذلل دماؤهم الصعاب ويمرون دون حساب!فهنيئاً لهم!
وقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام:"من قتل في سبيل الله لم يعرفه الله شيئاً من سيئاته".
3-مقام الشهيد في الجنة:في رواية عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم:"ما من أحد يدخل الجنة يحب أن يرجع إلى الدنيا، وأن له ما على الأرض من شيء10، غير الشهيد، فإنه يتمنى أن يرجع فيُقتل عشر مرات، لما يرى من الكرامة".
وتتحدث الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الشهادة وبركاتها على الإنسان:"للشهيد سبع خصال من الله:أول قطرة من دمه مغفور له كل ذنب، والثانية يقع رأسه في حجر زوجتيه من الحور العين، وتمسحان الغبار عن وجهه، وتقولان:مرحباً بك، ويقول هو مثل ذلك لهما، والثالثة يكسى من كسوة الجنّة، والرابعة تبتدره خزنة الجنّة بكل ريحٍ طيبة أيّهم يأخذه معه، والخامسة أن يرى منزله، والسادسة أن يقال لروحه:اسرح في الجنّة حيث شئت، والسابعة أن ينظر في وجه الله وإنّها لراحة لكل نبي وشهيد".
كيف نكون أهلاً للشهادة
هناك صفات يجب أن يتحلى بها الإنسان حتى يكون مستعداً للفيض الإلهي ومستحقاً لمنصب الشهادة، وتتلخص بالتالي:
1-هدف الشهيد:من المعروف في الإسلام أن النية هي أساس العمل "إنما الأعمال بالنيات"، فمن الطبيعي أن يكون أول أمر يجب توفره هو خلوص النية لله سبحانه وتعالى.
هذا الإخلاص الذي يجب أن يتعمق حتى يصل إلى مرحة العشق!فالإخلاص المطلوب ليس مجرد كلمة تقال على اللسان او اعتقاد يتصوره العقل، وإنما المطلوب أن تصبح كل خفقة في قلبه تسبح الله سبحانه وتعالى وتهتف باسمه، حتى يصير المرء عاشقاً لله سبحانه وتعالى، لا يعرف قلبه سواه.
ويشير الإمام الخميني قدس سره إلى هذه الحالة قائلاً: "ما أشد غفلة عبيد الدنيا الأغبياء، الذين يبحثون عن معنى الشهادة في صحف الطبيعة، ويفتشون عن أوصافها في الاناشيد والملاحم والاشعار، ويجنّدون فنّ التخيّل وكتاب التعقل لكشفها. هيهات وأنّى لهم ذلك، فلا حلّ لهذا اللغز إلا بالعشق".
2 -حب لقاء الله وتمني الشهادة:إن من صفات المتقين التي أكدت عليها الروايات وذكرها أمير المؤمنين عليه السلام في خطبة المتقين، حب لقاء الله حتى كادت ارواحهم تخرج من أجسادهم:"ولولا الأجل الذي كتب لهم، لم تستقر أرواحهم في أجسادهم طرفة عين شوقاً إلى الثواب وخوفاً من العقاب".
ولذلك فإن تمني الشهادة هو تمني لقاء الله تعالى على أفضل وجه يحبه ويرضاه، وهذا ما يتمناه أولياء الله على الدوام.
وقد ورد في رواية عن أمير المؤمنين عليه السلام:"قلت:يا رسول الله، أوليس قد قلت لي يوم أحد حيث استشهد من استشهد من المسلمين، وحِيزت عني الشهادة، فشق ذلك عليّ فقلت لي:أبشر فإن الشهادة من ورائك؟ فقال لي:إن ذلك لكذلك، فكيف صبرك إذاً؟ فقلت:يا رسول الله ليس هذا من مواطن الصبر ولكن من مواطن البشرى والشكر!".
وعنه عليه السلام:"فو الله إني لعلى الحق، وإني للشهادة لمحب".
3-الزهد بالدنيا:قيمة الدنيا أنها مزرعة الآخرة ومسجد أولياء الله، وطريق الوصول إلى ساحة رضاه، فلو قطعناها عن كل ذلك ونظرنا إليها نظرة مادية، فلن يكون لها أي قيمة على الإطلاق، كما أخبر عنها أمير المؤمنين عليه السلام في كلام له:"كأنهم لم يسمعوا كلام الله حيث يقول:﴿تلك الدار الآخر نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين﴾11 بلى والله لقد سمعوها ووعوها، ولكنهم حليت الدنيا في أعينهم وراقهم زبرجها. أما والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة لولا حضور الحاضر وقيام الحجة بوجود الناصر، وما أخذ الله على العلماء أن لا يقاروا على كظة ظالم ولا سغب مظلوم لألقيت حبلها على غاربها ولسقيت آخرها بكأس أولها، ولألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز12"13.
هكذا يجب أن يكون المجاهد في سبيل الله، زاهداً بالدنيا عارفاً بمقام الشهادة ﴿وَلَئِن قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَة مِّنَ اللّهِ وَرَحْمَة خَيْر مِّمَّا يَجْمَعُونَ﴾14.
4 -الارتباط بمدرسة عاشوراء:يقول الإمام الخميني قدس سره "منهاج الشهادة القاني، منهاج آل محمد وعلي، ولقد انتقل هذا الفخر من آل بيت النبوة والولاية إلى ذراريهم وأتباع منهاجهم"15.
الشهيد الحي
هناك بعض المجاهدين ممن قضى عمره في الجهاد وطلب الشهادة، لكنه لم يوفق لها، ولم تكن من نصيبه! فهل هو محروم من الشهادة؟
يجيب عن ذلك الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :"من سأل الله الشهادة بصدق، بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه".
وفي رواية أخرى عنه صلى الله عليه وآله وسلم:"من طلب الشهادة صادقاً أعطيها ولو لم تصبه".
إذاً فلتكن مع الشهداء وفي خطهم واحمل بين جنبيك روحيتهم، فستكون شهيداً ولو مت على فراشك.
*عشق الشهادة-كتاب طريق النصر-الأنشطة الصيفية,نشر جمعية المعارف الاسلامية.
1-الأنعام:162.
2-الزمر:30.
3-البقرة:154.
4-آل عمران:169.
5-آل عمران: 170.
6-الفرقان: 43.
7-أي أنه لم يُسأل سؤال القبر.
8-الزلزلة: 7 8.
9-النبأ، الآية: 40.
10-يعني لا يحب الرجوع ولو أعطي كل ما على الأرض.
11-القصص:83.
12-عفطة العنز:ما تنثره من أنفها.
13-نهج البلاغة، ج1، ص36، من الخطبة رقم 3 المعروفة بالخطبة الشقشقية.
14-آل عمران: 157.
15-صحيفة نور، جزء 15، صفحة 154.