المؤمن وفريضة الجهاد العظيمة
الجهاد
تميل غريزة الإنسان نحو الراحة والدِعة، وتكره كلّ ما يسلب منها الراحة ويورث العناء، وتبتعد تلقائيّاً عن الأمور الممزوجة بالمخاطر.
عدد الزوار: 442تميل غريزة الإنسان نحو الراحة والدِعة، وتكره كلّ ما يسلب منها الراحة ويورث العناء، وتبتعد تلقائيّاً عن الأمور الممزوجة بالمخاطر.
وإنّ أحكام الشريعة تضبط هذه الغرائز بما يتلاءم مع مصلحة الفرد والمجتمع على حدّ سواء.
ومن هنا كان تشريع الجهاد بما فيه من الآثار الهامّة، يقول الله تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾[1].
ويشير القرآن الكريم إلى أمثلة كثيرة لتخلّف الناس الجهاد والدفاع عن الأرض والعرض والكرامة، ففي سيرة بني إسرائيل أنّهم، وبعد النبي موسى عليه السلام، تخلّفوا عن الالتزام بهذا الواجب المقدّس، إلّا قليلاً منهم، يقول -تعالى-: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُواْ لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلاَّ تُقَاتِلُواْ قَالُواْ وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَآئِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْاْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ﴾[2].
فضل الجهاد
تشير الكثير من الآيات القرآنيّة والروايات الشريفة إلى فضل الجهاد في سبيل الله تعالى، وتفضيل الإنسان المجاهد على القاعد عن القيام بواجبه في الدفاع عن أمّته ووطنه، يقول الله تعالى: ﴿لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا﴾[3].
وتشير بعض الروايات إلى المكانة المرموقة التي يحتلّها الجهاد في سبيل الله بين العبادات، فعن الإمام أبي جعفر عليه السلام، قال: "ألا أخبرك بالإسلام، أصله وفرعه وذروة سنامه"[4]؟ قلت: بلى، جُعِلت فداك! قال: "أمّا أصله فالصلاة، وفرعه الزكاة، وذروة سنامه الجهاد"[5].
يقول الشيخ الكلينيّ رحمه الله، تعليقًا على هذه الرواية: "الجهاد ذروة سنامه، لأنّه سبب لعلوّ الإسلام"[6].
وفي رواية أخرى عن الإمام الصادق عليه السلام، قال:
"أتى رجلٌ رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله، إنّي راغب في الجهاد نشيط قال: فقال له النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: فجاهد في سبيل الله، فإنّك إن تُقتَل تكنْ حيّاً عند الله تُرزق، وإنْ تمُت فقد وقع أجرك على الله، وإنْ رجعت رجعت من الذنوب كما وُلدت"[7].
وللمجاهدين في سبيل الله تعالى مراتب عالية من الكرامة في الآخرة، منها ما أشار إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ جبرائيل أخبرني بأمر قرَّت به عيني وفرِح به قلبي، قال: يا محمّد، من غزا غزاة في سبيل الله من أمّتك، فما أصابه قطرة من السماء أو صداع، إلّا كانت له شهادة يوم القيامة"[8].
ذلك الدّين القيِّم، دار المعارف الإسلامية الثقافية
[1] سورة البقرة، الآية 216.
[2] سورة البقرة، الآية 246.
[3] سورة النساء، الآية 95.
[4] السنام هو المكان المرتفع في ظهر الجمل، وهي أعلى نقطة في الظهر، والتشبيه بالسنام في الرواية بل وذروة السنام، واضح في تبيان مكانة الجهاد في رأس هرم الشريعة.
[5] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص 23 - 24.
[6] المصدر نفسه، ج2، ص 25.
[7] المصدر نفسه، ج2، ص 160.
[8] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص 8.