يتم التحميل...

الشيخ المفيد رضوان الله عليه

الشيخ المفيد(رض)

الحمد الله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وأعزّ المرسلين، حبيب قلوبنا وشفيع ذنوبنا أبي القاسم محمد بن عبد الله وعلى أهل بيته مصابيح الدُجى، لا سيّما بقيّة الله في الأرض روحي وروح مَن سواه لتراب مقدمه الفداء.

عدد الزوار: 262

الحمد الله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وأعزّ المرسلين، حبيب قلوبنا وشفيع ذنوبنا أبي القاسم محمد بن عبد الله وعلى أهل بيته مصابيح الدُجى، لا سيّما بقيّة الله في الأرض روحي وروح مَن سواه لتراب مقدمه الفداء.

مُقدمة

جاء عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أنه قال: العلماء ورثة الأنبياء. وعن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: إذا كان يوم القيامة جمع الله ـ عزّ وجل ـ الناس في صعيد واحد، ووُضعت الموازيين، فتوزن دماء الشهداء مع مداد العُلماء، فيرجح مداد العلماء على دماء الشهداء. هكذا وصف الإسلام العلماء، وهذه هي منزلتهم، وليس كل مَن تحدّث أودوّن يعتبر عالم، بل العالم من نهل من عيون العِلم الصافية، وظهر نوره على لسانه وقلمه، وكان له الأثر على الأجيال.

الأئمة والأنبياء عليهم السلام وأمناؤهم هم فخر ومجد الأمة، والشيخ المفيد رضوان الله تعالى عليه هو أحد أعلام هذه الأمة، وعلمائها الأمجاد، هذا الشيخ العالم، المجتهد، والمؤرخ، والمتكلم، والمناضل، والمجاهد، الذي أفنى عمره في خدمة الإسلام، ودفع بالإنسانية والفضيلة حيث القمة والمجد، والذروة، هذا الشيخ الذي لم يكن في قاموسه للجبن، والخوف، والضعف، والتعب، من مفهوم أو معنى. كان يشق طريقه إلى الحق ويستعد لمقاومة الباطل، ومقارعة الجهل.

هذا هو معلم الشيعة وفقيهها وزعيمهم، الشيخ المفيد، فحريّ بالأمة أن تجعل منه علَماً شامخاً تنتفع من عِلمه، وتفتخر به على مدى الأزمان والعصور. من هذا المنطلق نكتب هذه الكلمات والسطور ؛ لنتعرف بها على هذا العالم الجليل، علّنا نزداد علماً وإقبالاً على تراثه.

اسمه
الشيخ أبو عبد الله محمد بن النعمان بن سعيد بن جبير بن وهب، ويصل نسبه إلى يعرب بن قحطا بن عابر ويعرف بابن المعلِّم.

ولادته
ولد الشيخ المفيد سنة ثمان وثلاثين وثلاث مئة من الهجرة النبوية الشريفة في بلدة عكبرى.

ألقابه
إنّ ألقاب الشيخ المفيد بعضها نسبي وبعضها علمي، فقد اشتهر بالعكبري والبغدادي والحارثي، ولكن الشهرة العلمية له هي المفيد.

مَن لقّبه بالمفيد ؟

بالنسبة لتلقيبه بالمفيد، فقد وقعت حادثة علمية كانت هي السبب في تسميته بالمفيد، وهاك الحادثة: كان الشيخ محمد بن النعمان رحمه الله من أهل عكبرى، بمنطقة تعرف بسويقة ابن البصري، وانحدر مع أبيه إلى بغداد، وبدأ بقراءة العِلم على يدي أبي عبد الله المعروف بالجعل، بدرب رياح، ثمّ قرأ من بعده على أبي ياسر غلام أبي الجيش، فقال له أبو ياسر: لِمَ لا تقرأ على علي بن عيسى الرماني الكلام وتستفيد منه ؟، فقال: لا أعرفه ولا لي به أُنس، فأرسِل معي مَن يدلّني عليه، قال: فَفَعلَ ذلك، وأرسلَ معي مَن أوصلني إليه.

فقال المفيد: دخلت عليه والمجلس غاصّ بأهله، وقعدتُ حيث انتهى بي المجلس، وكلّما خفّ الناس قربت منه، فدخل إليه داخلٌ فقال: بالباب رجل يُؤثر الحضور بمجلسك، وهو من أهل البصرة، فقال: أهو من أهل العلم ؟ فقال الغلام: لا أعلم، إنه يؤثر الحضور بمجلسك. فأَذِنَ له، فدخل عليه فأكرمه، وطال الحديث بينهما، فقال الرجل لعلي بن عيسى: ما تقول في يوم الغدير، والغار ؟ فقال: أمّا خبر الغار فدراية، وأمّا خبر الغدير فرواية، والرواية لا توجب ما توجب الدراية.

قال: فانصرف البصري ولم يحِر جواباً يورد إليه، فقال المفيد رحمه الله ، فتقدمت وقلت: أيها الشيخ مسألة، فقال: هاتِ مسألتك، فقلت: ما تقول فيمَن قاتل الإمام العادل ؟ فقال: يكون كافراً، ثمّ استدرك، فقال: فاسق، فقلت ما تقول في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ؟ فقال: إمام، فقلت: فما تقول في يوم الجَمل، وطرحة والزبير ؟ فقال: تابا، فقلت: أمّا خبر الجَمل فدراية، وأمّا خبر التوبة فرواية.

فقال لي: أكنت حاضراً وقد سألني البصري ؟ فقلت: نعم، قال: رواية برواية ودراية بدراية.

قال: بمَن تُعرف، وعلى مَن تقرأ ؟

قلت: أُعرف بابن المعلّم، وأقرأ على الشيخ أبي عبد الله الجعل، فقال: موضعك ؟ ودخل منزله، وخرج ومعه رقعة قد كتبها وألصقها، وقال لي: أوصل هذه الرقعة إلى أبي عبد الله.

فجئت بها إليه، فقرأها ولم يزل يضحك هو ونفسه، ثمّ قال لي: أيّ شيء جرى لك في مجلسه، فقد أوصاني بك ولقّبك بالمفيد.
ومن هنا تلقّب بالمفيد، وأصبح لقباً خالصاً يُعرف به مدى الأزمان وإن تلّقب به بعض العلماء بعده.

وقد ذكر صاحب كتاب معالم العلماء أنّ صاحب الزمان عجّل الله تعالى فرَجه الشريف لقّبه بالمفيد.

شخصية الشيخ المفيد رحمه الله

كانت شخصية الشيخ المفيد شخصية فذّةً، تتحلى بأخلاق حسنة عالية وجليلة، وقد قال عنه أبو حيان التوحيدي في كتابه: الإمتاع والمؤانسة ج1 ص141: إنه كان حَسن اللسان والجدل، صبوراً على الخصم، كثير العلم،....
وكان الشيخ المفيد قوي النفس، كثير المعروف والصدقة، عظيم الخشوع، كثير الصلاة والصوم، كان يلبس الخشن من الثياب، وكان بارعاً في العلم وتعليمه.

وكان شيخ مشايخ الطائفة، ولسان الإمامية، ورأس الكلام والفقه والجدل، كان مُلمّاً بأغلب العلوم: أُصول، فقه، أخبار، رجال، قرآن، تفسير، نحو، وشعر...

إنّ الشيخ المفيد كان حليفاً للتوفيق والنجاح، أهلاً للتأييد والتسديد واللطف الخفي ؛ لذلك نجد أنّ الإمام الحجة المنتظر عجّل الله تعالى فرَجه الشريف قد اهتم به، ووصفه بأوصاف جميلة، فقد خاطبه بالأخ السديد، والولي الرشيد، الشيخ المفيد أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان أدام الله إعزازه 3 . كما أنّه عليه السلام بعث إليه بثلاث رسائل.

أساتذته

تتلمذ الشيخ المفيد على يدي فحول العلم والفقه، وفطاحل أُصول الدين، وعمالقة الكلام والحكمة، وأساطين البلاغة والمنطق، واستوعب الشيخ المفيد ذلك من أهله، ووفقه الله تعالى لذلك.

إنّ مشايخ الشيخ المفيد أكثر من خمسين فقيهاً وعالماً، منهم:
1 ـ الشيخ أبو عبد الله الحسين بن علي بن إبراهيم البصري.
2 ـ الشيخ علي بن عيسى الرماني.
3 ـ أبو عبد الله أحمد بن إبراهيم بن أبي رافع بن عبيد بن عازب الأنصاري الصيمري.
4 ـ أبو الحسين أحمد بن الحسين أُسامة البصري.
5 ـ إسماعيل بن محمد الأنباري.
6 ـ أبو الحسن علي بن خالد المراغي القلانيسي.
7 ـ أبو القاسم علي بن محمد الرفاء.
8 ـ محمد بن سهل بن احمد الديباجي.
9 ـ أبو الحسين محمد بن المظفر الورّاق.
10 ـ أبو حفص محمد بن عمر بن علي الصيرفي المعروف بابن الزيّات.
11 ـ أبو القاسم جعفر بن محمد بن قولويه القمّي 1.

تلامذته

أمّا تلامذته، فيكفي أن نذكر منهم:
1 ـ الشيخ محمد بن الحسن الطوسي رحمه الله ، وقد تتلمذ عنده خمس سنين.
2 ـ النجاشي، الذي قال في الشيخ المفيد رحمه الله : شيخنا وأُستاذنا.
3 ـ الشريف المرتضى، وقد رثاه بعد وفاته بقصيدة عظيمة.
4 ـ الكراجكي، وقد ذكر فضل أستاذه وشرفه على جميع أقرانه.

كتبه

بلغت مؤلفات الشيخ المفيد رحمه الله ما يقرب من مئتي كتاب ومُصنَّف، صغير وكبير، منها:

المُقنعة، كتاب الأركان في الفقه، كتاب الإرشاد، والإيضاح، والمنير، والمسائل الصاغانيّة، والفصول من العيون والمحاسن، وغيرها...

وفاته
عاش الشيخ المفيد رحمه الله سبعاً وسبعين سنة. كانت ولادته يوم الحادي عشر من ذي القعدة، سنة ست وثلاثين وثلاث مئة، وتوفي ليلة الجمعة لثلاث خلون من شهر رمضان سنة ثلاث عشرة وأربع مئة.

بعد أن أُجريت مراسيم التجهيز على جثمانه الطاهر، جيء به إلى ميدان الاشنان في بغداد، فضاق على الناس مع كُبْره، وصلّى عليه تلميذه الشريف المرتضى عَلَم الهدى، ودُفن في داره سنين، ثمّ نُقل جثمانه الكريم إلى مقابر قريش، إلى جانب قبر شيخه وأُستاذه، أبى القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه القمّي، الواقع في روضة الإمام الجواد، من جانب رِجْلَي الإمام عليه السلام ، وقبره مشهور معروف.

وتبارى أئمّة الأدب على رثائه وندبه، ولعلّ أوّل من رثاه هو الإمام صاحب العصر عجّل الله تعالى فرجه الشريف ، فقد ذكر جماعة من العلماء، ومنهم الفقيه الأصولي الميرزا السيّد محمد مهدي ابن السيد أبو القاسم الموسوي الشهرستاني في إجازته للسيد ميرزا محمد مهدي ابن السيد محمد تقي الطباطبائي التبريزي: أنّ الشيخ المفيد رثاه صاحب العصر عجّل الله تعالى فرجه الشريف حيث وُجد على قبره:

لا صَـوّتَ الـنـاعـي بفقدكَ إنّه           يـومٌ عـلـى آلِ الـرسولِ عظيمُ
إنْ كُـنتَ قدْ غُيّبتَ في جدَث الثرى      فـالـعـدلُ والـتـوحيدُ فيكَ مُقيمُ
والـقـائـمُ الـمـهديُّ يَفرحُ كُلّما           تُليَتْ عليكَ مِن الدروس علومُ


خاتمة

وأخيراً، فما أحرانا أن نهتم بعلوم هذا العالم الجليل، فندرس منها. نرفع من اسم هذا الرجل الكبير علَماً شامخاً ننتفع به، ونفخر به بين الأمم ؛ لأنّه يستحقّ ذلك، ولأنه أعطى الأُمة الإسلامية عِلماً ومعرفة لا مثيل لهما، وإننا لنرجو أن نكون قد أرضينا الله عزّ وجلّ بذلك، وأدّينا بعض الحق لهذا الشيخ الإمام الهُمام، والذي يُعتبر الممهّد الأوّل لأُصول هذا المذهب بكل مجالاته واهتماماته، فسلام عليه يوم ولد ويوم مات ويوم يبعث حيّاً.


1- مصطفى ظنيط، طالب في حوزة الإمام المنتظر عليه السلام.

2012-09-25