كيف يعين الولي؟ 1
أبحاث في الولاية
محل هذا السؤال ما لو تعدد الفقهاء الكفوؤن، لأنه لو لم يكن لدينا غير فقيه واحد توفرت فيه الشرائط المعتبرة ينتفي السؤال.وهنا نستحضر صورتين يمكن استخلاصهما مما تقدم.الصورة الأولى: أن نكون من القائلين بضرورة أن يكون الولي هو الأفضل من الجميع من حيث مجموع الصفات.
عدد الزوار: 100
تمهيد
محل هذا السؤال ما لو تعدد الفقهاء الكفوؤن، لأنه لو لم يكن لدينا غير فقيه واحد توفرت فيه الشرائط المعتبرة ينتفي السؤال.وهنا نستحضر صورتين يمكن استخلاصهما مما تقدم
الصورة الأولى: أن نكون من القائلين بضرورة أن يكون الولي هو الأفضل من الجميع من حيث مجموع الصفات، مع الترجيح بالصفات الأهم عندما يكون أحدهم أفضل في صفة، والآخر أفضل في صفة أخرى.
والجواب في هذه الصورة واضح، وهو أن الولاية لخصوص الأفضل من بين الموجودين أو المتصدين لا لجميع الفقهاء، وعادة يكون الأفضل شخصاً واحداً. وهذا الواحد يكون هو الولي الواقعي سواء عرفناه أم لم نعرفه، غايته أن علينا العمل على معرفته، ويكون دور الناس البحث عنه وبذل أكبر جهد ممكن للوصول إليه.
الصورة الثانية: أن نكون من القائلين بعدم اشتراط ذلك، أو نكون من القائلين بالشرط المذكور لكن صادف أن مجموعة من الفقهاء متساوون في الصفات والشروط المعتبرة في الولي، بحيث لم يكن أحدهم أفضل من غيره، أو كان لكن لم يكن بالإمكان معرفته لتقاربهم من حيث الصفات أو لأي سبب آخر.
وفي هذه الصورة افتراضان
الإفتراض الأول: أن نفترض إجتماع هذه المجموعة وإتفاقها أو إمكانية الإتفاق فيما بينهم على طريقة واحدة في إدارة شؤون الأمة وقيادتها، وفي هذه الحال لا يترتب على تعدد الفقهاء أي مشكلة، وليس هناك مانع شرعي أو عقلي من ان يتولى الحكم مجلس فقهاء عدول كفوئين جامعين للشرائط، وهذا الحل وإن كان يشكل أفضل الحلول، لكن الشأن في إمكانية تحقيقه مما يجعله أمراً غير واقعي رغم أفضليته.
الإفتراض الثاني: أن نفترض الإختلاف فيما بينهم كما هو المتوقع.
وفي هذا الفرض يفرض السؤال المتقدم نفسه، فهل كل فقيه يكون ولياً أم لا بد من اختيار واحد؟ وعلى التقدير الثاني فما هي المرجحات التي يجب ملاحظتها في تمييزه عن غيره ليكون هو الولي دون غيره، وهل يمكن ان يكون رأي الناس واختيارهم من المرجحات؟.
ومن البديهي أنه لا يمكن القبول بكون جميع الفقهاء ولاة فعليين للأمة بأن يكون كل منهم ولياً مستقلاً عن الآخر لما يترتب عليه من لوازم فاسدة من ضياع الأمة واختلال النظام والهرج والمرج، ولذا سنكون مضطرين جميعاً بمن فينا هؤلاء الفقهاء إلى إيجاد حل تتركز على أساسه الولاية والخروج من حالة التعدد إلى حالة يحصل فيها التوحد والنظم بما تستقيم معه الأمور وتتحقق الأهداف.
ولن تحل المشكلة إلا من خلال سبيل عقلائي وشرعي يمكن من خلال سلوكه التوصل إلى حل يتناسب مع المبادئ والأهداف، وهنا قد تطرح نظريات متعددة في سبيل حل هذه المشكلة نستعرضها في هذا الدرس وما يتلوه.
نظرية التصدي
إن أول ما يتبادر إلى الأذهان عادة عند طرح السؤال السابق، هو أن الحل يرتكز على أن تكون الأولوية في الولاية والحكم لمن يسبق غيره في التصدي للحكم، فلا يجوز لغيره مزاحمته في هذا الدور.
مناقشة النظرية
ولكننا بعد التأمل في هذه النظرية وفي الأدلة الشرعية، لم نجد ما يصلح أن يكون دليلاً على هذا القول، وكل الذي نعرفه أن النصوص دلت على أن مقام الولاية والحكومة مختص بالفقهاء العدول الكفوئين، أما أن التصدي يكفي لصيرورته ولي أمر بالفعل بحيث يكون تصديه مانعاً من تصدي الآخرين، فهذا ما لم تدل عليه الأدلة، لأن النصوص إن أعطت ولاية فعلية للفقهاء كلهم، فهذا يعني أن الجميع ولاة فعليين، وهذا باطل بالوجدان العقلائي وبحكم العقل الفطري السليم على ما تقدم، ووضوح هذا البطلان يشكل قرينة حالية متصلة على أن النصوص ليست في مقام بيان الوالي بالفعل، وأنها فقط في مقام بيان شأنية الولاية، وأن الوالي هو من العلماء ورواة الحديث والفقهاء، أما أي فقيه هو الولي بالفعل، فلا بد من ملاحظة أمور أخرى لذلك ولو بالإستعانة بالروايات أو المرتكزات الشرعية أو العقلائية الممضاة من قبل المعصومين عليهم السلام.
متى ينفع التصدي
نعم، إن تصدى الفقيه وسلم له الآخرون بقيادته، وتوفرت فيه الشروط، ولم يتصد غيره لهذا العمل، فإن هذا الفقيه يكون هو الولي الفعلي، لكن فعلية ولايته لم تنشأ من محض التصدي بل من مجموعة العوامل المذكورة.
وعلى هذا الأساس انطلق الإمام الخميني رحمهم الله. فقد رأى أن أحداً لم يتصد لهذا الهدف المهم، فشعر بالوجوب العيني يحيط به، وكان مستعداً للتنازل عن هذا التصدي لو تصدى من يراه أكفأ منه، لكن لم يتصد غيره، بل لم يوجد الأكفأ منه كما أثبتت الأيام ذلك، ولست أدري إن كان سيوجد.
متى لا ينفع التصدي ولماذا؟
لكن القاعدة تقول أن التصدي لوحده لا يكفي، فربما يتصدى من لا أهلية له تحقيقاً لمطامع شخصية، مما يفتح مجتمعنا أمام نزاعات جانبية لا يرضى عنها الله تعالى ورسوله وإمامنا الغائب عجل الله فرجه الشريف.
كما أن التصدي من قبيل فرض الذات على الأمة وكفاية التصدي لوحده ترتكز على أن يحرز الشخص بنفسه كفاءة نفسه فيتصدى، علماً أنه لم يكن إخبار الشخص عن نفسه وتزكيته لها يوماً، وسيلة شرعية للإعتماد عليه والتسليم له.
فلا بد من إضافة قيد أو قيود على التصدي، ليكون مؤثراً، وهو جملة الشروط المتقدمة في الوالي، وأن تحرز الأمة توفر الصفات فيه، ولولا ذلك لم يكن هناك سبيل لنلزم الناس بطاعة من تصدى، حتى وإن كان في الواقع أكفأ من غيره ما داموا لا يعرفونه.
رأي للسيد القائد المعظم آية الله العظمى السيد الخامنائي
وقد أشار السيد القائد دام ظله إلى أن مجرد التصدي لا يكفي، وذلك عندما أجاب عن بعض الأسئلة بقوله:"يجب على كل مكلف وإن كان فقيهاً أن يطيع الأوامر الحكومتية لولي أمر المسلمين، ولا يجوز لأحد أن يخالف من يتصدى لأمور الولاية بدعوى كونه أجدر، هذا إذا كان المتصدي لأمر الولاية فعلاً قد أخذ بأزمّتها من الطريق القانوني المعهود لذلك، وأما في غير هذه الصورة فالأمر يختلف".
ومراده من الطريق القانوني المعهود، طريق انتخابه من مجلس الخبراء.
* بحوث في ولاية الفقيهسلسلة المعارف الإسلامية،نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، ط3، 2007م، ص33-36