الولاية والمرجعية
أبحاث في الولاية
كان الإمام الخميني قدس سره يميل إلى اتحاد الولاية والمرجعية إذا أمكن، وكان يسعى إلى إضافة شرط جديد في المرجعية تصير بموجبه المرجعية متحدة مع الولاية، ولكن لم تأخذ هذه الأمور جديتها اللازمة أو لم تأخذ الوقت الكافي ليستقر عليها الرأي في الحوزات العلمية مما اضطره أخيرا إلى أن يعلن أنه قد يكون الولي غير مرجع.
عدد الزوار: 132
نظرية الوحدة
كان الإمام الخميني قدس سره يميل إلى اتحاد الولاية والمرجعية إذا أمكن، وكان يسعى إلى إضافة شرط جديد في المرجعية تصير بموجبه المرجعية متحدة مع الولاية، ولكن لم تأخذ هذه الأمور جديتها اللازمة أو لم تأخذ الوقت الكافي ليستقر عليها الرأي في الحوزات العلمية مما اضطره أخيرا إلى أن يعلن أنه قد يكون الولي غير مرجع، ومراده من ذلك التمييز بين الولاية والمرجعية بالمعنى المعروف والشروط المعهودة، لكن لا بمعنى أن الولي يجب أن لا يكون مرجعاً.
وهذه المحاولة نجد أمثالها عند كل من استشعر الربط بين المجتمع والمرجعية، بحيث لا تستقيم هذه العلاقة إن اقتصرنا في شروط المرجعية على الشروط المعروفة التي تحصر المرجعية في الشأن الفردي ولم نأخذ بعين الإعتبار أهلية المرجع لقيادة الأمة.
ومن هؤلاء الذين سعوا ذلك السعي الشهيد السعيد آية الله العظمى السيد محمد باقر الصدر قدس سره الذي كان يدعو بشكل جاد إلى تحقق هذه المحاولة، ولذا عندما وجد ضالته في الإمام الخميني قدس سره دعا الجميع لا لكي يتبعوا الإمام فقط، بل ليذوبوا فيه، الذي يعني الإنقياد المطلق لقيادة الإمام الخميني قدس سره. وقد طرح السيد الشهيد نفسه جندياً في هذا السبيل غير عابئ بالإعتبارات التي تحيط به لقناعته بأنه لا مرجعية أرشد من مرجعية الإمام الخميني رحمه الله.
لو تعدد المرجع والولي
ولا بد من استكمال البحث على ضوء الواقع القائم، حيث لا يلزم العلماء بتقليد الولي من حيث هو ولي وإن كان يجب تقليده أحيانا إن كان هو الأرجح بحسب مرجحات التقليد.
وفي هذه الحال يرد سؤال ملح يهم المكلفين عامة والذي يقلد غير الولي خاصة: هل هناك تعارض بين المرجعية والولاية؟ ويمكن التوسعة في الطرح إذ أن المكلف قد يكون مجتهداً وهذا، باتفاق الكل، عليه أن يقلد نفسه سواء قلنا بقيام الولاية والمرجعية في شخص واحد، أم لم نقل، فهل يجب عليه أن يكون تحت ولاية فقيه آخر أم لا؟.
وللإجابة عن التساؤلات السابقة نتحدث تارة في حكم المجتهد، وأخرى في حكم المقلد.
أما بالنسبة إلى المجتهد
فحيث أنه بحسب الفرض أحد أفراد الأمة الذين تولى أمرهم فقيه آخر، فإنه يجب عليه كفرد من أفرادها أن يضع نفسه بتصرف هذه الولاية والإلتزام بأحكامها، و،جرد أنه فقيه لا يكفي للتهرب من التزامات الولاية، وليس في هذا أي منقصة لشأنه ولا مذمة في حقه ولا استهتاراً بعلمه، بل هذا من شؤون الورع والدين والتقوى والحرص على مصلحة الإسلام والمسلمين ونحوها من الصفات التي يجب على كل مكلف أن يتحلى بها.
أما بالنسبة إلى المقلد
الذي يقلد شخصاً، بينما يكون الولي شخصاً آخر، فأيضاً يجب عليه أن يعمل في حياته الإجتماعية والسياسية وما يرتبط بشؤون الولاية بأمر الولي الفقيه، وليس له أن يتهرب من ذلك بحجة أنه لا يقلد ذلك الولي، كما لا يحق للفقيه المرجع غير الولي أن يتدخل في شؤون الناس بما يتعارض مع حكم الحاكم الولي الفقيه حتى وإن طولب بالتدخل من مقلديه، بعدما عرفت أن الفقيه نفسه ملزم بالعمل وفق حكم الحاكم الوالي.
وبوضوح أكثر نقول: إن الأدلة الدالة على ولاية الفقيه إما لفظية أو عقلية.
أما الأدلة اللفظية، فقد أعطت الولاية للفقيه، وقد تقدم معنا أن الولاية لا يمكن أن تكون لأكثر من واحد في دائرة اجتماعية واحدة، فكل مكلف في هذه الدائرة مكلف بالعمل وفق رأي الحاكم حسب ما دلت عليه هذه الأدلة اللفظية، فلو كان المكلف يقلد مرجعاً غير الولي، فليس لهذا المرجع حق الأمر والنهي في هذه الدائرة، وبالتالي لا يجوز له التدخل المباشر في حركة الناس، وإن كان يحق له أو يجب عليه أحياناً أن يقدم النصح والمشورة للفقيه الولي، لكن في النهاية الأمر والحكم الملزم والذي يجب العمل على وفقه هو أمر وحكم الفقيه الولي، فالمرجعية لوحدها لا تكفي مبررا لنقض حكم الحاكم، لا لنفس المرجع ولا بالنسبة لمقلديه ما دامت المرجعية شيء والولاية شيء آخر حسب الفرض، سواء كان الإختلاف بين المرجع والولي في الفتوى أم كان في التشخيص، كما أنه الحال كذلك في باب القضاء كما تقدم، بل لو كان الإختلاف في التشخيص فقط فالأمر أوضح، لأنه لا ولاية للمرجع في هذه الحال بل الولاية للفقيه الولي فقط فلا تصل النوبة للتعارض بينهما، فلو فرضنا أن المرجع والولي اتفقا في الفتوى واختلفا في التشخيص، فإن الذي يجب الأخذ بقوله هنا، هو من له ولاية التشخيص، وهو ولي الأمر، أما المرجعية فهي ولاية الفتوى فقط.
فالمشكلة لو كان هناك مشكلة يتأثر بها المكلف العادي منحصرة في مجالات الإختلاف في الفتوى، كما لو افترضنا أن الفقيه المرجع لا يرى الحرب بأي حال، بينما رأى الولي إمكانية إعلان الحرب في بعض الحالات، فإنه مع غض النظر عن التشخيص سيكون الإختلاف قائماً، لكن في هذه الحال حيث أن هذه الفتوى من مقدمات الولاية وإعمالها وقد دلت الأدلة اللفظية على وجوب طاعة الفقيه، يدل هذا على أن ولاية الفتوى لدى المرجع ساقطة في هذه الحال، إذ لا يوجد في الأدلة ما يسمح بترجيح الرأي الفقهي للمرجع غير الولي على الرأي الفقهي للولي، بل العكس هو الموجود وهو ما دل على لزوم طاعة الولي من الأدلة اللفظية.
ومثله لو كان الدليل عقلياً أي دليل الحسبة، فإنه بعد أن تيقنا بوجوب إطاعة الفقيه يكون هذا كافياً في تقديم رأي الفقيه الفقهي على رأي المرجع، لأن العقل يدرك بناءً على دليله، أن تقليد المرجع ينحصر مجاله بالأحكام التي لا تعارض ولاية الولي والحكومة العادلة.
نتيجة البحث
والنتيجة هي أنه لو جوّز البعض تقليد غير الولي كما هو عليه الحال في هذا العصر إلى أن يأتي العصر الذي تصحح فيه الأحوال وتتوحد فيه كلمة الحق حول وحدة الولاية والمرجعية، فإنه لا مجال لأن يجوّز أحد تقليد المرجع في الموارد التي تتعارض مع رأي الفقيه الولي والتي هي من شأن الولي والتي يؤدي التقليد فيها إلى عدم العمل برأي الفقيه الولي، لأن ذلك مخالف للأدلة المشار إليها سابقا الدالة على أن ولاية الإفتاء بغرض العمل المرتبط بالشأن العام منحصرة بالفقيه الولي، علماً أن الغالب هو التوافق بين العلماء الأعلام على المستوى الفقهي في الفتاوى المتعلقة بالموارد الإجتماعية والسياسة إلا ما ندر، أما التشخيص وإصدار الأحكام التي تحتاجها الأمة فليس من شأن المرجع على الإطلاق ما لم يكن هو الولي.
* بحوث في ولاية الفقيه،سلسلة المعارف الإسلامية، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، ط3، 2007م، ص97-100