كيف أنجح في العمل؟
صدى الآيات
تشير الآية إلى أن لا يتصور أحد أنه إذا عمل عملاً، سواء في خلوته أو بين الناس في العلن، فإنه سيخفى على اللَّه سبحانه، ويبقى غائباً عن علمه، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين يعلمون به إضافة إلى علم اللَّه عزّ وجلّ. والالتفات إلى هذه الحقيقة والإيمان بها له أعمق الأثر في تطهير العمل وإنجاحه
عدد الزوار: 417
﴿وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ...﴾1.
في كنف الآية:
تشير الآية إلى أن لا يتصور أحد أنه إذا عمل عملاً، سواء في خلوته أو بين الناس في العلن، فإنه سيخفى على اللَّه سبحانه، ويبقى غائباً عن علمه، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين يعلمون به إضافة إلى علم اللَّه عزّ وجلّ. والالتفات إلى هذه الحقيقة والإيمان بها له أعمق الأثر في تطهير العمل وإنجاحه، لأن الإنسان عادة إذا أحسّ بأن أحداً ما يراقبه ويتابع حركاته وسكناته فإنه يحاول أن يتصرف تصرفاً لا نقص فيه ولا عيب حتى لا يؤاخذه عليه من يراقبه أو يتولى الاشراف عليه، وهذا الأمر متبع في الحياة ومعمول به في المؤسسات وقطاعات العمل على مستوى واسع في سائر دول العالم، فكيف إذا أحسّ وآمن بأن اللَّه ورسوله والمؤمنين يطلعون على أعماله، والمراد بالمؤمنين في الآية أوصياء النبي صلى الله عليه وسلم من بعده وليس جميع المؤمنين، عن الرضا عليه السلام، إن شخصاً قال له: ادع اللَّه لي ولأهل بيتي، فقال: أولست افعل؟ واللَّه إن أعمالكم لتعرض عليّ في كل يوم وليلة، يقول الراوي: فاستعظمت ذلك فقال لي: أما تقرأ كتاب اللَّه عزّ وجلّ: ﴿وقل اعملوا فسيرى اللَّه عملكم ورسوله والمؤمنون﴾ هو علي بن أبي طالب2.
والذي نودّ التعرف عليه في هذا الدرس هو كيف يكون عملنا ناجحاً وخالصاً وما هي شروط ذلك، ونحن نخضع لرقابة من اللَّه والنبي صلى الله عليه وسلم وأهل البيت عليه السلام. سوف يتضح الجواب من خلال بيان الأمور التالية:
الأمر الأول: الحسن في العمل
يقول تعالى: "إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا"3.
والمراد هنا الكيف لا الكم كما يوضح معنى الآية مولانا الصادق عليه السلام: ليس يعني أكثر عملاً، ولكن أصوبكم عملاً، وإنما الإصابة خشية اللَّه والنية الصادقة، ثم قال: "الابقاء على العمل حتى يخلص أشد من العمل والعمل الخالص الذي لا تريد أن يحمدك عليه أحد إلا اللَّه عزّ وجلّ"4.
الأمر الثاني: التقوى مع العمل
يوصي النبي صلى الله عليه وسلم أبا ذر قائلاً: "يا أبا ذر كن بالعمل بالتقوى أشدّ اهتماماً منك بالعمل، فإنه لا يقلّ عمل بالتقوى وكيف يقل عمل يتقبّل"5.
وإن قبول الأعمال مرهون بصدورها من المتقين حيث قال سبحانه: ﴿... إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾6.
الأمر الثالث: الدوام في العمل
يقول الصادق عليه السلام: "يا حمران.. واعلم أن العمل الدائم القليل على اليقين أفضل عند اللَّه عزّ وجلّ من العمل الكثير على غير يقين"7 والمراد هنا جوهر العمل مع المثابرة والاستمرار لأنه عليه السلام عبّر ب(على اليقين) وإلا قد يبتلى بعض الناس بالمداومة على أعمال معينة دون يقين وإنما لتعوّدهم عليها بحيث إذا تركوها استوحشوا فهي لا تقرّبهم زلفى بل يتحمّلون عناءها لا غير.
الأمر الرابع: السداد في العمل
عن النبي صلى الله عليه وسلم : "سلوا اللَّه السداد، وسلوه مع السداد، سداد العمل"8.
الأمر الخامس: الإحكام في العمل
كثيراً ما تضيع أعمالنا بسبب عدم الاهتمام والاحكام وإنما نقوم بها دون الاحاطة بالجوانب الضرورية فيها، ولا دراستها بالشكل الذي يجعلنا قادرين على إمساك زمامها، فإذا بها واهية غير مثمرة. في الحديث: "إني لأعلم أنه سيبلى ويصل البلى إليه، ولكن اللَّه يحب عبداً إذا عمل عملاً أحكمه"9.
الأمر السادس: البعث على العمل
يقول أمير المؤمنين عليه السلام: "أفضل الأعمال ما أكرهت نفسك عليه"10 حيث أن النفس كثيراً ما ترفض بعض الأعمال، للاعتقاد بعدم الأهلية والقدرة على القيام بها، أو للتسويف والتأجيل خاصة مع استحكام الكسل بالشخص أو استضعافه لنفسه بأوهام لا وجود لها في حياته، فالحل هو الحثّ والبعث واكراه النفس على الاقدام لا مطاوعتها والاحجام عن العمل وبالاقدام ينتفي الخوف كما روي عنه عليه السلام: "إذا هبت أمراً فقع فيه، فإن شدة توقيه أعظم مما تخاف منه"11.
الأمر السابع: إتمام العمل
قال عيسى بن مريم عليه السلام: "يا معشر الحواريين بحق أقول لكم، إن الناس يقولون لكم أن البناء بأساسه وأنا لا أقول لكم كذلك قالوا: فماذا تقول يا روح اللَّه؟ قال: بحق أقول لكم إن آخر حجر يضعه العامل هو الأساس". قال أبو فروة: إنما أراد خاتمة الأمر12.
الأمر الثامن: النظم في العمل
من وصايا أمير المؤمنين عليه السلام: "أوصيكما وجميع ولدي وأهلي ومن بلغه كتابي بتقوى اللَّه ونظم أمركم"13.
وهذا الشرط من أهم أسباب النجاح والفلاح على الصعيدين الفردي والاجتماعي وفي شؤون الدين والدنيا، وطالما كان العمل غير منتظم فإنه لا يؤمل منه خير على الاطلاق، ضرورة أن الإسلام يرفض العشوائية ويدعو إلى التخلص من الفوضى والغوغاء لأنه يحمل في تعاليمه السامية ومثله العليا أرقى مبادىء الحضارة والنظام والعدالة فدعوته إلى نظم الأمور شاملة وعامة إلى سائر الشؤون العبادية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية وغيرها.
بهذا نكون قدَّمنا لك أخي الكريم عوامل النجاح في العمل على ضوء الكتاب والسنّة المباركة. واتضح الجواب عن السؤال الذي طرحناه في عنوان الدرس.
*صدى الآيات، سلسلة الدروس الثقافية، إعداد ونشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، ط1، أيلول 2002م، ص85-91.
1- التوبة:105.
2- أصول الكافي، ج1، ص171، باب عرض الأعمال.
3- الكهف:7
4- الوافي ج1، ص73.
5- مكارم الأخلاق، 55.
6- المائدة:27
7- الاختصاص، ص222.
8- المستدرك، ج1، ص360.
9- أمالي الصدوق، ص344.
10- نهج البلاغة، 1196.
11- نهج البلاغة، 1169.
12- معاني الأخبار، ص331.
13- نهج ابلاغة، 977.